- شواهد ميدانية تؤكد قدوم الطائرات الإسرائيلية من باكو
- سيل من الاتهامات الإيرانية، وأذربيجان تنفي وتهاجم خامنئي
- قواعد عسكرية قديمة بأذربيجان تحوّلت لمركز عمليات الموساد
- صفقات أسلحة إسرائيلية تُرجّح الاتهامات الإيرانية
- إسرائيل معنيّة بتوتر علاقات الجارتين "الشيعيتين"
- مزايا التعاون الإسرائيلي الأذري وتهديده لإيران
غلب التوتر على العلاقات بين إيران وأذربيجان لعقود، وكلما حاولت طهران وباكو احتواء خلافاتهما إلا وتفجّرت قضية أعادت علاقاتهما إلى مرحلة التوتر، وكان آخرها اتهامات إيران لجارتها أذربيجان بفتح أجوائها أمام الطائرات الإسرائيلية لقصف إيران خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً.
فقد بدأت تتسرّب تفاصيل عن الهجوم الإسرائيلي على إيران، ما يتعلق بحجم القوات المشاركة، والأهداف المنتقاة، والخسائر الناجمة عنها، لكن آخر ما عرف طريقه للنشر خلال الساعات الأخيرة يتمثل باتهامات إيرانية غير رسمية موجهة لجارتها الشمالية أذربيجان وتعاون الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي.
إذ تربط علاقات وثيقة بين باكو وتل أبيب منذ عقود، إلى درجة أن تقارير استخباراتية وإعلامية تحدثت في وقت سابق عن انتشار قواعد عسكرية إسرائيلية في الأراضي الأذرية. فما حقيقة التعاون العسكري الأذري مع إسرائيل خلال حرب الـ12 يوماً بين تل أبيب وطهران؟
شواهد ميدانية تؤكد قدوم الطائرات الإسرائيلية من باكو
تصاعدت الهجمات السياسية والإعلامية الإيرانية في الأيام الأخيرة ضد أذربيجان، واتهمتها بالسماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي لمهاجمة أراضيها ضمن ما باتت تُسمّى "حرب الأيام الاثني عشر"، وطالبت بإجراء تحقيق فوري في الأمر، ما يهدد بتوتر أكبر في علاقة البلدين، وينذر بتصعيد جديد.
وذكرت المصادر الإيرانية أن المقاتلات الإسرائيلية التي هاجمت أهدافاً في طهران ومناطق أخرى استخدمت المجال الجوي الأذري، خاصة فوق بحر قزوين، باستخدام قنابل موجهة اخترقت أعماق أراضيها. مع العلم أن الهجمات الجوية الإسرائيلية على العاصمة طهران ومدينة كرج نُفّذت عبر طرق فوق بحر قزوين.
وتُعدّ أذربيجان الدولة الوحيدة التي تسمح بهذا المرور، لأن أرمينيا وروسيا وتركمانستان حلفاء لإيران. كما جاءت الهجمات على مدن تبريز وكرمانشاه وأصفهان عبر الأجواء العراقية، بعد تدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في المنطقة، ما وضع باكو في موقف حساس تجاه طهران.
وفيما رصدت الأوساط الأمنية والاستخبارية الإيرانية تحركات لمُسيّرات إسرائيلية على حدودها مع أذربيجان، وإطلاق صواريخ إسرائيلية متعددة من منطقة غابالا الأذرية، فقد نشرت الأقمار الصناعية صوراً توثّق مركز الفضاء الإيراني بمدينة شاهرود قبل وبعد الهجوم الإسرائيلي.
ولأن المسافة الفاصلة بين إسرائيل وإيران تزيد على 1500 كيلومتر، فإن الطائرات الإسرائيلية لم تقلع منها، بل هبطت وتزوّدت بالوقود في دولة قريبة من إيران، حيث تم رصدها قادمة من شمال مدينة شاهرود، ثم عادت في الاتجاه نفسه.
