تتوالى الاتصالات المصرية مع أطراف عديدة لإيجاد صيغة ملائمة تتماشى مع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف حرب غزة من جانب شريطة أن لا يكون ذلك على حساب أمنها القومي مع تردد الحديث عن إدارة القطاع عبر لجنة تتواجد في مدينة العريش على الحدود مع قطاع غزة، في وقت تخشى فيه من أن ترفض حماس المقترح ليجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبررات لدفع الفلسطينيين نحو الحدود المصرية، وهو ما يجعل الموقف الرسمي بالغ التعقيد.
مستقبل القطاع بحاجة لترتيب الأوراق الفلسطينية
وقال مصدر أمني أن لقاءات عقدتها أجهزة مصرية مع حركة حماس وقطر والولايات المتحدة خلال الأيام الماضية لإدخال تعديلات على الخطة التي تقدم بها ترامب، وترى في موقف حماس الذي لم يبدي انفتاحاً كاملاً على المبادرة ولم يرفضها بشكل كلي مدخلاً للضغط نحو تعديل الخطة، مشيراً إلى أن القاهرة ليس لديها مانع في أن يكون أي من رجال الأعمال المصريين شريكاً مع أطراف أخرى في إدارة ملف الإعمار لكن تشترط أن يكون ذلك تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
وأضاف المصدر ذاته، أن مصر لن تشارك أيضاً في نزع سلاح حركة حماس وترى أنه يجب على الفلسطينيين حسم هذا الأمر بالتوافق الداخلي فيما بينهم، وإن كان هناك رؤية تقوم على أن الوضع المستقبلي للقطاع بحاجة لإعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية بشكل كامل مع إدخال تعديلات على مسألة امتلاك سلاح بيد الفصائل، وتفضل أن يكون هناك سلطة فلسطينية وأجهزة أمن مدربة كخطوة أولى يمكن استكمالها مع الوصول لمرحلة إقامة الدولة الفلسطينية.
وأشار المصدر ذاته، إلى أن مصر سيكون لديها دور محوري في إعادة إعمار القطاع أو المساهمة في القوات الدولية الموجودة وفق الخطة الأمريكية شريطة أن يكون ذلك في إطار وجود لجنة فلسطينية من التكنوقراط تدير القطاع، وترى بأنها يمكن أن تلعب أدوار وساطة بين الفصائل الفلسطينية وتنسق العمل فيما بينها لإدارة القطاع على أن يكون موجود في المقابل هيئة دولية يقوم دورها الرئيسي على إعادة الإعمار وليس إخضاع القطاع لسلطتها.
وذكر أن الأيام المقبلة ستكون شاهدة على التباحث مع الإدارة الأميركية حول تفاصيل الخطة لكنها تسعى في الوقت ذاته أن لا تموت الخطة برفض حماس وتسعى لانتزاع موافقة مبدئية يمكن البناء عليها عبر التفاوض، مع إدخال تعديلات جوهرية على شكل السلطة الفلسطينية وإدخال إصلاحات هيكلية عليها، مشيراً إلى أن مصر سوف تبحث مع الإدارة الأميركية إمكانية الحصول على ضمانات بمقتضاها يتم التأكد من الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع وضمان عدم اندلاع حرب أخرى.
وشدد المصدر ذاته على أن الموقف المصري يتناغم مع الموقف القطري وهناك تنسيق من الجانبين حول أسس لإنجاح الخطة يتم إقناع حماس بها والضغط على الإدارة الأمريكية لإدخال تعديلات بشأنها، بخاصة وأنها تفاهمت على نقاط عديدة مع الإدارة الأميركية قبل الإعلان عنها وقبل أن يتم إدخال تعديلات إسرائيلية قادت لتعقيد الموقف.
رسائل غاضبة
قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الخميس، إن القاهرة تعمل مع قطر وتركيا لإقناع حركة حماس بقبول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وأضاف في تصريحات أدلى بها في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: "نجتمع معهم. ننسق مع الأشقاء في قطر، وأيضاً مع زملائنا في تركيا، من أجل إقناع (حماس) بالرد بالإيجاب على هذه الخطة".
