في الوقت الذي تشهد فيه أروقة مجلس النواب الأميركي نقاشات محتدمة حول مشروع قانون لتعديل "قانون قيصر"، الذي فرض عقوبات مشددة على سوريا منذ عام 2019، برز على الساحة اسم "التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار" (SAAPP)، الذي يسعى لإقناع المشرع الأمريكي بإلغاء قانون قيصر.
تهدف التعديلات إلى وضع شروط لرفع العقوبات دون أن تصل إلى حد الإلغاء الكامل لقانون قيصر، في ظل انقسام سياسي حاد بين مؤيدين لتخفيف القيود لأغراض إنسانية وإعادة الإعمار، ومعارضين يرون أن النظام السوري لم يمتثل بعد للمعايير الحقوقية والسياسية المطلوبة.
من هنا، برز نشاط أعضاء منظمة "التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار (SAAPP)" في جلسة مناقشة المشروع، للدفاع عن رؤية واقعية تنهي العقوبات بدل توسيعها. ويؤكد أعضاء التحالف أن توسيع العقوبات لا يعكس تطلعات الشعب السوري، بل يُعمّق معاناته اليومية، ويُقيّد أي فرصة جدية للتعافي الاقتصادي والاجتماعي.
وأطلقت المنظمة حملة تعبئة مدنية واسعة شملت آلاف الرسائل والاتصالات مع ممثلي الكونغرس، وُصفت بأنها واحدة من أقوى الحملات الشعبية التي نظّمتها الجالية السورية في الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة، وذلك لإقناع الكونغرس بإلغاء القانون وليس تمديده.

وقد برز اسم تحالف السلام والازدهار السوري الأمريكي SAAPP في الحياة السياسية السورية في الفترة الأخيرة، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث سعى إلى دعم الإدارة السورية الجديدة أمام صانع القرار الأميركي.
في هذا التقرير نستعرض تاريخ هذا التحالف السوري، الذي يُعتبر بمثابة لوبي ضاغط لدعم الإدارة السورية الجديدة، وموقفه من قانون قيصر، وما الذي فعله في ملف العقوبات الأمريكية على سوريا؟
تعريف التحالف وتأسيسه
"التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار" (SAAPP) هو منظمة غير ربحية مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية وفق البند 501(c)(3)، تأسس رسميًا في ديسمبر 2024، رغم أن بدايات تأسيسه تعود إلى عام 2021، وذلك في سياق التحولات الكبرى التي شهدها الملف السوري على المستويين الإقليمي والدولي.
جاء تأسيس التحالف في فترة حرجة من الصراع السوري، حيث تراجعت الأعمال العسكرية وتجمّدت المسارات التفاوضية التقليدية، وانطلقت نقاشات واسعة حول مستقبل سوريا وسط واقع جديد.
وقد استجاب التحالف لحاجة الجالية السورية في الولايات المتحدة إلى وجود كيان مدني يُعبّر عنها ويمثل صوتها داخل مؤسسات القرار الأمريكي، وينقل وجهة نظرها بشأن أهمية إنهاء العزلة المفروضة على سوريا، والعمل على إعادة دمجها في النظام الإقليمي والدولي عبر آليات سلمية وتنموية.
نشاط التحالف ورموزه قبل بشار الأسد
كشف الدكتور طارق كتيلة، أحد المؤسسين الرئيسيين لـ"التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار"، في حديثه لـ"عربي بوست"، عن الخلفيات العميقة لتأسيس هذا التحالف، وأبرز محطاته وتحركاته داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما قدّم رواية شاملة للدور الذي لعبته الجالية السورية الأمريكية، خصوصًا خلال السنوات التي سبقت سقوط نظام بشار الأسد، وصولًا إلى مرحلة ما بعد ديسمبر 2024، حيث بدأ التحالف يأخذ شكله الرسمي، السياسي والمؤسساتي.