وأثارت المحافل الإيرانية تساؤلات مريبة عن مهاجمة الطائرات الإسرائيلية في اليوم العاشر لمدينة بندر أنزلي على شواطئ بحر قزوين، قرب أذربيجان، وهي المقر الرئيسي للأسطول البحري للحرس الثوري الإيراني.
وبعد يوم واحد، في مدينة رامسار القريبة، تم إخراج خزان وقود نموذجي للطائرات الإسرائيلية، وفي ظل الهجمات على طهران البعيدة مائة كيلومتر من بحر قزوين، طرح الإيرانيون تساؤلات حول كيفية وصول الطائرات الإسرائيلية إليها دون تنسيق مع جارتهم الشمالية.
مع العلم أنه قبل ساعات فقط من الضربة الافتتاحية الإسرائيلية لإيران، فجر الجمعة، 12 يونيو/حزيران، انطلقت مُسيّرات من قاعدة كوردامير الجوية في أذربيجان باتجاه حدود إيران، والعودة، من طرازات "هيرون، سيرشر، هيرميس 450".
وهذه المرة على ذمة وسائل الإعلام الأرمنية التي أكدت أن الطائرات بدون طيار الإسرائيلية تتمركز في أذربيجان بشكل منتظم، وقرب الحدود الإيرانية، ويمكن تشغيل بعضها عن بعد، وليس فقط من إسرائيل، باستخدام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية.

سيل من الاتهامات الإيرانية، وأذربيجان تنفي وتهاجم خامنئي
"عربي بوست" رصد أهم الاتهامات الإيرانية لأذربيجان بهذا الخصوص، تصريحاً أو تلميحاً:
- نقل الرئيس الإيراني مسعود بوزشكيان، ذو الأصول الأذرية، هذه الشكوك لنظيره الأذري إلهام علييف خلال اتصال هاتفي، لكنه نفاها، مؤكداً "عدم السماح باستخدام أجواء بلاده ضد إيران".
- بمجرد بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، تحدث وزير خارجيتها عباس عراقجي مع نظيره الأذري جيهون بيراموف، الذي أكد أن بلاده لن تسمح باستخدام مجالها الجوي وأراضيها لمهاجمة إيران.
- السفير الإيراني لدى أرمينيا مهدي سبحاني، زعم أن الاستخبارات الإيرانية لديها معلومات تفيد بأن طائرات إسرائيلية عبرت لبلاده من دولة مجاورة.
- وكالة أنباء فارس التابعة للحرس الثوري شنّت هجوماً على أذربيجان، لأنها "أظهرت مجدداً طبيعة علاقاتها السرية والمخزية مع النظام الصهيوني، لقد انكشفت الحقيقة المرة: إنهما ليستا دولتين، بل أمة واحدة، ودولة واحدة، تفصل بين الدول الإسلامية".
نتيجة هذه الاتهامات الإيرانية لأذربيجان، لم تتردد الأخيرة في الرد عليها، رسمياً وإعلامياً، مع التحضّر لإمكانية تطور هذه الاتهامات إلى سلوك ميداني خطير، وجاءت الردود على النحو التالي:
- تصاعدت هجمات الإعلام الأذري على إيران، وزعيمها الروحي خامنئي، واتهمه بأنه "دأب على بناء سياسة عدائية وتخريبية تجاه باكو لسنوات طويلة، ويقف وراء كل استفزاز معادٍ لها".
- المتحدث باسم الخارجية الأذرية، إخان حاجي زاده، رفض مزاعم إيران، وطالبها باتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه سفيرها في أرمينيا، لأنه يُظهر باستمرار موقفاً مؤيداً لـ"يريفان" بدلاً من تمثيل بلاده.
قواعد عسكرية قديمة بأذربيجان تحوّلت لمركز عمليات الموساد
لعلها مصادفة أنه قبل أقل من شهر على مهاجمة إيران، قام وزير الدفاع الأذري ذاكر حسنوف، ونائبه إيغيل جوربانوف، بزيارة إسرائيل، والتقيا بنظيره يسرائيل كاتس، واتفقا على مواصلة التعاون الأمني، وتوسيع مجالات العمليات المشتركة في المستقبل، والخطط المستقبلية لتوسيع التعاون في المجالات العسكرية التقنية.
