خلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي دخلت يومها الثاني عشر الثلاثاء 24 يونيو/حزيران 2025، قبل أن يُعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاق تل أبيب وطهران على وقف إطلاق النار، اتخذت مصر موقفاً أكثر قرباً من إيران مع توالي التحذيرات من الانتقال إلى سيناريو الحرب الشاملة والاتجاه نحو مزيد من تهديدات أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط.
فبينما كان هناك غياب أي تواصل رسمي مُعلن بين القاهرة وتل أبيب، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان قبل ساعات من الضربات الأميركية "المفاجئة" التي طالت أهدافاً نووية إيرانية، وسط قلق عبّرت عنه الدبلوماسية المصرية من هذا الانخراط العسكري الأمريكي في الحرب الإسرائيلية الإيرانية.
فما الذي كانت تخشاه القاهرة من دخول أمريكا على خط الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟ وكيف كان سينعكس ذلك على المنطقة بأكملها ومصر على وجه الخصوص؟ وما الدور الذي لعبته القاهرة لمنع انجرار المنطقة إلى مزيد من الفوضى في حال استمرت الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتوسعت المشاركة الأمريكية فيها؟
إعادة هندسة المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل
قال مصدر دبلوماسي مطلع لـ"عربي بوست" إن القلق المصري الذي عبّر عنه الرئيس السيسي ووزير الخارجية يرجع إلى إدراك القاهرة بأن الثقل العسكري الأميركي في منطقة الشرق الأوسط والتحركات الأخيرة في البحرين المتوسط والأحمر تشير إلى أن الهدف أبعد من الوصول إلى طهران.
وأوضح المصدر، الذي تحدث مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن القاهرة تُدرك جيداً أن الهدف الأمريكي من الدخول في الحرب الإسرائيلية الإيرانية بشكل مباشر، كان يتجاوز ذلك لصالح "إعادة هندسة المنطقة بأكملها وفقاً لما يخدم مصالح إسرائيل التي تُستخدم كرأس حربة في هذا الصراع".
وأضاف المتحدث ذاته أن مصر تضع في الحسبان النتائج المترتبة على الحرب على إيران وترى أن التحولات التي جرت في أعقاب احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين وانعكاسه على موازين القوى في المنطقة سوف تتكرر في حال انتهت الحرب لصالح المعسكر الغربي.

هذا الوضع جعل هناك متابعة دقيقة لتداعيات ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وليس فقط على مستوى ما يحدث في إيران، وأن الانعكاسات الأمنية على القاهرة ستكون ماثلة، مع توقعات بمزيد من الفوضى وتزايد نشاط التنظيمات المسلحة، على حد تعبير المصدر الدبلوماسي الذي فضل عدم ذكر اسمه.
ولفت المصدر إلى أن الانخراط العسكري الأميركي الكامل وبشكل مباشر في الحرب الإسرائيلية الإيرانية يترك تأثيرات أمنية صعبة على المنطقة لأنها ستكون ساحة لصراع إقليمي أوسع، وسيكون له تأثير على جل دول المنطقة وفي مقدمتها مصر.
وبالتالي، يقول المصدر، طالبت القاهرة بمزيد من التوضيحات حول أبعاد التنسيق الحالي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية، خاصة أن التداعيات كبيرة على مستويات اقتصادية وأمنية مختلفة، وبالتالي فإن القاهرة وقفت إلى حد ما على الحياد، لكن بما لا يجعلها في صف إسرائيل.
بين الحلول الدبلوماسية والحرب الشاملة
قبل 48 ساعة من إعلان ترامب "نهاية الحرب الإسرائيلية الإيرانية"، وفي أعقاب الضربة الأميركية، أعربت مصر عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في إيران، وأدانت التصعيد المتسارع الذي كان ينذر بعواقب خطيرة على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وأكدت على رفضها لأي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وشددت على ضرورة احترام سيادة الدول.
وجددت القاهرة، في بيان لوزارة الخارجية، تحذيرها من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر، كما جددت مصر دعوتها إلى ضرورة وقف التصعيد وضبط النفس وتغليب لغة الحوار، حفاظاً على أرواح المدنيين وصوناً لأمن واستقرار المنطقة.
واستخدم البيان لهجة ناعمة ولم يسمِّ الولايات المتحدة صراحة، بخلاف ما جاء على لسان الرئيس السيسي في مكالمته الهاتفية مع نظيره الإيراني، التي ركزت على رفض العدوان الإسرائيلي، إذ اعتبر السيسي أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران "تهديد لأمن واستقرار الشرق الأوسط، في وقت بالغ الدقة تشهد فيه المنطقة أزمات متعددة ومتفاقمة".
وقال مصدر آخر بوزارة الخارجية المصرية إن مصر بذلت جهوداً حثيثة وأجرت اتصالات مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية في هذه اللحظة شديدة الحساسية، "وهناك إدراك بأننا في مساحة فاصلة بين الحلول الدبلوماسية والحرب الشاملة".