وعلى مدار يومي الاثنين والثلاثاء، كانت مصر حاضرة، بوفد برئاسة رئيس المخابرات حسن رشاد في اجتماعات مع الفريق التفاوضي لـ"حماس" بالدوحة، بحضور قطري – تركي؛ لبحث الخطة الأميركية، وفق ما ذكره متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في مؤتمر صحافي دوري الثلاثاء.
ومنح ترمب "حماس"، يوم الثلاثاء، مهلة تتراوح بين 3 و4 أيام لقبول الخطة التي تدعمها الولايات المتحدة بشأن غزة.
وشدد مصدر فلسطيني على صلة بما يدور من مشاورات، على أن القاهرة بعثت برسائل غاضبة إلى الولايات المتحدة الأميركية مع الإعلان النهائي للخطة، والتي تجاهلت الحقوق الفلسطينية وكذلك تضر بالأمن القومي المصري مع تحويل العريش إلى منطقة يتواجد بها هيئات ومنظمات دولية لإدارة القطاع وتعتبر أن ذلك بديلاً لخطة التهجير المباشر ومن الصعب القبول بها ولديها تحفظات عديدة على الأمر، وترى بأن يكون إدارة قطاع غزة من داخله ومن الممكن أن يكون تشكيل مجلس تكنوقراط لإدارة القطاع بالتنسيق مع الولايات المتحدة وضمان أن لا تحظى الأسماء بممانعة إسرائيلية لطمأنتها.
وشدد المصدر على أن اللجنة الفلسطينية من وجهة نظر القاهرة يجب أن تحظى بغطاء تمثله السلطة الفلسطينية وليس تحت إمرة لجنة السلام التي تسعى الولايات المتحدة لتشكيلها، وأن مصر لديها رؤية بأن تقوم هذه اللجنة بالحفاظ على الأمن الداخلي في قطاع غزة إلى جانب قوة السلام الدولية التي سوف تشارك فيها مصر بتلك الحالة وكذلك تقديم الخدمات الخاصة بالمواطنين بدلاً من حماس، والإشراف على توزيع المساعدات.
وأعاد وزير خارجية مصر، في اجتماع قادة ميونيخ بمدينة العُلا السعودية، الأربعاء، الإشارة إلى قيام مصر بتدريب عناصر من القوات الأمنية الفلسطينية؛ لتمكينها من بسط سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، وفق بيان للخارجية المصرية.
وبحسب وزير الخارجية أيضاً فإن خطة ترامب لغزة تحتاج مزيدا من النقاش بشأن كيفية تنفيذها خصوصا ما يتعلق بالحكم والأمن، وأضاف ان هناك الكثير من الثغرات التي نحتاج إلى سدها في ما يتعلق بخطة ترمب لغزة، وقال "ندعم خطة ترامب ورؤيته لإنهاء الحرب في غزة ونحتاج إلى المضي قدما"، وتابع "إذا كانت هناك إرادة سياسية فأعتقد أن خطة ترامب لغزة يمكن تنفيذها لكن الأمر يتطلب مشاركة".
اعتراض على الإدارة
وبحسب مصدر دبلوماسي مطلع على كواليس التفاوض فإن القاهرة لديها اعتراض على أن يتولى أي شخص أجنبي إدارة غزة وترى أن ذلك يحقق أهداف إسرائيلية وأميركية بشأن مستقبل القطاع، كما أنها لديها خطة بإعادة توزيع الفلسطينيين على مناطق متفرقة داخل القطاع لحين إعادة الإعمار وترى بأن اللجنة الدولية قد لا يكون ذلك ضمن أولوياتها، كما أن تولي ترامب رئاسة اللجنة كما هو مقترح وفقاً لمواقفه الحالية فإنه من المتوقع أن تستمر الأوضاع في التدهور وسيقود ذلك لا محالة لخروج الفلسطينيين من أراضيهم عبر وسائل وطرق مختلفة، كما أن وجود ترامب يعني أنه سوف يهدف لخلق غزة جديدة كانت في مخيلته عن طرحه التهجير.