وكان لافتاً أن يحضر اجتماعهما كبار القادة العسكريين، عُرِف منهم: مدير عام وزارة الحرب أمير برعام، ورئيس قسم العمليات عوديد باسيوك، والسكرتير العسكري للوزير غاي مارشيسانو، والملحق العسكري في أذربيجان ييجال أوستانوفسكي.
وتداولت تقارير استخباراتية دولية قبل سنوات حصول إسرائيل على إذن باستخدام أربع قواعد جوية مهجورة في أذربيجان لشن هجوم محتمل على إيران، ومن شأن استخدامها أن يقلل اعتمادها على تزويد الطائرات بالوقود، وتقع قرب الحدود الإيرانية، خاصة قاعدة "سيتالكي" البعيدة عنها نحو 500 كيلومتر.
فيما يتمتع جهاز الموساد بحضور كبير ومهم في أذربيجان، فأنشطته تستفيد من جغرافيتها، حيث تقع في جبال القوقاز، وتحدّها إيران، وتشترك معها في شواطئ بحر قزوين، حتى إن الرئيس علييف وصف علاقاته بإسرائيل بأنها مثل "جبل جليدي يغوص تسعة أعشاره تحت سطح الماء؛ لا يظهر منه سوى قمته فوق السطح".
وقد ذكرت تقارير أن رجال الموساد الذين وضعوا أيديهم على الأرشيف النووي الإيراني في 2018 انتقلوا لأذربيجان، ثم وصلوا إسرائيل، كما اتهمتها إيران بتقديم تسهيلات للموساد خلال اغتياله علماء نوويين، وتوجّه بعض المنفذين لأراضيها.
ورغم أن العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين باكو وتل أبيب تبقى خافية عن الأنظار، لكن المعلوم أن جميع رؤساء الموساد منذ أوائل التسعينيات زاروا أذربيجان، ومنهم: شبتاي شافيت، داني ياتوم، إفرايم هاليفي، مائير داغان، تامير باردو، ويوسي كوهين، واجتمعوا مع نظرائهم في جهاز الاستخبارات MTN، ما جعلها مركزاً إقليمياً لجمع المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة إيران، ويحوز على محطات اعتراض، واستماع فيها.
كما عكفت أجهزة الأمن الإسرائيلية على تدريب نظيرتها الأذرية، وتشرف على الطاقم الأمني للرئيس الأذري خلال زياراته الخارجية، وتبادل المعلومات السرية حول أعدائهما بشكل روتيني، وتحليل الصور الملتقطة بواسطة أقمار صناعية إسرائيلية؛ ما يعطي التسريبات الصحفية حول طلب تل أبيب من باكو وضع محطات تنصت إلكترونية على طول بحر قزوين كثيراً من المصداقية.
ما دفع بدبلوماسي إسرائيلي سابق للقول إن الاستخبارات الإسرائيلية في أذربيجان تشعر كأنها في بيتها، بتحولها إلى "جسر استخباراتي" لأجهزتها الأمنية، التي ثبتت أقدامها على حدودها.
وفيما كشفت تسريبات وثائق "ويكيليكس" أن إسرائيل تتخذ من أذربيجان مقراً لها للتجسس على إيران، عبر قاعدة متقدمة للموساد لا تبعد سوى مسافة عدة ساعات من الحدود، يعمل فيها العشرات من عملائه في جو من الهدوء والطمأنينة، باستخدام وسائل متطورة من أجهزة التنصت.
