ما بعد قمة الدوحة.. خريطة التحالفات تتغير فهل نشهد معادلة جديدة للعلاقات العربية – الإسرائيلية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/19 الساعة 18:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/19 الساعة 18:52 بتوقيت غرينتش
قمة الدوحة-عربي بوست

حملت القمة العربية الإسلامية الطارئة التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، بحسب خبراء سياسيين وقانونيين تحدثوا إلى "عربي بوست" سمات استثنائية على مستويات عدة، جعلها تفتح المجال أمام اتخاذ خطوات عربية وإسلامية "غير تقليدية" و"غير مسبوقة" يمكن أن تغيّر من شكل المنطقة وتحالفاتها التقليدية السابقة.

القمة، التي انعقدت في 15 سبتمبر 2025، جمعت 57 دولة عربية وإسلامية في اجتماع طارئ لمواجهة العدوان الإسرائيلي على قطر، في تحرك دبلوماسي اعتبره المراقبون سريعًا ومنظمًا بطريقة غير مسبوقة.

إنجاز غير مسبوق

وصف الأكاديمي الكويتي الدكتور عبدالله الشايجي القمة بأنها إنجاز كبير لدولة قطر من الناحية التنظيمية والدبلوماسية، إذ تمكنت من جمع سبعة وخمسين دولة تحت سقف واحد خلال فترة قياسية لم تتجاوز ثلاثة أيام. هذا الإنجاز، كما يرى الشايجي، يمثل خطوة دبلوماسية مهمة تعكس إرادة عربية وإسلامية موحدة تجاه القضية الفلسطينية، ويُظهر قدرة الدوحة على تنظيم حدث سياسي وإقليمي بارز في ظرف قصير.

من جانبه، وصف الدكتور أيمن سلامة، الأكاديمي المصري المتخصص في القانون الدولي، القرارات الصادرة عن القمة بأنها "وثيقة دبلوماسية مهمة"، موضحًا أن القمة اتسمت بالحداثة في خطاب قادتها والبنود التي وردت في البيان الختامي. وأضاف أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان استخدما تعبيرات جديدة وغير مألوفة في القمم السابقة.

أما الدكتور عمرو الشوبكي، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد وصف البيان الختامي للقمة بأنه جيد ومقبول للغاية من حيث البنود، مؤكدًا أن إضافة بنود جديدة وجوهرية عززت قوته. وأوضح أن هذه البنود تضمنت إدانة واضحة للعدوان الإسرائيلي على قطر، والتأكيد على التضامن مع الدوحة، ورفض محاولات تبرير الهجمات الإسرائيلية، إلى جانب دعوة لاتخاذ تدابير قانونية ودبلوماسية ضد إسرائيل.

هذه المفردات الجديدة في خطابات الرؤساء العرب تناولتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في تقرير لها، جاء تحت عنوان: "السيسي يُحذّر: السلام في خطر. القادة العرب: على جميع الدول إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل"، وقالت إن القمة العربية الطارئة انتهت، وهاجمت الدول الموقعة على اتفاقيات السلام بشدة، دون خطوات عملية، وسط إدانات لاذعة ودعوة للنظر في تعليق العضوية في الأمم المتحدة، وقد خاطب الرئيس المصري الإسرائيليين قائلاً: "لا تدعوا جهود أجدادنا من أجل السلام تذهب سدى".

مفردات جديدة تجاه إسرائيل

فيما أشار الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن القمة تميزت بالكلمات القوية التي ألقاها قادة بارزون مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ولفت إلى أن التصعيد التركي في القمة عكس استياء تركيا من الهجمات الإسرائيلية على سوريا، حليفتها الاستراتيجية، مؤكدًا أن الخطابين، رغم قوتهما، يحتاجان إلى ترجمة ملموسة إلى أفعال عملية على الأرض.

