ضبط الحدود ووقف تهريب السلاح.. كواليس لقاءات “غير معلنة” بين دمشق وبيروت لحصر أنشطة حزب الله في سوريا

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/15 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/15 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
اجتماع للحكومة اللبنانية والذي انتهى بقرار نزع سلاح حزب الله وحصره بيد الجيش (رويترز)

كشفت مصادر لـ "عربي بوست" عن عقد اجتماع أمني غير معلن بين مدير المخابرات السورية اللواء حسين سلامة ونظيره اللبناني طوني قهوجي، تضمنت نقاشاً حول سبل ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح بين البلدين.

وقالت المصادر إن الجانب السوري قدم عرضاً مفصلاً لما يعتبره تجاوزات خطيرة من قبل حزب الله داخل الأراضي السورية، بدءاً من تخزين أسلحة متطورة، بينها صواريخ دقيقة، على الحدود اللبنانية – السورية في مناطق البقاع.

تأتي هذه الاجتماعات بالتزامن مع تحركات الإدارة السورية الجديدة في إعادة ضبط سياستها تجاه حزب الله، الحليف الأول لسوريا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، هذا الأخير الذي أعطى للحزب حق المرور المفتوح عبر الحدود السورية والتموضع في أراضيها كما يشاء.

اجتماعات غير معلنة

وكشف مصدر حكومي لبناني لـ "عربي بوست" عن اجتماعات أمنية "غير معلنة" بين مدير المخابرات السورية اللواء حسين سلامة ونظيره اللبناني طوني قهوجي في العاصمة السعودية الرياض بحضور وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والمبعوث السعودي الخاص بلبنان وسوريا الأمير يزيد بن فرحان.

وقال المصدر أن مدير المخابرات السورية أكد على ضبط محاولات تهريب شحنات أسلحة نوعية إلى لبنان، آخرها صواريخ "كورنيت" المضادرة للدروع، مؤكداً تجاوز حزب الله لما وصفه بـ "الخطوط الحمراء عبر تدخله في أحداث السويداء الأخيرة".

وأشار المصدر الحكومي اللبناني إلى أن الطرف السوري كان صريحاً خلال اجتماع، وأخبر الطرف اللبناني أن زمن التساهل مع أنشطة حزب الله قد انتهى، وأن "سوريا الجديدة لن تسمح باستخدام أراضيها كممر أو منصة لأي قوة مسلحة خارج إطار سيادتها"، على حد تعبيره.

ومنذ وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم، تغيّر منطق إدارة الدولة السورية لعلاقاتها مع القوى المسلحة غير الرسمية، وفي مقدمتها الحزب الذي كان يوماً جزءاً من منظومة الأمن القومي السوري. 

وأحبطت الإدارة السورية الجديدة مجموعة من تحركات حزب الله، خصوصاً العسكرية سواء على الحدود مع لبنان أو في عمق الأراضي السورية، وفق ما أكدته مصادر لـ"عربي بوست". كما تكثّف دمشق تنسيقها مع عدد من الدول الإقليمية لوقف جميع أنشطة الحزب داخل الأراضي السورية، وطي صفحة إرث الأسد الذي دمج الحزب في بنيتها الأمنية.

من شراكة الساحات إلى تضارب الحسابات

على مدى ثلاثة عقود، كانت العلاقة بين دمشق والحزب علاقة وظيفية متبادلة؛ فالحزب يستفيد من الأراضي السورية لتخزين السلاح والتدريبات العسكرية والعبور من وإلى إيران، والنظام السوري كان يستخدم خبراته وشبكاته للتمدد إقليمياً وتأمين خطوط الإمداد من إيران. 

وهذا النموذج تعمّق بعد الثورة السورية سنة 2011، عندما دخل الحزب ميدانياً في المعارك الكبرى داخل سوريا، من القصير إلى الزبداني والقلمون، وامتدت سيطرته إلى مناطق حدودية حساسة، حتى بات يملك نفوذاً موازياً لسلطة الدولة هناك داخل الأراضي السورية.

لكن مع سقوط نظام الأسد، وتولي نظام المعارضة الحكم تغير كل شيء، فالمشروع الجديد للقيادة السورية يقوم على إعادة صياغة علاقاته الداخلية والخارجية، من خلال التأكيد على السيادة، وضبط الحدود.

وتقول القيادة السورية الجديدة، إن إبقاء العلاقة مع حزب الله على ما كان في عهد الأسد، يُبقي سوريا في دائرة الاستهداف الإسرائيلي، ويُعيق انفتاحها على المحيط العربي، ويجعلها أسيرة لأجندات إقليمية لا تتطابق مع مصالحها.

التنفيذ على الأرض

ولم تكن اجتماعات الرياض نظرية، بل انتقل النظام السوري الجديد إلى تطبيق بنود الاتفاق الشفوي الذي تم إبرامه مع الطرف اللبناني بحضور الطرف السعودي، وذلك في كل ما يخص أنشطة حزب الله داخل الأراضي السورية.

وكشف مصدر أمني سوري لـ"عربي بوست" أن العمليات الأمنية السورية جاءت لتؤكد ما طُرح في الرياض، أبرزها كان إحباط محاولة تهريب شحنة من صواريخ "كورنيت" المضادة للدروع من ريف دمشق باتجاه الأراضي اللبنانية.

العملية، التي نُفذت بالتنسيق بين الأمن العام السوري وجهاز أمني عربي، كشفت عن شبكة تهريب يقودها عناصر من بقايا النظام السابق، على صلة مباشرة بالحرس الثوري الإيراني والحزب.

