تعمل مجموعة مسلحة فلسطينية في غزة، علناً، على تنظيم إدخال قوافل المساعدات إلى القطاع، بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويقودها ياسر أبو شباب، المتهم بأنه كان يقف وراء السطو على شاحنات الإغاثة وسرقتها، فيما أظهر تتبع أجراه "عربي بوست" أن المجموعة اختارت اسماً جديداً لها، وتعزز من وجودها شرق رفح، بالتزامن مع تكثيف حضورها على شبكات التواصل حيث تحظى بدعم إعلامي موجه.
تتزامن مشاركة مجموعة أبو شباب في إدارة مرور قوافل المساعدات إلى غزة، بالتزامن مع خطة جديدة لتوزيع مواد الإغاثة في القطاع، في وقت تنتشر المجاعة بين سكانه، وتقوم الخطة على إنشاء نقاط محددة لتوزيع الإعانات، وتشارك في تنفيذها شركات أمنية أمريكية بالتنسيق مع الاحتلال.
ومنذ بداية مايو/أيار 2025، بات واضحاً للعيان في غزة، أن أبو شباب يتحرك بتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب القطاع، حيث يقود مجموعة مسلحة قوامها نحو 100 شخص، وينتشر أفرادها في بعض الشوارع، ويشرفون بشكل على تنظيم مرور شاحنات الإغاثة.
تتمركز القوات التي يقودها أبو شباب، في مناطق لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن مواقع جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتحرك أبو شباب برفقة مقاتليه وأسلحتهم، تحت رقابة إسرائيلية مباشرة.
وفقاً لمعلومات حصل عليها "عربي بوست" من مصادر داخل غزة، فإن مجموعة "أبو شباب"، تتواجد في نقطتين، الأولى شرق رفح حيث تتمركز المجموعة بشكل رئيسي، والثانية غربها. وكلتا المنطقتين لا تتواجد فيها قوات تابعة لحركة "حماس".
ويفرض الاحتلال الإسرائيلي سيطرة كاملة على محافظة رفح، ويراقب كل التحركات داخلها بدقة، ولا يسمح للفلسطينيين بالاقتراب منها، ويستهدف بسرعة وبشكل مباشر كل من يحاول ذلك.
يتمركز مقاتلون من مجموعة أبو شباب، في شرق رفح، عند منطقة قريبة من معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الوحيد الذي يسمح الاحتلال الإسرائيلي بدخول المساعدات من خلاله إلى القطاع.
تدخل الشاحنات من المعبر ثم تسلك طريقها إلى شمال رفح باتجاه محافظة خان يونس، وصولاً إلى المنطقة التي أنشئ فيها الاحتلال "ممر موراج"، وتمر الشاحنات من الطريق المجاور لحي النصر الواقع شرق رفح، والذي تحوّل إلى نقطة تمركز رئيسية لقوات أبو شباب.
شهد حي النصر سابقاً العديد من حوادث النهب والاعتداء على شاحنات المساعدات، حيث كان المهاجمون يختبئون خلف السواتر الترابية، ويطلقون النار على عجلات الشاحنات قبل أن يعمدوا إلى نهب محتوياتها.

وفي غرب رفح، تتواجد عناصر لمجموعة أبو شباب، بالقرب من الحي السعودي، وهو الموقع الذي أقام الاحتلال على مقربة منه، نقطة لتوزيع المساعدات على سكان غزة، ضمن الآلية الجديدة المعتمدة لتوزيع المساعدات على سكان غزة.
ومحافظة رفح خالية الآن من تواجد المدنيين الفلسطينيين، إذ سبق أن وجه الاحتلال إخلاءات إنذار طالت جميع الأحياء، وبعد الإخلاء تعرضت المحافظة لعملية تدمير ممنهج من خلال قصفها بالصواريخ وتهديم أبنيتها بالجرافات.
مجموعة أبو شباب.. "القوات الشعبية"
أظهر تتبع "عربي بوست" لنشاط المجموعة المسلحة على شبكات التواصل، أنها أصبحت تطلق على نفسها اسم "القوات الشعبية"، بعدما كانت قد أطلقت على نفسها اسم "جهاز مكافحة الإرهاب".
ظهرت التسمية الجديدة للمجموعة لأول مرة، في صفحة على موقع "فيسبوك" مرتبطة بـ أبو شباب، حيث تم رصد إنشاء حسابين له في نفس التاريخ، وهو 10 مايو/أيار 2025.
الحساب الأول، شخصي، والثاني صفحة عامة، وفي 27 مايو 2025، تغيّر اسم الصفحة العامة من "ياسر أبو شباب"، إلى "ياسر أبو شباب – القوات الشعبية"، ومنذ 28 مايو 2025، بدأت المنشورات تشير بوضوح إلى هذه التسمية الجديدة، التي تُستخدم للدلالة على القوة التي يقودها أبو شباب في غزة.

