48 ساعة من الجحيم عاشها المهاجرون غير الشرعيين في فرنسا.. تفاصيل حملة مطاردة تثير انتقادات وجدلاً واسعاً

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/21 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/21 الساعة 10:23 بتوقيت غرينتش
وزير الداخلية الفرنسي يواصل التضييق وملاحقة المهاجرين/ عربي بوست

"لا تأتوا إلى فرنسا، لن نقبل شيئاً، إنها سياسة التسامح الصفري"، بهذه العبارة استهل وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، خطابه في محطة قطارات الشمال "Gare du Nord" الباريسية، الأكثر ازدحاماً في أوروبا، أمام عدسات الكاميرات والميكروفونات التي دُعيت خصيصاً لتغطية انطلاق حملة واسعة النطاق لمراقبة الهوية.

أُطلق على الحملة عنوان اعتاد الفرنسيون سماعه، هو "مكافحة الهجرة غير النظامية والسرية"، وهي حملة واسعة في محطات القطارات والحافلات، بمشاركة 4000 عنصر من الدرك والشرطة والجمارك وقوات "سانتينيل" التابعة للجيش، بهدف توقيف المهاجرين غير النظاميين قصد ترحيلهم.

هذه الحملة، التي استمرت حتى يوم الخميس 19 يونيو/حزيران 2025، أثارت موجة تنديد واسعة من اليسار والنقابات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان. المنتقدون للحملة شبّهوها بملاحقة دونالد ترامب للمهاجرين في الولايات المتحدة وعمليات الدهم التي نفذتها وكالة الهجرة الأمريكية في لوس أنجلوس.

"48 ساعة من الجحيم" للمهاجرين في فرنسا

برونو ريتايو، الذي بادر من تلقاء نفسه بإطلاق العملية الضخمة التي تشمل محطات القطارات والحافلات في مختلف أنحاء البلاد، صرّح لوسائل إعلام فرنسية: "خلال 48 ساعة، سنقوم بتعبئة 4000 من عناصر الدرك والشرطة والجمارك والجيش لتوقيف المهاجرين غير النظاميين".

وبالرغم من أنه كان من المبكر تقييم نتائج هذه العملية، إلا أن وسائل إعلام فرنسية نقلت عن وزارة الداخلية أن الحملة أسفرت عن اعتقال 620 مهاجراً غير شرعي خلال عمليات مراقبة وطنية في محطات القطارات والحافلات، حيث تم حشد 4064 شخصاً لهذه العمليات التي نُفذت في 780 محطة و1090 قطاراً.

وكانت وزارة الداخلية أوضحت أن عملية وطنية أولى من هذا النوع جرت يومي 20 و21 مايو/أيار 2025، واستهدفت هذه المرة حافلات النقل الدولية منخفضة التكلفة، وكانت ناجعة. ووفقاً للوزارة، فقد تم تفتيش نحو 900 حافلة، وأسفرت الحملة عن توقيف 759 مهاجراً في وضع غير قانوني.

ووصف برونو ريتايو هذه الأرقام في تعميمه إلى المحافظين بأنها "نتائج ملموسة"، أما بشأن ما ترتّب عن تلك التوقيفات، فأوضحت الوزارة أن 245 أمراً بمغادرة الأراضي الفرنسية قد صدر، وتم وضع 34 شخصاً في مراكز احتجاز إداري، إضافة إلى تنفيذ 72 حالة إعادة إلى بلد العبور أو الأصل.

وكما فعل سلفاه جيرالد دارمانان، وقبله نيكولا ساركوزي، يراهن الوزير الجديد بشدة على الجانب الإعلامي، لذلك انتقل مباشرة بعد الإعلان إلى "محطة الشمال" Gare du Nord في العاصمة لمعاينة بعض عمليات التفتيش بنفسه، معلناً عن تنفيذ 47 ألف عملية توقيف منذ بداية العام.

برونو ريتايو جعل من المهاجرين ملفه الرئيسي منذ تعيينه وزيراً للداخلية/ عربي بوست
برونو ريتايو جعل من المهاجرين ملفه الرئيسي منذ تعيينه وزيراً للداخلية/ عربي بوست

أحزاب اليسار الفرنسية التي تعارض سياسات ريتايو بخصوص الهجرة والمهاجرين، اعتبرت أن سياسة الأرقام، التي "تُنفّذ على حساب أرواح البشر وكرامتهم"، تتجلّى أيضاً في مذكرة داخلية وجّهها الوزير اليميني المتشدد إلى المحافظين.

