كشفت مصادر سورية متطابقة أن الإدارة الأمريكية تضع السلطة السورية "تحت اختبار" يتعلق بسياساتها خلال الفترة المقبلة تجاه ملفات الأقليات في سوريا، وكذلك ملف "قسد" والعلاقة مع إسرائيل، من أجل حسم الموقف النهائي من قانون قيصر.
وأشارت المصادر التي تحدثت إلى "عربي بوست" إلى أن أمريكا اشترطت جملة من الشروط ومنحت السلطة السورية مهلة زمنية من أجل تقييم أدائها، قبيل البت بشكل نهائي في مصير القانون، وأن الجانب السوري يولي هذا الملف أهمية قصوى من أجل إفساح المجال أمام المستثمرين الأجانب لدخول السوق السوري في أقرب وقت.
مساعٍ سورية
كشف مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية، لـ"عربي بوست"، عن تفاصيل جديدة حول المساعي الدبلوماسية التي تقودها دمشق للتعامل مع قانون قيصر الأمريكي، الذي فرض قيودًا شديدة على الاقتصاد السوري منذ سنوات.
وأوضح المصدر أن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ناقش هذه الملفات بشكل مباشر مع الجانب الأمريكي أثناء تواجده مع الرئيس السوري أحمد الشرع في نيويورك، مؤكدًا أن دمشق تسعى لتحريك الملف على مستويات متعددة بهدف التخفيف من آثار العقوبات وإعادة بناء علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة مع واشنطن.
وأشار المصدر إلى أن التحرك السوري يتم عبر مسارين متوازيين؛ المسار الأول يتعلق مباشرة بوزارة الخارجية السورية، والذي يقوده وزير الخارجية شخصيًا، فيما يرتبط المسار الثاني بالمجلس السوري-الأمريكي، وهو تكتل يمثل جماعة ضغط سورية-أمريكية تعمل لصالح السلطة السورية الجديدة داخل الولايات المتحدة.
المسار الأول، الذي تقوده وزارة الخارجية، يركز على التواصل المباشر مع الإدارة الأمريكية وإظهار جدية سوريا في معالجة القضايا الإقليمية وإحلال السلام مع جيرانها. وقال المصدر إن الوزير الشيباني يسعى عبر هذا المسار إلى إيجاد تفاهمات مع أطراف مختلفة، بما فيها إسرائيل، بهدف تقديم صورة إيجابية للجانب الأمريكي عن رغبة دمشق الحقيقية في إنهاء حالة الصراع الطويلة في المنطقة، وإظهار التزامها بالعيش في سلام مع جميع الأطراف.
أما المسار الثاني، فيتعلق بالجهود الدبلوماسية غير الرسمية التي يقودها المجلس السوري-الأمريكي. ووفق المصدر، قامت وزارة الخارجية السورية بالتنسيق مع المجلس للتباحث مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي، بهدف إقناع بعضهم بدعم مشروع قانون يرفع القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر. وتأتي هذه الخطوة في إطار جهود دمشق لإيجاد قاعدة ضغط سياسية واقتصادية داخل الولايات المتحدة تمكّنها من تخفيف العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، خاصة في قطاعات أساسية مثل الطاقة والقطاع المصرفي والتجارة الخارجية.
وأوضح المصدر أن التنسيق السوري لم يقتصر على واشنطن، بل شمل أيضًا تركيا، حيث لعبت أنقرة دورًا ملحوظًا في المناقشات المتعلقة بملف قيصر، سواء عبر قنوات دبلوماسية مباشرة أو من خلال تقديم توصيات للجانب الأمريكي حول المسار الذي يمكن أن تتبعه سوريا. وأكد المصدر أن الولايات المتحدة أبدت ملاحظات واضحة على أداء السلطة السورية في عدد من الملفات الحساسة داخل البلاد، وهو ما كان أحد الأسباب التي أعاقت إنهاء ملف قانون قيصر بشكل كامل حتى الآن.