يؤكد الدكتور طارق كتيلة أن التحالف السوري الأمريكي لم يكن كيانًا وُلِدَ فجأة بعد سقوط الأسد، بل هو نتاج سنوات طويلة من العمل، وتجميع للخبرات التي تراكمت لدى السوريين الأمريكيين على مدار عقد من الزمان.
ويضيف: "التحالف كما ترونه اليوم هو ثمرة تلاقي مجموعتين رئيسيتين من السوريين في أمريكا. المجموعة الأولى، هم من الأطباء السوريين الأمريكيين، الذين أسسوا سابقًا منظمات غير ربحية إنسانية وطبية كان لها دور كبير في دعم الشعب السوري أثناء سنوات الحرب، خاصة خلال مراحل الحصار والقصف في عهد بشار الأسد. هؤلاء الأطباء لم يكونوا مجرد أطباء، بل كانوا نواة نشاط مدني سياسي متصاعد، راكم خبرة ميدانية وإنسانية في ظروف معقدة."
أما المجموعة الثانية، بحسب كتيلة، فهي مكوّنة من خبراء التكنولوجيا ورجال الأعمال السوريين العاملين في وادي السيليكون (Silicon Valley)، وفي مناطق مثل الخليج وقطر، ممن جمعوا بين رؤى اقتصادية وتكنولوجية حديثة، وسعوا لنقل هذه الخبرات إلى ملف إعادة بناء سوريا الجديدة.
ويقول: "هذا التحالف لم يكن مجرد مبادرة عاطفية، بل كان نتاج خبرات عملية، ومعرفة عميقة بمفاصل الضغط الأمريكي، سواء من خلال القطاع الصحي أو التكنولوجي أو الاقتصادي."
يشير الدكتور كتيلة إلى أن العديد من الأعضاء الحاليين في التحالف كانوا فاعلين منذ عام 2015 ضمن منظمات مختلفة، تنوعت مهامها بين الضغط السياسي، والأنشطة الإنسانية، والتواصل مع المشرعين الأمريكيين. لكن الإشهار الرسمي للتحالف لم يتم إلا بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.
أضاف: "قبل سقوط النظام، كنا نعمل بطرق متفرقة ومن خلال منظمات غير موحدة. لكن مع سقوط بشار، شعرنا بأن الوقت قد حان لإطلاق تحالف رسمي يعمل كمنصة موحدة للرؤية السورية الأمريكية الجديدة، ويحمل طموحات السوريين في الداخل والشتات."

التحرك الفعلي لإسقاط بشار الأسد
تحركات ما قبل سقوط الأسد: مفصلان حاسمان في 2018
يرى الدكتور طارق كتيلة أن التحالف — أو بالأحرى، الجالية السورية الأمريكية التي أصبحت لاحقًا نواة التحالف — لعبت دورًا بالغ الأهمية في عام 2018، عبر تحركين استراتيجيين كان لهما بالغ الأثر في تسريع نهاية النظام السوري.
1. لقاء ترامب ومنع المجزرة في إدلب
يروي كتيلة أن نظام بشار الأسد، بدعم روسي وإيراني، كان قد بدأ في 2018 بتنفيذ سياسة قاسية لتجويع وقصف القرى السورية، ما دفع مئات الآلاف من السكان إلى النزوح باتجاه محافظة إدلب. وكانت الخطة التالية، بحسب قوله، هي تدمير إدلب بالكامل، عبر عملية عسكرية كبرى، دون أن يكون للمدنيين أي مكان آخر يفرّون إليه.
أضاف: "في تلك اللحظة الحرجة، تمكنا من ترتيب لقاء بين الجالية السورية الأمريكية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولاية إنديانا. حضر اللقاء عدد من النشطاء والفاعلين السوريين في أمريكا، وطرحوا بشكل مباشر على ترامب مخاوفهم من قيام بوتين بقصف إدلب، وتحذيرهم من وقوع مجزرة دموية."
ويؤكد كتيلة أن اللقاء كان له أثر فوري، إذ أصدر ترامب تحذيرًا علنيًا ضد استهداف إدلب، ما أدّى خلال أيام إلى اتفاق بين تركيا وروسيا والمعارضة السورية ونظام بشار الأسد يقضي بمنع العملية العسكرية الكبرى.