نفس الأمر ذهب إليه الدكتور أيمن سلامة، من جانبه، فقد أوضح أن الرئيس المصري بدا مدركًا لحساسية الموقف وتأثير تمدد الصراع الإسرائيلي على الأمن القومي المصري، لذلك استخدم تعبيرات دقيقة وصريحة تصف طبيعة الموقف الإسرائيلي، حتى أنه وصفه صراحةً بـ"العدو"، وهو توصيف نادر في خطابات القمم الرسمية. أما الرئيس التركي، فقد قدم مقترحًا جريئًا يتمثل في مشاركة خبرات بلاده العسكرية مع دول الخليج العربي، وهو طرح لم يكن مطروحًا من قبل، ويعكس بروز أصوات جديدة داخل الساحة الإسلامية أكثر جرأة في التعامل مع التحديات الإقليمية.

وأشار سلامة إلى أن المناخ العام للقمة وما تضمنه من مواقف وبنود يعكس رغبة واضحة لدى بعض الدول في إعادة صياغة مقاربتها للتعامل مع النفوذ الإسرائيلي المتزايد في المنطقة، خاصة بعد أحداث "طوفان الأقصى" قبل عامين، التي أحدثت تحولات عميقة في التوازنات الإقليمية. ورغم أنه لا يتوقع موقفًا موحدًا من كل الدول تجاه إسرائيل، إلا أنه شدد على إمكانية استثمار نتائج القمة لفتح مسارات جديدة للتحرك، سواء بشكل فردي أو ثنائي، على غرار ما تقوم به إسبانيا حاليًا من خطوات سياسية منفردة ضد السياسات الإسرائيلية.

في سياق متصل، قال الخبير العسكري التركي كمال أولتشار إن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية رأت في استهداف قطر رسالة إلى تركيا في ظل الوجود العسكري التركي في الدوحة. وأضاف أن خطاب الرئيس أردوغان خلال القمة حمل رسائل متسقة مع الموقف التركي تجاه العدوان الإسرائيلي المتصاعد على غزة والمنطقة منذ عامين، مشيرًا إلى أن تركيا وأذرعها الأمنية في الوفد رافقته بما في ذلك رئيس جهاز الاستخبارات ورئيس دائرة الصناعات الدفاعية التركية، لتأكيد جدية الموقف التركي واستعدادها لمواجهة التحديات الإقليمية. وأشار إلى أن هذا الموقف يعكس وضوح استراتيجية تركيا في مواجهة التمدد الإسرائيلي.

بدوره، قال الكاتب الصحفي التركي شتينار شيتن إن خطاب أردوغان حدد خطوات واضحة لوقف السياسات العدوانية الإسرائيلية، وشدد على المقاطعة الاقتصادية الشاملة، مشيرًا إلى أن تركيا أوقفت كل تعاملاتها التجارية مع إسرائيل منذ نحو عام ونصف، وأن هذه الخطوة تشكل رسالة واضحة للدول العربية النفطية بضرورة الانخراط في إجراءات ضغط مشابهة على إسرائيل. وأضاف شيتن أن هذه المقاطعة، والتي تشمل نحو عشرة مليارات دولار من التبادل التجاري، يمكن أن تؤثر على إسرائيل بشكل كبير إذا ما تضافرت جهود الدول العربية والإسلامية.

هذه الكلمات القوية في القمة العربية، تناولها موقع "ميدل إيست آي" في تقرير له وقال إن القمة الطارئة التي نظمتها قطر في 15 سبتمبر/أيلول بعد أن تعرضت لهجوم إسرائيلي هدفت إلى إظهار موقف عربي إسلامي موحد، وإظهار التضامن مع قطر، واستكشاف استجابة جماعية من شأنها ردع إسرائيل عن المزيد من العدوان وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.