وأوضح المصدر أن المشهد كان يوحي من البداية بأن الولايات المتحدة، من خلال نشر قواتها البحرية والدفع بثقلها العسكري في الشرق الأوسط، تستعد لخوض الحرب، لكنها أيضاً تضع أمام أعينها الفشل السابق في العراق وأفغانستان وفيتنام وانسحاباتها المتكررة، وهو ما يجعل هناك فرصة للتأثير نحو عدم الذهاب إلى نقاط أبعد من ذلك.
وأضاف المصدر الدبلوماسي أن الانخراط الأمريكي الكامل في الحرب كان يحتاج إلى بعض الوقت لحين إتمام انتشار قواتها البحرية واستنفار قواتها العسكرية وإخراج المدنيين الأمريكيين من المنطقة، وهي إجراءات أقدمت عليها خلال الفترة الماضية، ما جعل القاهرة قلقة من سيناريو الحرب الأكثر توسعاً.
لأن طبيعة الانتشار الحالي، يقول المصدر، كانت توحي بأنه سيكون هناك استخدام مكثف للطيران من أجل القضاء على القواعد والدفاعات الأرضية والأنظمة الصاروخية الإيرانية، وهو ما كان سيمهد الطريق من وجهة نظر الولايات المتحدة إلى تغيير النظام والاستيلاء على الثروة النفطية، كما فعلوا سابقاً في العراق.
وأكد المتحدث ذاته أن هذا سيناريو التدخل الأمريكي كان يحمل مخاطر جسيمة ليس على الأمن القومي المصري فقط، ولكن على أمن دول الخليج أيضاً، وفي حال تحقق ذلك، ستكون مصالح إيران الاستراتيجية قد أصابها تهديد قوي سيكون التعامل معه وفقاً لما هو متوقع بنفس القوة أيضاً.
وحسب المصدر الدبلوماسي الذي تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه، فإن استهداف القواعد الأميركية في المنطقة ليس إلا بداية، رغم تخفيف الضربات، غير أن الولايات المتحدة ستكون بذلك قد عرضت أمن الخليج للخطر، لأنها إذا ما كانت قد استمرت في الانخراط عسكرياً في الحرب، فلن تكون قادرة على إنهائها بالشكل الذي تريده.
تأثيرات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على غزة
يذكر المصدر الدبلوماسي أن ما يخفف من حدة هذا السيناريو أن الولايات المتحدة من الصعب أن تنغمس بشكل كامل في حرب تهدد مصالح دول الخليج، كما أن إيران يمكن أن تستدعي مساندة دولية، سواء من روسيا أو كوريا الشمالية أو الصين، وغيرها من المقدرات التي لم تُعلن عنها بعد.
وهو ما يهدد أمن الطاقة العالمي، ومن الممكن أن تلعب إيران على وتر عرقلة خطوط الإمداد العسكرية والتجارية، سواء كنا نتحدث عن منطقة الخليج العربي أو خليج عدن أو باب المندب أو ممرات البحر الأحمر التجارية أو العسكرية، وسواء تم ذلك بشكل مباشر منها أو عبر ذراعها الأكبر في المنطقة الآن، وهي جماعة الحوثيين في اليمن.
ولفت مصدر "عربي بوست" إلى أن ما يقلق مصر هو أن سقوط طهران يعني توغل الولايات المتحدة وإسرائيل في مقدرات المنطقة، إلى جانب وجود مخاطر جمة في حالة كانت قد انضمت روسيا إلى الحرب، سواء بالدعم العسكري أو بالدخول المباشر إلى الحرب الإسرائيلية الإيرانية، لأنه في تلك الحالة لن يعرف أحد ما هي حدود المعركة وكيف يمكن أن تنتهي.
كما أن التحذيرات المصرية السابقة بشأن احتمالات توسع الصراع حال إطالة أمد الحرب في غزة قد تحققت بالفعل، وهو ما يجعل هناك أطرافاً أخرى على خط الصراع، بما يصعّب من مسألة العودة إلى التهدئة التي أضحت صعبة للغاية الآن، لكنها ما زالت غير مستحيلة.
وأوضح المصدر الدبلوماسي أن تأثيرات الحرب الإسرائيلية الإيرانية سلبية للغاية على القضية الفلسطينية والأوضاع في قطاع غزة، وهو أمر يهم مصر بالدرجة الأولى بعد أن أضحت الأوضاع في القطاع مأساوية في ظل غياب أي رؤية دولية للتعامل مع الوضع الراهن مع استمرار تعنت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة.