وذكر المصدر ذاته، أن مصر ليس لديها مانع في أن تلعب الولايات المتحدة الدور الأكبر في إعادة الإعمار لكن الرفض يتعلق بإدارته وهو ما ترفضه حماس أيضاً، كما أن القاهرة ترى بأن أي وجود للجان دولية تقوم بدور إدارة قطاع غزة يجب أن تحظى بموافقة فلسطينية ومع ضمان الانسحاب الإسرائيلي الكامل، وأن يكون هناك خارطة طريق زمنية تضمن تولي السلطة خلال فترة وجيزة مسؤولية إدارة القطاع بشكل كامل.
وكشف عن أن الولايات المتحدة تقدم تطمينات إلى القاهرة بشأن انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا ومن مناطق تصل إلى الشمال بما لا يشكل تهديدا لاتفاقية السلام مع مصر غير أن مصر ترى أن ذلك ليس كافياً وأن الخطة الأميركية تمكن إسرائيل من قطاع غزة بالكامل في المستقبل القريب بخاصة وأن إسرائيل تتحدث عن التواجد في عمق يصل إلى منطقة خان يونس وليس انسحاب كامل، مشيراً إلى أن القاهرة سوف تنفتح على مزيد من الاتصالات مع الأطراف الدولية الداعمة للخطة لكن بعد أن توافق حماس بشكل مبدئي عليها.
وشدد على أن مصر لديها اعتراض أيضاً على أحد بنود الخطة التي تتحدث عن التهجير بشكل غير مباشر وترى بأن ذلك يبرهن على أن الهدف هو دفع الفلسطينيين إلى الخروج بعد الإفراج عن الأسرى، كما أنها تسعى لتحديد مهمة قوات السلام التي يجب أن تكون بعيدة عن أي مهام محلية بما لا يقود للاصطدام مع الفلسطينين وبالتالي فإنها ستتحول إلى عبء على الدولة المصرية وتؤثر على مستقبل دورها كوسيط موثوق به من جانب الفلسطينيين.
ولفت المصدر ذاته إلى أن خطة ترامب لا تحظى بقبول شعبي في الداخل وفي حال تحولت العريش إلى منطقة لإدارة غزة فإن ذلك سيواجه باعتراضات أكبر إلى جانب "جهات عليا" لم يسمها المصدر ترفض تنفيذ هذا المقترح، مشيراً إلى أن مصر مستعدة بأن تقدم كافة سبل العون التي تضمن إنجاح مهمة الإدارة الجديدة في القطاع ويمكن أن تقدم ضمانات لعدم المساس بإسرائيل طالما انسحبت من القطاع.
وأكد أن مصر سوف تطرح مسألة ربط الضفة الغربية بقطاع غزة باعتبارهما أساس إقامة الدولة الفلسطينية، كما أنها ترى بأن إرسال جنودها إلى غزة لابد أن يسبقها انسحاب إسرائيلي كامل، لافتا إلى أن القاهرة في المقابل يمكن أن تقدم تنازلات إذا كانت في صالح الفلسطينيين وجاءت بموافقتهم وبالتنسيق مع الفصائل.
ولم تنص الخطة بشكل واضح على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وجاء ذكرها في الخطة بالبند قبل الأخير بالنص على أنه "مع تقدم إعادة إعمار غزة، ومع تطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيرًا لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه طموح الشعب الفلسطيني".
وفقًا للبند 15 ستعمل الولايات المتحدة مع الشركاء العرب والدوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة للانتشار الفوري في غزة، هذه القوة ستدرب قوات الشرطة الفلسطينية في غزة، و تتشاور مع الأردن ومصر اللتين تتمتعان بخبرة واسعة في هذا المجال، وستكون هذه القوة الحل الأمني الداخلي طويل الأمد.
أعلن السياسي المصري الدكتور عبدالمنعم سعيد، أن مدينة "العريش" عاصمة محافظة شمال سيناء ستكون المقر الدائم للسلطة الانتقالية لحكم غزة، "Gaza International Transitional Authority" التى تعرف اختصارا باسم (جيتا).
ويقول سعيد عن دور مصر المحتمل "أرى أنه سيكون بها مركز مهم لموضوع الإغاثة، وموضوع التعمير، والموضوع المقترح بأن يكون مقر الإدارة بالعريش، لأنه لا توجد هناك حتى حجرة يجلس فيها أحد مدة سنة، وستكون مصر شريكة بهذه الإدارة".