في هذه الوثيقة، يشيد زعيم الجمهوريين بحصول "ارتفاع ملحوظ في عدد توقيفات الأجانب في وضع غير قانوني خلال الأسابيع الأخيرة (+28%)"، بالإضافة إلى "عملية وطنية لمراقبة حركة التنقل" أسفرت عن أكثر من 750 عملية اعتقال في شهر مايو وحده.

وتتضمّن المذكرة أيضاً تفاصيل عن العملية الجارية، التي تستهدف خصوصاً "القطارات المتجهة إلى الدول المجاورة أو إلى المدن الكبرى داخل فرنسا، سواء في رحلات الوصول أو المغادرة"، بهدف أساسي هو "اصطياد المهاجرين في وضعية غير قانونية داخل فرنسا".

العضو في حزب الخضر ونائب عمدة مدينة بانيو فريد حسني انتقد الخطوة بشدة، إذ أوضح في تصريح لـ"عربي بوست" أنه "لو كنا في ظل حكومة "عادية"، أي حكومة لا تنتمي إلى هذا اليمين الذي يبدو أكثر حرصاً على إرضاء اليمين المتطرف منه على تلبية تطلعات الشعب الفرنسي، لقلت إن هذه العملية تدخل في إطار طبيعي لطمأنة المواطنين، لا أكثر".

وأشار المتحدث إلى أنه في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، الحرب المحتدمة بين إسرائيل وإيران، النزاع الروسي الأوكراني، العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، فضلاً عن الأزمات المتعددة في القارة الإفريقية، "كل هذه الأزمات تزرع الخوف والقلق لدى المواطن، وتجعل من حضور الأمن عاملاً مطمئناً".

كما قال حسني: "ما يؤسفني هو أن هذه العملية، في سياقها السياسي، تندرج ضمن ما يمكن وصفه بحملة منظمة من طرف وزير الداخلية الحالي ضد المهاجرين والهجرة بصفة عامة. إنها رسالة موجهة بالأساس إلى ناخبي اليمين المتطرف، أراد من خلالها أن يُقدّم نفسه كسياسي قادر على التصدي للهجرة غير النظامية، بل وحتى للمهاجرين أنفسهم، ممن لا يُعتبرون في نظره مندمجين بشكل كافٍ".

"احذروا.. خطر حملات توقيف"!

ابتداءً من صباح يوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025، ظهرت منشورات صغيرة في محيط "محطة الشمال" Gare du Nord تحذّر بلغات متعددة: "احذروا! خطر حملات توقيف تستهدف المهاجرين غير الحاملين للوثائق… حاولوا تفادي وسائل النقل قدر الإمكان".

وهو تحذير يعيد إلى الأذهان الحملات الجماعية التي تُشن في الولايات المتحدة ضد المهاجرين غير النظاميين. ويوم الأربعاء 18 يونيو قدّمت أربع منظمات – بينها نقابة المحامين الفرنسيين، ومجموعة المعلومات والدعم للمهاجرين Gisti، ونقابة القضاة – طعناً مستعجلاً أمام مجلس الدولة، تلتمس فيه تعليق تنفيذ تعليمات الوزير.

لكن رُفض الطلب يوم الخميس بدعوى عدم توفر حالة "الاستعجال"، حيث كانت العملية قد أوشكت على الانتهاء. ومع ذلك، تستعد المنظمات لتقديم طعن أساسي خلال الأيام المقبلة، علماً أن الوزير أعلن في تعميمه عزمه على جعل هذه العمليات دورية ومنتظمة.

ويرى معارضو القرار أن وزير الداخلية الفرنسي اليميني المتشدد طالما نافس اليمين المتطرف في ملف الهجرة، الذي تُربط به غالباً كل الأزمات، ومن أجل ذلك، ساق المسؤول غير ما مرة أسباباً مختلفة لتبرير مواقفه المتشددة، بل إن بعض الصحف وصفت حملة ريتايو على المهاجرين بـ"المسرحية" التي يهدف من خلالها إلى استقطاب أصوات اليمين المتطرف.