ويضيف: "هذا الموقف لم ينقذ إدلب فقط، بل أوقف واحدة من أسوأ المجازر المحتملة، وخلق سابقة مهمة في قدرة الجالية السورية الأمريكية على التأثير في قرارات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا."
2. قانون قيصر: الضربة الاقتصادية القاضية
التحرك الثاني كان من خلال العمل على تمرير ما عُرف بـ**"قانون قيصر"**، وهو القانون الذي استهدف النظام السوري بعقوبات اقتصادية واسعة النطاق، وشلّ حركة بشار الأسد الاقتصادية.
أضاف: "منذ عام 2015 كنا نتابع قانون قيصر، وفي أول ولاية لترامب، ركزنا جهودنا في لقاءات متكررة مع قيادات مجلس الشيوخ. شرحنا لهم أهمية القانون، وقلناها صراحة لرئيس المجلس: إذا مر القانون، سيكون لك مكانة خالدة في التاريخ. وقد نجحنا."
ويشير كتيلة إلى أن التحالف، أو بالأحرى أعضاؤه حينها، لعبوا دورًا فعالًا في الضغط على الكونغرس لتبنّي القانون وتمريره، ليصبح أحد أبرز أدوات الضغط الأمريكي على نظام الأسد.
الزيارة الرسمية إلى سوريا
في تحرك لافت، قام وفد من التحالف بزيارة رسمية إلى سوريا، حيث استُقبل في قصر الشعب من قبل الرئيس أحمد الشرع، في لقاء وُصف بأنه يحمل "طابعاً تصالحياً وانفتاحياً".
ضم الوفد شخصيات نسائية، ورجال أعمال، وممثلين عن المجتمع المدني من الجالية السورية في الولايات المتحدة، وتركّزت المحادثات على قضايا التماسك الاجتماعي، دعم الأسر المتضررة من الحرب، ومقترحات للتعاون في مجالات التكنولوجيا والمبادرات المحلية لإعادة الإعمار. كما عبّر الوفد عن موقف داعم لرفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية، انطلاقًا من حرصه على استقرار سوريا وكرامة مواطنيها.
شملت الزيارة أيضًا فعاليات ميدانية ومبادرات إنسانية، إذ زار أعضاء الوفد مراكز تدريب مهني ومؤسسات نسائية محلية، وشددوا على أهمية تمكين المرأة السورية وإدماجها في خطط الإنعاش الاقتصادي.
وأصدرت المنظمة بيانًا خاصًا عن هذه الزيارة، خاصة الجزء المتعلق بمشاركة وفد نسائي سوري أميركي في اجتماعات مع مسؤولين حكوميين ناقشوا خلالها قضايا التنمية المجتمعية وإعادة دمج الفئات المهمشة.
علاقة التحالف بالرئيس أحمد الشرع: شراكة استراتيجية
برزت علاقة بين التحالف السوري الأمريكي والرئيس أحمد الشرع منذ الأيام الأولى لتوليه الرئاسة. فقد كان التحالف من أوائل المنظمات السورية الأمريكية التي أبدت دعمها للقيادة الجديدة، مع اعتراف واضح بأهمية التعاون من أجل إعادة بناء سوريا.
استقبل الرئيس الشرع وفود التحالف في دمشق عدة مرات، حيث ناقش الطرفان قضايا سياسية واقتصادية حساسة تتعلق بمرحلة البناء الوطني.
كان التحالف بمثابة صوت للجالية السورية في أمريكا، ناقلاً توجهات ومطالب الجالية إلى القيادة، خصوصًا في موضوع رفع العقوبات والتسهيلات الاقتصادية.
من خلال الاجتماعات مع الشرع، أكد التحالف ضرورة إشراك السوريين في الخارج في مشاريع التنمية، والاستفادة من خبراتهم ومواردهم.