وحين زار عوديد فورير وزير الزراعة الإسرائيلي السابق أذربيجان، وقام بجولة ميدانية فيما تُسمى "القرى الزراعية الذكية" على بعد سبعة كيلومترات فقط من الحدود الإيرانية، وصفها الإيرانيون بأنها جزء من قواعد استخباراتية، مصممة للتجسس على بلادهم، وإلحاق الضرر بها، فيما تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية بتدريب الخبراء الأذريين في مجال الأمن السيبراني، لأن تجربتها مع هذه التهديدات مهمة للغاية.

صفقات أسلحة إسرائيلية تُرجّح الاتهامات الإيرانية
تُعتبر أذربيجان زبوناً كبيراً للصادرات العسكرية الإسرائيلية التي بلغت قيمتها 47.3 مليار دولار بين عامي 2018-2022، وحصلت على 9.1% منها بقيمة 4.3 مليار دولار، ما وضعها في المرتبة الثانية بعد الهند.
حيث دأبت على شراء طائرات "هيرميس 450" بدون طيار، أسلحة "هاروب الجوالة"، صواريخ "سبايك" المضادة للدبابات، البنادق، المركبات المدرعة، معدات استخباراتية، منظومات قيادة وتحكم، أنظمة بصرية ومراقبة نارية، وسفن دورية، بهدف حماية السواحل الأذرية في بحر قزوين، وبصورة إجمالية فإن 70% من واردات الأسلحة الأذرية بين 2016-2020 من إسرائيل.
وقد افتتحت شركة "ألتاسيستمز"، أكبر شركة إسرائيلية متخصصة في المعدات الدفاعية الإلكترونية، فرعاً ضخماً لها في باكو، يمكّنها من التقاط صور بالغة الدقة، في أسوأ الظروف الجوية، وإطلاق نظام قمر اصطناعي يمكنه الوصول لمحطات مهمة جداً حولها، لا سيما إيران.
كما تتمتع أذربيجان وإسرائيل بعلاقات استراتيجية منذ عقود، تستند للمصالح المشتركة، والتعاون العسكري واسع النطاق، وتعمّق التعاون في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، حيث لعبت أنظمة الأسلحة الإسرائيلية دوراً حاسماً في انتصار أذربيجان على أرمينيا.
وعلى صعيد المصالح العسكرية، تجري أذربيجان تعاوناً عسكرياً مع إسرائيل، يشمل بيع طائرات بدون طيار هجومية وصواريخ وأسلحة أخرى، بما يسمح لها بالتفوق عسكرياً على منافستها أرمينيا، فيما تسعى إسرائيل لترسيخ وجودها في منطقة استراتيجية، وتستخدمها في أنشطة استخباراتية ضد إيران.
وفي ضوء العلاقات الدفاعية المتقدمة بين باكو وتل أبيب، وما تشمله من أدوات استخباراتية مهمة، فإن إسرائيل تحصل على موقع استراتيجي قرب إيران، ما يسمح لها بمراقبة وجمع المعلومات عن أنشطتها النووية والصاروخية، ويمنحها هذا التعاون إمكانية العمل في المجال الجوي الأذري.
ما سيؤدي لتجاوز القيود الجغرافية، والاقتراب من الأهداف الاستراتيجية في إيران، فيما الوسائل القتالية التي تنتجها شركات السلاح الإسرائيلية ليست بالضرورة لمهاجمة إيران، بل قد تكون لجمع المعلومات المفيدة قبل الهجمات، ثم لتقييم الأضرار الناجمة عن إلقاء القنابل من الطائرات الحربية.
ترى إيران في تسليح إسرائيل لأذربيجان مصدر قلق لها، لأنها قد تشدد مواقفها في النقاش حول تقسيم الموارد الطبيعية لبحر قزوين، وتستخدم مستشارين إسرائيليين وشركات أمنية إسرائيلية لتدريب جيشها، ما تسبّب بصدور تهديدات إيرانية صريحة ضد مستوى التغلغل الإسرائيلي العميق جداً في باكو.
