مصادر: تخفيف “غير معلن” لأحمال الكهرباء في مصر.. “تفرقة” في المعاملة بين المناطق الشعبية والراقية، ونقص الصيانة يفاقم الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/11 الساعة 19:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/11 الساعة 20:35 بتوقيت غرينتش
عدم افتتاح حقول غاز جديدة من أسباب أزمة الكهرباء بمصر/ رويترز

رغم نفي الحكومة المصرية لوجود خطة لتخفيف أحمال الكهرباء خلال صيف هذا العام، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن انقطاعات يومية تطال محافظات ومناطق عدة.

ويأتي ذلك في تراجع واضح عن الوعود التي قطعتها الحكومة منذ شتاء العام الجاري، وسط أزمات متكررة تطال كابلات التوزيع، ومشكلات تواجه المحطات التي توسعت الدولة في إنشائها خلال السنوات الأخيرة دون إيلاء الصيانة اللازمة لها.

تخفيف الأحمال سراً

وقال أحد أعضاء لجنة الطاقة في البرلمان المصري، طلب عدم ذكر اسمه، إن الحكومة تطبّق هذا العام سياسة تخفيف الأحمال دون إعلان رسمي، لتجنّب التراجع العلني عن وعودها بعدم العودة لقطع التيار، ولتهيئة الأجواء لاختيار التوقيت المناسب للإعلان عن رفع أسعار الكهرباء.

وأوضح أن الأزمة بلغت ذروتها مع احتراق كابل الكهرباء الرئيسي بمحافظة الجيزة، ما عطّل محطة المياه الرئيسية وأدى إلى انقطاع الكهرباء عن مناطق واسعة لعدة أيام متتالية، في واقعة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة.

وأضاف المصدر أن شكاوى انقطاع الكهرباء في الجيزة، الملاصقة للعاصمة القاهرة، وفي عدد من المحافظات الأخرى، لم تتوقف، لكنها تراجعت مؤخراً بعد إصلاح أعطال "كابلات الجيزة".

وأشار المصدر نفسه إلى أن غالبية الشكاوى ترتبط بتأثير موجات الحر على الكابلات المتهالكة، وزيادة الأحمال الكهربائية، وعدم توفر ميزانيات كافية لصيانة الشبكات، خصوصاً في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وهو ما يفسر تكرار الانقطاعات.

وبحسب المصدر، تتركز الأزمة في المناطق الشعبية، مثل العمرانية وإمبابة وبولاق الدكرور والحوامدية وبعض مناطق السادس من أكتوبر، بينما تقل حدّتها في أحياء راقية كمدينة الشيخ زايد.

واعتبر أن السبب الرئيسي هذا العام يتعلق بإهمال صيانة المحطات وكابلات التوزيع، أكثر من مشكلات إمدادات الوقود التي كانت سائدة في الأعوام الماضية، لافتاً إلى أن وزارة الكهرباء لم تخصص الميزانيات اللازمة للصيانة في الشتاء، رغم علمها بأن المشكلة موسمية ومتكررة.

وكشف المصدر أن استهلاك الكهرباء تجاوز خلال الأيام الماضية حاجز 38 ألف ميغاوات، وهو من أعلى المعدلات في تاريخ البلاد، بفعل الاستخدام الكثيف لأجهزة التكييف والتبريد.

وأشار إلى أن توافد نحو 20 مليون وافد من دول عربية مختلفة، ممن لا يلتزمون بثقافة ترشيد الاستهلاك، يفاقم الأزمة، محذراً من كارثة في السنوات المقبلة إذا استمر الوضع على حاله.

وشهدت محافظة الجيزة أزمة مزدوجة في الكهرباء والمياه، إذ أدى احتراق كابل الكهرباء الرئيسي المغذي لمحطة المياه إلى توقفها جزئياً، وانقطاع التيار عن مناطق مأهولة مثل الحوامدية وبولاق وكفر الجبل.

ورغم إعلان الوزارة إصلاح العطل، خرج الكابل مجدداً عن الخدمة، ما تسبب في انقطاع استمر أربعة أيام عن مناطق الهرم وفيصل والعمرانية والجيزة وأبو النمرس.