نشاطات التحالف مع القيادة السورية الجديدة
تجسدت العلاقة بين التحالف وأحمد الشرع في عدة نشاطات ومبادرات مشتركة، منها:
- اللقاءات الدبلوماسية والسياسية: عقد التحالف لقاءات رسمية مع الرئيس الشرع ومسؤولين آخرين في الحكومة السورية، حيث تناولت الاجتماعات مواضيع إعادة الإعمار، ورفع العقوبات الاقتصادية، وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
- التنسيق حول مشاريع التنمية: عمل التحالف على جمع خبرات ومقترحات من الجالية السورية في أمريكا لتقديمها إلى القيادة السورية، وخاصة في مجالات التكنولوجيا والبنية التحتية.
- دعم التماسك الاجتماعي: شجع التحالف على تنظيم فعاليات تدعم دور المرأة والشباب في المجتمع السوري، وقد نظم وفودًا نسائية التقت مع مسؤولات في دمشق، ما حظي بدعم من الرئيس الشرع.
- الترويج السياسي في واشنطن: ساهم التحالف في تعزيز العلاقات السياسية مع بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، بهدف التأثير إيجابيًا على السياسة الأمريكية تجاه سوريا بما يخدم مصلحة الشعب السوري والقيادة الجديدة.
التحالف كجسر تواصل بين الجالية السورية والقيادة
يلعب التحالف دورًا محوريًا كحلقة وصل بين الجالية السورية في الولايات المتحدة والقيادة السورية. هذه المكانة تمنحه القدرة على:
- تجميع المطالب والتحديات التي تواجه السوريين في المهجر، والعمل على إيصالها إلى القيادة في دمشق.
- دعم الحوار الوطني السوري عبر إشراك الفاعلين من الداخل والخارج في عملية صنع القرار.
- التخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية من خلال جهود الضغط السياسي في واشنطن.
- تنظيم حملات توعية ومؤتمرات لتعزيز صورة سوريا الجديدة على الصعيد الدولي.
التحديات التي تواجه العلاقة
رغم التقارب الواضح، تواجه العلاقة بين التحالف والرئيس الشرع عدة تحديات:
- الضغط الدولي: العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة على سوريا ما زالت تعرقل عمل التحالف على المستوى الدولي.
- اختلاف وجهات نظر الجالية السورية: لا تمثل جميع فئات الجالية السورية وجهات نظر موحدة، مما يفرض على التحالف جهدًا كبيرًا لتوحيد المواقف.
- الحساسية السياسية في الولايات المتحدة: العلاقة مع بعض أعضاء الكونغرس الذين لهم مواقف معادية لسوريا تُشكّل عقبة في تحقيق أهداف التحالف.
- الحاجة إلى تحقيق إصلاحات داخلية: ما زالت هناك حاجة ملحة لنجاحات ملموسة في سوريا لتعزيز ثقة الجالية والجهات الداعمة بالتحالف.

الدور السياسي لـ "التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار"
مع سقوط النظام السوري السابق في أواخر عام 2024، برز "التحالف السوري الأمريكي للسلام والازدهار" (SAAPP) كواحدة من أبرز المنصات السياسية الجديدة التي سعت لتشكيل رؤية انتقالية لسوريا الجديدة.
تطور التحالف سريعًا من كيان يمثل الجالية السورية في الولايات المتحدة إلى "لوبي" سياسي مؤثر في واشنطن، يعمل على دفع شراكة استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
النشاطات السياسية في واشنطن ودمشق
من أبرز نشاطات التحالف تنظيم زيارة لوفد من الكونغرس الأمريكي إلى دمشق في أبريل 2025، ضم النائب الجمهوري كوري ميلز والنائبة مارلين ستاتزمان، وهما شخصيتان معروفتان بدعمهما لإسرائيل ومواقفهما المتحفظة من الإسلام السياسي في الشرق الأوسط.
جرت هذه الزيارة بتنسيق مع مكتب الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، ما شكّل اعترافًا ضمنيًا بشرعية القيادة الجديدة في دمشق وكسراً للجليد بين دمشق ومراكز القرار الأمريكية.
