مصر تقطع آمال المعارضة في الانتخابات المقبلة.. مصادر: حزبي الاغلبية يهيمنان على مقاعد البرلمان ومزيد من التضييق على الحركة المدنية

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/02 الساعة 18:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/02 الساعة 18:24 بتوقيت غرينتش
مجلس النواب المصري/ رويترز

انقطعت آخر آمال المعارضة المصرية في الحصول على عدد من مقاعد البرلمان المقبل، وذلك بعد أن وافق مجلس النواب المصري على تعديل بعض أحكام قانون مجلس النواب، وقانون تقسيم دوائر انتخابات المجلس، وقانون مجلس الشيوخ، دون إجراء تعديلات على نظام الانتخابات الذي يُجرى على 50% من المقاعد بنظام الفردي، و50% بنظام القوائم المغلقة.

كشف مصدر سياسي مطّلع أن التنافس في الانتخابات المقبلة لن يكون تقليديًا كما كان الحال في الاستحقاقات السابقة بين أحزاب الأغلبية والمعارضة، بل ستكون هناك منافسة "شرسة" بين أحزاب الأغلبية، وفي مقدّمتها حزب "مستقبل وطن"، صاحب الأغلبية الحالية في البرلمان، وحزب "الجبهة الوطنية".

وقد تأسّس حزب الجبهة الوطنية قبل عدّة أشهر، ويضمّ في صفوفه العديد من التنفيذيين السابقين، والسياسيين، وعددًا من أعضاء البرلمان الحالي. ويسير الحزب في طريقه نحو استقطاب المزيد من الشخصيات التي تمتلك قدرة على المنافسة الانتخابية.

وأضاف المصدر ذاته أن التنافس الحالي يتركّز حول تشكيل القوائم النسبية المغلقة، ومن سيتمكن من الاستحواذ على النسبة الأكبر من المقاعد في القائمتين اللتين تضم كلٌّ منهما 102 مقعد، بالإضافة إلى قائمتين أخريين، تضمّ كل واحدة منهما 40 مقعدًا.

وأشار المصدر إلى أنه في الانتخابات السابقة، تم الاتفاق مع بعض أحزاب المعارضة على ضمان نسبة تمثيل تصل إلى 15% من مقاعد القوائم. أما الآن، فسيجري توزيع "التركة" بين أربعة أحزاب كبيرة، إلى جانب حزب أو حزبين من المعارضة، في حال قررا خوض الانتخابات ضمن قوائم حكومية.

وأوضح أن هذه الأحزاب هي: "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية"، و"حماة وطن"، و"الحزب الشعبي الجمهوري"، في حين يسعى حزب "الوعي" — الذي تأسّس حديثًا ويُحسب على الحكومة — إلى نيل نصيب من هذه "الكعكة".

وقال المصدر ذاته لـ"عربي بوست" إن دوائر محسوبة على الحكومة تبذل جهودًا لإقناع أحزاب "الحزب المصري الديمقراطي"، و"العدل"، و"الإصلاح والتنمية" بالمشاركة ضمن هذه القوائم، مع ضمان تمثيل قد لا يتجاوز 5% من إجمالي عدد مقاعد القوائم.

وأضاف أن هذه المفاوضات لم تُثمر حتى الآن عن إقناع تلك الأحزاب، التي تطالب بتمثيل أكبر، يتناسب مع ما حصلت عليه في الانتخابات السابقة، مشيرًا إلى أن فرص المعارضة في تشكيل قوائم مستقلة شبه معدومة، وإن حدث ذلك، فمن المستبعد تمامًا أن تنجح في الوصول إلى البرلمان.

خلق معارضة من رحم الحكومة

وبموجب نظام القائمة المغلقة، يفوز جميع أعضاء القائمة إذا حصلت على 50% من الأصوات، بينما كانت المعارضة تطالب بتقسيم المقاعد وفق نسب التصويت التي يحصل عليها المشاركون، أو ما يُعرف باسم "القائمة النسبية".