اتفاق شامل
من الملفات الأساسية التي تتابعها واشنطن، وفق المصدر، قضية "قسد" في شمال شرق سوريا، وأوضح المصدر السوري أن الجانب الأمريكي يشدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل مع قسد، إلا أن دمشق ترى أن الأخيرة هي الطرف الذي يعرقل أي تقدم ملموس. وأضاف أن قسد تمارس ما وصفه بـ"تفخيخ المشهد السوري"، من خلال وضع عراقيل أمام أي تفاهمات محتملة، وهو ما يمثل تحديًا رئيسيًا أمام جهود الحكومة السورية في هذا الملف.
إلى جانب ملف قسد، يشير المصدر إلى أن ملف الساحل السوري يشكل أيضًا محور اهتمام أمريكي بالغ، لاسيما فيما يتعلق بالانتهاكات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة. وأوضح أن تقرير لجنة التحقيقات، الذي شكله الرئيس السوري أحمد الشرع لتقييم الانتهاكات في الساحل وتسلّمه قبل أسابيع، لم يحظَ بترحيب كبير من جانب الإدارة الأمريكية، التي أبدت ملاحظات شديدة حول حجم الانتهاكات ودور قوات الداخلية والجيش السوري فيها.
كما أضاف المصدر أن الولايات المتحدة تتابع عن كثب ملفات حقوق الأقليات في سوريا، ولا سيما المسيحيين في مناطق مثل جرمانا قرب دمشق ومدينة السويداء. ولفت إلى أن واشنطن قدمت نصائح للسلطة السورية حول كيفية التعامل مع هذه الملفات، مؤكدة أهمية حماية حقوق الأقليات كجزء من التزامات الحكومة تجاه المجتمع الدولي وإطار التعاون المستقبلي مع الغرب.
وأكد المصدر أن كل هذه الجهود تأتي ضمن استراتيجية موسعة تهدف إلى إعادة سوريا إلى مسار طبيعي في العلاقات الدولية بعد سنوات طويلة من العقوبات والانقسامات الإقليمية. ويظهر التحرك السوري، وفق المصدر، رغبة واضحة في تقديم صورة إيجابية عن الحكومة الجديدة أمام المجتمع الدولي، لا سيما أمام واشنطن، التي تعتبر محور القرار في مسألة رفع القيود الاقتصادية.
وأضاف المصدر أن وزير الخارجية أسعد الشيباني لا يقتصر دوره على التنسيق مع الأطراف الأمريكية أو تركيا، بل يسعى أيضًا إلى إيجاد مسارات تفاهم مع القوى الإقليمية الأخرى، لضمان أن أي خطوات مستقبلية تتخذها دمشق في ملف قانون قيصر تكون متسقة مع استقرار المنطقة وأمن جيرانها. وأوضح أن هذه الاستراتيجية المتعددة المستويات تهدف إلى إقناع الإدارة الأمريكية بأن سوريا مستعدة للتعاون الكامل، بما في ذلك التوصل إلى تفاهمات مع الأطراف الإقليمية، والتعامل بجدية مع ملفات الأمن الداخلي وحقوق الإنسان.
كما شدد المصدر على أن التنسيق بين وزارة الخارجية والمجلس السوري-الأمريكي يمثل نموذجًا لتعاون غير تقليدي بين الحكومة السورية والجالية السورية في الخارج. وذكر أن المجلس السوري-الأمريكي يعمل على تقديم مقترحات عملية للكونغرس الأمريكي تتعلق بتعديل أو إلغاء بعض بنود قانون قيصر، بهدف تخفيف القيود الاقتصادية، بما يسمح بإعادة الحياة إلى الاقتصاد السوري وتحسين الظروف المعيشية للسكان.
وأشار المصدر إلى أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب هذه المساعي، وأن أي تقدم في ملف قانون قيصر مرهون بتحقيق نتائج ملموسة في الملفات الحساسة مثل قسد وملف الساحل وحقوق الأقليات. وأوضح أن دمشق تدرك أن أي خطوة في هذه الملفات قد تؤثر بشكل مباشر على موقف واشنطن تجاه رفع العقوبات أو تعديل القانون، لذلك فإن التنسيق المكثف مع الأطراف الإقليمية والدولية هو عنصر أساسي في استراتيجيتها.