إذ سبق أن طلب وزير الداخلية الفرنسي من المحافظين تعزيز التدابير الأمنية في سياق الاحتفال بـ"عيد الموسيقى"، الذي سيُقام السبت 21 يونيو/حزيران في مختلف أنحاء فرنسا، وذلك بسبب "التهديد الإرهابي المرتفع للغاية" ومخاطر وقوع أعمال شغب.

وفي البرقية، شدد الوزير على أنه "دون المساس بالطابع الاحتفالي والثقافي لهذا الحدث، فإن مستوى التهديد الإرهابي المرتفع للغاية، الذي لا يزال يثقل كاهل بلادنا، يفرض الحفاظ على يقظة قصوى لحماية التجمعات والمواقع التي تشهد كثافة جماهيرية".

بعض قيادات اليسار باتت ترى في قرارات الوزير المحسوب على اليمين، ومن يدعمها من نفس العائلة السياسية، تطرفاً لليمين التقليدي.

عنصر من أفراد الشرطة الفرنسية/رويترز
عنصر من أفراد الشرطة الفرنسية/رويترز

مراقبة بالفيديو وتشديد على منع التجاوزات

تبريراً لقراره الأخير، أشار الوزير إلى أن "هذا النوع من الفعاليات غالباً ما يتسبب في مخالفات ناتجة عن الفرص المتاحة (كالسرقات)، أو مرتبطة باستهلاك مفرط للكحول (مثل الاعتداءات أو التخريب). وقد يكون أيضاً محفزاً لأعمال عنف حضرية، خاصة خلال ساعات الليل".

وقبيل انطلاق الاحتفالات، دعا ريتايو إلى التركيز على "تفعيل وسائل الحماية ضد الهجمات المحتملة بواسطة المركبات"، وإيلاء "اهتمام خاص للمركبات المتوقفة بالقرب من أماكن التجمع"، كما دعا إلى "توعية رؤساء البلديات بأهمية اتخاذ تدابير مؤقتة لحظر التنقل والتوقف في بعض المناطق".

وحث الوزير أيضاً على تعبئة الشرطة البلدية، وتفعيل أنظمة المراقبة بالفيديو، والاستعانة بأفراد الأمن الخاص في المواقع الأكثر ازدحاماً، إضافة إلى إصدار قرارات تمنع حمل أو نقل السوائل القابلة للاشتعال والمفرقعات وما شابهها، وإزالة النفايات التي قد تُستخدم كمقذوفات أو تُشعل عمداً.

إجراءات لردع التهديدات

خلال يوم الاحتفال، طالب الوزير بتفعيل "إجراءات على الأرض من شأنها ردع الهجمات الإرهابية، والإخلال بالنظام العام، والمخالفات المرتبطة بالفرص، مثل دوريات مكافحة الجريمة باللباس المدني".

وأوضح أن هذه الإجراءات ستُنفذ بالتنسيق مع قوات عملية "سانتينيل" (الجيش)، خصوصاً في المواقع "الأكثر حساسية أو رمزية"، مشدداً على ضرورة وجود قوات "قادرة على التدخل في حال وقوع هجوم إرهابي".

وفقاً للفاعل السياسي فريد حسني، فإن "هذه الحملة، للأسف، لم تخلُ من تجاوزات خطيرة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ"التمييز على أساس اللون"، حيث يُستهدف ذوو البشرة السمراء أو القادمون من أصول مغاربية في المراقبات، بينما تمر هذه الإجراءات مرور الكرام على الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، الذين لا يُطلب منهم أي إثبات للهوية".

ويضيف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست": "باختصار، هذه العملية تهدف إلى تلميع صورة وزير الداخلية، وتقديمه كسياسي قادر على مجاراة خطاب اليمين المتطرف ومخاطبة جمهوره، لا أكثر".

ويخلص حسني موضحاً: "نحن في حزب الخضر، نؤكد مجدداً أن فرنسا بحاجة إلى المهاجرين. الهجرة ليست تهديداً، بل فرصة. هي رافعة ضرورية للاقتصاد الوطني، وفرنسا، شئنا أم أبينا، تعتمد عليها لتلبية حاجيات سوق العمل".

تحميل المزيد