وأشار المصدر ذاته إلى أن مصر ستكون أمام برلمان يُشبه ذلك الذي أثار غضب المواطنين في عام 2011، والذي هيمن عليه الحزب الوطني المنحل. غير أن الإعداد الجاري اليوم يتم بطرق مختلفة، من خلال خلق معارضة من رحم الحكومة، وهي معارضة لن تُقنع الشارع أو الرأي العام، بحسب تعبيره.

وقال إن حزب الجبهة الوطنية يسير في اتجاه أداء هذا الدور، إلا أن قلة الخبرة السياسية، والاعتماد على عدد من التنفيذيين الحكوميين السابقين، تُشكّل تحديًا كبيرًا أمامه. وفي المقابل، لا يمتلك حزب "الوعي" القدرة على الانتشار والتأثير مقارنة بالإمكانات المالية التي يحظى بها حزب "الجبهة الوطنية"، لكنه يحاول أيضًا لعب هذا الدور.

وبحسب قانون الانتخابات المصري، تُقسَّم البلاد إلى أربع دوائر انتخابية للقوائم، و284 دائرة للفردي. ويبلغ إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب 568 مقعدًا، كما هو منصوص عليه في القانون الحالي، إضافة إلى الأعضاء المعيّنين. وتشمل المقاعد 284 مقعدًا بنظام القائمة: قائمتان تضمّ كلٌّ منهما 102 مقعد، وقائمتان تضمّ كلٌّ منهما 40 مقعدًا، بالإضافة إلى 284 مقعدًا للفردي.

وكانت "الحركة المدنية الديمقراطية" — وهي تحالف سياسي يضم عدداً من الأحزاب المعارضة — قد أعربت عن بالغ استيائها من الإبقاء على قانون الانتخابات الحالي، الذي يجمع بين النظام الفردي والقائمة المغلقة المطلقة. ووصفت، في بيان، ما يحدث بأنه "إصرار على تطبيق النظام الأغلبي الذي يهدر أصوات الناخبين ويحرمهم من حق التمثيل، ويعزز فلسفة الاحتكار من خلال توسيع الدوائر".

وقال قيادي بارز في الحركة إن خيار مقاطعة الانتخابات ما زال مطروحًا، إلا أنه لا يحظى بتوافق بين أحزاب التحالف. وهناك مهلة حتى نهاية الشهر الحالي لحسم الموقف، حيث تُدرس أعداد المتقدمين للترشح وآليات خوض الانتخابات، وإمكانية تحقيق مكاسب تُبرّر المشاركة أو لا، قبل اتخاذ القرار النهائي، والذي سيكون بناءً على تصويت الأغلبية.

وأشار إلى أن حزب "تيار الكرامة" يؤيد المقاطعة، في حين يعارضها حزب "المحافظين"، بينما تتباين مواقف باقي الأحزاب في ظل قناعة بأن الغياب عن البرلمان يصبّ في مصلحة التضييق على العمل السياسي للمعارضة.

وأوضح أن الانتخابات، في ظل الصيغة الحالية، ومع احتدام المنافسة بين الأحزاب ذات الصلات بالحكومة، تسير نحو تكريس تيار واحد مهيمن بصورة أكبر مما كانت عليه الانتخابات السابقة، ما يشير إلى تراجع في المسار السياسي، لا تقدمًا أو انفراجة طالما جرى التبشير بها دون أن تتحقق. وأكد أن نحو 85% من إجمالي المقاعد ستكون بيد حزبي "مستقبل وطن" و"الجبهة الوطنية".

تفاوت القدرات المالية بين أحزاب الأغلبية والمعارضة

قال مصدر لـ"عربي بوست" إن المعارضة مصدومة من موقف الحكومة تجاهها، رغم أنها ساندتها في كثير من القضايا الخارجية، وأيّدت مواقف الدولة المصرية في التعامل مع حرب غزة، وخفّفت من ضغوطها السياسية لتُتيح للدولة قدرة أكبر على مواجهة الضغوط الخارجية المفروضة عليها.

