إعادة إعمار السودان ليست على أولويات الحكومة المصرية.. مصادر: وقف الحرب أولاً، وتأمين الحدود وعودة اللاجئين أهداف رئيسية

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/15 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/15 الساعة 06:10 بتوقيت غرينتش
إعادة إعمار السودان ليس على أولويات الحكومة المصرية

عاد رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس إلى بلاده، قبل أيام، عقب انتهاء أولى جولاته الخارجية إلى العاصمة المصرية القاهرة، لكن دون أن تحقق الزيارة المأمول منها تحديداً على مستوى المشاركة المصرية الفاعلة في ملف إعادة الإعمار الذي كان محل نقاشات ومؤتمرات رسمية قبل عدة أشهر.

وكان من المتوقع أن تكلل زيارة رئيس الوزراء السوداني للقاهرة بالإعلان عن خطوات التنسيق المشترك بين الجانبين، غير أن مصادر مصرية كشفت عن عدم وجود "حماس" لدى القاهرة نحو الانخراط في جهود إعادة بناء المنشآت التي دمرتها الحرب دون التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب بالرغم من تشكيل حكومة انتقالية جديدة تتولى زمام الأمور في السودان.

كلفة باهظة

وقال مصدر دبلوماسي مصري، إن ملف إعادة الإعمار لم يكن ضمن الملفات الرئيسية على هامش الزيارة وكان التركيز منصباً على نحو أكبر بشأن كيفية التنسيق المصري السوداني بشأن قضية مياه النيل قبل أيام من افتتاح إثيوبيا سد النهضة بشكل رسمي دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتشغيله.

هذا بالإضافة إلى أوضاع الجالية السودانية في مصر، والتنسيق بشأن تسهيل مغادرة من يرغبون في العودة إلى بلادهم، وكذلك ملف المحبوسين من السودانيين على ذمة قضايا مختلفة داخل السجون المصرية، ونهاية بقضية الحدود وتأمينها في ظل مساعي مصرية لتحقيق سيطرة كاملة بالتعاون مع الجانب السوداني لسد ثغرات التهريب.

وأضاف المصدر ذاته، أن القاهرة لن تتراجع عن دورها في إعمار السودان، وأن الشركات مستعدة للذهاب إلى هناك غير أن ذلك لن يكون ذي جدوى بدون وقف الحرب، وهو ما تهدف القاهرة لتحقيقه خلال الأيام المقبلة قبل تدشين عمل شركات المقاولات، بخاصة وأن هناك كلفة باهظة سوف تتحمل الحكومة المصرية جزء منها في ظل تحمل أعباء وجود أكثر من 10 ملايين سوداني على الأراضي المصرية، ما يجعل الرؤية الاستراتيجية المصرية تتركز على التوصل لاتفاق سياسي ينهي الحرب قبل أن يصل السودان إلى نقطة التقسيم في ظل تسمية الدعم السريع لحكومة موازية في دارفور.

وشدد المصدر ذاته على أن مصر تدعم مؤسسات الدولة السودانية، ولكنها في الوقت ذاته تخشى من تهديد مصالحها وأمنها القومي وترى في الانصياع لرؤى الاستمرار في الحرب لا تخدم رغبتها في تهدئة الصراع نحو الجبهة الجنوبية لمزيد من التركيز على الأخطار المحيطة على الحدود الشمالية الشرقية مع قطاع غزة، وتخشى من وجود مكونات سياسية وأيديولوجية لا تتماشى مع رؤيتها بأن يتم استيعاب كافة القوى التي تحمل السلاح داخل جيش قومي واحد، واستعادة المسار الديمقراطي الذي يخفف من وتيرة الصراعات القبلية لأن استمرارها سيعد دافعا رئيسيا نحو تفتيت السودان.

وذكر المصدر ذاته أن القاهرة تنظر إلى الحكومة السودانية كونها ممثلاً شرعياً حظي بدعم من الاتحاد الأفريقي بعد أن رفض مجلس الأمن والسلم مؤخراً الاعتراف بوجود حكومة موازية للدعم السريع، ولديها رغبة في تقديم كافة أشكال العون والدعم مع ضرورة وقف الحرب وليس استمرارها، لافتاً إلى أن القاهرة تدعم أن يكون هناك تنسيق مشترك بما يضمن تدفق التجارة بين البلدين مع ضرورة ضمان تأمين المناطق الحدودية بخاصة في المثلث الحدودي.

أمر مستبعد طالما استمرت الحرب

وعقد رئيسا وزراء البلدين قبل أيام جلسة مباحثات رسمية تناولت أطر ومشاريع التعاون، وجدد الجانب المصري دعمه الكامل لحكومة السودان، وكافة المساعي الرامية للحفاظ على مؤسساته الوطنية ورفض أي تهديد لوحدة السودان وسلامة أراضيه، والوقوف إلى جانب تطلعات الشعب السوداني في التقدم والازدهار وتحقيق أهدافه في إعادة الإعمار والتنمية.

