خسائر بمليارات الدولارات وصدام محتمل.. هل تتهور إسرائيل في مواجهة تركيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/21 الساعة 21:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/21 الساعة 21:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي مع محمود عباس/الأناضول

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الخطاب الإسرائيلي تجاه تركيا، إذ لم تعد التحذيرات مقتصرة على انتقاد سياستها في القدس أو علاقاتها بحركة حماس، بل تحولت إلى تهديدات صريحة باغتيال قادتها المقيمين في إسطنبول، واتهامات مباشرة بالتورط في مخططات استهداف مسؤولين إسرائيليين.

ومع تزايد الحديث في وسائل الإعلام العبرية عن استعدادات لمواجهة عسكرية وشيكة، تبدو إسرائيل وكأنها تسعى إلى وضع تركيا في خانة "العدو المباشر"، في وقت تحذر فيه أصوات عديدة من مغبة التهور أمام قوة إقليمية صاعدة وعضو في حلف الناتو.

شواهد إسرائيلية على التحريض ضد تركيا

آخر موجات التحريض ذكرها دودي كوغان مراسل صحيفة "إسرائيل اليوم"، على لسان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي تحدّى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال حفل افتتاح ما يعرف بـ"طريق الحج" في القدس المحتلة، بقوله: "هذه مدينتنا سيد أردوغان، ليست مدينتك".
ليردّ عليه الأخير خلال حفل وضع حجر الأساس لمجمع وزارة الخارجية في أنقرة، بقوله إن "نتنياهو لا يعرف أننا حوّلنا هذه المدينة لمكان يسوده السلام والهدوء لقرون طويلة، أما هو فقد وصل لمستويات تُثير غيرة هتلر، وبصفتنا أبناء شعبٍ حمل راية الإسلام لقرون، فقد تشرفنا بخدمة القدس لأربعمائة عام، ولن نسمح بتدنيسها، ولن نتراجع خطوة واحدة عن حقوقنا فيها".

وقال أردوغان عقب قمة الدوحة إن "نتنياهو وعصابته ينشرون روايات صهيونية مُفبركة، وهو مرتبطٌ أيديولوجيًا بهتلر، وسيكون مصيره مشابهًا له، لأن سيناريوهات "الأرض الموعودة" و"إسرائيل الكبرى" غير قانونية، ومن يسيطر على إسرائيل شبكة قتل حولت رؤيتها المتطرفة إلى أيديولوجية فاشية".

في سياق منفصل، ذكر إيتمار مارغليت مراسل صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن نتنياهو اعترف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، فيما اتهمته وزارة الخارجية التركية باستغلال أحداث الماضي المؤلمة لأغراض سياسية، رغم أنه يُحاكم بتهمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

أما السفير فريدي إيتان، المستشار الأول بوزارة الخارجية وأول سفير في موريتانيا، فاعتبر في مقال نشره معهد القدس للشئون الخارجية والأمن، أن اعتراف الكنيست بما وصفها الإبادة الجماعية للأرمن صبّ مزيدًا من الزيت على نار التوتر مع أنقرة.

فيما حرّض وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي على ما أسماها "الرؤية العثمانية الجديدة" لأردوغان، وارتباطها برؤية الإخوان المسلمين للخلافة، ويندمج النشاط التركي في القدس المحتلة في محور يضم قطر وحماس.

استهداف إسرائيل لقادة حماس في إسطنبول

شكّل السجال بين نتنياهو وأردوغان قمة جبل الجليد في توتر الجانبين، أورد مزيدًا من تفاصيله شاي غال، خبير السياسة الدولية وإدارة الأزمات والاتصالات الاستراتيجية، في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم"، زاعمًا أن "أردوغان يحشر إسرائيل في الزاوية، ولا يترك لها خيارًا آخر، فهو متواطئ مع حماس، وكما فقدت قطر حصانتها السيادية، ينبغي أن يكون مصير تركيا نفسه، لأنها تستضيف مقرات الحركة، ومنها تجمع الأموال، وتبني فرعًا للمقاومة ضد إسرائيل بعلم جهاز المخابرات الوطني التركي".

مما يعني تجاوز مرحلة غضّ الطرف إلى التواطؤ العلني معها عبر استضافة قادتها في القصر الرئاسي، وتسليمهم جوازات سفر تركية أمام الكاميرات؛ مما يتطلب استخلاص الدرس من مهاجمة الدوحة مؤخرًا باعتباره تحذيرًا موجهًا إليها.