وبقيت المحطة تعمل بكابلين فقط، في انتظار استكمال مد مصدر تغذية ثالث عبر مسار معقد يمر أسفل مترو الأنفاق وخطوط السكك الحديدية، وهو مشروع لن يكتمل قبل أسابيع، وفق بيان رسمي.

وفي السياق، تقدم النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، بسؤال عاجل إلى رئيس الوزراء ووزراء الكهرباء والطاقة المتجددة والمالية والإسكان، بشأن استمرار شكاوى المواطنين من الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة لمدد طويلة، وصلت في بعض مناطق العمرانية إلى يومين متواصلين، متسببة في تلف الأجهزة الكهربائية وإفساد الأغذية.

عجز الصيانة وتمويل القطاع

أشار النائب إلى أن الاستثمارات والقروض والمنح التي تجاوزت 60 مليار دولار كان يفترض أن تُسهم في معالجة أزمة العملة الصعبة ولو بشكل مؤقت، لكن الأعطال الأخيرة جاءت مخيبة لآمال المواطنين، رغم إعلان وزارة الكهرباء بلوغ الطاقة الإنتاجية 48 ألف ميغاوات وتحقيق فائض يسمح بالتصدير.

وفي السياق، كشف مصدر مطلع بوزارة الكهرباء أن القطاع يواجه هذا العام أزمات غير مسبوقة منذ سنوات، نتيجة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، والحاجة الماسة لصيانات شاملة للمحطات ومناطق التوزيع، ما أدى إلى ضغط شديد على الشبكات وتكرار انقطاعات التيار.

وأضاف أن الوزير وجّه بعدم تكرار مشاهد الظلام الدامس بشكل مركز أو في توقيتات موحدة، تجنباً لإثارة الرأي العام، لكن ضعف الصيانة فاقم الأزمة.

وأوضح المصدر أن أعمال الصيانة الشاملة تأجلت لسنوات، وكان من المقرر تمويلها عبر زيادة فواتير الكهرباء، إلا أن خطط رفع الدعم لم تُنفذ بالكامل خشية السخط الشعبي.

وأشار إلى أن الانقطاعات تتزايد في المناطق التي تعاني محطاتها من أعطال فنية، مثل محافظات الصعيد وبعض مناطق الدلتا، في إطار تخفيف أحمال غير معلن وغير منتظم، لكنه شبه يومي.

وبيّن أن قطع التيار بشكل دوري في بعض المناطق يهدف لتجنب تلف الأجهزة الكهربائية، إذ تؤدي الأعطال في كابلات التوزيع إلى ضعف التيار أو انقطاعه لثوانٍ ثم عودته، ما يضر بالأجهزة. ومع تزايد الشكاوى، صدرت تعليمات بتخفيف الأحمال بشكل دوري على المناطق التي تعاني بنية تحتية متهالكة.

كما لفت إلى تراكم مشكلات الوزارة نتيجة عدم تحصيل مديونياتها الكبيرة من الجهات الحكومية والصناعية، وتوسع سرقات الكهرباء في ظل عجز المواطنين عن سداد الفواتير، فضلاً عن الفساد الإداري، وعدم الالتزام بخطط تعميم العدادات الذكية التي أُعلن عنها قبل نحو عشر سنوات.

وأضاف أن الوزارة لا تعطي أولوية لصيانة المحطات وكابلات التوزيع في المناطق الشعبية والقرى، مقابل الحرص على استقرار الخدمة في الأحياء الراقية.

وختم المصدر بأن الحكومة ترفض زيادة موازنة الوزارة، وتعتمد فقط على رفع أسعار الشرائح، وهو خيار لم يعد مجدياً، خاصة بعد تأجيل الزيادة المقررة منذ بداية العام، لاقتناع جهات رسمية بعدم قدرة المواطنين على تحملها، ما يفاقم جرائم التهرب من الدفع، ويجعل إيجاد موارد حكومية بديلة ضرورة ملحة لضمان صيانة المحطات وتطوير الشبكات دون تحميل المواطنين أعباء إضافية.

