قذائف “آر بي جي” وصواريخ ورشاشات.. هكذا تمت عملية تسليم “برج البراجنة” الفلسطيني السلاح للجيش اللبناني

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/22 الساعة 21:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/22 الساعة 21:49 بتوقيت غرينتش
مخيم فلسطيني في لبنان/ الأناضول

كشفت مصادر فلسطينية من وسط المخيمات الفلسطينية في لبنان لـ"عربي بوست" أن عملية تسليم السلاح للجيش اللبناني، التي تمت داخل مخيم برج البراجنة المتواجد بالقرب من العاصمة اللبنانية بيروت، كانت مقصودة لتكون البداية لتفادي أي صدمات قادمة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان والأكثر تعقيداً.

وأضاف المصدر نفسه أن ياسر عباس، نجل الرئيس محمود عباس والمكلّف مباشرة بملف لبنان، هو من قاد مساراً تنظيمياً داخل حركة فتح انتهى إلى إبعاد عدد من الوجوه المحسوبة على الحرس القديم، وإقالات في جهاز الأمن الوطني شملت السفير أشرف دبور، مع بقاء لجنة تحقيق خاصة في بيروت لمتابعة الملف.

وتُظهر المعطيات الميدانية المتوفرة لدى "عربي بوست" أن المرحلة المقبلة ستشهد تحضير دفعات تسليم مماثلة من حيث الحجم والدلالة في مخيم البص–صور، على غرار نموذج برج البراجنة منها كميات محدودة، وآلية منضبطة، ورسائل سياسية مدروسة.

وأشار المصدر نفسه إلى أن الدولة اللبنانية تتعامل مع تسليم السلاح كبداية لمسار وليس خاتمة له، كما أن الرئاسة والحكومة والمؤسسة العسكرية متوافقة على مقاربة متدرجة وهادئة وهي البدءٌ بمخيمات أقل تعقيداً لاختبار الآليات، بعدها التوسع نحو المخيمات الأكبر عندما تنضج الظروف.

في خطوة لافتة، شهد محيط مخيم برج البراجنة المتواجد على مشارف العاصمة اللبنانية بيروت عملية تسليم السلاح للجيش اللبناني، وذلك استجابة للقرار الحكومي القاضي بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط.

وعرفت العملية تسليم حمولة نصف شاحنة تضم رشاشات دوشكا، وقذائف آر بي جي، ومدافع B10، وصواريخ من عيار 107، إضافة إلى كميات متنوعة من الذخائر.

وأفادت مصادر أمنية لبنانية لـ"عربي بوست" بأن الجيش فرض طوقاً أمنياً منذ ساعات العصر، وبدأت العملية قرابة السادسة مساءً بشكل منظم ومن دون أي احتكاكات. 

ووفق التصنيف الأمني، فقد اعتُبر ما جرى تسليمه أسلحة متوسطة وثقيلة محدودة الكمية، مع تأكيد عدم وجود صواريخ بعيدة المدى ضمن المضبوطات.

اعتقال شادي الفار

تزامنت العملية مع توقيف شادي الفار، المسؤول السابق في الأمن الوطني الفلسطيني، داخل أحد فنادق وسط بيروت، في خطوة ربطتها المصادر بامتناعه عن تسليم ما كان في عهدته من السلاح بعد إقالته من مهامه.

وتشير المعلومات إلى أن جزءاً مما استلمه الجيش مرتبط مباشرة بما كان يديره الفار، موضحة أنّ لدى الجيش لوائح جرد مسبقة ساعدت في تثبيت الأسلحة المسلّمة ومطابقتها، بما ينسجم مع الآلية الموضوعة بالتنسيق مع لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني المكلّفة بمتابعة شؤون المخيمات.

