خطة مصرية لنزع ملكيات عقارات على كورنيش النيل.. المرحلة الثانية لتطوير مثلث ماسبيرو تبدأ بـ”ضغوط” على السكان وتعويضات هزيلة

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/26 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/26 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
مبنى ماسبيرو في العاصمة المصرية القاهرة / Getty images

يشهد محيط "مثلث ماسبيرو" وسط العاصمة المصرية القاهرة توترًا متصاعدًا، بعدما تعرّض سكان العقارات المطلة على كورنيش النيل لضغوط كبيرة لمغادرة منازلهم مقابل تعويضات حكومية، اعتبرها السكان هزيلة.

وبدأت السلطات أعمال هدم السور المحيط بمبنى الإذاعة والتلفزيون، في خطوة تفتح الطريق أمام مشاريع عمرانية جديدة تسعى الحكومة المصرية إلى تنفيذها ضمن خطة إعادة استغلال الأراضي المطلة على كورنيش العاصمة.

ويأتي هذا التحرك في إطار استراتيجية أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، تهدف إلى تحويل ضفتي النيل إلى واجهة استثمارية وسياحية حديثة، الأمر الذي يثير جدلاً بين سكان المنطقة، المهددين بالتهجير وخسارة منازلهم.

ضغوطات الحكومة

يقول محمد حسن، اسم مستعار لأحد الأهالي القاطن بالعمارات المحيطة بـ"مثلث ماسبيرو"، والذي فضل عدم التصريح باسمه الحقيقي لحساسية الوضع، لـ"عربي بوست" إن جهات تابعة لمحافظة القاهرة أرسلت منذ نحو عام إخطارات بضرورة إخلاء المنازل بدعوى تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع تطوير مثلث ماسبيرو، رغم أن هذه العقارات تقع خارج المثلث الذي جرى هدمه وتعويضه بأبراج سكنية.

ويضيف أن الملاك لجؤوا إلى المحاكم لتحصين موقفهم القانوني، وقد أنصفتهم الأحكام القضائية، إلا أن المخطط الحكومي ما زال يستهدف هدم عدد من العقارات المجاورة واقتطاع أجزاء من أراضيها لإقامة مشروعات استثمارية لم تُكشف هويتها بعد.

ويرى الأهالي أن الدولة كان يفترض أن تكتفي بالمجمع السكني الجديد الذي أنشأته على أنقاض المناطق العشوائية، دون المساس بالبنايات المخططة والمرخصة أصلاً.

وكشف المتحدث أن سكان المنطقة تلقوا عروضاً غير مقنعة، إذ حُددت التعويضات بنحو 250 ألف جنيه للشقة الواحدة، بينما قيمتها السوقية تتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين، في حين أن المستثمرين يبيعون الشقق الجديدة بأسعار قد تصل إلى عشرين مليون جنيه للوحدات الصغيرة المطلة على النيل.

وبينما تنتظر مئات الأسر مصيرها، يدرك كثيرون أن الاعتراض لن يجدي نفعًا أمام خطط الحكومة. فقد بدأت السلطات بالفعل، منذ أشهر، تجريف الأراضي المحيطة بسور مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون وصولًا إلى مداخله، بعد أن أُزيل الجراج التابع له، ما أجبر الموظفين على ركن سياراتهم في جراجات خاصة أو أراضٍ مجاورة. 

ويشدد المتحدث على أن التهديدات المستمرة دفعت غالبية الأهالي للبحث عن مساكن بديلة خوفًا من الإخلاء القسري، كما حدث في مناطق أخرى تحولت إلى عمارات شاهقة تبدو خالية كالأشباح بسبب ارتفاع أسعارها المبالغ فيه.

وتزامن هذا مع إعلان رسمي صدر قبل أسبوعين عن اجتماع لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع مسؤولين حكوميين، تناول "الفرص الاستثمارية" في بعض الأراضي الفضاء المطلة على الكورنيش، بعد حصرها وتحديد استخداماتها وفق المخططات المعتمدة.

وأكد البيان أن الحكومة تسعى للعمل على تعظيم العائد من مختلف أصول الدولة غير المستغلة، لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصري من خلال إدارتها بفاعلية عبر شراكات مع القطاع الخاص، مشيرا إلى الإسراع بالانتهاء من تقييم هذه الأراضي لطرحها كفرص استثمارية جاهزة.

من عاصمة إدارية إلى "منتجع سياحي" على النيل

تعمل محافظة القاهرة، بتكليف من رئاسة مجلس الوزراء، على إعداد حصر شامل للأراضي المطلة على كورنيش النيل في أحياء: الساحل، روض الفرج، بولاق أبو العلا (غرب القاهرة)، بالإضافة إلى أحياء: دار السلام، المعصرة، حلوان، والتبين(جنوب القاهرة). 

وقد جرى تجهيز ملفات تفصيلية حول تبعية هذه الأراضي، مساحاتها، والجهات المالكة لها، في إطار مشروع حكومي يهدف إلى "حوكمة الأصول" وتعظيم عائدات الدولة منها.

وبحسب مصدر مطلع بالمحافظة، فإن مهمة حصر الأراضي الشاغرة والبنايات القائمة على ضفتي النيل في القاهرة والجيزة أسندت إلى صندوق التنمية الحضرية، المسؤول عن إعادة هيكلة المناطق العشوائية واستثمارها.