أضاف التقرير أن الاجتماع حضره ممثلون عن كافة الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وألقى رؤساء الدول وممثلوها كلمات قصيرة وطوال الاجتماع، كانت تصريحات الزعماء تحمل نبرة تحدٍ غير عادية. ولقد كانت العديد من هذه التصريحات أكثر حدة من التنديدات التقليدية التي اعتادت الجماهير العربية والإسلامية على توقعها، حيث عبرت عن الغضب الملموس والإرهاق بعد عامين من الإبادة الجماعية الإسرائيلية والحرب الإقليمية الأوسع نطاقًا.

وأضاف: "ذهب بعض القادة إلى أبعد من ذلك، فحثّوا على المقاطعة وإنهاء التعاون مع إسرائيل، بينما طالب آخرون باتخاذ إجراءات جماعية أكثر صرامة. ومن المرجح أن تجذب العديد من البيانات الواردة في البيان الختامي للقمة، فضلاً عن بعض الكلمات، انتباه إسرائيل. على سبيل المثال، تقترح المادة التاسعة تحالفًا أمنيًا ودفاعيًا مشتركًا بين الدول العربية والإسلامية. وفي خطابه، حث أردوغان الدول الإسلامية على قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بشكل كامل، في حين أصر رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على أن تنهي جميع الدول الإسلامية العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وتعزز المادة 15 من البيان كلا المطلبين، حيث تدعو جميع الدول العربية والإسلامية إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومراجعة "العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية" معها".

كما قال التقرير إنه وخلال خطابه، استخدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لهجة مختلفة تمامًا عن المعتاد. فقد وصف إسرائيل بـ"العدو" وحذّر المواطنين الإسرائيليين من أن تصرفات حكومتهم قد عرّضت اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر للخطر. ورغم أنه يبدو من غير المرجح أن تنسحب الدول الأطراف في اتفاقيات إبراهيم منها، فإنه يبدو من المرجح للغاية ألا تفكر أي دولة أخرى في إبرام اتفاق مع إسرائيل في المستقبل المنظور. إن أي هجوم عسكري آخر على قطر ــ أو أي دولة أخرى في مجلس التعاون الخليجي ــ قد يلغي الاتفاقات تمامًا ويدفع إلى إعادة التفكير بشكل كامل في العلاقة الأمنية بين المنطقة والولايات المتحدة.

في حين قال محلل الشؤون العربية والإسلامية تسفي بارئيل في صحيفة هآرتس الإسرائيلية وهو يتناول القمة القطرية: "لم تكن القضية الفلسطينية أو حرب غزة محور نقاش القمة العربية الإسلامية الاستثنائية يوم الاثنين، التي اجتمع فيها حكام ووزراء نحو 75 دولة. صحيحٌ أن هذا المؤتمر كان طارئًا، وألقى على قطر ثِقَلًا كبيرًا من التضامن، إلا أنه كان يهدف قبل كل شيء إلى تبيان الخطر الذي يراه القادة يلوح في الأفق، ألا وهو سيطرة إسرائيل على المنطقة، بدعم مباشر من الولايات المتحدة. وكما قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: "إسرائيل تحلم بأن يكون الشرق الأوسط منطقة نفوذ إسرائيلي".

وأضاف: "لذا، عندما يُصوِّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجوم إسرائيل على قطر على أنه "نجاح" لإرسال "رسالة"، تردّ قطر ودول عربية أخرى بطريقة مماثلة برسالة خاصة بها وضعت إسرائيل في عزلة عالمية، كما أقرّ نتنياهو بالفعل. وهذه العزلة لا تستهدف إسرائيل فقط".

قمة أقوى من القمم السابقة

ما يجعل قمة الدوحة "مختلفة" في بنود خطابها الختامي عن القمم العربية السابقة، هو أن بيانات القمم السابقة لم تتطرق إطلاقًا إلى ما دعت له قمة الدوحة. بالعودة إلى البيان الختامي للقمة العربية الطارئة "قمة فلسطين" – القاهرة، مارس 2025، كان صُلب البيان يركّز على رفض التهجير والدعوة إلى حل الدولتين، بالإضافة إلى التأكيد على أن الخيار الاستراتيجي للدول العربية هو تحقيق السلام العادل والشامل الذي يضمن جميع حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك الرفض القاطع لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وإدانة القرار الإسرائيلي الأخير بوقف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة وإغلاق المعابر.

