فشل في النرويج، وصراع داخلي في طهران ومحاولة إقحام بيكين.. كواليس المفاوضات السرية بين إيران والولايات المتحدة

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/30 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/30 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
الوفد الايراني في المفاوضات النووية بفيينا/ رويترز

علم موقع "عربي بوست" من مصادر إيرانية رفيعة أن الفريق المفاوض النووي الإيراني أجرى خلال الأسبوعين الماضيين جولة من المفاوضات النووية السرّية وغير معلنة مع نظيره الأميركي في النرويج، بهدف رسم خارطة طريق لاستئناف المحادثات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، والتي توقفت إثر الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي استمرت 12 يوماً.

وأكد مصدر دبلوماسي إيراني بارز ضمن الوفد المفاوض، طلب عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله التصريح للإعلام، أن المفاوضات "انتهت بالفشل"، موضحاً أن "لدى إيران شروطاً لم توافق عليها إدارة ترامب، في المقابل طرحت واشنطن شروطاً رفضتها القيادة العليا في طهران".

خامنئي يوافق على استئناف المفاوضات

قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو/حزيران 2025، كانت طهران تستعد لجولة جديدة من المفاوضات النووية غير المباشرة مع واشنطن، عقب تلقيها مقترحاً مكتوباً من مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد.

ووفقاً لمصادر إيرانية تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الفريق النووي الإيراني كان متجهاً إلى العاصمة الإيطالية روما وهو منفتح على معظم بنود المقترح الأميركي، غير أن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ غيّر مسار الأمور، إذ قررت طهران تعليق المفاوضات، معتبرة أن المقترح الأميركي كان مجرد "فخ دبلوماسي" لتسهيل تنفيذ ضربة عسكرية إسرائيلية مباغتة ضد إيران.

وقال سياسي أصولي بارز مقرّب من دوائر صنع القرار في طهران لـ"عربي بوست"، مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، "كان متوقعاً بعد الحرب مع إسرائيل، والضربات الأميركية التي استهدفت منشآتنا النووية، أن يرفض المرشد الأعلى علي خامنئي بشكل قاطع أي نقاش حول استئناف المفاوضات مع واشنطن. لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً".

وبحسب المصدر ذاته، فإن خامنئي منح حكومة الرئيس مسعود پزشكيان الضوء الأخضر لجس نبض الجانب الأميركي تمهيداً لاحتمال استئناف المحادثات النووية، رغم التصعيد العسكري الأخير.

وفي هذا السياق، أوضح الباحث السياسي الإيراني سجاد غفوري، الذي يعمل في مركز دراسات مقرب من مكتب المرشد الأعلى، لـ"عربي بوست" أن موافقة خامنئي جاءت إدراكاً لحساسية المرحلة، قائلاً: "يعلم خامنئي والقادة العسكريون أن إسرائيل وأميركا لم تتمكنا من هزيمة إيران، لكننا في وضع حساس، والتوصل إلى اتفاق نووي جيد من شأنه أن يجنّب البلاد استهدافاً جديداً، وهو خيار لا يمكن لأي وطني أن يعارضه".

الشروط الإيرانية والأمريكية تفشل المفاوضات

وبالعودة إلى المفاوضات السرية التي جرت مؤخراً بين واشنطن وطهران في النرويج، كشف المصدر الدبلوماسي الإيراني لـ"عربي بوست" أن بلاده طرحت مجموعة من الشروط للقبول باستئناف المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

وبحسب المصدر ذاته، فقد تضمنت الشروط الإيرانية ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، تقديم واشنطن ضمانات قوية وجادة بعدم استهداف إيران عسكرياً مستقبلاً، سواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل؛ ثانياً، اعتراف دولي بحق طهران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، مع الاحتفاظ بكميات اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% داخل أراضيها؛ وثالثاً، الرفض القاطع لفكرة إنشاء اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم.

ويُذكر أن إيران كانت قد وافقت، قبل اندلاع الحرب مع إسرائيل الشهر الماضي، على اقتراح أميركي بإنشاء اتحاد إقليمي لتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، بمشاركة دول إقليمية وغربية، وبإشراف مؤسسات دولية، بهدف ضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.

وكانت واشنطن قد اقترحت أن يُقام هذا الاتحاد خارج الأراضي الإيرانية، في حين اقترحت طهران استضافته على إحدى جزرها، ووفقاً للمصدر، كانت الولايات المتحدة تهدف من هذا المقترح إلى دفع إيران نحو التخلص التدريجي من منشآتها الخاصة لتخصيب اليورانيوم.

لكن المصدر أكد أن واشنطن رفضت الشروط الإيرانية الجديدة، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "يصر على إنهاء عمليات التخصيب على الأراضي الإيرانية كلياً، باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة لضمان عدم تعرض طهران لهجوم جديد".

وأضاف المصدر أن "المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود وانتهت بالفشل، رغم موافقة القيادة الإيرانية على العودة إلى طاولة الحوار، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس مسعود پزشكيان لتأمين موافقة خامنئي والحرس الثوري. ومع ذلك، فإن طهران لن تتخلى عن المسار الدبلوماسي".

صراع إيراني داخلي 

رغم فشل المفاوضات السرية الأخيرة بين طهران وواشنطن في النرويج، لم تستبعد مصادر إيرانية تحدّثت لـ"عربي بوست" إمكانية العودة إلى المسار الدبلوماسي مستقبلاً، لكنها أكدت في الوقت نفسه أن الملف النووي بات ساحة لصراع داخلي محتدم بين التيارين الإصلاحي والأصولي في إيران، حول جدوى التفاوض مع الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، يقول سجاد غفوري، الباحث السياسي المقرب من دوائر صنع القرار في طهران، لـ"عربي بوست": "ثمة انقسام عميق بين الإصلاحيين والأصوليين بشأن جدوى التفاوض مع الأميركيين. بعض الشخصيات الأصولية ترى، وإن كانت لا تعلن ذلك صراحة، أن موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي على استئناف الحوار مع واشنطن لم تكن في محلها".