وأكد الجانبان، خلال المباحثات الثنائية، على أهمية النظر في عقد اللجان المشتركة، على أن تقوم الجهات المعنية في البلدين بتحديد التوقيتات المناسبة في هذا الشأن. كما ناقش الجانبان تطوير التعاون في مجال الاستثمار والفرص المتاحة للشركات المصرية للاستثمار في عدد من المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية للسودان، لا سيما مع استشراف مرحلة إعادة الإعمار، دون أن يحمل البيان الصادر إشارة إلى أن توقيتات محددة.

وبحسب مصدر سياسي سوداني مطلع على تفاصيل زيارة كامل إدريس إلى القاهرة، فإن اختيار القاهرة لتكون أول زيارة خارجية لرئيس الحكومة يعد أمر طبيعي وفقاً للعلاقات التاريخية بين البلدين، وكان من المتوقع، رغم التحفظات لدى بعض السودانيين على تشكيل حكومة انتقالية في ظل الحرب، أن تأتي بنتائج إيجابية.

بعد استعادة الخرطوم.. لماذا يستهدف الدعم السريع شرق السودان؟
قائد قوات "الدعم السريع" حمدان دقلو، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان – عربي بوست

غير أن ذلك – بحسب المصدر ذاته – تبدد بفعل اختيار الفريق المصاحب له للزيارة، والتي خلت من وجود وزير المالية أو وزير البنية التحتية، وبالتالي فإن ذلك قلص من فكرة مناقشة ملف إعادة الإعمار منذ بدء الزيارة، وبرهن على أن السودان يدرك بأن مسألة إعادة الإعمار بالنسبة للدولة المصرية أمر مستبعد طالما استمرت الحرب.

وأكد أن البيان الختامي للزيارة تطرق إلى مسألة الإعداد لوضع خطط أو رؤية لإعادة الإعمار ما يشير لكون الأمر مستقبلياً، مشيراً إلى أن المطالب المصرية المستمرة بضرورة وقف الحرب "قد لا يروق للبعض داخل السودان ممن يستفيدون من استمرارها"، على حد تعبيره، بخاصة وأن وزير الخارجية المصري في جميع جولاته الخارجية يعيد التأكيد على هذا الأمر في حين أن هناك عوار على مستوى التنسيق الدبلوماسي بين البلدين نتيجة لعدم تعيين وزير للخارجية في الحكومة الانتقالية حتى الآن.

وذكر أن كواليس الزيارة شهدت تأكيداً من القاهرة على أن ينفتح مجلس السيادة السوداني على نحو أكبر للتجاوب مع دعاوى وقف الحرب، ولعل الزيارة التي قام بها الفريق عبدالفتاح البرهان إلى سويسرا ولقائه مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تشير إلى أن ضغوط القاهرة بدأت تجني ثمارها، غير أن ذلك في المقابل قد يهدد التحالفات التي ينسجها الجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع في حال لم تكن نتيجة وقف الحرب مرضية لهذه الأطراف.

وأشار إلى أن دوائر حكومية مصرية عبرت لرئيس الوزراء السوداني عن صعوبة إدخال معدات البناء في الوقت الذي مازالت فيه مسيرات الدعم السريع قادرة على الوصول إلى ولايات مختلفة، قد يكون بينها الخرطوم، وأن ذلك يجعل من المستحيل الاتجاه نحو البناء مع احتمالات تعرض المشاركين من المدنيين لتهديدات أمنية، وتم الاكتفاء بالتأكيد على أهمية التنسيق الاقتصادي والعمل على التخفيف من مشكلات انقطاعات الكهرباء من خلال تكثيف جهود الربط الكهربائي بين البلدين وفي مجال تأهيل الكوادر السودانية تمهيداً لمرحلة إعادة الإعمار، بحسب البيان الختامي لرئيس الحكومة السودانية للقاهرة.

وأضاف "اتفق الجانبان على تدشين برامج تدريبية متخصصة للتأهيل المهني والفني للجانب السوداني بالتعاون مع الوكالات المصرية ذات الصلة، وبالإضافة إلى تنشيط أطر التعاون بين الأمانة العامة لمجلس الوزراء السوداني والأمانة العامة لمجلس الوزراء المصري في مجال التنمية البشرية والتطوير الإداري".

استحالة استئثار مصر بإعادة الإعمار

وكشفت مصادر رسمية سودانية لوسائل إعلام عربية أن رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عقد الإثنين لقاءً غير معلن في سويسرا مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وذلك بطلب مباشر من الجانب الأميركي، وبحسب المصادر، أكد البرهان خلال اللقاء رفضه القاطع لوجود قوات الدعم السريع في السلطة، مشددًا على ضرورة حصر دور القوات المسلحة في مؤسسات الدولة الرسمية، في إطار جهود إعادة بناء الدولة السودانية على أسس وطنية ومهنية.