كذلك اعتمدت تلك القمة خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة المقدمة من مصر، بالتنسيق مع فلسطين والدول العربية، واستنادًا إلى الدراسات التي أجراها البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي، والتأكيد على الأولوية القصوى لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في مراحله الثانية والثالثة، مع الالتزام الكامل من جميع الأطراف، وخاصة إسرائيل، لضمان وقف دائم للعدوان، وانسحاب كامل من غزة، بما في ذلك محور "فيلادلفيا".


أما القمة العربية في بغداد، والتي عُقدت في مايو 2025، فكانت بنود البيان الختامي "شبه مكرَّرة" مع بيان القاهرة في مارس 2025، حيث تضمنت البنود المطالبة بالوقف الفوري للحرب في غزة ووقف جميع الأعمال العدائية التي تزيد من معاناة المدنيين الأبرياء، والترحيب بالمقترحات والمبادرات التي تقدمت بها الدول العربية لإنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة، وأهمية التنسيق المشترك للضغط باتجاه فتح جميع المعابر أمام إدخال المساعدات الإنسانية لجميع الأراضي الفلسطينية، وتشكيل مجموعة عمل مفتوحة العضوية لمتابعة إنشاء صندوق بالتعاون مع الأمم المتحدة، لرعاية أيتام غزة.


كما تضمّن التأكيد على الرفض القاطع لأي شكل من أشكال التهجير والنزوح للشعب الفلسطيني من أرضه، وتحت أي مسمّى أو ظرف أو مبرر، والدعوة إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وعقد مؤتمر دولي للسلام، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية.

تحركات ما بعد القمة.. الحاجة إلى القوة

يرى الدكتور وحيد عبد المجيد، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التحركات الأخيرة في المنطقة والتي جاءت بعد القمة العربية الإسلامية بالدوحة، تكشف عن وعي متنامٍ لدى الدول العربية بضرورة بناء شراكات ثنائية وثلاثية تعزز من الأمن القومي العربي. فالتجربة أثبتت أن الاعتماد على مظلة أمنية خارجية لم يعد كافيًا، وأنه لا سبيل سوى بناء قوة ذاتية عربية تستند إلى التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين دول المنطقة، سواء عبر اتفاقيات ثنائية متينة أو من خلال أطر أوسع تجمع أكثر من طرف عربي وإسلامي.


وفي السياق، يشير عبد المجيد إلى ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن الحاجة إلى جيش عربي قادر على حماية الأمن القومي العربي في مواجهة التحديات، وعلى رأسها الخطر الإسرائيلي المستمر. فهذه الدعوة ليست مجرد شعار، وإنما تعكس إدراكًا لضرورة وجود قوة عربية منظّمة وفاعلة، تُشكِّل رادعًا استراتيجيًا لأي تهديد، وتُعطي للعرب القدرة على التحرك بأدواتهم، بدلًا من الاعتماد الكلّي على قوى أجنبية.


كما يتوقف عند ما طرحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أهمية تبادل الخبرات الدفاعية والعسكرية، معتبرًا أن هذا الطرح يمكن أن يشكّل رافدًا مهمًا لمبادرات التعاون العربي ـ الإسلامي. فالتجارب المتنوعة في مجالات التصنيع العسكري والتطوير التكنولوجي لدى دول كبرى مثل تركيا، يمكن أن توضع في إطار شراكات إقليمية واسعة، تدعم الأمن الجماعي وتمنح الدول العربية خيارات أكثر استقلالية.