حتى إن قادة الاستخبارات الإسرائيلية يعقدون اجتماعات شخصية مع الرئيس علييف، ما يعني تحويل بلاده فعلياً إلى منطقة عمليات حرة لإسرائيل، وموطناً لطائراتها وضباطها، متهمين بلادهم بإظهار لامبالاة خطيرة، ما يمنح نظام علييف ثقة مفرطة، وكأنه في مأمن من غضب إيران.
إسرائيل معنيّة بتوتر علاقات الجارتين "الشيعيتين"
قبل شهر فقط من العدوان الإسرائيلي على إيران، جرت مناورة تدريبية مشتركة باسم "أراس 2025″، بين الحرس الثوري الإيراني ونخبة الجيش الأذري، وبعد الهجوم، طالبت أذربيجان إسرائيل بالحذر في عملياتها في المناطق التي تقطنها الأقلية الأذرية في إيران، وتشكل 16% من السكان.
بعد الاتهامات الإيرانية لأذربيجان، فقد باتت ترى أنها مطالبة بالاستعداد لمختلف السيناريوهات المحتملة من إيران، خشية أن تتخذ أوساطها المحافظة إجراءات ضد دول المنطقة المتعاونة مع إسرائيل، مع أنها في 2021 أجرت في فترات سابقة مناورات عسكرية على الحدود المشتركة، مصحوبة برسائل تهديد باللغة الأذرية، ومقاطع فيديو تنص على أن "الطريق إلى القدس يمر عبر باكو".
هذه التطورات دفعت الرئيس علييف للرد على المناورة بزيارة الحدود الإيرانية، وتصويره علناً وهو يحمل طائرة إسرائيلية بدون طيار، كما وصلت علاقاتهما في أحيان كثيرة إلى تدهور كبير بعد اكتشاف خلايا إيرانية تسعى لاستهداف مصالح يهودية وإسرائيلية في أذربيجان.
محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، وعضو مُجمع تشخيص مصلحة النظام، اعتبر أن "اتفاقيات أذربيجان مع إسرائيل تهدف لخلق الفوضى شمال إيران، وتشتيت انتباه جيشها، حتى تتمكن إسرائيل من قصف المنشآت النووية".
فيما حذر كمال خرازي، وزير الخارجية الأسبق، أذربيجان من تعزيز علاقاتها بإسرائيل، لأنها مطالبة بأن تأخذ في الاعتبار حساسية جيرانها، ووجّه مسؤولون إيرانيون على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات تيليغرام انتقادات حادة لأذربيجان، بزعم أنها أصبحت شريكاً سرياً في التحركات الإسرائيلية ضد بلادهم.
في المقابل، فإن إسرائيل وأذربيجان من الدول القليلة اللتين تريان في إيران تهديداً وجودياً، فالأخيرة تخشى من نفوذها الإسلامي، حيث يوجد فيها 13 مليون إيراني من أصول أذرية، وحاولت دائماً تجنيد العديد منهم ضمن خلاياها العسكرية، وأنشأت حركة المقاومة الإسلامية في أذربيجان "الحُسينيين"، ما دفع باكو لشنّ حملة قمع واسعة النطاق على الشبكات الموالية لإيران في البلاد.
كما تتشاركان مخاوف مشتركة بشأن تعزيز إيران لنفوذها في المنطقة، والتهديدات التي يشكلها برنامجها النووي، ومع وصول صراع إسرائيل وإيران إلى حرب مفتوحة، تجد أذربيجان نفسها في وضع جيوسياسي معقد بشكل خاص، حيث تضطر للموازنة بين تحالفها العميق مع إسرائيل، والحاجة للحفاظ على علاقات مستقرة مع إيران المجاورة، التي تشترك معها في حدود طويلة، تمتد 800 كيلومتر، وعدد كبير من الأذريين فيها.
وقد شهدت علاقات البلدين، أذربيجان وإيران، العديد من محطات التوتر، وشمل في بعض الأحيان إغلاقاً مؤقتاً للمعابر الحدودية، ومحاولات شن هجمات إيرانية على الأراضي الأذرية، واستدعاء السفراء للتشاور، والاعتقالات دون سبب مقنع لمواطني البلد الآخر، وزيادة الوجود العسكري الإيراني في بحر قزوين، وغيرها من المؤشرات.