وهذه الواقعة، وفق مصادر أمنية سورية، لم تكن معزولة، بل جزء من سلسلة مسارات تهريب ما زالت فاعلة، وتفتح الباب أمام استهداف إسرائيلي مباشر للبنى التحتية السورية، وهو ما تعتبره القيادة الجديدة تهديداً مباشراً للاستقرار ومسار الانفتاح على الخليج والدول العربية.

وبحسب المصدر ذاته، فإن الحكومة السورية تدعم لبنان في القرار الذي اتخذته الحكومة الأسبوع الماضي، والذي ينص على حصر السلاح بيد الجيش فقط هو أمر مهم وأساسي في عملية توقيف أنشطة حزب الله على الأراضي السورية.

وقال المصدر إن الدولة السورية وحتى هذه اللحظة تجهض عمليات نقل سلاح إلى لبنان عبر جماعات تابعة لحزب الله، أو تصدير مخدرات عبر سوريا إلى دول خليجية، الأمر الذي ستكافحه دمشق بكل قدراتها.

الساحل والهرمل والسويداء

وفي السياق ذاته، أكد المصدر الأمني السوري أن أنشطة حزب الله لم تقتصر على الحدود البرية السورية فقط،  ففي الساحل السوري، رصدت المخابرات تحركات ميدانية لمناصرين لنظام بشار الأسد وجماعات تابعة للحزب.

وأضاف المصدر نفسه أن الإدارة السورية ربطت تحركات جماعات حزب الله، وجماعات الفلول بكل الأحداث المآساوية التي جرت في الساحل السوري  شهر آذار/مارس 2025، والتي أودت بحياة المئات من السوريين.

وأكد المصدر الأمني السوري أن التحقيقات التي أشرفت عليها المخابرات السورية أكدت أن أحداث الساحل السوري مرتبطة بتحركات أشرفت عليها كوادر ميدانية من حزب الله من منطقة الهرمل وسط لبنان.

وأشار إلى أن نتائج هذه التحقيقات دفعت دمشق إلى إعادة نشر قواتها في الساحل، وتعزيز نقاط المراقبة، وإبلاغ الجانب اللبناني بأن أي نشاط غير منسق سيقابل برد حازم، اضافة لأن الجيش السوري عزز حضوره على النقاط الحدودية، بما فيها المعابر غير الشرعية على طول الحدود، وتحديداً القصير السورية.

في الجنوب السوري، لم يغب حزب الله عن مشهد الاضطرابات في السويداء، حسب المصدر الأمني السوري فإن نتائج التحقيقات أكدت أن كوادر في الحزب أجروا اتصالات مع مجموعات محلية، وعرضوا دعماً لوجستياً وإعلامياً لتحركاتها.

وأشار المتحدث إلى أن دمشق تعاملت مع هذه المعلومات الاستخباراتيو على أنها محاولة لإبقاء بؤر توتر مفتوحة داخل البلاد، وأبلغت الأطراف العربية والدولية المعنية بما لديها من أدلة.

وحاول "عربي بوست" التواصل مع أكثر من قيادي من حزب الله لإضافة موقف الحزب من التحركات السورية الجديدة، إلى أن هذه القيادات أكدت على وجود قرار من مجلس الشورى يمنع التصريح بخصوص كل ما يتعلق بالموقف السوري الجديد.

استراتيجية سورية جديدة

ولمواجهة تحركات حزب الله داخل الأراضي السورية، بدأت دمشق في تنفيذ خطة أمنية متكاملة لضبط الحدود مع لبنان، تشمل نشر وحدات إضافية من الجيش والقوى الأمنية في النقاط الحساسة، واستخدام تقنيات مراقبة واستطلاع متطورة.

وكشف المصدر الأمني السوري لـ"عربي بوست" أن الجيش السوري بدأ في ملاحقة شبكات التهريب التي تضم مزيجاً من عناصر حزب الله وبقايا أجهزة أمنية سابقة وعصابات تهريب ناشطة.

كما يجري إعادة تموضع دوري للقوى الأمنية لضمان الانضباط الكامل، في إطار مشروع أوسع لإعادة تعريف العلاقات مع لبنان، وحصر أي حركة عسكرية أو لوجستية عبر الحدود في الإطار الرسمي وحده.

في خضم هذه التحركات، جاءت زيارة وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري محمد عنجراني المعروف بقربه من الرئيس أحمد الشرع إلى بيروت في 10 آب/أغسطس 2025 لتضيف بُعداً سياسياً للمشهد.

وقالت مصادر أمنية لبنانية فإن المسؤول السوري عقد لقاءً مع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام، تناول ملف الموقوفين السوريين، ونقل رسالة دعم لموقف الحكومة الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة.

وأضافت المصادر نفسها أن هذه الزيارة، وإن جرت تحت عنوان إداري، حملت في طياتها رسالة سياسية واضحة كون أن دمشق الجديدة تتبنى المسار العربي الهادف إلى إنهاء الوضعية الخاصة لسلاح الحزب في لبنان، وترى في ذلك جزءاً من حماية أمنها القومي.

وحاول "عربي بوست" التواصل مع أكثر من قيادي من حزب الله لإضافة موقف الحزب من التحركات السورية الجديدة، إلى أن هذه القيادات أكدت على وجود قرار من مجلس الشورى يمنع التصريح بخصوص كل ما يتعلق بالموقف السوري الجديد.

تحميل المزيد