موقع "كيبا" أكد أنه رغم فشل اغتيال قادة حماس، فإن دول المنطقة، ومنها تركيا التي تستضيفهم، تخشى أنها قد تكون التالية في القائمة، مما دفعها لرفع مستوى تهديداتها ضد إسرائيل، حتى أن مسؤولًا كبيرًا في أنقرة اعتبر أن "الهجوم على الدوحة أظهر أنه لا حدود لما ترغب تل أبيب بفعله"، التي هددها أردوغان في قمة الدوحة، بنشر الفوضى في المنطقة، وتنفيذ اغتيالات وهجمات في دول مختلفة، مهددًا بأن الأمة الإسلامية لديها ما يكفي من الأدوات لردعها.

صحيح أن قطر حليفة للولايات المتحدة، لكن عملية إسرائيلية مشابهة ضد تركيا تُعتبر سابقة مختلفة تمامًا، فهي عضو في حلف الناتو، وأي هجوم على أراضيها يتطلب –ظاهريًا– ردًا من الدول الحليفة، بما فيها واشنطن. صحيح أنه لا يزال بإمكان جهاز الموساد اغتيال قادة حماس على أراضيها دون تحمل المسؤولية الرسمية، لكن حتى هذه الخطوة تنطوي على مخاطرة كبيرة، وفقًا لما نقله موقع "سيروجيم".

صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلت عن الوزيرين عضوي المجلس الوزاري الأمني المصغر، زئيف إلكين وإيلي كوهين، عدم استبعادهما ضرب قادة حماس في تركيا، مما دفع المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية، زكي إكتورك، للتحذير من أن إسرائيل قد "توسع هجماتها المتهورة، كما فعلت في قطر، وتجر المنطقة بأكملها إلى كارثة".

موشيه إلعاد، الحاكم العسكري الأسبق في الضفة الغربية، قدّر في مقابلة مع صحيفة "معاريف"، أن ردّ أنقرة على هجوم الدوحة يعكس قلقها الحقيقي من إدراجها على قائمة الأهداف الإسرائيلية، في ضوء التصور السائد بأن إسرائيل ليس لديها خطوط حمراء، مما يعني أن تكون التالية في الدور.

وهنا تكمن المعضلة: فإذا لجأ قادة حماس إليها، فهل ترفض قبولهم؟ وما مدى استعدادها للمخاطرة بهجوم إسرائيلي في قلب إسطنبول؟ فيما اعتبر آساف روزنزويغ مراسل القناة 12، أن تركيا تستبعد أن تجرؤ إسرائيل على مهاجمة أراضي دولة عضو في حلف الناتو مباشرة، لكن احتمال شن عملية سرية ضد قادة حماس على أراضيها يعتبر تهديدًا ملموسًا.

وفيما صرّح أوزغور أونلوهيسارجيكلي، مدير صندوق مارشال الألماني في أنقرة، بأن شنّ غارة جوية إسرائيلية على تركيا أمر مستبعد للغاية، فإن الهجمات الأصغر، مثل التفجيرات أو إطلاق النار على أهداف مرتبطة بحماس من قِبل عملاء الموساد، تُعدّ سيناريو محتملًا. كما أوضح سرحات سها كوبوكوغلو، مدير برنامج تركيا في مركز "تريندز" للأبحاث والاستشارات، بأن قدرة إسرائيل على شن هجمات دون عقاب واضح، متجاوزةً الدفاعات الجوية الإقليمية والأعراف الدولية، تُشكل سابقة تُثير قلق أنقرة العميق.

ليلاخ شوفال، المراسلة العسكرية لصحيفة "إسرائيل اليوم"، نقلت عن جهاز الأمن العام (الشاباك) إحباط خلية تابعة لحماس عملت تحت قيادة الحركة في تركيا، خططت لاغتيال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد نفت الأخيرة هذه الاتهامات، فيما نشر الوزير صورة لأردوغان وهو يصافح الزعيم السابق لحماس، إسماعيل هنية، وكتب: "تركيا = حماس".

القدرات العسكرية والمفاعلات النووية

موقع "ناتسيف نت" للشئون العسكرية حرّض على تركيا من بوابة بنائها 3 مفاعلات نووية، وطرحها عطاءات لعدد آخر، بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من أردوغان، وإعلان وزير الصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح كاشير اعتزام بناء مفاعلات متطورة لتعزيز الأمن الطاقي وتقليل اعتمادها على الخارج، بالتزامن مع اعتبارها لإسرائيل "عدوًا لا خصمًا"، واتخاذها خطوات تلحق أقصى ضرر بها، في ضوء امتلاكها 90 رأسًا نوويًا قادرًا على إبادة كل كائن حي على الأراضي التركية إذا تجرأت على محاولة تدميرها. وهي الآن بصدد خلق توازن نووي معها، معتبرًا أن أي زعيم إسرائيلي يترك تركيا نووية لأجيال أخرى سيُلقى في "سلة المهملات"، لأننا أمام عدو لدود لا يقل عن إيران، ويجب التعامل معه مثلها، لأن أردوغان بدأ "بحفر قبر إسرائيل".