ينشر الحسابان المرتبطان بـ أبو شباب، جانباً من نشاط المجموعة داخل غزة، لا سيما إشرافها على دخول شاحنات الإغاثة إلى القطاع تحت أعين الاحتلال الإسرائيلي، وذلك رغم الاتهامات الواسعة لأبو شباب في دوره في السطو والهجوم على قوافل المساعدات.
تضم مجموعة أبو شباب أفراداً من عائلته، وآخرين من قبيلة الترابين التي تمتد بين قطاع غزة، وصحراء النقب، وصولاً إلى شبه جزيرة سيناء في مصر.
وأعلنت عائلة "أبو شباب" الجمعة 30 مايو 2025، براءتها من نجلها ياسر ومن أي شخص من العائلة يعمل معه، وذلك على خلفية نشاطه الأخير في غزة، الذي ينفذه بتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتذكر تقارير إسرائيلية، أن من بين عناصر المجموعة أعضاء وضباط سابقين في قوات الأمن الفلسطينية. ومن بين أبرز الشخصيات في المجموعة غسان الدهيني، الذي يعرف نفسه على صفحته في فيسبوك بأنه "رائد في قوى الأمن الفلسطيني"، وظهر الدهيني في مقطع فيديو وهو يوقف سيارة للصليب الأحمر الدولي.
ينشر الدهيني على حسابه في فيسبوك، صوراً وفيديوهات لنشاطه ضمن مجموعة أبو شباب، وفي صورة نشرها على خاصية الـ Story، ظهر الدهيني بجانب سيارة كان فيها أبو شباب. وفي 30 مايو/أيار 2025، نشر صورة أخرى ظهر فيها عدد من المقاتلين، وكتب عليها تعليقاً، أشار فيها إلى انضمام 50 مقاتلاً إلى قوات أبو شباب، بحسب زعمه.

كانت كتائب القسام قد نشرت يوم الجمعة 30 مايو/أيار 2025، مقطع فيديو أظهر استهداف مجموعة من المسلحين في رفح يعملون بالتنسيق مع الاحتلال، وتبيّن أن المجموعة المستهدفة هي عناصر من قوات أبو شباب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، انتشرت شائعات عن مقتل أبو شباب خلال عملية أمنية نفذتها وزارة الداخلية في غزة، ضد عصابات متورطة في سرقة شاحنات الإغاثة، وأسفرت العملية، التي نفذتها "قوات السهم" التابعة لحركة "حماس"، عن مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً.
لكن أبو شباب عاد إلى الواجهة مجدداً، وتأكد أنه ما يزال على قيد الحياة، بعدما بدأت تنتشر صور جديدة له منذ يوم 10 مايو/أيار 2025، ظهر فيها مسلحاً برفقة آخرين.
وفي 21 من الشهر نفسه، نُشرت صورة جديدة له أثناء مشاركته في تنظيم دخول سيارات تابعة للأمم المتحدة إلى قطاع غزة، كما ظهرت عناصر مسلحة من مجموعته وهي توقف مركبات تابعة للصليب الأحمر.

وفي منشور آخر على حسابه في فيسبوك، ظهر أبو شباب مدججاً بالسلاح وخلفه سيارات أممية، معلناً أن قواته قامت بـ"تأمين 9 شاحنات محملة بالطحين لصالح برنامج الأغذية العالمي – الأمم المتحدة".

تتبع "عربي بوست" عدداً من الحسابات التي كانت تتفاعل بانتظام مع منشورات صفحتي ياسر أبو شباب على شبكات التواصل، وتبيّن أن بعض هذه الحسابات كانت تعيد نشر محتواه باستمرار، مبدية تأييدها لعمله وتنسيقه مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
من بين الحسابات المرصودة، حساب على موقع إنستغرام نشر يوم 27 مايو/أيار 2025، صوراً مختلفة لأبو شباب، بينها صورة التقطت في مكان غير معلوم، ظهر فيها أبو شباب مرتدياً بدلة سوداء، وبجانبه سلاح وذخيرة، وكيس كرتوني يحمل شعار الرئاسة التابعة للسلطة الفلسطينية.