خلال الزيارة، ناقش الوفد مع القيادة السورية المؤقتة موضوع تخفيف العقوبات الأمريكية وإعادة إدماج الحكومة الجديدة في النظام الدولي، إلى جانب تقديم دعم للمرحلة الانتقالية.
وفي تصريحات لاحقة، عبّرت النائبة ستاتزمان عن موقف يتقاطع مع الرؤية الإسرائيلية، داعمة لاستمرار ضعف وانقسام سوريا، ومربطة بين وحدة البلاد ومحاربة التطرف كمعايير للتعاون المستقبلي.
نشاطات الضغط والحملات الإعلامية
يعمل التحالف ضمن الأطر القانونية للمنظمات غير الربحية كمجموعة ضغط سياسي (لوبي)، حيث ينظم لقاءات دورية مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، يقدم ملفات موثقة توضّح أثر العقوبات الأمريكية، ويدعو إلى تخفيف بعض بنود قانون قيصر، لا سيما في الجنوب السوري.
كما ينفذ حملات إعلامية ودبلوماسية عبر مؤتمرات افتراضية وندوات، ويروّج لصورة الجنوب السوري كنموذج محتمل لسوريا المستقبل، مع محاولة بناء تحالفات مع منظمات يهودية تقدمية ومراكز أبحاث في واشنطن.
في الولايات المتحدة، أطلق SAAPP سلسلة من المبادرات واللقاءات تهدف إلى تعزيز دوره كجسر بين الجالية السورية ومراكز القرار في واشنطن، تواصل خلالها مع عدد من أعضاء الكونغرس، بينهم نواب محسوبون على التيار الداعم لإسرائيل، في محاولة لإعادة صياغة أولويات السياسة الأميركية تجاه سوريا.
ركّز التحالف في هذه اللقاءات على طرح ما يسميه "مسار الاستقرار الاقتصادي"، باعتباره خيارًا بديلاً عن الرهان المطوّل على الانتقال السياسي الشامل، وقدم مرافعات بشأن ضرورة تعديل أو تخفيف العقوبات بموجب "قانون قيصر"، معتبرًا أن هذه العقوبات تضر بالمدنيين وتمنع جهود إعادة الإعمار والتنمية.
لم تقتصر نشاطات التحالف على الكواليس السياسية، بل نظم مؤتمرات وندوات عامة في ولايات أميركية مختلفة، دعا إليها أكاديميون وناشطون وصحفيون، وطرحوا فيها أوراق موقف تطالب بتخفيف العقوبات ودعم مشاريع اقتصادية داخل سوريا عبر رجال أعمال سوريين في المهجر.
في هذه الفعاليات، روّج التحالف لـ"نموذج الشراكة الجديدة" بين الداخل السوري والجاليات، القائم على مبادرات مدنية واقتصادية بدلاً من الخطابات السياسية التقليدية.

اللوبي الإسرائيلي
واجه "التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار" (SAAPP) اتهامات متكررة من نشطاء سوريين وأطراف معارضة تتمحور حول ما يعتبرونه وجود علاقة غير مباشرة أو تنسيق سياسي بين التحالف وبين جماعات ضغط أميركية مؤيدة لإسرائيل، أو ما يُعرف تقليديًا باللوبي الصهيوني.
وتستند هذه الاتهامات إلى عدة وقائع، أبرزها لقاءات عقدها ممثلو التحالف مع أعضاء في الكونغرس الأميركي معروفين بدعمهم القوي لإسرائيل، وانتمائهم إلى اللجان الصديقة لإسرائيل داخل المؤسسة التشريعية الأميركية، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC) أو "الكوكس الإسرائيلي".
بحسب المنتقدين، فإن التحالف يستثمر هذه القنوات للوصول إلى دوائر القرار في واشنطن، ويقدّم نفسه كمجموعة "عاقلة ومعتدلة" من الجالية السورية يمكن التعامل معها في إطار هندسة جديدة للشرق الأوسط، يكون فيها النظام السوري ـ بعد احتوائه ـ جزءًا من معادلة إقليمية لا تعادي إسرائيل.
