الحرس الثوري طالب بالتمديد لأسبوعين، و”موافقة مشروطة” حسمت الجدل.. مصادر تكشف كواليس إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/24 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/24 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي/ رويترز

كشفت مصادر إيرانية لـ"عربي بوست"، الثلاثاء 24 يونيو/ حزيران 2025، عن كواليس المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع قطر من أجل وقف الحرب الإسرائيلية الأمريكية على الأراضي الإيرانية.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوم الاثنين 23 يونيو/ حزيران 2025 عن اتفاق لوقف إطلاق نار "كامل وشامل" بين إسرائيل وإيران، بهدف إنهاء صراع دام 12 يومًا تسبب في نزوح الملايين من طهران وأثار مخاوف من تصعيد إقليمي.

وصف ترامب الاتفاق عبر منصته "تروث سوشيال" بأنه إنجاز يعكس "القدرة والشجاعة والذكاء" من جانب البلدين لإنهاء ما أسماه "حرب الاثني عشر يومًا".

في حين أكد مسؤول رفيع في البيت الأبيض موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار بشرط عدم شن إيران هجمات أخرى، مشيرًا إلى أن ترامب توسط في الاتفاق خلال اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأوضح ترامب أن وقف إطلاق النار سيبدأ على مراحل، مما يمنح الجانبين وقتًا لاستكمال أي مهام جارية.

كواليس ما قبل وقف إطلاق النار

كشف مصدر رفيع يعمل في مؤسسة مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، بدرجة مستشار، لـ"عربي بوست" عن تفاصيل حاسمة كانت وراء رفض إيران الانخراط في مفاوضات لوقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، قبل إعلان إسرائيل إنهاء الحرب، رغم الوساطات المتعددة التي طُرحت عبر أطراف إقليمية ودولية.

وأوضح المصدر أن القيادة الإيرانية كانت ترفض بشكل قاطع أي تحرك تفاوضي خلال فترة الحرب، باعتبار أن الدخول في مفاوضات آنذاك يُعد بمثابة "إعلان رسمي للهزيمة".

طهران- رويترز

وبحسب المصدر، فإن الموقف الإيراني كان مشبعًا برغبة قوية في الانتقام من إسرائيل، بعد الهجمات المكثفة التي تعرضت لها الأراضي الإيرانية، واغتيال عدد من القادة البارزين في الحرس الثوري والجيش، ما جعل طهران تصر على الرد العسكري قبل النظر في أي حلول سياسية.

وأشار المصدر إلى أن هذا القرار كان مدفوعًا أيضًا بضغط داخلي كبير، إذ كانت القيادة السياسية ترى أن الشارع الإيراني لن يغفر أي تراجع دون رد مباشر على هذه الاعتداءات.

فيما حاولت أنقرة لعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، بحسب ما أفاد به المصدر، إلا أن الجانب الإيراني ظل متحفظًا تجاه هذا الدور. وقال المستشار في مكتب خامنئي إن طهران كانت ترى في تحركات تركيا شيئًا من الانحياز وعدم الشفافية، ما أدى إلى تجاهل الوساطة التركية بشكل تام، وسمح باستمرار التصعيد لفترة أطول.

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في إسطنبول، بأن الشرق الأوسط لا يحتمل حربًا جديدة، وأن الحل الوحيد للخلاف حول البرنامج النووي الإيراني هو العودة إلى طاولة المفاوضات.

جاءت هذه التصريحات خلال زيارة عراقجي لتركيا للمشاركة في اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، وفقًا لبيان صادر عن دائرة الاتصال بالرئاسة التركية. وتناول اللقاء التطورات الإقليمية والدولية، خاصة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، وسبل تهدئة التوتر وإعادة إحياء المسارات السياسية والدبلوماسية في المنطقة.

مشاركة أمريكا في الحرب

التحرك الجدي نحو مسار التفاوض، كما يكشف المصدر، بدأ عبر الوساطة القطرية. فقد تواصلت الدوحة مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أثناء مشاركته في جلسة لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وعرضت عليه مقترحًا قطريًا يقضي بوقف إطلاق النار شريطة أن تلتقي إيران مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قبل نهاية الحرب.

ورغم الطابع الدبلوماسي الذي اكتسى به الطرح القطري، إلا أن عراقجي، وبعد الرجوع إلى دوائر القرار في طهران، رفض المقترح بشكل قاطع، مشددًا على أن الجلوس مع الأمريكيين قبل نهاية الحرب يمثل استسلامًا سياسيًا لا يمكن قبوله.

ووفقًا لما أفاد به المصدر نفسه، كانت إيران تدرك أن الولايات المتحدة تستعد لاستهداف منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما جعلها تصر على عدم الدخول في أي نقاش سياسي أو مفاوضات حتى تتبني خطوة أمريكا التالية بخصوص المفاعلات النووية، وما سيترتب على ذلك من رد إيراني.