وعلى موقع فيسبوك تنتشر أيضاً صور لمقاتلين يعملون ضمن مجموعة أبو شباب، فيما بدأت تنتشر على موقع "تيك توك" مقاطع فيديو مؤيدة لـ أبو شباب، تنشرها حسابات مجهولة، وتعرض صوراً مختلفة لـ أبو شباب خلال نشاطه في جنوب غزة.

ظهر أبو شباب أيضاً في صورة لم تنشرها صفحتيه على فيسبوك، بل تداولتها قنوات إسرائيلية على تلغرام، وظهر فيها برفقة عناصر آخرين في مجموعته، وذكرت القنوات الإسرائيلية أن أبو شباب يعمل مع الجيش الإسرائيلي لتنسيق دخول شاحنات الإغاثة إلى قطاع غزة.

أبو شباب متهم بسرقة المساعدات
واجه أبو شباب منذ بدء الحرب على غزة، اتهامات بلعبه دوراً رئيسياً في عمليات السطو على شاحنات الإغاثة المتجهة إلى الجائعين في غزة، في وقت كان يشتد فيه الحصار الإسرائيلي على القطاع وتنتشر المجاعة بين سكانه، فضلاً عن تقييد الاحتلال لحركات الشاحنات بين شمال القطاع وجنوبه.
في تصريح سابق له لصحيفة "واشنطن بوست"، أقر أبو شباب بأنه وأقاربه يأخذون مواداً إغاثية من الشاحنات، وفي تصريح آخر لصحيفة "نيويورك تايمز"، أقر أبو شباب بأن رجاله المسلحين ببنادق الكلاشينكوف، هاجموا شاحنات منذ بداية الحرب.
في ذات الوقت، زعم أبو شباب أنهم يأخذون مساعدات من الشاحنات "من أجل أن يأكلوا، لا أن يبيعوا"، وزعم أيضاً أنه يقدم الطعام لأسرته وجيرانه. وأنهم لا "يمسون الطعام أو الخيام أو الإمدادات المخصصة للأطفال". وبرر مهاجمته للشاحنات بإلقاء اللوم على حركة "حماس"، واتهمها بأنها كانت تسعى للسيطرة على المساعدات، وفق قوله.
وبالتزامن مع تزايد انتشار عمليات النهب لشاحنات الإغاثة، باتت تنتشر على شبكات التواصل عشرات الفيديوهات التي تظهر بيع مساعدات قادمة من منظمات إنسانية بأسعار باهظة، خصوصاً الطحين.
كانت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة "حماس"، قد سجنت سابقاً أبو شباب بتهم تتعلق بارتكاب جرائم جنائية وتهريب ممنوعات، وتم الإفراج عنه في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، وذلك بعدما صار الاحتلال يستهدف المقار الأمنية للحركة.
وورد اسم أبو شباب في مذكرة داخلية من الأمم المتحدة، تحدثت عنها صحيفة "واشنطن بوست"، وتذكر المذكرة أن أبو شباب هو الجهة الرئيسية والأكثر تأثيراً في عمليات النهب الممنهجة والواسعة النطاق لقوافل المساعدات التي تدخل إلى غزة.
حرمت عمليات السطو على شاحنات الإغاثة عشرات الآلاف من سكان غزة الجائعين من الحصول على المساعدات، لا سيما الدقيق. وجرت عمليات نهب الشاحنات تحت أعين الاحتلال الإسرائيلي الذي يراقب كل حركة في القطاع.
كانت إسرائيل قد استأنفت منذ 18 مارس/آذار 2025، جرائم الإبادة عبر شن غارات عنيفة على نطاق واسع استهدف معظمها مدنيين بمنازل وخيام تؤوي نازحين فلسطينيين، فيما أعلن جيشها في 8 مايو/أيار 2025، بدء عملية "عربات جدعون" لتوسيع الحرب على غزة بما يشمل هجمات برية في أنحاء مختلفة.
خلفت الحرب الإسرائيلية على غزة التي بدأت يوم 7 أكتوبر 2023، ما لا يقل عن 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.