وأوضح المصدر في حديثه مع "عربي بوست"  أن الهدف هو طرح هذه المواقع أمام مستثمرين لإقامة فنادق سياحية، مطاعم، وكافيهات ترفيهية، على أن تبدأ عمليات الإزالة قبل نهاية العام الجاري بعد الانتهاء من التفاوض مع السكان وصرف التعويضات المقررة.

وأشار المتحدث إلى أن المرحلة الأولى تشمل سبعة عقارات من محيط فندق هيلتون رمسيس وحتى مبنى وزارة الخارجية تصل إلى أجزاء واسعة من كورنيش النيل، في مسعى لتحويل قلب العاصمة إلى منتجع سياحي متكامل.

هذا التوجه يتناغم مع مشاريع سابقة لإعادة توظيف مبانٍ تاريخية مثل مجمع التحرير، المقرر تحويله إلى فندق فاخر، ومبنى الحزب الوطني المنحل، القريب من ضفاف النيل.

وتُبرر الحكومة هذه السياسات باعتبارها "مشروعات منفعة عامة" ستسهم في تحسين الوجه الحضاري للعاصمة ورفد الاقتصاد المحلي بموارد جديدة، حسب ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بكون الأراضي المطلة على النيل تُقدّر قيمتها بـ"عشرات المليارات من الجنيهات"، وأن طرحها للاستثمار بالشراكة مع القطاع الخاص سيخلق فرص عمل ويضيف قيمة مضافة للاقتصاد.

لكن في المقابل، يثير هذا التوجه تساؤلات حادة بين السكان المتضررين الذين يرون في عمليات الإخلاء تهجيراً قسرياً يبدد مجتمعاتهم القديمة ويحوّل عماراتهم إلى "أشباح"، في وقت لا يعرف فيه أحد ما إذا كان وجه القاهرة التاريخية سيبقى على حاله أم سيذوب في صورة مدينة سياحية جديدة.

استثمارات عربية وتغيير القاهرة التاريخية

في مارس/ آذار 2025 أعلنت وزارة الإسكان عن خطة لبناء تسعة أبراج عملاقة فندقية وإدارية وسكنية في قلب القاهرة، ضمن مشروع تطوير مثلث ماسبيرو المطل على كورنيش النيل، من بينها برجان مخصصان للسكن البديل لأهالي المنطقة الذين جرى تهجيرهم سابقًا.

غير أن هذه الأبراج، رغم ضخامتها، لم تنجح في تحقيق الغرض الأساسي وهو جذب المستثمرين الأجانب والعرب، بحسب ما يؤكد عضو سابق بنقابة المهندسين وأحد قيادات حزب تيار الكرامة المعارض.

وقال المتحدث لـ"عربي بوست" إن استمرار وجود مناطق سكنية قديمة محيطة بالمثلث، ما تزال توصف بالعشوائية، يُعد عائقًا أمام تدفق رؤوس الأموال الضخمة، وهو ما يفسر سعي الحكومة إلى تغيير هوية المنطقة بأكملها، بل لم يستبعد أن يمتد هذا التغيير ليطال مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون الحكومي نفسه خلال السنوات المقبلة.

وبحسب المصدر، فإن شركات إماراتية وسعودية، تتصدرها شركة إعمار الإماراتية، أبدت استعدادها لضخ استثمارات بمليارات الجنيهات شريطة أن تتماشى هوية المنطقة مع الطابع السياحي المطلوب، وهو ما يستلزم تجريف مناطق سكنية قائمة رغم أنها لا تصنف كعشوائيات، إلا أن استجابة الحكومة لمطالب هذه الشركات تفرض إعادة تشكيل المشهد العمراني حول مثلث ماسبيرو بالكامل.

وتبرر الحكومة تبرر هذه السياسات بأنها جزء من مشروع "تطوير القاهرة التاريخية" واستعادة رونقها القديم، لكن المفارقة – بحسب خبير التنسيق الحضاري – أن الأبراج الشاهقة التي يجري تشييدها تناقض تمامًا هذا الهدف، فالمناطق المطلة على كورنيش النيل عند وسط القاهرة تدخل، وفقًا للتصنيف الرسمي، في نطاق القاهرة التاريخية، ما يفترض حمايتها لا تغيير ملامحها.

ويرى الأهالي أن وسط القاهرة قد يتحول خلال سنوات قليلة إلى منطقة استثمارية مغلقة لا مكان فيها للمواطنين العاديين، فالمساكن الشعبية القديمة ستزول، ويُستبدل بها مجتمع جديد يخضع لطبقة من رجال الأعمال العرب والمصريين ما يعني إقصاء سكان المنطقة الأصليين من المشهد الحضري.

وعلى المستوى الرسمي، يواصل وزير الإسكان شريف الشربيني الإشراف على الاجتماعات الدورية للجنة التيسيرية الخاصة بالمشروع، حيث أكد أن مشروع "أبراج النيل ماسبيرو" يضم ثلاثة أبراج بارتفاع 30 طابقًا، تحتوي على 774 وحدة سكنية، إضافة إلى منشأ معلق يربط بينها من الطابق الـ26، مع مساحات تجارية وإدارية وترفيهية في الطوابق السفلية.

تحميل المزيد