من جهتها قالت برلمانية لبنانية لـ"عربي بوست"، فضلت عدم ذكر اسمها، إن اختيار برج البراجنة كبداية يحمل رسالة سياسية وأمنية معاً، وهو كسر الحاجز النفسي حول تسليم السلاح، خاصة أن فصائل فلسطينية صرحت بأن ما حدث يعتبر شأن تنظيمي داخلي يخصّ حركة فتح حصراً، وأن سلاح الفصائل المرتبط بحق العودة غير مشمول. 

وأضافت المتحدثة أن هناك حالة من تضارب الرسائل داخل فتح قبل تسليم السلاح للجيش اللبناني، وأن ما صودر داخل مكاتب الفار، أسهم في تغذية الانطباع بأنّ الخطوة أقرب إلى اختبار نيات منها إلى عملية شاملة. 

وأكدت أنّ البدء بالحد الأدنى كان الهدف منه تقديم نموذج قابل للتكرار في مخيمات أخرى، وهو ما تُرجمه الإشارة المبكرة إلى تحضيرات في مخيم البص–صور، ومخيم البداوي في طرابلس.

ومنذ اتفاق القاهرة الذي قضى بانتقال قادة الفصائل الفلسطينية إلى لبنان عام 1969، وما تلاه من حروب وتفاهمات، بقي سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان ملفاً مركّباً يتقاطع فيه الأمني بالسياسي، واللبناني بالفلسطيني والإقليمي.

ومن بين محاولات الضبط بعد اتفاق الطائف في العام 1989، وانفجارات دورية في مخيمات كعين الحلوة، تَشكّل عرفٌ فعليّ بأن السلاح الخفيف والمتوسط واقع دائم داخل المخيمات، فيما يُحتفَظ بما هو أثقل في الظلّ. 

تسليم سلاح المخيمات بين فتح وحماس

في المقابل كشفت مصادر فلسطينية التشدد في الانضباط داخل المخيمات الفلسطينية جاء بعد زيارة الرئيس عباس إلى بيروت في أيار/مايو الماضي، ويهدف إلى قطع الطريق أمام أجنحة داخل الحركة تتحفّظ على ربط أي مسار تسليم السلاح بتفاهمات سياسية مع الدولة اللبنانية والجانب الأميركي، خشية أن يُقرأ ذلك كتنازل داخل قواعد فتح.

ورغم أن هذه الصرامة ساعدت في ضبط إيقاع عملية التسليم الأولى ومنع التشويش عليها، إلا أنها أثارت نقاشاً داخلياً تجلّى في موافقة بعض قادة فتح على بيان الفصائل الرافض للخطوة بالتزامن مع تنفيذها.
في المقابل، ورغم أن حركة حماس لم تعلن رفضاً علنياً لما جرى في برج البراجنة، إلا أنها تتعامل مع الملف بحذر شديد. فالحركة مقتنعة بأن فتح تحاول عبر تسليم رمزي إعادة تثبيت حضورها في المخيمات، وأن الدخول في مواجهة مباشرة سيضرّ بالصورة الشعبية التي راكمتها بعد "طوفان الأقصى". 

وكشف مصدر فلسطيني في لبنان إلى أن حماس تراهن على أن تعقيدات المخيمات الكبرى، خصوصاً عين الحلوة، ستجعل مسار التسليم متقطعاً ومتعثراً، مدركة في الوقت ذاته أن هناك ضغوطاً لبنانية وإقليمية تستهدف جرّها إلى خيار مماثل.

وتبدي الحركة استغرابها من الموقف الرسمي اللبناني الذي يطالبها بتسليم سلاحها، في وقت يرفض فتح قنوات سياسية مباشرة معها، مكتفياً بالتواصل عبر الأجهزة الأمنية فقط.

ماذا بعد مخيم البراجنة؟
يبقى مخيم عين الحلوة العقدة الأصعب في ملف السلاح الفلسطيني بلبنان، فالمخيم الأكبر والأكثر تشابكاً يضم مزيجاً من تشكيلات منظمة التحرير، إلى جانب مجموعات سلفية جهادية وشبكات صغيرة شديدة الحركة. 