كما أعلنت وزارة الدفاع التركية إجراء مناورات بحرية مشتركة مع مصر، باسم "بحر الصداقة"، نهاية سبتمبر، بمشاركة فرقاطات وزوارق قتالية وغواصة وطائرات F16، للمرة الأولى منذ 13 عامًا، مما قد يُشير إلى تحوّل محتمل في العلاقات الإقليمية والتعاون الأمني، في ظلّ محاولات متعددة من تركيا وزعيمها لترسيخ مكانتها كلاعب محوري في الشرق الأوسط، وفقًا لما ذكرته صحيفة "معاريف".

أما شمعون كاتس المراسل العسكري لمنصة "إيميس"، فرأى في المناورة مصدر قلق وإشارة خطيرة لتل أبيب، من شأنها زيادة وتصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، وتعزز تعاونهما العسكري بين البلدين اللذين يتزايد عداؤهما لإسرائيل.

دان أركين، المراسل العسكري لمجلة "إسرائيل ديفينس"، كشف عن قلق إسرائيلي من توقيع تركيا عقدًا بقيمة 1.9 مليار دولار مع شركة "أسيلسان" الدفاعية لتطوير نظام دفاع جوي متطور باسم "القبة الحديدية التركية"، لتوفير طبقة حماية شاملة ضد الصواريخ والتهديدات في جميع أنحاء البلاد، ليصبح أكبر نظام دفاع جوي في أوروبا، ويهدف لتزويد الجيش التركي بـ47 مكونًا دفاعيًا مختلفًا، بما فيها أنظمة القيادة والتحكم والاعتراض، وأجهزة الاستشعار، لتقليل اعتمادها على المصنعين الأجانب، وتعزيز صناعة الدفاع المحلية.

في ذات السياق، فإن تعزيز تركيا لصناعاتها العسكرية يعدّ مصدر تخوف إسرائيلي، فهي من بين الأكثر تقدمًا في العالم والمنطقة، من الطائرات إلى المركبات المدرعة والأسلحة الخفيفة، مما يعني زيادة منافستهما على التفوق الاستراتيجي، وأن أمام إسرائيل لاعبًا جديدًا في المنطقة عليها مواجهته، خطير ومحنك ينجح في التأثير على العالم أجمع، وينوي تحقيق طموحاته بالتوسع وبناء قوة عسكرية قوية ورائدة، وفقًا لما ذكره موقع "ناتسيف" للشئون العسكرية.

سيناريو الاستهداف المتبادل

سبق للرئيس أردوغان أن هدّد في يوليو، خلال اجتماع لأعضاء حزبه "العدالة والتنمية"، بأن "بإمكان تركيا غزو إسرائيل كما فعلت في كاراباخ وليبيا"، وتساءل في مناسبة سابقة: "من يضمن ألا تتجه إسرائيل إلى أنطاليا بعد تدمير غزة؟".

ألدا نتانئيل، مراسلة موقع "أسدود" الإخباري، زعمت أن تركيا لديها "بنك الأهداف" في إسرائيل إن نشب صراع عسكري بينهما، وتشمل نقاط ضعفها التي قد تنهار في حال وقوع هجوم تركي: قواعد سلاح الجو في النقب، ومقر قيادة رمات دافيد في تل أبيب، وموانئ حيفا وأسدود وإيلات، ومقارّ شركتي "رافائيل" و"إلبيت" للصناعات العسكرية، ومنصّتا الغاز "تمار" و"ليفياثان"، بجانب المنشأة النووية في ديمونا كهدف محتمل.

هذا يعني أن تركيا تبرز كتحدٍ استراتيجي قادم لإسرائيل، حتى أن لجنة "ناغال" الخاصة بدراسة ميزانية الجيش قدّمت توصياتها للحكومة، جاء فيها أن تركيا تمثل تهديدًا فعليًا، مما قد يُعمّق خطر نشوب صراع مباشر معها. ولذلك لا تُبدي المؤسسة العسكرية والأمنية رغبة في إغضاب "العملاق التركي"، بل تخشى استفزازه، بعكس السلوك الشعبوي للمؤسسة السياسية والحكومة، كما جاء على لسان إيتاي إيلاناي، الصحفي الاستقصائي في صحيفة "إسرائيل اليوم"، المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية والأمنية.