وبعد استهداف المنشآت النووية والمفاعلات النووية الإيرانية من جانب إسرائيل، أوضح المصدر أن إيران أبلغت الوسيط القطري أنها لن تستمع لأي مقترحات جديدة إلا بعد تنفيذ ضربة انتقامية ضد قاعدة أمريكية في المنطقة، معتبرة ذلك شرطًا مسبقًا للدخول في مسار التفاوض حول وقف الحرب.

وأشار المصدر بوضوح إلى أن الحديث دار تحديدًا حول قاعدة العديد الأمريكية في قطر، والتي رأت إيران أنها قد تكون الهدف الأمثل لرد انتقامي محدود يفتح الباب أمام تفاهمات لاحقة دون أن يؤدي إلى انفجار إقليمي واسع.

وأضاف أن القيادة الإيرانية كانت ترى أن علاقاتها الجيدة مع قطر قد تسمح بتمرير الهجوم دون تداعيات دبلوماسية أو أمنية قاسية، على عكس ضرب قواعد أمريكية في دول أخرى قد تتسبب في تصعيد غير محسوب العواقب.

في سياق مواز، كشف مصدر إيراني رفيع يعمل مديرًا لمركز أبحاث سياسية في طهران، ويُعد من المقربين من الحرس الثوري، أن إيران كانت على علم منذ اللحظة الأولى بأن الولايات المتحدة تشارك فعليًا في الحرب الجارية إلى جانب إسرائيل.

وأوضح المصدر أن الفشل الإسرائيلي في توجيه ضربات ناجحة للمفاعلات النووية الإيرانية كان دافعًا رئيسيًا لتدخل واشنطن المباشر في العمليات العسكرية.

وأضاف أن القيادة الإيرانية، رغم إدراكها التام لمشاركة أمريكية نشطة في الحرب، اتخذت قرارًا بعدم الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، مفضلة حصر المعركة ضد "الكيان الإسرائيلي"، الذي وصفه المصدر بأنه "العدو المباشر والأول لإيران". واعتبر أن إسرائيل كانت تسعى إلى جر إيران إلى صراع مباشر مع أمريكا، لتخفيف الضغط عنها بعد تعرضها لقصف إيراني كثيف، ولتشتيت التركيز الإيراني عن الجبهة الإسرائيلية.

طهران- رويترز

الحرس الثوري يرفض الحرب

في ما يتعلق بمسار التفاوض ومسألة وقف إطلاق النار، أشار المصدر الأكاديمي الإيراني والقريب من الحرس الثوري إلى أن الحرس الثوري الإيراني كان رافضًا بشكل قاطع لفكرة وقف العمليات القتالية في هذه المرحلة، معتبرًا أن إسرائيل "يجب أن تدفع ثمنًا باهظًا لما ارتكبته من عدوان على الأراضي الإيرانية والمنشآت الاستراتيجية".

وأوضح أن نقاشًا جادًا دار داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية، وضم قيادات من الجيش والحرس الثوري، لتقييم الخيارات المتاحة حيال استمرار الحرب أو التوجه نحو التهدئة. وقد خلصت تلك النقاشات إلى موقف مشترك، مفاده أن إيران لن تعلن من طرفها وقف إطلاق النار، بل يجب أن تكون المبادرة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، "كونهما الطرفان اللذان بادرا بشن الحرب على إيران"، بحسب تعبير المصدر.

وختم المسؤول الإيراني بالتأكيد على أن هذا التوجه نابع من قناعة استراتيجية داخل النظام الإيراني، مفادها أن الإعلان الإيراني الأحادي عن وقف العمليات سيُفسر في الداخل والخارج على أنه اعتراف بالهزيمة، وهو ما لا يمكن القبول به في هذه المرحلة الحساسة.

من جهته، أفاد مصدر أكاديمي مقرب من الحرس الثوري الإيراني، ويعمل أستاذًا في جامعة طهران، أن هناك انقسامًا واضحًا داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الإيرانية في تلك الفترة.

فبينما كانت وزارة الخارجية وفريقها التفاوضي يدفع نحو إيجاد مخرج سياسي، كان الحرس الثوري يصر على مواصلة الحرب حتى استكمال "الرد الكامل" على اغتيال قياداته.

وأوضح المصدر أن الحرس الثوري طالب بتمديد العمليات لأسبوعين إضافيين، معتبرًا أن الحسم العسكري ضرورة وطنية وشرفية في ضوء ما وصفه بـ"الجرائم الصهيونية" ضد إيران.

رغم تصلب موقف الحرس الثوري، فإن ضغط الخارجية الإيرانية في طهران – بحسب المصدر – أفلح في انتزاع موافقة مشروطة على التهدئة، شريطة أن تكون إسرائيل هي الجهة التي تعلن أولًا رغبتها في وقف إطلاق النار، وليس إيران، لتجنب إيحاءات "الانكسار" أمام العدو.

وهو ما تحقق لاحقًا، حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إسرائيل وافقت على وقف الحرب ضد إيران، وهو الإعلان الذي رأته طهران انتصارًا معنويًا وسياسيًا لأنها لم تكن هي الطرف الذي طلب الهدنة.