وأوضح أن هذا الدعم لم يُؤخذ بعين الاعتبار من جانب الحكومة، وكانت "الحركة المدنية" تتوقع أن تُراعي الحكومة وجود نقاط تقاطع بين الطرفين، فينعكس ذلك بانفراجة داخلية تتمثل في توفير مساحة من الحرية للأحزاب غير المحسوبة على النظام، ما سيكون له تأثير إيجابي على الاصطفاف الوطني خلال الفترة المقبلة.

وأشار المصدر إلى أن مقاطعة الانتخابات تبقى الخيار الأفضل حاليًا، إذ إن أي معارك انتخابية محكوم عليها بالفشل في ظل الفروقات الهائلة في القدرات المالية بين أحزاب الموالاة، التي يمتلك أعضاؤها القدرة على دفع ملايين الجنيهات تحت بند "التبرعات" لخوض الانتخابات، وبين أحزاب المعارضة ذات الموارد المالية المحدودة، خاصة مع اتساع الدوائر الانتخابية.

وأضاف أن أحزاب المعارضة ترى أن المنافسة على المقاعد الفردية ستكون أكثر صعوبة، ولن تكون عادلة كذلك بسبب الفوارق المالية التي تنعكس على حجم الدعاية الانتخابية، والتي يصعب ضبطها، حتى مع وجود اشتراطات انتخابية.

وشدد على أن الحكومة لم تستفد من دروس التجارب السابقة، خاصة ما قاد إلى اندلاع ثورة يناير، إذ كانت انتخابات 2010 أحد أسباب الاحتقان، مؤكداً أن الأوضاع المعيشية للمصريين اليوم أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل 14 عامًا، ما يشكّل تهديدًا للاستقرار الداخلي.

وكان من المقرّر أن تعلن "الحركة المدنية" موقفها النهائي من الانتخابات في مؤتمر صحفي عُقد الإثنين الماضي، إلا أن المشاركين اكتفوا بتوجيه الانتقادات للحكومة، ما يُعزّز فكرة وجود خلافات داخلية حول الموقف النهائي. وخلال المؤتمر، أكّدت قيادات الحركة رفضها للقانون الذي أقرّه مجلس النواب، واعتبرته إصرارًا من السلطة على مصادرة المجال العام وإعادة إنتاج برلمان فاشل.

حراك حزبي شكلي

قال مصطفى كامل السيد، المقرر المساعد للمحور السياسي في الحوار الوطني، إن "الحركة المدنية" واجهت خلال جلسات الحوار تمسّكًا من أحزاب الموالاة بالنظام الانتخابي القائم، وبيّن أن ممثلي هذه الأحزاب برّروا موقفهم بأن النظام الحالي يضمن تمثيل الفئات المُحددة دستوريًا مثل العمال والفلاحين والأقباط وذوي الهمم والمرأة.

وأضاف: "لم يكن من صلاحيات الحوار الوطني اتخاذ قرارات، بل كانت مهمته رفع التوصيات إلى صانع القرار (في إشارة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي)، لكننا فوجئنا بأن الحكومة قدّمت قانونًا يتمسك بالقوائم المغلقة".

وقال محلل سياسي لـ"عربي بوست" إن ما تشهده مصر حاليًا يُعد "حراكًا حزبيًا شكليًا" يفتقر إلى المضمون السياسي الحقيقي، مضيفًا أن تمرير البرلمان لقانون الانتخابات دون إتاحة المجال لنقاش أوسع، وقبل أيام قليلة من انطلاق الانتخابات، يُوحي برغبة في إظهار صراع بين حزبين محسوبين على الحكومة، وهو أمر خطير قد تترتب عليه عواقب سياسية سلبية.

وأشار إلى أن حالة الحراك داخل هذه الأحزاب، خاصة مع تسابقها لضم كوادر جديدة، كما يفعل حزب "الجبهة الوطنية" الذي يواصل تشكيل لجانه النوعية، تعبّر عن سباق لاستقطاب النخب المالية ورجال الأعمال الذين تفتقر غالبيتهم لأي تجربة سياسية، وقد لم ينتموا إلى أي حزب سابقًا.