ويعزز هذا الموقف سياسي أصولي تحدّث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، بالقول: "لا أخفي دهشتي من قرار استئناف المفاوضات بعد كل ما حدث. ما كنا نحذر منه وقع: اندلعت الحرب، وتعرضت منشآتنا للهجوم. الآن وقد انتصرنا، لماذا نفاوض من موقع الضعف؟".

ويذهب هذا السياسي إلى أبعد من ذلك، باتهامه للرئيس مسعود پزشكيان وأنصاره من الإصلاحيين بمحاولة إقصاء الأصوليين والتأثير على قرارات المرشد الأعلى، مضيفاً: "الإصلاحيون يغامرون بمصير الجمهورية. تفاوضوا مع الأميركيين عشية الهجوم الإسرائيلي، وسقطوا في الفخ، والآن يريدون تكرار التجربة".

ويرى أنصار التيار الأصولي والفكر الثوري الإيراني أن الإصرار على استئناف المفاوضات مع الغرب لا يهدد فقط النهج الأيديولوجي للجمهورية الإسلامية، بل يُستخدم سياسياً لتصوير الإصلاحيين كمدافعين أوحد عن مصالح الشعب، في مقابل تهميش الأصوليين.

ويحذّر سجاد غفوري في ختام حديثه من تداعيات هذا الانقسام قائلاً: "استبعاد الأصوات الرافضة للتفاوض مع الغرب سيُلحق ضرراً بالغاً بالمستقبل السياسي لإيران، نحن بحاجة إلى وحدة داخلية، لا إلى تصفية حسابات على حساب السيادة والقرار الوطني".

الإصلاحيون: التفاوض فرصة ذهبية بعد الحرب

في المقابل، يرى التيار الإصلاحي والمعتدل في إيران أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة ذهبية لاستئناف المسار الدبلوماسي، وتجنيب البلاد خطر الانزلاق إلى حرب جديدة.

وقال مسؤول حكومي مقرّب من الرئيس مسعود پزشكيان لـ"عربي بوست"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته: "التفاوض لا يعني أن إيران في موقع ضعف، بل العكس، موقفنا اليوم أقوى من أي وقت مضى، فنحن من تعرّض لعدوان غير مبرّر، وهذا يمنحنا شرعية للمطالبة بتنازلات من واشنطن والدول الغربية".

وأضاف المصدر أن المسار الدبلوماسي يهدف إلى تأمين البلاد من أي اعتداء جديد، قائلاً: "لا توجد حرب تدوم إلى الأبد، ولا بد أن يأتي وقت تُمنح فيه الدبلوماسية فرصة. نحن لا نتخلى عن حقوقنا، بل نطالب بضمانات تحول دون استهدافنا مجدداً".

وأشار إلى التحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها إيران، من تضخم وبطالة وتراجع في المؤشرات المالية، إضافة إلى تصاعد التوتر مع الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، والتي تهدد باللجوء إلى آلية "سناباك" لإعادة فرض عقوبات أممية على طهران بزعم انتهاك بنود الاتفاق، المتوقع تجديده في أكتوبر المقبل.

وختم المسؤول الحكومي بالقول: "التفاوض هو الخيار الأفضل للجميع، لا سيما في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية بعد الحرب. المرشد الأعلى يدرك حساسية الظرف، ولذلك وافق على استئناف المفاوضات، لأن التمسك بالمواقف المتشددة في هذا التوقيت قد يكون مكلفاً، والدبلوماسية تبقى السبيل الوحيد لتجاوز التحديات".

إيران تبحث عن وساطة جديدة

وفي خضم النقاش الدائر بشأن مستقبل المسار الدبلوماسي بين طهران وواشنطن، كشف مصدران دبلوماسي وحكومي إيرانيان لـ"عربي بوست" أن إيران تسعى إلى إدخال وسيط جديد إلى ساحة التفاوض بهدف إنعاش العملية المتعثرة.

وقال مسؤول حكومي مقرّب من الرئيس مسعود پزشكيان إن وزارة الخارجية الإيرانية تبحث حالياً إمكانية أن تضطلع الصين بدور الوساطة، مشيراً إلى أن "هناك نقاشاً داخل الوزارة حول رغبة في أن تتولى بكين الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، كما فعلت سابقاً في الاتفاق الإيراني-السعودي".

وأضاف المصدر: "نعلم أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة تمر بتوترات، وقد أخبرنا الجانب الصيني بذلك صراحة خلال محادثاته مع وزير الخارجية الإيراني، لكننا نحاول معاً إيجاد صيغة تسمح بتحقيق هذه الوساطة".

من جانبه، أكد مصدر دبلوماسي إيراني صحة هذا التوجه، قائلاً: "نُثمن دور الوسطاء العرب مثل السعودية وقطر وسلطنة عمان، لكننا الآن أمام مرحلة جديدة بعد الحرب، والعلاقات مع الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي ليست في أفضل حالاتها، لذلك ترى بعض الدوائر في وزارة الخارجية أن الصين قد تكون خياراً مناسباً في هذه المرحلة".

لكن المصادر أشارت في المقابل إلى أن بكين لا تبدو متحمسة لتولي هذا الدور، بالنظر إلى حساسيات علاقتها مع واشنطن، رغم تأييدها المعلن للحلول الدبلوماسية بين الجانبين.

تحميل المزيد