فاجأت الحكومة البريطانية إحدى الشركات العملاقة المتخصصة في الطاقة، ومعها المغرب، بعد أن أعلنت بشكل رسمي تخليها عن واحد من أكبر مشاريع الطاقة الخضراء في العالم، مع العلم أن الشركة البريطانية قامت فعلاً باستثمار مئات ملايين الدولارات في المشروع الذي قُدرت قيمته بنحو 30 مليار دولار.
هذا المشروع الذي روّجت له شركة "X Links" البريطانية العملاقة، والذي كان مقرراً أن يبدأ في الإنتاج خلال عام 2027، لم يتمكن من إقناع الحكومة البريطانية بالفوائد التي سيعود بها على مجال الطاقة في بريطانيا، وبالتالي فشل في الحصول على الدعم الحكومي اللازم من أجل مواصلة الاستثمار في هذا المشروع.
فما أهمية هذا المشروع بالنسبة للمغرب، وكيف سيؤثر ذلك على المملكة، خاصة في مجال الطاقة؟ وما الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية للتخلي عن دعم هذا المشروع الضخم؟ وهل سيؤثر قرار لندن على استثمارات أجنبية أخرى في مجال الطاقة بالمغرب؟ وهي الأسئلة التي سنجيب عنها في التقرير التالي.
مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا
بدايةً، وقبل الحديث عن الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية للتخلي عن دعم مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، لا بد من العودة إلى المشروع، ومن كان وراءه، والفوائد التي كان سيجنيها المغرب من خلال استثمار 30 مليار دولار في المشروع.
كان يخطط مشروع تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، المعروف باسم "إكس لينكس"، إلى نقل إنتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية، التي تمتد عبر منطقة بحجم لندن في منطقة كلميم واد نون جنوب المغرب، عبر خط كهرباء بحري، وهو ما يكفي لتزويد أكثر من 9 ملايين منزل بريطاني بالكهرباء.
وكان يُتوقع أن يبدأ المشروع بمدّ خطَّي كهرباء بحريين يتصلان بخطَّين آخرين في بريطانيا، وستُولَّد الكهرباء بجهة كلميم واد نون عبر محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بقدرة 10.5 غيغاواط، ومرافق لبطاريات التخزين بسعة 20 غيغاواط، وفق ما أورده الموقع الرسمي لشركة "Xlinks".
وكان يأمل الرئيس التنفيذي السابق لشركة "تيسكو"، المسؤول الحالي بشركة "إكس لينكس" (Xlinks First) -المشرفة على مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا- ديف لويس، بناء أطول خط كهرباء بحري في العالم لتسخير مصادر الطاقة المتجددة في شمال أفريقيا لدعم خطة الطاقة النظيفة في بريطانيا.
وحال تنفيذ المشروع، فإن خط كهرباء يبلغ طوله 4 آلاف كيلومتر مدفون في قاع البحر، سينقل ما يصل إلى 8% من احتياجات بريطانيا من الكهرباء من مشروعات الطاقة المتجددة والبطاريات في كلميم واد نون جنوب المغرب إلى ساحل ديفون في أقل من ثانية.
ويرى ديف لويس أنه بالإضافة إلى أشعة الشمس الدائمة في المغرب وسرعات الرياح المستمرة، فإن مشروع تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، من الناحية النظرية، قد يوفّر لحكومة لندن مصدراً متوقعاً وموثوقاً للطاقة المتجددة لمدة 19 ساعة يومياً على مدار العام، حسب ما نقله موقع "الطاقة" الإخباري المتخصص.
تولّى ديف لويس منصب الرئيس التنفيذي لشركة "إكس لينكس"، التي تقف وراء خطط تصدير الكهرباء من المغرب إلى بريطانيا، في عام 2020 بعد تنفيذ خطة إنقاذ مدتها 5 سنوات لإعادة أكبر بائع تجزئة في بريطانيا من حافة الانهيار.
منذ ذلك الحين، أجرى المسؤول البريطاني محادثات مع 6 وزراء للطاقة خلال السنوات الـ6 الماضية من أجل التوصل إلى اتفاق، والحصول على دعم مالي وتقني يسمح ببدء تنفيذ المشروع بين المملكة المتحدة والمغرب بحلول عام 2030، لكن نتائج المحادثات كانت سلبية، وانتهت بإعلان تخلي الحكومة البريطانية عن المشروع.
لماذا تخلّت الحكومة البريطانية عن المشروع؟
صباح الجمعة 27 يونيو/حزيران 2025، انتشر خبر مفاده أن وزير الطاقة البريطاني، إد ميليباند، قرر إفشال مشروع XLinks الضخم للطاقة المتجددة، الذي تبلغ تكلفته 25 مليار جنيه إسترليني (نحو 30 مليار دولار)، والذي كان من المفترض أن يخفض سعر الطاقة بنسبة 10٪ في البلاد.
وقالت تقارير إعلامية بريطانية إن أحد أكبر مشاريع الربط البيني في العالم يتعثر، فقد رفضت حكومة المملكة المتحدة أخيراً توقيع عقد الفروقات لمدة 25 عاماً مع شركة XLinks، الشركة التي كانت تنوي توريد الطاقة المتجددة من المغرب إلى المملكة المتحدة.
وفقاً للصحافة البريطانية، فإن قرار وزير الطاقة بعدم الاستثمار في مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، يعود بالأساس إلى رغبة الحكومة البريطانية في عدم الاعتماد على دول ثالثة، ويفضّلون أن يكونوا أكثر استقلالية في مجال الطاقة، حتى لو كانت التكلفة أعلى.