وأكد أن هذا ما يجعلنا أمام مشهد حزبي لا يعكس حركة جماهيرية حقيقية، بل يمثل تكتلات عشائرية وطبقية بعيدة عن هموم مختلف طبقات الشعب المصري، في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة دقيقة تحتاج لحياة حزبية حقيقية، بعيدة عن التعيينات المقنّعة التي لا تنطبق عليها أوصاف الانتخابات الديمقراطية.

وذكر أن البرلمان الحالي هيمنت عليه شخصيات تفتقر إلى الخبرة السياسية، ما انعكس سلبًا على أدائه وأدى إلى عزوف المواطنين عنه، محذرًا من أن البرلمان المقبل قد يكون أكثر سلبية مع انضمام المزيد من الكوادر الحزبية ذات الخلفيات الإدارية فقط، دون تاريخ سياسي.

وأشار إلى أن البرلمان المقبل سيُكلّف بمسؤوليات تاريخية، من بينها التحضير للانتقال الديمقراطي المنتظر في مصر، غير أن الأحزاب القائمة تفتقر إلى الوعي السياسي الكافي بأهمية الحزب كبديل حقيقي للسلطة.

الغلبة للقبائل والأثرياء ومن يحشدون على أسس دينية

قالت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" إن الحكومات المتعاقبة في مصر دأبت على اختيار نظم انتخابية تُعزّز من العلاقات الشخصية والزبائنية السياسية على حساب العمل السياسي المؤسسي، مع تهميش الأحزاب وإعاقة وصولها إلى البرلمان، لصالح بقاء هيمنة أحزاب موالية للنظام.

وفي ورقة بحثية بعنوان: "في سبيل التعددية البرلمانية: مراجعة واجبة للقوانين المنظمة للانتخابات"، أوضحت الجبهة أن الانتخابات المقبلة تجري في ظل ظروف دقيقة، ومن المنتظر أن يتعامل البرلمان الجديد مع ملفات مصيرية، أبرزها تنظيم الانتخابات الرئاسية لعام 2030، وإمكانية تعديل الدستور للسماح للرئيس عبد الفتاح السيسي بالترشح مرة رابعة، أو إبقاء النص كما هو وفتح الباب أمام مرشحين آخرين جادين.

وأشارت الورقة إلى أن البرلمان المقبل قد يُكلف بتعديلات تشريعية على هذه الملفات، ما يتطلب كفاءات سياسية حقيقية قادرة على التواصل مع الشارع، وليس تمثيلات مصطنعة، مؤكدة أن مدى جدية البرلمان في أداء مهامه سيكون مرتبطًا بكيفية تشكيله والطريقة التي وصل بها أعضاؤه.

وفي سياق متصل، قال نائب في البرلمان محسوب على الحكومة إن التنبؤ بشكل البرلمان المقبل أمر غير ممكن، وإن الحديث عن وجود "أغلبية مصطنعة" لا يستند إلى واقع، مشيرًا إلى أن البرلمانات منذ ثورة يناير شهدت تغيّر الأحزاب صاحبة الأغلبية، من "الحرية والعدالة"، إلى "المصريين الأحرار"، وصولًا إلى "مستقبل وطن"، وقد يبرز حزب جديد يستحوذ على الأغلبية في البرلمان المقبل.

وأضاف أن قبول النظام الانتخابي الحالي كان اضطرارًا، لأن تعديل قانون الانتخابات يحتاج وقتًا طويلًا لتفادي الوقوع في أخطاء دستورية قد تُعرّضه للطعن، موضحًا أن كثافة القوانين التي ناقشها البرلمان في دورته الأخيرة أدّت إلى تراجع الاهتمام بقانون الانتخابات، كما أن غياب التوافق في "الحوار الوطني" حول شكل الانتخابات عزّز القناعة بصعوبة الوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف.

وختم بالقول إن هناك فرصة لإقرار قانون انتخابات جديد خلال الشهرين الأولين من البرلمان المقبل، مع فتح المجال لحوار مجتمعي يمتد لعام أو أكثر، بما يضمن تمثيلًا عادلًا للمحافظات، لكنه توقّع أن تكون الغلبة في البرلمان المقبل لنواب العشائر والأثرياء، ولمن يمتلكون القدرة على حشد الناخبين عبر الخطاب الديني.

تحميل المزيد