كما أن الحرب، المتوقفة حالياً، تخدم الرؤى السياسية لنتنياهو للبقاء في السلطة، وتخدم إسرائيل التي لديها سلاح نووي دون أن يتحدث إليها أحد، كما أن فشل المؤسسات الدولية، وفي قلبها مجلس الأمن، في الوصول إلى قرارات توقف الحروب، يبرهن على أن الوضع قد خرج عن السيطرة، وأن تهديدات الأمن والسلم الدوليين ستأخذ في التزايد على المدى القريب.
وأجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً، الأحد، بالسلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان، شدد خلاله على أهمية العمل على وقف التصعيد الجاري بين إسرائيل وإيران، محذراً من التبعات الجسيمة لتوسع دائرة الصراع في المنطقة، مؤكداً على ضرورة العودة إلى مائدة التفاوض حقناً للدماء.
وأكد الجانبان على أولوية العمل على وقف إطلاق النار في غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع لإنقاذ أهله من المأساة الإنسانية التي يتعرضون لها بسبب العدوان الإسرائيلي، وشددا على أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يُعد الضمان الأساسي لاستقرار مستدام في الشرق الأوسط.

ارتدادات الحرب على الأمن القومي المصري
قبل أيام، أثار وزير خارجية مصر الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية سابقاً، عمرو موسى، في تغريدة نشرها على موقع "إكس"، لغطاً سياسياً وشعبياً، بسبب تحذير مفاجئ منه حول خطورة التداعيات التي يمكن أن تنجم عن احتدام الحرب الإسرائيلية الإيرانية، مقترحاً دعوة مجلس الأمن القومي المصري إلى الانعقاد العاجل، وهي تغريدة كتبها قبل إعلان ترامب توقف الحرب.
وقال موسى، على حسابه على فيسبوك: "إن الحرب بين إسرائيل وإيران، وإرهاصات التدخل المباشر للدول العظمى أو بعضها، تطرح تهديداتٍ خطيرة للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، حيث تتأثر به دوله ومجتمعاته، ومصر والشعب المصري ليسا بعيدين عن ذلك"، واقترح "طبقاً للمادة 205 من الدستور التي أنشأت مجلس الأمن القومي، دعوته للانعقاد العاجل"، خاصةً وأنه على رأس مسؤولياته مواجهة الأزمات بشتى أنواعها التي تهدد أمن البلاد.
وقال مصدر أمني مصري إن ارتدادات الحرب الإسرائيلية الإيرانية يمكن أن تطال الأمن القومي المصري، لأنه سوف يترتب عليها، عقب انتهائها، إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط.
ووفقاً للمعطيات السابقة خلال الأشهر الماضية، فإن مصر لن تكون طرفاً رابحاً، وهو ما يتطلب إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع أي محاولات يمكن أن تخلّ بالأمن القومي الداخلي، تمهيداً لتحقيق رؤى خارجية، خاصةً وأن الانفتاح المصري على طهران أخيراً تضعه واشنطن في حسبانها، وإن لم تنخرط مصر مباشرة في تأييد طهران في مواقفها التي تتخذها تجاه إسرائيل.
وأوضح المصدر ذاته أن انعقاد مجلس الأمن القومي يمكن أن يتم بشكل سري، وأن كثافة الاجتماعات واللجان التي جرى تشكيلها مؤخراً للتعامل مع تطورات الموقف الراهن تبرهن على أن مصر لديها استعداداتها الاقتصادية والأمنية أيضاً، وهناك ما يشبه المصارحة الوطنية بطبيعة التحديات الحالية، في ظل الاهتمام الشعبي الطاغي بالحرب على إيران.
ولفت مصدر "عربي بوست" إلى أن التحديات الأكثر خطورة من الناحية الأمنية كانت تتمثل في وقوع أي أحداث من شأنها أن تؤدي إلى خلخلة الحدود مع قطاع غزة، إلى جانب وصول عملاء من إسرائيل مع حالات التدفق عبر طابا هرباً من الحرب، أو تنفيذ عمليات يمكن أن تستهدفهم وتضع القاهرة في مأزق مع تل أبيب.
إلى جانب المخاوف المصرية من تسلل عناصر إرهابية يمكن أن تؤدي إلى تهديد الوضع المستقر أمنياً في الداخل المصري، وهي إفرازات يمكن أن تكون طبيعية في ظل استمرار الصراع في منطقة الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن التحول الجوهري في موازين القوى لصالح إسرائيل في المنطقة أيضاً يقلق مصر بصورة كبيرة، لأن المعادلات الإستراتيجية في المنطقة سوف تتعرض للخلل، وقد يترتب على ذلك التأثير على اتفاق السلام الذي يتواجد الآن بشكل هش.
وكذلك يمهد لتوليد صراعات عسكرية قد تنخرط فيها الدولة المصرية مستقبلاً، وهو ما يفسر وجود خلايا أزمة تهدف إلى أن تضع حلولاً مسبقة لاحتمالات توسيع رقعة الاشتباكات، وإعداد مقترحات لتحركات دبلوماسية مرنة يمكن أن تقود إلى التهدئة.