ويُعبَّر عن هذا الاتهام من خلال الإشارة إلى خطاب التحالف المتماهي ـ إلى حدٍّ ما ـ مع بعض الطروحات الإسرائيلية المتعلقة بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، واعتبار إيران "العقبة الأهم أمام استقرار البلاد"، دون إبداء مواقف حادة من الاحتلال الإسرائيلي أو الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالاتهامات التي وُجهت إلى التحالف السوري الأمريكي، خاصة بعد ترتيب زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى سوريا، حيث أثيرت شكوك حول علاقة بعض النواب الزائرين بإسرائيل، نفى د. كتيلة بشكل قاطع أي تواصل بين التحالف واللوبي الإسرائيلي.
أضاف: "أؤكد بوضوح، لا توجد أي علاقة بيننا وبين اللوبي الإسرائيلي، لا إيجابية ولا سلبية، لا من قريب ولا من بعيد. ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمثل الحقيقة، ونحن غير مسؤولين عن علاقات أعضاء الكونغرس الخاصة."
ويشرح كتيلة أن الهدف من ترتيب زيارة الوفد كان حشد الدعم الأمريكي لسوريا الجديدة، دون أي اعتبارات للعلاقات الثنائية لكل نائب.
أضاف: "في النهاية، معظم نواب الكونغرس لهم علاقات قوية بإسرائيل، لكن هذا لا يعنينا. ما يهمنا هو كيف نصنع إجماعًا أمريكيًا على دعم مستقبل سوريا، وتخفيف العقوبات، وتمكين الإعمار."

قانون قيصر
نشاط "التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار" (SAAPP) ضد قانون قيصر مثّل أحد أبرز محاور تحركاته السياسية خلال العامين الماضيين، سواء في واشنطن أو عبر حملاته الإعلامية واللقاءات مع أعضاء الكونغرس.
وفيما يلي رصد تفصيلي للنشاط المناهض لقانون قيصر كما قام به التحالف:
منذ لحظة ظهوره ككيان مدني يمثل جزءًا من الجالية السورية في الولايات المتحدة، وضع التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار (SAAPP) على رأس أولوياته العمل ضد قانون "قيصر" للعقوبات على سوريا، معتبرًا أنه أحد العوامل الأساسية في تعميق المعاناة الإنسانية داخل البلاد، وإعاقة مشاريع التعافي الاقتصادي وعودة المهجرين.
وقد قدم التحالف هذا الموقف على أنه "إنساني" و"عملي"، يسعى لتعديل آليات الضغط على دمشق من دون الإضرار بالشعب السوري، بحسب ما جاء في عدد من أوراقه السياسية ومقابلات أعضائه.
رغم أن التحالف لم ينجح بعد في تعديل أي بند رسمي في قانون قيصر، إلا أن وجوده كمكوّن سوري أميركي يضغط في هذا الاتجاه أسهم في خلق مساحة للنقاش داخل بعض الدوائر الأميركية حول فعالية العقوبات وجدواها، خاصة بعد تطورات الحرب في أوكرانيا، وتوسع نطاق استخدام العقوبات الغربية كأداة سياسية عامة.
صراع العقوبات: بين الرؤية الإنسانية والتجاذبات السياسية
في يوليو 2025، شارك عدد من أعضاء منظمة SAAPP في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي لمناقشة مشروع قانون جديد (H.R.4427)، يتعلق بتوسيع العقوبات على سوريا.
كان حضور التحالف لافتًا، حيث قدّم أعضاؤه شهادات وبيانات مكتوبة تعبّر عن مخاوفهم من أثر التوسيع العشوائي للعقوبات، مؤكدين أن السياسة الأميركية بحاجة إلى مراجعة تُميز بين معاقبة النظام السابق ودعم عملية الانتقال الديمقراطي.