أما عن مخرجات قمة الدوحة، فيرى عبد المجيد أنها قد تمثل نقطة انطلاق لشبكة جديدة من الشراكات الدفاعية، ليس فقط بين الدول الخليجية، بل أيضًا مع قوى إسلامية وإقليمية كبرى. فنجاح القمة في جمع الأطراف المختلفة يعكس استعدادًا لتوسيع دوائر التعاون، وخلق مظلة أوسع للأمن القومي العربي، وهو ما يمكن أن يشجع دولًا كانت مترددة في مراجعة سياساتها، بما في ذلك بعض الدول التي اندفعت في مسار التطبيع مع إسرائيل، لتعيد النظر في حساباتها على ضوء المتغيرات الأمنية الراهنة.

مناخ جديد

وبخصوص ما أحدثته القمة القطرية من مناخ سياسي جديد في المنطقة، فقد قالت وكالة "يورو نيوز" في تقرير لها، إن الزعماء العرب والخليجيين انتقدوا خلال قمتهم الطارئة في قطر إسرائيل بسبب هجومها الأخير على قادة حماس في الدوحة، وعرضوا وجهات نظر مختلفة حول ما يجب فعله، مثل إمكانية إغلاق المجال الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية أو تخفيض مستوى العلاقات مع إسرائيل، وهو أمر غير مألوف.


وقال التقرير إن أمير قطر ألقى خطابًا ناريًا، واتهم إسرائيل بعدم الاكتراث لأمر رهائنها في غزة، والعمل بدلًا من ذلك على "ضمان عدم صلاحية غزة للعيش". بينما قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الذي حضر القمة، إن "الإدانات لن توقف الصواريخ، والتصريحات لن تُحرر فلسطين". ودعا إبراهيم إلى "اتخاذ إجراءات عقابية صارمة". في هذه الأثناء، كانت الدول التي لديها اتفاقيات اعتراف دبلوماسي مع إسرائيل مترددة في قطع تلك العلاقات، على الرغم من أن حسام زكي، ممثل جامعة الدول العربية، ذكر أن الدول يمكنها "مراجعتها".


هذا المناخ الجديد، الذي صنعته قمة الدوحة، ظهر كذلك في إشارات واضحة عقب القمة. الإشارة الأولى وهي ما تم الإعلان عنه قبل ساعات، قيام السعودية وباكستان بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك رسمية في وقت متأخر من مساء الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول 2025، في خطوة تعزز بشدة شراكة أمنية قائمة منذ عقود في ظل تنامي التوتر بالمنطقة.


وجاء ذلك بعد أسبوع من ضربات إسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة قلبت الحسابات الدبلوماسية في المنطقة رأسًا على عقب. ويأتي تعزيز العلاقات الدفاعية في وقت يتزايد فيه قلق دول الخليج بشأن مدى إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة بصفتها ضامنًا للأمن.


وهو ما جعل المفكر الكويتي المعروف عبد الله النفيسي يعلّق على الاتفاق بالقول: "مبروك للسعودية وباكستان على الاتفاق الاستراتيجي. هذا أحسن رد على العدوان الإسرائيلي على قطر. السعودية الآن اختارت الحليف الصحيح".
وعلى الرغم من أن الاتفاقية يُجرى النقاش حولها منذ فترة طويلة، إلا أن الإسراع في إبرامها عقب قصف الدوحة، يشير إلى رغبة الدول العربية والخليجية في البحث عن مسارات لتأمين وضعها في المنطقة بعيدًا عن البحث عن "الحماية" الأمريكية غير الفعّالة.
شبكة "سي إن إن" الأمريكية تناولت الاتفاق السعودي الباكستاني بالقول، إنه عندما وقّعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك قبل أيام تجددت التكهنات حول ما إذا كانت الرياض قد أصبحت رسميًا تحت المظلة النووية لإسلام آباد. وقال مسؤول سعودي لوكالة رويترز: "إنها اتفاقية دفاعية شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية".