وتشير مصادر أمنية لبنانية لـ"عربي بوست" إلى أن جولات القتال في تموز/يوليو 2023 كشفت هشاشة خطوط التماس وسرعة الانزلاق إلى العنف، ما يجعل أي مسار لنزع السلاح هناك رهناً بحزمة ضمانات أوسع من مجرد التنسيق مع منظمة التحرير.

فالمطلوب، وفق هذه المصادر، تفاهمات فلسطينية داخلية، ومواكبة أمنية لبنانية مكثفة، وفتح قنوات تواصل مع المجموعات غير المنضوية رسمياً، وفي هذا السياق يبرز العامل الإقليمي، حيث يتزايد التعويل على دور القيادة السورية الجديدة للتأثير على فصائل وشبكات لطالما احتفظت دمشق بقنوات اتصال معها، سواء عبر الضغط المباشر أو عبر وساطات ميدانية محلية. 

وتؤكد المصادر أن أي تقدم في عين الحلوة بلا غطاء كهذا سيبقى هشاً، لأن المجموعات الجهادية الصغيرة قادرة على تعطيل مسارات كبيرة بعمليات خاطفة.

وتُظهر المعطيات الميدانية أن المرحلة المقبلة ستشهد تحضير دفعات تسليم مماثلة من حيث الحجم والدلالة في مخيم البص–صور، على غرار نموذج برج البراجنة: كميات محدودة، آلية منضبطة، ورسائل سياسية مدروسة.

ويُقاس مدى جدية هذا المسار بثلاثة مؤشرات أساسية: انتظام عمليات التسليم في صور والشمال، انخفاض الحوادث المرتبطة بالسلاح الفردي داخل المخيمات، وظهور قنوات فلسطينية–فلسطينية فاعلة لإدارة الخلافات بعيداً عن لغة السلاح.

وإذا تحقق تحسّن متدرج في المؤشرين الأولين، يصبح من الواقعي التطلع إلى المؤشر الثالث، أي بناء إطار داخلي أكثر صلابة يحدّ من ظاهرة السلاح العابر للفصائل.

أما فلسطينياً، فتؤكد مصادر من داخل المخيمات أن حركة فتح تراهن على نجاحات تدريجية لترميم صورتها التنظيمية، فيما تختار حركة حماس إدارة التنافس بعيداً عن مواجهة مباشرة مع الدولة اللبنانية.

وهو ما يفسّر اندفاع فتح إلى تقديم خطوة برج البراجنة كجزء من مسار متكامل، مقابل خطاب حماس الذي يصرّ على التمسك بسلاح المقاومة كعنوان للقضية. 

وفي المسافة بين الخطابين، تسعى قوى أخرى — من داخل منظمة التحرير وخارجها — إلى إبقاء الجسور مفتوحة مع الطرفين، وترك مخرج تفاوضي إذا انتقل الملف إلى مخيمات أكثر تعقيداً.

الموقف اللبناني

يشير مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أن الدولة تتعامل مع التسليم كبداية لمسار وليس خاتمة له. وأن الرئاسة والحكومة والمؤسسة العسكرية متوافقة على مقاربة متدرجة وهادئة: بدءٌ بمخيمات أقل تعقيداً لاختبار الآليات، وتوسيعٌ مدروس نحو المخيمات الأكبر عندما تنضج الظروف. 

وتشير المصادر إلى أنّ الجيش يحتفظ بلوائح جرد محدثة تقدَّم تباعاً بالتنسيق مع منظمة التحرير، وأنّ أي انتقال إلى مراحل لاحقة سيُقاس بسلاسة التنفيذ في مدينة صور أولاً ومخيم البداوي ثانياً، كيف حضور أوسع لفصائل غير "فتحاوية" وتحديداً لحركتي الجهاد وحماس، مع مراقبة ارتدادات الخطوة على الأمن الداخلي للمخيمات.