أهمية قصوى للملف
في السياق نفسه، لفت المصدر إلى أن القيادة السورية، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، تولي أهمية قصوى لهذا الملف، حيث تم التعامل مع كل تفاصيل المسار الدبلوماسي بعناية فائقة قبل تقديم كلمة سوريا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأوضح أن الهدف من هذه التحركات هو إرسال رسالة واضحة بأن سوريا تسعى إلى إنهاء الصراعات الداخلية والإقليمية، والتعامل بجدية مع المجتمع الدولي، بما يشمل الولايات المتحدة، وأنها مستعدة لتحمل مسؤولياتها في حماية حقوق المواطنين وتأمين استقرار البلاد.
كما أكد المصدر أن هذه المساعي تعكس تحولًا نوعيًا في السياسة الخارجية السورية، حيث أصبحت دمشق أكثر انفتاحًا على التعاون مع القوى الإقليمية والدولية، مع التركيز على مسارات عملية تحقق مصالح السوريين وتعيد بناء الاقتصاد الوطني. واعتبر أن نجاح هذه الجهود سيكون له أثر كبير على قدرة سوريا على كسر القيود الاقتصادية المفروضة، بما يسمح لها بالانخراط الكامل في المجتمع الدولي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
وخلص المصدر إلى أن قانون قيصر يبقى محورًا حساسًا في العلاقات السورية-الأمريكية، وأن أي تقدم في هذا الملف يتطلب توازنًا دقيقًا بين المسارات الداخلية والخارجية، وبين العلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية. وأكد أن دمشق تعمل على استغلال كل القنوات المتاحة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، لإقناع واشنطن بأن السلطة السورية الجديدة ملتزمة بالإصلاح والتعاون، وأنها قادرة على معالجة القضايا المثارة أمام المجتمع الدولي بطريقة مسؤولة وفعالة.
تسوية مشروطة
كان رئيس السياسات في المجلس السوري-الأمريكي، محمد علاء غانم، قد أعلن سابقًا عن التوصل إلى تسوية سياسية في الكونغرس مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بعد مشاورات مكثفة، تنص على إلغاء عقوبات "قانون قيصر"، مقابل التزام الحكومة السورية بتنفيذ شروط ومطالب على مدى أربع سنوات.
مضمون التسوية
قال غانم في تسجيل مصور إن التسوية تنص، في الفقرة الأولى، على تضمين إلغاء قانون قيصر في موازنة الدفاع الأميركية لعام 2026، وذلك على أن يقدّم وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو تقريرًا كل 6 أشهر للكونغرس، يشهد فيه بتحقيق الحكومة السورية تقدمًا في بعض الأمور.
لكن غانم أوضح أنه في حال فشلت الحكومة السورية خلال 12 شهرًا متواصلة في إحراز تقدم، فإن الكونغرس يطرح خيار إعادة فرض عقوبات قيصر.
كما تنص على تقديم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو من ينوب عنه تقريرًا غير سري، مع ملحق سري إذا ما لزم الأمر، يشهد فيه للكونغرس أن الحكومة السورية التزمت بجملة من الشروط، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 90 يومًا من تاريخ إجازة هذا القانون، وكل 180 يومًا بعد ذلك، ولمدة 4 سنوات متتالية.
وفي حال لم يتمكن الرئيس أو من ينوب عنه من تقديم شهادة إيجابية لفترتين متتاليتين، فإن رأي الكونغرس هو أن العقوبات بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019" يجب أن يُعاد فرضها، وتظل سارية حتى يقدِّم الرئيس أو من ينوب عنه شهادة إيجابية، بحسب غانم.
شروط التسوية
ووفق التسوية، فإن على الحكومة السورية الالتزام بالمتطلبات التالية:
1- الالتزام بالهدف المتمثل في القضاء على التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى، والعمل بالشراكة مع الولايات المتحدة لتصبح عضوًا في التحالف الدولي ضد داعش.