وتشمل الصفقة التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، ونقل التكنولوجيا، والإنتاج العسكري المشترك، وفقًا لما أكده جمال الحربي، الملحق الإعلامي في السفارة السعودية بإسلام آباد. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، دفعت السعودية والإمارات باتجاه الحصول على ضمانة أمنية أمريكية رسمية، وبعد فشلهما في انتزاع ذلك من إدارة بايدن، وجّه ولي العهد السعودي تحذيرًا صريحًا بأن صبر المملكة على واشنطن قد ينفد.


ويثمّن عبد المجيد الاتفاقية الدفاعية الأخيرة بين السعودية وباكستان، معتبرًا إياها نموذجًا واضحًا على كيفية بناء تحالفات قوية تعزز من القدرات الدفاعية العربية. فباكستان ليست مجرد حليف تقليدي، بل هي دولة نووية كبرى في العالم الإسلامي، وإشراكها في ترتيبات أمنية مشتركة يفتح الباب أمام معادلات جديدة ترفع كفة العرب في مواجهة التحديات الإقليمية، وتمنحهم ورقة قوة إضافية.

الإمارات وإسرائيل


أما المؤشر الثاني الذي ظهر عقب أيام من قمة الدوحة، فهو ما نقلته وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة قولها إن الإمارات قد تخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إذا أقدمت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ضم جزء من الضفة الغربية المحتلة أو كلها. والإمارات واحدة من الدول العربية القليلة التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وسيشكّل تخفيض مستوى العلاقات انتكاسة كبيرة لاتفاقيات إبراهيم التي تُعد إنجازًا مميزًا في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونتنياهو.

واتخذت الحكومة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة خطوات قد تنذر بضم الضفة الغربية التي احتلتها مع القدس الشرقية في حرب 1967. وتعارض الأمم المتحدة ومعظم الدول مثل هذه الخطوة. وقد حذّرت الإمارات حكومة نتنياهو الائتلافية اليمينية هذا الشهر من أن أي ضم للضفة الغربية سيكون "خطًا أحمر"، لكنها لم تذكر الإجراءات التي يمكن أن تلي ذلك.


وقالت المصادر لرويترز إن الإمارات، التي أقامت علاقات مع إسرائيل في 2020 بموجب اتفاقيات إبراهيم، تدرس سحب سفيرها في أي ردّ فعل. وأضافت المصادر، التي تحدثت بعد طلب عدم ذكر أسمائها، أن أبوظبي لا تفكر في قطع العلاقات بالكامل رغم تصاعد التوتر خلال حرب غزة المستمرة منذ نحو عامين.


وقال مصدر في إسرائيل إن الحكومة الإسرائيلية تعتقد أن بإمكانها إصلاح علاقاتها المتوترة مع الإمارات، وهي مركز تجاري كبير يُنظر إليه على أنه أهم الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل في 2020. وشهدت ذات الفترة إقامة علاقات مع البحرين والمغرب. ويأتي الحديث حول الإجراء الإماراتي بعد أيام قليلة من القمة الطارئة في الدوحة والتي ناقشت آثار قصف إسرائيل لقطر.

تحرك خليجي موحّد


أما المؤشر الثالث فقد جاء مباشرة بعد قمة الدوحة، وهو الاجتماع الاستثنائي لمجلس الدفاع المشترك لدول الخليج في الدوحة يوم الخميس، 18 سبتمبر 2025، برئاسة الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن حسن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع بدولة قطر، وحضور وزراء الدفاع بدول المجلس.