نوعا لازيمي، الباحثة في معهد "ميسغاف" للصهيونية والاستراتيجية الأمنية، استحضرت في مقالها بمجلة "غلوبس" ملاحظة مهمة تتعلق بانخراط تركيا في حلف الناتو، ومصالحها الاقتصادية والأمنية مع الولايات المتحدة، لذا لا يُرجّح أن تخسرها بسبب تصعيد التوتر مع إسرائيل، رغم امتلاكها أحد أكبر وأقوى جيوش الشرق الأوسط، وتحولها إلى قوة عسكرية هائلة في مجال الطائرات الهجومية المسيّرة، وصواريخ باليستية يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، قادرة على بلوغ أي نقطة في إسرائيل.

فضلاً عن ذلك، فلا يخفي الإسرائيليون قناعتهم بأن تركيا قوة إقليمية مهمة؛ مساحتها أكبر من مساحة إسرائيل بـ36 ضعفًا، وعدد سكانها يفوقها بـ9 أضعاف، وناتجها المحلي الإجمالي أعلى بثلاثة أضعاف، وقاعدتها الصناعية متينة أوسع بكثير من نظيرتها الإسرائيلية، وتمتلك جيشًا قويًا، هو التاسع عالميًا، وأسطولها البحري أكبر من نظيره الإسرائيلي.

ورغم التفوق التكنولوجي الإسرائيلي الكبير على الأتراك، إلا أنهم يعملون جاهدين لسدّ الفجوات، مما يستدعي من إسرائيل إدراك حدود قوتها، والتغلب على غرورها، والامتناع عن الاستفزازات، لأن أي هجوم على تركيا سيكون خطأً استراتيجيًا فادحًا، وفقًا لما أورده بوعاز غولاني، أستاذ علوم البيانات واتخاذ القرار في معهد "التخنيون" بحيفا، الذي حذّر في مقال نشرته صحيفة "معاريف".

الخسائر الإسرائيلية الباهظة

بالتزامن مع التوتر السياسي والعسكري، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل بشكل كامل، وإغلاق المجال الجوي لبلاده أمام رحلاتها. ونقلت قناة "آي24" مخاوف الإسرائيليين من تأثير الخطوة على جوانب عديدة من حياتهم اليومية، حيث ستؤدي إلى ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وزيادة تكلفة الواردات، وتمديد مدة الرحلات، وارتفاع الأسعار.

وأفادت مجلة "غلوبس" الاقتصادية أن تركيا أجّلت العديد من الشحنات التي كان يفترض أن تغادر إلى إسرائيل في الأيام الماضية، مما زاد من انخفاض واردات المنتجات منها، حيث استوردت إسرائيل في 2023 سلعًا بقيمة 5.42 مليار دولار، مقارنةً بـ7 مليارات دولار في 2022. وانعكس هذا الانخفاض على الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا، فبلغت في 2023 حوالي 1.5 مليار دولار مقارنةً بـ2.5 مليار دولار في 2022. وفي بداية 2025، أزالت تركيا إسرائيل من قائمة الدول التي تُصدّر إليها، ومن العقوبات الأخرى التي فرضتها تعليق مشاركة وزارة التجارة التركية في المؤتمرات المشتركة مع إسرائيل.

فيما ذكر تقرير صادر عن بنك إسرائيل أن تركيا شكّلت مصدرًا مهمًا للواردات الإسرائيلية على مدار السنوات الـ15 الماضية. ففي 2023، بلغ حجمها 5.3 مليار دولار، بما يمثل 6.3٪ من إجمالي الواردات، وبلغت قيمة الواردات المباشرة 4.6 مليار دولار، إضافة إلى سلع تركية بقيمة 660 مليون دولار جرى شراؤها عبر أسواق خارجية. كما جاء نصف جميع واردات الأسمنت والجبس ومنتجاتهما لإسرائيل، وخُمس جميع واردات الحديد والصلب من تركيا، بجانب كميات كبيرة من البلاستيك ومنتجاته والمركبات والآلات والمعدات الإلكترونية.