طهران- رويترز

دور روسيا

في خضم هذه التفاعلات، كان لروسيا دور داعم ومهم، وفقًا لما كشفه المصدر في مكتب خامنئي. فقد ناقش عباس عراقجي تفاصيل الاتفاق النهائي خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وتم التوافق على عدة خطوط عامة للتفاهم الذي جرى لاحقًا عبر الوساطة القطرية.

وفي تصريح رسمي بعد اللقاء، قال عراقجي إن الموقف الروسي تجاه الهجمات على إيران كان "جيدًا جدًا وحازمًا"، مؤكدًا على التعاون الوثيق مع موسكو في هذه المرحلة الحرجة من التصعيد الإقليمي.

ويقول المصدر الذي يعمل في مكتب خامنئي إن طهران لم تكن على استعداد للانخراط في مسار تفاوضي مع واشنطن تحت القصف، بل أرادت رسم مشهد ختامي لا يبدو فيه أنها الطرف الأضعف، مستندة إلى ضربات انتقامية، وتكتيك تفاوضي يشترط أن يعلن العدو أولًا وقف الحرب.

إسرائيل تعلن وقف إطلاق النار

كانت الحكومة الإسرائيلية قد أعلنت، الثلاثاء، موافقتها على اتفاق لوقف إطلاق النار مع إيران، لكنها شددت في الوقت نفسه على أنها سترد "بقوة" في حال حدوث أي خرق لهذا الاتفاق.

وجاء البيان الرسمي الصادر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فجر الثلاثاء، عن التوصل إلى اتفاق هدنة بين الطرفين، داعيًا إلى احترامه وعدم انتهاكه.

ووفق البيان، فقد عقد نتنياهو اجتماعًا طارئًا لمجلس الوزراء في وقت متأخر من ليل الاثنين، بحضور كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس جهاز الموساد. وأفاد البيان بأن إسرائيل "أنجزت جميع أهداف عملية 'الأسد الصاعد'، بل وتجاوزتها"، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن العملية أسفرت عن "إزالة تهديد وجودي مزدوج على إسرائيل، تمثل في البرنامج النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية".

كما أعلن البيان أن الجيش الإسرائيلي "حقق سيطرة جوية كاملة فوق العاصمة الإيرانية طهران"، ونفذ "ضربات دقيقة استهدفت القيادة العسكرية وألحقت أضرارًا جسيمة بعشرات الأهداف الحكومية المركزية". وأضاف أن القوات الإسرائيلية، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، "وجهت ضربات قوية إلى مواقع حكومية حساسة في قلب طهران، وأسفرت عن مقتل المئات من عناصر الباسيج، واغتيال عالم نووي كبير"، لم يُكشف عن اسمه.

طهران- رويترز

وفي السياق ذاته، وجّهت إسرائيل شكرها العلني للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وللولايات المتحدة على ما وصفته بـ"الدعم الدفاعي والتعاون في القضاء على التهديد النووي الإيراني". وأكد البيان أن قرار القبول بوقف إطلاق النار تم "بالتنسيق الكامل مع الرئيس ترامب"، وأن إسرائيل "لن تتهاون في الرد على أي خرق للهدنة".

ودعا البيان المواطنين الإسرائيليين إلى "الاستمرار في الالتزام بتعليمات قيادة الجبهة الداخلية"، إلى حين التأكد من التزام إيران الكامل بوقف إطلاق النار. وحتى الساعة السابعة صباحًا بتوقيت غرينتش، لم يصدر أي رد رسمي من الجانب الإيراني بشأن إعلان إسرائيل.

في السياق ذاته، أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني أن القوات المسلحة الإيرانية حققت "تفوقًا استراتيجيًا" في مواجهتها مع إسرائيل. وأكد المجلس، في بيان تعليقًا على اتفاق وقف إطلاق النار المعلن صباح الثلاثاء، أن طهران مستعدة للرد بحزم على أي هجوم إسرائيلي محتمل.

وذكر البيان، الذي نقلته وسائل إعلام رسمية، أن "وقف إطلاق النار أحادي الجانب فُرض على إسرائيل"، مشددًا على أنه "إذا أقدم العدو على أي هجوم، فسنرد بحزم". وأضاف المجلس أن الشعب الإيراني أظهر صمودًا وعزيمة، وأن "الهجمات الإيرانية الأخيرة هي رد مشروع على انتهاكات إسرائيل".

وأشاد البيان بشجاعة القوات المسلحة الإيرانية، مؤكدًا أنها "تصرفت وردت على العدو في الوقت المناسب وبطريقة مناسبة". واختتم المجلس بيانه بالتأكيد على أن طهران "حققت تفوقًا استراتيجيًا" خلال الاشتباكات التي استمرت 12 يومًا، وأن "إسرائيل اضطرت إلى قبول الهزيمة وقبول وقف إطلاق النار من جانب واحد".

تحميل المزيد