حيث أصدر مجلس الدفاع المشترك 5 قرارات رئيسية تهدف إلى تعزيز التكامل الدفاعي الخليجي، وهي:
زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية: من خلال القيادة العسكرية الموحدة، والعمل على نقل صورة الموقف الجوي لجميع مراكز العمليات بدول المجلس.
تسريع أعمال فريق العمل المشترك: الخليجي لمنظومة الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية.
تحديث الخطط الدفاعية المشتركة: بالتنسيق بين القيادة العسكرية الموحدة ولجنة العمليات والتدريب لدول مجلس التعاون.
تنفيذ تمارين مشتركة: بين مراكز العمليات الجوية والدفاع الجوي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن يتبعها تمرين جوي فعلي مشترك.
استمرار العمل والتنسيق والتشاور: على كافة المستويات العسكرية والاستخباراتية، لاستكمال تعزيز التكامل الدفاعي الخليجي، وتكثيف وربط الأنظمة الدفاعية لمواجهة كافة المخاطر والتحديات، بما يضمن تحقيق أمن واستقرار وسلامة كافة دول مجلس التعاون، والتصدي لأي تهديدات أو اعتداءات محتملة.

المناورات المصرية التركية


أما المؤشر الرابع، فهو إجراء قامت به مصر وتركيا، "استمرارًا لتقاربهم وتطبيع العلاقات بينهم والذي بدأ منذ فترة"، حيث أعلنت وزارة الدفاع التركية استئناف مناورات "بحر الصداقة" العسكرية المشتركة بين تركيا ومصر، في شرق البحر الأبيض المتوسط، بعد انقطاع دام 13 عامًا.


وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكي أق تورك، في إحاطة إعلامية بالعاصمة التركية أنقرة، إن مناورات بحر الصداقة التركية ـ المصرية البحرية الخاصة ستجري في شرق المتوسط خلال الفترة ما بين 22 و26 سبتمبر/أيلول الجاري. وأوضح أن المناورات ستجري لأول مرة بعد انقطاع دام 13 عامًا، وذلك بهدف تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز قابلية العمل المشترك بين تركيا ومصر.


ووفقًا للمتحدث، ستشهد المناورات تدريبات بمشاركة الفرقاطتين التركيتين "تي جي غي الريس عروج" و"تي جي غي غيديز" والزورقين الهجوميين "تي جي غي إيمبات" و"تي جي غي بورا"، إضافة إلى الغواصة "تي جي غي غور" وطائرتين من طراز "إف-16″، إلى جانب وحدات من القوات البحرية المصرية. وأكد أق تورك أنه في "يوم المراقبين المميز" من المناورات، والذي سيقام في 25 سبتمبر/أيلول الجاري، ستجري التدريبات بحضور قائدي القوات البحرية لتركيا ومصر.

التنسيق الدولي وخارطة طريق


أما بشأن التنسيق الدولي، فقد أكد عمرو الشوبكي على أهمية دمج مخرجات بيان الدوحة ضمن حراك عالمي أوسع لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، مستغلّين الحراك الشعبي والحكومي في الغرب الداعم للقضية الفلسطينية، لضمان فعالية القرارات والبيانات الصادرة عن القمة. كما أشار إلى ضرورة استثمار الدور الوسيط لمصر وقطر في تعزيز موقف الدول العربية والإسلامية في المحافل الدولية، بالإضافة إلى التنسيق مع الدول الغربية الداعمة للفلسطينيين لضمان توحيد الجهود في مواجهة السياسات الإسرائيلية.


واقترح الشوبكي تشكيل لجنة متابعة تضم ممثلين عن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية لوضع خطة عمل واضحة لتطبيق بنود البيان، تشمل فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، ودعم الدعاوى القانونية أمام المحاكم الدولية، وتعليق العلاقات الدبلوماسية بشكل منسق، وكذلك تعزيز التنسيق مع الدول الغربية لدعم جهود مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.


بدوره، طرح الشايجي رؤية بديلة تتضمن تفعيل آلية الدفاع العربي المشترك والدفاع الخليجي المشترك، واتخاذ إجراءات دبلوماسية رادعة مثل سحب السفراء، ووقف الاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل، ومنع الطيران الإسرائيلي المدني من التحليق في المجال الجوي للدول العربية والإسلامية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات من شأنها تحقيق الردع الفعلي لإسرائيل.