أما الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا فظهرت محدودة النطاق، إذ بلغت في 2023 نحو 1.5 مليار دولار، أي 2.5٪ فقط من إجمالي الصادرات، وأبرز منتجاتها الكيميائية والبلاستيك والخردة المعدنية والصلب. ما يعني أن إسرائيل عانت من عجز كبير في ميزان التجارة معها. ومنذ فرض الحظر في مايو، انخفضت الصادرات بمليار دولار، كما تراجع حجم الواردات من 550 مليون دولار شهريًا إلى 100-200 مليون دولار شهريًا. وشمل الانخفاض معظم فئات المنتجات الرئيسية، فيما تشير البيانات التركية إلى توقف تام للصادرات إلى إسرائيل، تماشيًا مع السياسة الرسمية.

هاي إيتان كوهين يانروجاك، الباحث بمركز "ديان" بجامعة تل أبيب والخبير في الشؤون التركية، زعم في مقابلة مع صحيفة "معاريف" أن قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية بالكامل، وإغلاق المجال الجوي، لا يحدث إلا في حالات الحرب. لكنه رأى أن القرار التركي يُمثل أمرًا مختلفًا وأكثر إثارة للقلق، وهو "قطع متعمّد ومخطط له"، مما سيمهّد لتدهور أشد خطورة، لأن التبعات ليست اقتصادية فقط، بل استراتيجية.

وتكمن خطورة الخطوة التركية في كونها غير مسبوقة، وبالتالي فإننا أمام واقع جديد بالغ الخطورة، يمهّد لتطورات أكثر دراماتيكية، تعكس طموحات أردوغان الجيوسياسية الواسعة، والتي سيكون من الصعب إعادة الأمور إلى نصابها لاحقًا.

واعتبرت غاليا ليندنشتراوس، خبيرة الشؤون التركية بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن المقاطعة الحالية التي أعلنتها تركيا ضد إسرائيل تُعدّ غير مألوفة تاريخيًا، فقد صمدت العلاقات التجارية لسنوات في وجه جميع الأزمات، ونجح الجانبان دائمًا في فصل الاقتصاد عن السياسة. مع معطى لافت يكشف أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه صعوبة في الانفصال عن تركيا، حسب ما ذكرته في مقابلة مطولة مع صحيفة "مكور ريشون".

إسرائيل قلقة من النفوذ التركي في سوريا

كشفت صحيفة "معاريف" أن إسرائيل نفّذت هجومًا كبيرًا في سوريا مؤخرًا، بزعم استهداف أنظمة تنصّت خاصة قادمة من تركيا وُضعت في مواقع سورية منذ أكثر من عقد، بعضها في ريف دمشق. فيما ذكر المراسل العسكري عادي نيمان أن الأكاديمية الوطنية للاستخبارات في تركيا خرجت باستخلاصات من الحرب الإسرائيلية مع إيران، شملت تحسين أنظمة الإنذار، وإنشاء ملاجئ، والاستعداد للتهديدات التكنولوجية والصواريخ الباليستية، وتعزيز الحماية من التجسس في الصناعات الدفاعية.

ومع ذلك، لا تزال لدى تركيا نقاط ضعف حرجة تشمل الاعتماد على طائرات F16 القديمة، وغياب نظام دفاعي متعدد الطبقات ضد الصواريخ الباليستية.

آلون ليئيل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية والسفير الأسبق في تركيا، أكد أن المواجهة بين إسرائيل وتركيا أقرب من أي وقت مضى، معلنًا أنه يؤيد أخذ التهديدات على محمل الجد، لأنها نفّذت بالفعل العديد منها مثل وقف التجارة، وستعزز تركيا بشكل غير مباشر كل من يحارب إسرائيل في المنطقة، من دون أن تكون قادرة على تدفيعها ثمن هذه المواقف، ولذلك فهي تستغل الوضع الراهن.

وتتوافق أوساط إسرائيلية عديدة على أن تركيا أخطر بكثير من إيران، وليست مثلها، لا في عزلتها، ولا اقتصادها، ولا طبيعة نفوذها. فهي قوة إقليمية ديناميكية طموحة، قدَمٌ في الغرب، ونفوذ هائل على أوروبا، وإصبع على نبض الشرق، وتمتلك ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، منتشر استراتيجيًا بين روسيا والشرق الأوسط.

وقد تجاوزت صادراتها العسكرية 7 مليارات دولار، بعد أن تضاعفت أربعة أضعاف خلال عقد، وتُصنّع 70٪ من معداتها القتالية محليًا، وهي رابع أكبر مُصنّع للمسيّرات عالميًا. كما جعلتها أنابيب الغاز الطبيعي المارّة عبر أراضيها مفتاحًا للطاقة في أوروبا، مما يتطلب من إسرائيل أن تبادر بخطوة حاسمة لمنع نشوب حرب معها.

تحميل المزيد