كما أن القرار يأتي بعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا والبرتغال، وهما دولتان كان من المفترض أن يمر الكابل عبر مياههما، وفي المعركة الأوروبية الكبرى للتخلص من الغاز الروسي، والتوقف عن الاعتماد على أطراف ثالثة.
صحيفة "The Times" كتبت في تقرير نشرته الخميس 26 يونيو/حزيران أن وزارة الطاقة البريطانية منعت تنفيذ مشروع Xlinks، الذي كان سيُنقل الطاقة النظيفة من المغرب عبر كابل بحري ضخم، بتكلفة تُقدَّر بـ24 مليار جنيه إسترليني.
وكشفت الصحيفة أن أسباب تخلّي الحكومة عن المشروع تعود بالأساس إلى ارتفاع التكاليف من 16 إلى 24 مليار جنيه إسترليني، إضافة إلى مخاوف أمنية واقتصادية، ورغبة الحكومة البريطانية في تطوير مشاريع الطاقة محلياً.
كما قالت وكالة رويترز إن الحكومة البريطانية أكدت وقف دعمها لمشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، واعتبرت أن الطاقة المحلية المنبع "أفضل استراتيجية للبلاد وأولى بمصالح الشعب والمال العام"، مع العلم أن المشروع كان مدعوماً من شركات عالمية مثل Total Energies وOctopus Energy.
خيبة أمل المستثمر البريطاني وشركائه في المغرب
خيّب قرار الحكومة البريطانية آمال مروّج المشروع السير ديف لويس، رئيس شركة Xlinks، الذي عبّر عن إحباطه من قرار لندن عدم دعم مشروع الربط الكهربائي مع المغرب، وفق ما جاء في بيان لديف لويس صدر عقب قرار الحكومة البريطانية.
وقال في البيان: "نحن مندهشون للغاية ومحبطون للغاية لأن حكومة المملكة المتحدة قررت تفويت الفرصة لإطلاق العنان للقيمة الكبيرة التي سيجلبها مشروع طاقة متجددة واسع النطاق مثل هذا، ولا سيما فرصة خفض سعر الجملة للكهرباء، والذي يعد حالياً واحداً من أعلى الأسعار في أوروبا".
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع لم يكن يتطلب أي استثمار حكومي مقدماً، ويقدّم سعراً تنافسياً للغاية للعقود مقابل الفروقات، وسيُخفض أسعار الكهرباء بالجملة بأكثر من 9٪ خلال عامه الأول، ويوفّر 20 مليار جنيه إسترليني من القيمة الاجتماعية والاقتصادية.
وحسب المستثمر الرئيسي في المشروع "إكس لينكس"، فإن المشروع كان سيغطي 8٪ من احتياجات الكهرباء في البلاد في وقت يرتفع فيه الطلب بشكل كبير، فضلاً عن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من قطاع الكهرباء بنسبة 10٪ تقريباً خلال عامه الأول.
بينما يسعى المسؤولون عن شركة "إكس لينكس" وشركاؤها، بما في ذلك شركات عالمية المستوى مثل GE Vernova وTotalEnergies وTAQA الإماراتية وOctopus Energy البريطانية، إلى البحث عن حل للأزمة التي تسبب بها القرار البريطاني، وعدم التخلي عن المشروع، وإيجاد مخرج آخر.
مع العلم أنه تم فعلاً استثمار أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني من قبل شركات الطاقة الكبرى في تطوير المشروع، وقال مدير "إكس لينكس" البريطانية: "ليس أمامنا خيار سوى قبول قرار وزارة الطاقة. ونحن نعمل الآن على إطلاق إمكانات المشروع وتعظيم قيمته لجميع الأطراف بطريقة مختلفة".
كيف سيؤثر إلغاء المشروع على المغرب؟
المشروع الذي قُدرت قيمته بأكثر من 30 مليار دولار، كان يُعتبر من أكبر الاستثمارات الطاقية الموجّهة نحو المغرب، وكان سيخلق آلاف الوظائف في مناطق مثل كلميم وطانطان، مع تنمية بنية تحتية للطاقة الشمسية والريحية بقدرة 10.5 غيغاواط.
ومن شأن إلغاء المشروع أن يؤخّر الطموح المغربي لتصدير الكهرباء الخضراء، مع العلم أن المشروع كان أحد أهم النماذج الترويجية للطاقة المتجددة المغربية نحو أوروبا، ويطمح المغرب من ورائه إلى تعزيز مكانته كمزوّد طاقة نظيفة لأوروبا.
وهذا الإلغاء قد يُضعف ثقة المستثمرين الدوليين مؤقتاً في قابلية تصدير الكهرباء من إفريقيا نحو أوروبا عبر الكابلات البحرية، كما ستكون له انعكاسات على استراتيجية الهيدروجين الأخضر المغربية.
من جهة أخرى، فإن المشروع كان يُستخدم كـ"نموذج نجاح" للدبلوماسية المغربية الطاقية، غير أن قرار الحكومة البريطانية عدم دعم المشروع قد يُفسَّر على أنه "فشل سياسي" للدبلوماسية المغربية، وهو ما قد تستغله جهات خارجية للنيل من المغرب.
وقد يؤثر على مشاريع أخرى مماثلة، في مقدمتها مشروع الملياردير الأسترالي أندرو فورست، الذي يعمل في مجال التعدين، وكان يسعى للحصول على الدعم من وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند لإنشاء خط كهرباء جديد بقيمة مليارات الدولارات بين أوروبا وشمال أفريقيا.
وأجرى مؤسس ورئيس شركة فورتسكيو العملاقة لخام الحديد، أندرو فورست، المعروف باسم "تويجي"، مناقشات مع وزير الطاقة حول مشروع ربط كهربائي بين المغرب وبريطانيا، وفق ما ذكرته تقارير في شهر مايو/أيار 2025.