وبحسب مصدر دبلوماسي مصري ثان مطلع على الملف السوداني، فإن القاهرة يمكن أن تكون ضمن مجموعة أخرى ممن يتم وصفهم بشركاء السودان الفاعلين سوف تنخرط في عملية إعادة الإعمار، وهي تدرك بأن التكلفة باهظة وهناك تدمير واسع ما يجعل هناك حسابات أخرى تجعل من المستحيل أن تستأثر مصر لوحدها بعملية إعادة الإعمار بعكس ما كانت تسعى دوائر رسمية في مصر سابقاً لأن تتخذ مواقف مسبقة بشأن حديثها عن ترميم الجسور التي دمرتها الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم.

ولفت المصدر ذاته، إلى أن الهدف الأسمى أمام مصر في الفترة الحالية هي التسويق لرئيس الوزراء الجديد باعتباره يحمل الشرعية الدستورية في السودان، لأن ذلك من شأنه أن يدعم مصالح البلدين ويضمن استمرار التقارب بين السيسي والبرهان، إذ تخشى من وصول المدنيين للسلطة عقب وقف الحرب بما لا يتماشى مع رؤيتها بشأن تنسيق المواقف الإقليمية بينهما بخاصة في ملف المياه، وبدا أن الرغبة المصرية في التسويق للحكومة السودانية جاء مسبقا عن أي حديث يتعلق بإعادة الإعمار رغم أن أولوية الحكومة الحالية في بورتسودان هي العودة إلى الخرطوم خلال فترة زمنية لا تتجاوز شهرين بحسب ما أعلن كامل إدريس.

وشدد على أن الحدود بين البلدين وهي طويلة للغاية وتصل لأكثر من 1300 كيلو متر تحتاج إلى تنسيق مكثف تلعب فيه الأجهزة الأمنية الجزء الجزء الأكبر لكن ما يدعم ذلك ترسيخ حضور الحكومة المركزية بالقرب من تلك الحدود، وهو ما يفسر وجود تعاون مشترك في ملفات التعليم والاقتصاد والمياه لكن دون أن يمتد ذلك لمسألة إعادة الإعمار.

وفي شهر نوفمبر الماضي، استضافت القاهرة "الملتقى الأول المصري السوداني لرجال الأعمال"، بمشاركة مسؤولين وممثلي مجتمع الأعمال بالبلدين، وبحث فرص مشاركة الشركات المصرية، في إعادة الإعمار، وتوسيع التعاون الاقتصادي، ودعم الأمن الغذائي للبلدين.

وكان من المفترض انعقاد النسخة الثانية من الملتقى في مدينة بورتسودان، لدفع جهود إعادة الإعمار، خلال شهر إبريل الماضي، لكن لم يتم انعقاده رغم تأكيد مسؤولين سودانيين في شهر مارس الماضي على وجود "اتصالات قائمة مع الشركات التي شاركت في النسخة الأولى منه بالقاهرة، لعرض أولويات عملية إعادة الإعمار".

حالة ارتباك

وعرض رئيس الوزراء كامل إدريس مشاريع الإصلاح الشاملة تحسباً لعودة البعض على الأقل من حوالي 3,5 مليونا من السكان الذين فروا من العنف، وذلك خلال جولة تفقدية شملت مطار المدينة المدمر وجسورها ومحطات مياه، ويتوقع أن تشكل إعادة الإعمار مهمة جبارة، إذ تقدر الحكومة تكلفتها بنحو 700 مليار دولار على مستوى السودان، نصفها تقريبا للخرطوم وحدها.

وأعلن رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، خلال زيارته إلى القاهرة انتقاله من بورتسودان وعودة حكومته إلى الخرطوم بحلول نهاية أكتوبر المقبل، مشيرا إلى أن مطار الخرطوم يستأنف نشاطه خلال شهرين، حيث تُجرى حاليا أعمال إعادة التأهيل والترميم لاستقبال الرحلات الجوية.

وبحسب مصدر سوداني آخر، فإن كلا من مصر والسودان وجدا أنه من غير المناسب الحديث عن عودة الحياة لطبيعتها والانتقال لمرحلة أخرى تقوم على توفير سبل المعيشة في حين أن هناك ضغوط خارجية عليهما بشأن ضرورة وقف الحرب، وأن إرجاء زيارة كامل إدريس لمدة أسبوع بدا معبراً عن حالة الارتباك بخاصة من جانب السودان الذي انتظر أن يكون الإعلان عن ما تبقى من وزراء في حكومة كامل إدريس دافعاً لعودة مقعده في الاتحاد الأفريقي لكن ذلك لم يحدث.

وأضاف أن القاهرة هدفت من تخفيف الضغوط عليها مع توالي الاتهامات الموجهة لها بدعم الجيش السوداني واتخذت مسارات تهدف من خلالها التأكيد على أهمية وقف الحرب دون أن تتماشى مع رؤية مجلس السيادة الساعية لأن تمارس الحكومة عملها بشكل طبيعي مع استمرار الحرب ووجود مناطق مازالت خاضعة لسيطرة الدعم السريع، وهو ما يجعلها تحاول إثبات حياديتها ودفعها نحو الحلول السياسية.

تحميل المزيد