وأشار ممثلو التحالف إلى أن توسيع العقوبات دون رؤية واضحة من شأنه أن يعمّق الانقسام ويمنع عودة الاستقرار إلى سوريا. كما دعوا إلى فتح مسارات استثناءات إنسانية واقتصادية، خاصة فيما يتعلق بالجنوب السوري والمناطق التي أبدت تعاونًا مع المجتمع الدولي.
في المقابل، شاركت شخصيات سورية معارضة في الجلسة نفسها، داعية لتشديد العقوبات وربطها بمسارات العدالة الانتقالية ومحاسبة رموز النظام السابق، مما عكس انقسامًا واضحًا في أوساط السوريين في المهجر حول أولويات المرحلة الانتقالية.
رؤية سوريا الجديدة
في خطابه التأسيسي، شدد د. طارق كتيلة على أن رؤية SAAPP لسوريا الجديدة تقوم على ثلاث ركائز:
- الاستقرار الاقتصادي كشرط للانتقال السياسي.
- تعزيز التماسك الاجتماعي والمصالحة المحلية.
- الانفتاح على المجتمع الدولي دون الرضوخ للاستقطابات الإقليمية.
وتحاول المنظمة الترويج لهذه الرؤية من خلال لقاءات مع منظمات مدنية سورية في الداخل والخارج، ومبادرات تستهدف التعليم، الصحة، وتمكين النساء، إلى جانب تنسيق مشاريع مع رجال أعمال سوريين في الخليج والمهجر الأميركي، لاستثمارها في مناطق جنوب سوريا بعد رفع العقوبات.
يرى د. كتيلة أن ما بعد سقوط النظام السابق يفتح نافذة جديدة للسوريين في الخارج للمشاركة الفعلية في إعادة بناء وطنهم، مؤكدًا أن اللوبيات لم تعد حكرًا على قوى تقليدية، بل بات من الممكن لصوت المهاجرين أن يكون فاعلًا في تشكيل السياسات الأميركية والدولية تجاه سوريا.
انتقادات وتحفظات
رغم النشاط الكبير، لا يخلو عمل SAAPP من الانتقادات. إذ يتهمه بعض المعارضين السوريين بالتقارب المبالغ فيه مع دوائر القرار الأميركية، والتخلي عن شعارات "الثورة" مقابل مشاريع "الاستقرار"، وهي لغة يعتبرها البعض تُمهد لتسويات سياسية لا تخدم العدالة.

كما يُتهم التحالف بمحاولة صناعة "قيادة بديلة" من خارج الداخل السوري، وإضعاف دور القوى المدنية والسياسية المحلية، والتعامل مع واشنطن باعتبارها المرجعية الوحيدة للحل السوري، متجاهلين دور الأطراف السورية الأخرى.
وفي هذا السياق، يؤكد د. كتيلة أن SAAPP "لا يدّعي تمثيل أحد، بل يمثل شريحة من السوريين المؤمنين بأن التغيير الحقيقي يبدأ بخلق أدوات عقلانية للتأثير على القرار الدولي، بدلًا من الاكتفاء بالشعارات."
يُمثّل "التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار" نموذجًا متقدمًا لمنظمة جالية تُحاول تجاوز دورها التقليدي في العمل الخيري إلى العمل السياسي المؤثر في ملفات شائكة كالتحول الديمقراطي، العقوبات، والإعمار.
ورغم تعقيدات المشهد، ووجود تحفظات حول بعض تحركاته، إلا أن SAAPP نجح في إيصال صوته إلى طاولة القرار في واشنطن، واستثمر علاقاته وخبرات مؤسسيه لبناء قناة تواصل نادرة بين سوريا الجديدة والمجتمع الدولي.
وبينما تتضح ملامح المرحلة الانتقالية في دمشق، تزداد أهمية الدور الذي قد تلعبه منظمات الجالية في صياغة سوريا المستقبل: سوريا تنفتح على الداخل والخارج، وتبحث عن سلام لا يكون مرادفًا للضعف، وازدهار لا يُبنى على التبعية.