2- تحقيق تقدم في توفير الأمن للأقليات الدينية والعرقية في سوريا، وأن تكون لهذه الأقليات مشاركة في الحكومة.
3- ألا تقوم الحكومة السورية بعمل عسكري من طرف واحد ودون سبب ضد جيرانها، بما في ذلك إسرائيل، وأن تواصل إحراز تقدم نحو اتفاقيات أمنية دولية، حسبما يقتضيه الأمر.
4- ألا تقوم عن علم بتمويل أو تقديم مساعدات (مالًا أو سلاحًا أو إيواءً) لأفراد أو جماعات إرهابية (بما في ذلك المنظمات الإرهابية الأجنبية والإرهابيين العالميين المدرجين على لوائح التصنيف) الذين يشكلون تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة أو لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة.
5- استبعاد أو اتخاذ خطوات لاستبعاد المقاتلين الأجانب من المناصب العليا في الحكومة السورية، بما في ذلك أولئك الموجودون في مؤسسات الدولة والأمن السورية.
6- الاستمرار في التحقيق بشأن الانتهاكات، والالتزام بمحاكمة من ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ 8 كانون الثاني/يناير 2024، بما في ذلك المسؤولون عن مجازر بحق الأقليات الدينية.
وفي وقت سابق، رفضت لجنة القواعد والأحكام في مجلس النواب الأميركي تضمين تعديل إلغاء قانون قيصر ضمن موازنة الدفاع للعام 2026، الذي تقدم به النائب البارز جو ويلسون.
في سياق موازٍ، كشف مصدر سوري في التكتل السوري-الأمريكي عن التحركات التي قام بها التكتل، والتي تهدف إلى مناقشة مستقبل قانون قيصر الأمريكي، الذي فرض قيودًا صارمة على الاقتصاد السوري منذ سنوات، ما أثر بشكل كبير على قدرة الحكومة السورية على تنفيذ مشروعات جوهرية داخل البلاد.
وأوضح المصدر، في تصريحات خاصة، أن وفد التكتل التقى خلال الأيام القليلة الماضية بعدد من نواب الكونغرس الأمريكي، حيث ناقش معهم بشكل مباشر إمكانية إلغاء القانون بشكل كامل، معتبرًا أن استمرار العمل به يفاقم الأزمات الاقتصادية ويعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية في سوريا.
وأشار المصدر إلى أن الطلب الذي قدّمه الوفد السوري-الأمريكي للنواب كان صريحًا وواضحًا، إذ طالبوا بإلغاء قانون قيصر نهائيًا، مستندين إلى تأزم الاقتصاد السوري والقيود التي فرضها القانون على القطاعات الحيوية في البلاد. وأوضح المصدر أن الحكومة السورية، وفقًا لتقديرات الوفد، تواجه صعوبة كبيرة في إطلاق أي مشاريع بنيوية أو اقتصادية بسبب العقوبات المفروضة، وهو ما يخلق فجوة كبيرة بين الحاجة إلى التنمية والقيود القانونية والاقتصادية الدولية.
ورغم هذه المطالب، أبدى النواب الأمريكيون، وفق المصدر، قلقهم من تحركات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشأن إلغاء قانون قيصر بشكل كامل، معتبرين أن الإدارة الأمريكية الحالية وحتى السابقة مهتمة بشكل كبير بترتيب الأوضاع لصالح إسرائيل في سوريا.
وأوضح المصدر أن النواب اعتبروا أن التحركات السورية يجب أن تأخذ في الاعتبار المفاوضات الجارية بين سوريا وإسرائيل بشأن ما يسمى بـ"اتفاق أمني مزعوم"، والذي يثير جدلًا واسعًا حول آفاقه وإمكانات توقيعه في المستقبل القريب. وقال المصدر إن الأطراف المعنية تشير إلى أن الاتفاق ربما يتم توقيعه قريبًا بين الجانبين، ما سيؤثر بشكل مباشر على أي نقاشات أمريكية تتعلق بإلغاء العقوبات.