مزايا التعاون الإسرائيلي الأذري وتهديده لإيران
سلّط الهجوم الإسرائيلي على إيران، واتهام الأخيرة لأذربيجان بإتاحة أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي لمهاجمتها، الضوء على عدد من المزايا التي تجعلها ذات أهمية استثنائية لإسرائيل، دوناً عن سواها، ومنها:
أولها: الدولة الإسلامية الوحيدة التي حافظت على علاقات ودية وتعاونية معها لأكثر من ثلاثين عاماً، وتعززت علاقاتهما أثناء أوقات الحروب الإسرائيلية، لا سيما الحالية، وتُسمّي المقاومة الفلسطينية "إرهاباً".
ثانيها: ما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي في القوقاز، تحدّها إيران وروسيا، القوتان الإقليميتان، دون أن تتحول دمية في يد أيٍّ منهما، ما يفسّر الأهمية الكبرى التي تتمتع بها للأمن الإقليمي.
ثالثها: ذات طابع اقتصادي، فمنذ ثلاثين عاماً أصبحت أذربيجان المورد الرئيسي للطاقة لإسرائيل، ومع اندلاع حرب غزة، زادت صادراتها النفطية لها بنسبة 55%، وهي من بين أكبر عشرة شركاء تجاريين لأذربيجان، ووصل حجم تجارتهما إلى 1.7 مليار دولار في 2022، وتعمل فيها 120 شركة إسرائيلية، وتتركز استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، وتحسين الزراعة ومعالجة المياه، وبلوغ أعداد السياح الإسرائيليين إليها 50 ألفاً سنوياً.
رابعها: واحدة من أكثر العملاء وأقدمهم للصناعات العسكرية الإسرائيلية، ولا تقتصر صادراتها على نوع معين من الأسلحة.
خامسها: ذات بُعد استراتيجي، فالدولتان تريان في إيران تهديداً وجودياً، ولكل منهما مصلحة في منع تهديداتها، وإحباط مخططاتها، ما دفع بطهران لاتهام باكو بالتحول إلى قاعدة للجيش الإسرائيلي لمهاجمتها.
يمكن القول إن تفعيل التنسيق السياسي وترسيخ العلاقات الأمنية والترتيبات العسكرية بين باكو وتل أبيب، يثير تساؤلات عديدة، ويُخرجها من إطار العمل السياسي إلى التمركز العملياتي، والرغبة في تقوية النفوذ الإسرائيلي في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، والبحث عن دور فيها، لأن علاقاتهما تحفل بكثير من اللقاءات الرسمية، لمناقشة مستقبل تطويرها، وتعزيزها، والدفع بها نحو علاقة استراتيجية.
مع العلم أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أنشأت قسماً جديداً باسم "أوراسيا"، يضم دولاً، منها أذربيجان، مكوناً من 17 دبلوماسياً من اليهود الروس، وكُلّفوا بتنمية العلاقات مع تلك الدول، بالتنسيق مع الموساد والاستخبارات العسكرية ومكتب رئيس الحكومة.
يؤكد ذلك أن التوجه الإسرائيلي نحو أذربيجان لم يكن منقطعاً عن جذوره، بل منسجماً مع سياستها التقليدية التي ابتدعتها منذ السنوات الأولى لإنشائها، وعُرفت باسم "شد الأطراف"، رغبة في الوصول إلى مركز نفوذ في الشرق الأوسط، يتيح لها التأثير في تشكيل الاستراتيجيات في مناطق العالم، وليس حصر نفسها في إطارها الجغرافي، فضلاً عن التحرك بالتوازي مع الاتجاه الأميركي لبلاد آسيا الوسطى الإسلامية، لإيجاد وجود إسرائيلي قوي فيها، وإقامة حواجز أمام وصول النفوذ العربي والإسلامي إليها.