في حين شدّد نافعة على أن العالم العربي يمتلك أوراق ضغط لم تُستغل بعد، تشمل النفط والغاز الطبيعي والموقع الجغرافي الاستراتيجي، الذي يمكن أن يؤثر على الممرات التجارية الحيوية مثل قناة السويس وباب المندب، إضافة إلى فرض قيود على الصفقات الاقتصادية والتسليحية مع إسرائيل، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، ودعم الدعاوى القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

من جانبه، قال المحلل السياسي التركي أوزجان تيكيت إن خطاب أردوغان وضع خارطة طريق للتعامل مع الأزمات التي تخلقها إسرائيل في المنطقة، مؤكدًا ضرورة حل المشكلات داخليًا دون انتظار الدعم الخارجي، وهو ما يعكس استراتيجية تركيا في تقديم نموذج عملي للتعاون بين الدول العربية والإسلامية، لتحقيق انتصارات مستقبلية على إسرائيل خلال السنوات القادمة. كما أوضح تيكيت أن عرض تركيا لتجربتها الدفاعية أمام الدول العربية والإسلامية يشكّل رسالة واضحة لإسرائيل بأن توسيع نفوذها لن يكون ممكنًا، وأن وحدة الدول العربية والإسلامية ستكون العامل الحاسم في مواجهة أي مخطط توسعي.


في سياق متصل، قال الأكاديمي المصري أحمد مجاهد في مقالته التي كتبها في "الأهرام ويكلي"، متناولًا القمة في الدوحة، إن القمة طرحت مقترحات تراوحت بين تخفيض مستوى العلاقات مع إسرائيل، والتحرك القانوني في المحاكم الدولية، وإحياء المقاطعة العربية، وإعادة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك لعام 1950. وسواءٌ بقيت هذه الإجراءات مجرد كلام أم تحولت إلى سياسات، فسيحدد ذلك قدرة النظام العربي على الدفاع عن سيادته.


وأضاف: "إن مبادرة مشتركة، تدعمها المملكة العربية السعودية، الزعيم الخليجي والثقل الإقليمي، والإجماع العربي الأوسع، يمكن أن تعيد الزخم إلى الدبلوماسية العربية، وتجمع بين الضغط على إسرائيل ومشاركة واشنطن، وإعادة تأكيد الوكالة العربية في السياسة الإقليمية".


ويؤكد الدكتور وحيد عبد المجيد أن السياق الإقليمي الحالي يفرض على الدول العربية إعادة تقييم مسار التطبيع مع إسرائيل. فالتجارب خلال السنوات الأخيرة أوضحت أن الرهان على أن التطبيع سيجلب استقرارًا أو يحدّ من السياسات التوسعية الإسرائيلية لم يتحقق، بل على العكس، ازدادت الاعتداءات على الفلسطينيين، وتوسعت المستوطنات، ولم تُظهر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أي نية حقيقية نحو تسوية عادلة. هذا الواقع يفرض على العواصم العربية أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية، وأن توازن بين مصالحها الوطنية والتزاماتها القومية.


ويرى عبد المجيد أن قمة الدوحة، بما حملته من رسائل تضامن عربي ـ إسلامي، قد تكون فرصة عملية لإطلاق حوار جاد بين الدول العربية حول مستقبل التطبيع. فبدلًا من السير في مسارات منفردة، يمكن للعرب أن يعيدوا بناء موقف جماعي يضع شروطًا واضحة لأي علاقة مع إسرائيل، ويربطها بوقف الانتهاكات، واحترام الحقوق الفلسطينية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية. مثل هذه المراجعة لا تعني القطيعة بالضرورة، لكنها تعني امتلاك أوراق ضغط حقيقية تعزز الموقف العربي وتعيد التوازن المفقود في المعادلة الإقليمية.

علامات:
تحميل المزيد