وأكد المصدر أن النواب الأمريكيين الذين التقى بهم وفد التكتل السوري-الأمريكي أعربوا عن حرصهم على تقديم المساعدة للجانب السوري في تجاوز إرث النظام السابق، ووضع حد لما اعتبروه "صفحة بشار الأسد ونظامه". وأوضح أن هذا الدعم مشروط برغبة السلطة السورية الحالية في تهيئة الأجواء لتفاهمات واضحة مع إسرائيل، بما يضمن حفظ العلاقات بين الدولتين على المدى الطويل وتوفير استقرار نسبي في المنطقة.
وأشار المصدر إلى أن النواب الأمريكيين شددوا على أن أي تعاون أو مساعدة يجب أن تكون مشروطة بالالتزام بتحقيق خطوات ملموسة نحو ضبط العلاقات الإقليمية وإظهار جدية الحكومة السورية في تسوية النزاعات القديمة، بما في ذلك الملفات الأمنية والسياسية التي تربط سوريا بدول الجوار، وخاصة إسرائيل. وأوضح أن الجانب الأمريكي يراقب عن كثب أي مؤشرات على رغبة دمشق في التعامل بجدية مع الاتفاقات المحتملة، ويربط أي تقدم محتمل في ملف قانون قيصر بمدى التزام الحكومة السورية بهذه المعايير.
وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للقانون، أوضح المصدر أنهم نقلوا للجانب الأمريكي أن استمرار العمل به يحد من قدرة سوريا على الانخراط في عمليات إعادة الإعمار، ويعيق الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية. وأضاف أن الوفد السوري-الأمريكي حاول نقل صورة دقيقة للنواب عن الوضع الراهن في سوريا، مؤكدًا أن أي إلغاء جزئي أو محدود للعقوبات لن يكون كافيًا لإطلاق مشاريع استراتيجية حقيقية، بل يحتاج الوضع إلى إعادة نظر شاملة في القانون لضمان فاعلية التنفيذ واستقرار الاقتصاد السوري على المدى الطويل.
كما أوضح المصدر أن التكتل السوري-الأمريكي يعمل على بناء شبكة ضغط سياسية داخل الولايات المتحدة، تهدف إلى تعزيز قدرة الوفد على التأثير في الكونغرس وإقناع النواب بضرورة النظر إلى مصالح السوريين الحالية، وليس فقط إلى المصالح الإقليمية الكبرى. وأكد أن هذه الجهود تتضمن تقديم تقارير وتحليلات مفصلة حول الوضع الاقتصادي والسياسي في سوريا، بما يشمل ملفات الأمن الداخلي وحقوق الأقليات والمفاوضات الإقليمية، لإظهار أن الحكومة السورية الحالية مستعدة للتعاون والتسوية بطريقة مسؤولة وشفافة.
وأشار المصدر أيضًا إلى أن هناك توافقًا نسبيًا بين أعضاء الوفد والنواب الأمريكيين حول ضرورة تغيير نمط العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة، بحيث يكون أكثر استقرارًا وتعاونًا على أساس المعايير الدولية، مع مراعاة مصالح الأطراف الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل. وأوضح أن النواب شددوا على أهمية تحقيق تفاهمات واضحة ومحددة مع الجانب الإسرائيلي، كون أي تغييرات في القانون أو تسهيلات اقتصادية مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالاستقرار الإقليمي وتهدئة التوترات القديمة.
وأضاف المصدر أن الوفد السوري-الأمريكي يسعى أيضًا إلى تقديم رؤية متكاملة توضح كيف يمكن للحكومة السورية الحالية أن تكون شريكًا مسؤولًا في المنطقة، يلتزم بالاتفاقات الدولية ويعمل على تسوية النزاعات القديمة بطريقة تضمن عدم تكرارها. وأشار إلى أن هذه الرؤية تعتبر عنصرًا أساسيًا في أي مناقشات مستقبلية حول قانون قيصر، حيث إن الالتزام بالمعايير الدولية وتقديم ضمانات ملموسة يعدان شرطين أساسيين للحصول على أي دعم من الكونغرس الأمريكي.