اعتماد متزايد على الغاز الإسرائيلي

يبلغ عدد مشتركي الكهرباء في مصر نحو 40.7 مليون مشترك، من بينهم 15.9 مليون يمتلكون عدادات مسبقة الدفع، بما يعادل 39% من إجمالي المشتركين، وفق بيانات سابقة لوزارة الكهرباء.

وسجل الاستهلاك اليومي للكهرباء مستوى قياسيًا بلغ 38.8 ألف ميغاوات، مقارنة بأقصى زيادة في الأحمال العام الماضي البالغة 38 ألف ميغاوات، بحسب تقارير المركز القومي للتحكم في الطاقة.

ومنذ عام 2016، تنفذ الحكومة خطة لرفع الدعم تدريجيًا عن أسعار شرائح الكهرباء، تماشيًا مع اتفاقاتها مع صندوق النقد الدولي، على أن تعتمد في نهاية الخطة الحالية زيادات جديدة تتراوح بين 15 و45% اعتبارًا من أكتوبر المقبل، وفق شريحة الاستهلاك، بحسب تقارير إعلامية. ورغم تأكيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مرارًا أن الحكومة لن تلجأ لتخفيف الأحمال هذا الصيف، فإنه لم يستبعد حدوث انقطاعات في بعض المناطق بسبب "عوارض طارئة" مثل ارتفاع درجات الحرارة أو خروج بعض المحولات عن الخدمة.

وبحسب مصدر في إحدى شركات الكهرباء، ركزت الحكومة في السنوات الماضية على التوسع في إنشاء محطات توليد الكهرباء، لكنها لم تطور شبكات التوزيع أو تضع خططًا فعّالة للطوارئ.

وأشار إلى أن كثيرًا من المحطات ستحتاج خلال السنوات الثلاث المقبلة لصيانة شاملة، خصوصًا أن الاعتماد على المازوت بنسبة تصل أحيانًا إلى 40% يؤثر سلبًا على كفاءة الشبكات، وهو ما دفع الحكومة هذا العام للعودة إلى النسب الطبيعية (80% غاز طبيعي و20% مازوت) مع العمل على حل مشكلات توفير الوقود.

وأوضح المصدر أن عدم انقطاع الكهرباء عن المناطق الراقية يعود إلى حداثة إنشائها وتزويدها بأنظمة تحكم متقدمة، فضلًا عن انخفاض الكثافة السكانية فيها، على عكس المناطق الشعبية ومدن المحافظات.

كما تحظى المناطق السياحية ومدن مثل العلمين والساحل الشمالي بأولوية في استقرار الخدمة لضمان عدم تأثر القطاع السياحي. وأضاف أن احتراق الكابلات في بعض المناطق الشعبية سببه زيادة الأحمال اليومية على خطوط قديمة غير مطورة، حيث تنقل هذه الكابلات الكهرباء من المحطات إلى المحولات ومنها إلى المستهلك، ومع ارتفاع الاستهلاك ترتفع مخاطر تلفها.

وأشار إلى أن فاتورة استيراد المازوت والغاز في أشهر الصيف تصل إلى مليار دولار شهريًا، دون أن ينعكس ذلك على شعور المواطنين بتحسن الخدمة بسبب الأعطال المتكررة.

وتواجه مصر أزمة انقطاع متكرر للتيار منذ صيف 2023، حين بدأت الحكومة خطة لتخفيف الأحمال عبر فصل التيار ساعة يوميًا، قبل أن ترفع المدة إلى ساعتين وأحيانًا أربع ساعات خلال صيف 2024، إلى أن أوقفتها في يوليو من العام نفسه.

ومع تراجع إنتاج الغاز المحلي، اضطرت البلاد إلى زيادة الاعتماد على الواردات الإسرائيلية التي تمثل حاليًا ما بين 40 و60% من إجمالي واردات الغاز، وما نسبته 15 إلى 20% من الاستهلاك المحلي، وفق "رويترز".

تحميل المزيد