وهذه الخطوة وفق المصدر هي جزء من خطة الحكومة المرتكزة على الورقة الاميركية التي قدمها المبعوث الأميركي توماس باراك، بدليل أنه أول من هنّأ الحكومة وحركة فتح على النزع الطوعي للسلاح في مخيمات بيروت، باعتبار الخطوة جزءاً من مقاربة أوسع لضبط السلاح غير الشرعي.

وتضيف المصادر أن الدولة اختارت هذه الخطوة بهذا التوقيت ربطاً بوجود وفود اجنبية وهي من الكونغرس الأميركي، والمبعوثة مورغان أورتاغوس التي ستربط بين دعم الجيش اللبناني واستمرار تنفيذ هذا المسار، إلى جانب ملفات متداخلة كالتعاطي مع النزوح السوري وترسيم الحدود.

تجدد الخطوة النقاش القديم: هل ثمّة مقايضة بين السلاح والحقوق؟ حقوقيون فلسطينيون يحذرون من اختزال الملف في صندوق ذخيرة يُسلّم أو يُحجز، ويطالبون بسلةٍ متكاملة تشمل حقوق العمل والتملّك وإدارة الشأن البلدي داخل المخيمات، ومعالجة ملف المطلوبين قضائياً بما يتيح إنهاء اقتصاد السلاح. 

وتضيف المصادر الفلسطينية في المخيمات تساؤلات حول حوكمة البناء داخل المخيمات المقامة جزئياً على أراضٍ يطالب بها أصحابها أو أوقاف دينية، وتدعو إلى إطار قانوني يمنع النزاعات العقارية عند الانتقال إلى ترتيبات أمنية جديدة. 

من جهتها قالت مصادر لبنانية بأنّ أي بحث حقوقي يحتاج مظلة سياسية وتشريعية لا تملكها المؤسسة العسكرية وحدها، وأنّ النقاش سيواكب التنفيذ لكنه لن يسبقه.

في هذا الإطار يشير المحلل السياسي إبراهيم ريحان لـ"عربي بوست" إلى أن خطوة برج البراجنة تضع الملف على سكة اختبار ممتد: اختبار قدرة فتح على ضبط بيتها الداخلي وتحمّل كلفة القرار، واختبار مرونة باقي الفصائل في إدارة الزخم الشعبي دون التصادم مع الدولة، واختبار الدولة اللبنانية في موازنة ضرورات الأمن مع استحقاقات الحقوق، واختبار الوسطاء الإقليميين في توفير غطاء للمراحل الأصعب وعلى رأسها عين الحلوة. ت

ووفق ريحان فإن متابعة المسار لن يكون خاطفاً ولا صاخباً، وأنّ قياسه سيتم بتراكمات صغيرة قابلة للتكرار أكثر مما سيُقاس بلقطة واحدة على مدخل مخيم. لذا فإن أي نجاح أمني سيحتاج ترجمةً حقوقية وإنسانية، وإلا ستبقى دوائر الفراغ قادرة على إعادة تدوير السلاح بأشكال جديدة.

ويشير إلى أن ما جرى ليس نهاية لملف السلاح الفلسطيني في لبنان ولا حتى بدايته الأولى، بل هو بداية قابلة للقياس في مخيمٍ واحد، تُختبر على ضوئها فرص الانتقال إلى المخيمات الكبرى.

بالإضافة إلى أنها تُقاس به قدرة الأطراف على تثبيت معادلة جديدة: سلاحٌ منضبط تحت سقف الدولة، يقابله إطار حقوقي وإداري يُنهي اقتصاد الفوضى داخل المخيمات. وبين هاتين الكفتين، ستتقرر سرعة — وربما إمكانية — انتقال التجربة من رمزية برج البراجنة إلى عقدة عين الحلوة.

تحميل المزيد