قانون قيصر وأصوله
أقر الكونغرس الأمريكي في عام 2019 ما سُمّي بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين"، والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، ليشكّل أداة ضغط اقتصادية وسياسية على النظام السوري وحلفائه الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم إيران وروسيا. القانون لم يكن مجرد رد فعل سياسي عابر، بل جاء نتيجة سنوات من التوثيق الحقوقي والضغط البرلماني، بعد أن كشفت صور "قيصر" الوحشية مصير آلاف المعتقلين في أقبية أجهزة الأمن السورية، ووضعت النظام في مرمى الاتهام الدولي.
وُسِم القانون باسم "قيصر"، وهو مصور عسكري سوري سابق انشق عن النظام عام 2014، ونجح في تهريب أكثر من 55 ألف صورة لـ11 ألف ضحية قضوا تحت التعذيب، بالاشتراك مع ناشط آخر يُعرف باسم "سامي"، قبل أن يُكشف عن هويته الحقيقية كناشط حقوقي يُدعى أسامة عثمان. هذه الصور، التي عُرضت أمام الكونغرس الأمريكي ثم في برلمانات أوروبية ومؤسسات حقوقية دولية، أحدثت صدمة عالمية وعززت جهود محاسبة الأسد، وجعلت الانتهاكات السورية أمرًا موثقًا بالصور أمام الرأي العام العالمي، وليس مجرد شهادات أو روايات.
مضمون القانون وأهدافه
ينص قانون قيصر على فرض عقوبات صارمة تطال أي فرد أو جهة أو مؤسسة تتعامل مع الحكومة السورية أو تقدم لها تمويلًا أو خدمات في مجالات الطاقة والطيران والبناء والهندسة، وصولًا إلى المصرف المركزي السوري، الذي اعتُبر "مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال". وقد شملت العقوبات أيضًا أي طرف خارجي يحاول الالتفاف عليها أو المشاركة في مشاريع إعادة إعمار تحت إشراف النظام، بما في ذلك حلفاء دمشق مثل إيران وروسيا، وشركات لبنانية أو إقليمية تفكر في الاستثمار داخل سوريا.
الأهداف المعلنة للقانون كانت واضحة: منع النظام من الإفلات من العقاب، إجباره على الانخراط في عملية سياسية جدية وفق قرار مجلس الأمن 2254، وعزل الأسد اقتصاديًا وماليًا ومنعه من الاستفادة من إعادة الإعمار أو الاستثمارات الأجنبية ما لم يقبل بحل سياسي ينهي الحرب. بذلك، لم يكن القانون مجرد وسيلة ضغط، بل إعلانًا بأن الأسد سيظل منبوذًا دوليًا مهما حاول الالتفاف على العقوبات عبر حلفائه.
تداعيات القانون واستمراريته بعد سقوط الأسد
أدت العقوبات إلى أزمات اقتصادية خانقة في سوريا، حيث ارتفعت معدلات التضخم وانهارت قيمة الليرة، فيما أصبح أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر. كما أصيب رجال الأعمال والتجار اللبنانيون وغيرهم بالذعر، وتوقفت العديد من المشاريع الاقتصادية بسبب صعوبة الاستيراد ونقص المواد الأولية.
ورغم أن القانون استهدف النظام، حذرت منظمات إغاثية من تأثيره السلبي على وصول المساعدات الإنسانية والأدوية، ما استدعى دعوات لتوسيع الاستثناءات الإنسانية. سياسيًا، لم ينجح القانون في دفع النظام لتقديم تنازلات كبيرة، واستمر الأسد بدعم روسي وإيراني.
بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، بقي القانون سارياً، مع بعض الإعفاءات المؤقتة في يوليو 2025 لدعم إعادة الإعمار، لكن العقوبات لا تزال تشكل عائقًا أمام جذب الاستثمارات الأجنبية. وزيارات المسؤولين السوريين إلى واشنطن وطلبات رفع العقوبات لم تؤدِ إلى تغييرات كبيرة، ويُتوقع أن تستمر حتى التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضمن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وانتقالًا سياسيًا في سوريا.