الخوف من التغيير الديمغرافي أم حماية أمنية؟ الكنيست يُصادق على قانون يمنع لمَّ شمل العائلات الفلسطينية داخل إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/25 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/25 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
يستهدف قانون لم الشمل الإسرائيلي عرب 48 (أرشيف)

استغلت إسرائيل انشغال العالم بحرب الإبادة في غزة، لتمديد العمل بقانون يستهدف فلسطينيي 48 داخلها، من خلال منع حصولهم على طلبات لمّ الشمل.

وأقر الكنيست مؤخراً بأغلبية الأصوات، ودون ضجّة، تمديد سريان القانون الذي يحرم آلاف العائلات الفلسطينية في إسرائيل حتى مارس 2022، ويتعلق بالعائلات التي أحد والديها من الضفة الغربية أو قطاع غزة من لم الشمل، رغم تعارضه مع المواثيق الدولية.

وأعلن الكنيست أن ذريعة القانون أمنية بحتة لعدم وصول عناصر معادية للدولة، لكن الجانب الديموغرافي لا يقل خطورة بنظرها، لأن المتضرّرين من القانون آلاف من العائلات الفلسطينية، نظراً للتشابك العائلي مع الضفة الغربية، وسعيها للحفاظ على النقاء العرقي للدولة بحيث يكون أغلبية سكانها يهود.

البدايات أمنية والمضامين عنصرية والوسيلة ديموغرافية

يدور الحديث عن قانون المواطنة والدخول لإسرائيل، المعروف باسم لمّ الشمل، تم سنَّه كتشريع مؤقت عام 2003، إبان اندلاع انتفاضة الأقصى، ويقضي بعدم السماح بمنح المواطنة أو ترخيص مكوث في إسرائيل لمن يسكنون في الضفة الغربية وغزة، ولمواطنين من دول معادية لإسرائيل لكنهم متزوجون/ات من حاملي/ات الجنسية الإسرائيلية.

وقالت دولة الاحتلال حينها إنها سنت القانون خشية أن يشكل هؤلاء مصدر خطر أمني، كما أن القانون حظر تنقلهم بشكل حرّ داخل حدودها.

لم يكن عفوياً أن يصدر قانون حظر لم الشمل في 2003، بعد عام واحد فقط من انعقاد مؤتمر هرتيسليا السنوي لمناقشة المسألة الديموغرافية، واقتراح استراتيجيات للحفاظ على التفوق الديموغرافي اليهودي.

وأعرب شمعون بيريز، رئيس الوزراء الراحل حينها عن قلقه العميق بشأن "الخطر" الديموغرافي الفلسطيني الذي يحدق بإسرائيل، واصفا إياه بـ"القنبلة الديموغرافية"، زاعما أن "الديموغرافيا ستهزم الجغرافيا".

مع العلم أن مسوّغات إصدار القانون، وتمديد العمل به في الكنيست قبل أسابيع، تتركز بعدم "تعريض الهوية الصهيونية وأمن إسرائيل للخطر، وكأن الأمران صنوان لا يفترقان، رغم أن تبعاته الكارثية تطال عشرات آلاف الفلسطينيين داخل الدولة، مع وجود الآلاف من ملفات الزواج لعائلات فلسطينية غير معترف بها، وليست مسجلة في السجل المدني الإسرائيلي، وتشمل قرابة ثلاثمئة ألف من فلسطينيي 48 من غزة والقدس والضفة المحتلة.

ويحظى القانون بدعم جميع الأحزاب الصهيونية، من الائتلاف والمعارضة، رغم ما بينهما من خلافات، لكنها تتوحّد معاً ضد فلسطينيي48 عبر هذا القانون، رغم اعتراف النيابة العامة بأنه يمسّ بآلاف الفلسطينيين الذين لا يشكلون خطرا على أمن الدولة.

كما أن المحكمة الإسرائيلية العليا اعترفت في قرارات سابقة بأنه ينتهك الحقوق الدستورية لفلسطينيي 48، لكنها أقرّت تمديده، بزعم أنه "متناسب" بسبب تعريفه كـ"أمر مؤقّت"، وبالتالي فهي منحت الغطاء للحكومات المتعاقبة لتمريره.

الحفاظ على التفوق اليهودي ومحاربة الفلسطينيين على أساس عرقي


لمزيد من التوضيح، فإن القانون يمنع الحصول على الجنسية الإسرائيلية لكل فلسطيني من الضفة وغزة والقدس، ممن تزوّج من إسرائيلي، بل إن من يحملونها معرّضون لإمكانية سحبها في حال انتقلوا للسكن في الضفة أو غزة أو دولة عربية، ولم يثبتوا أن مركز حياتهم في إسرائيل.

ويمنع القانون هؤلاء من ممارسة حقهم في بناء عائلة، والحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية والثقافية مع أبناء الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية.

ولا تتوقف الإجراءات القمعية عند منع وحظر لمّ الشمل، بل تجري ملاحقة ومطاردة من ليس بحوزته تصاريح دخول أو إقامة في إسرائيل، سواء الزوج أو الزوجة، حيث أُخضع العديد ممن تقدّموا بطلبات لمّ الشمل للتحقيق في أجهزة الأمن، وابتزازهم لتجنيدهم لصالحها مقابل التصديق على طلبهم بالحصول على المواطنة أو الإقامة.

هذه الممارسات جعلت القانون ينتهك حقوق الإنسان الأساسية في المساواة والحرية والخصوصية والحياة العائلية، ويميّز بشكل فاضح ضد فلسطينيي 48 على أساس القومية والمنشأ الإثني، ويجرّدهم من أبسط الحقوق المدنية، تحت تبرير المحافظة على أغلبية وفوقية يهودية.

وفيما يمنع القانون فلسطينيي الضفة وغزة والقدس من الحصول على وضع قانوني في إسرائيل، ولو على حساب لمّ شمل عائلاتهم، استمراراً لمنعهم من الحصول على حقهم القانوني في العودة إلى بلادهم الأصلية التي هُجّروا منها خلال نكبة 1948، فإن إسرائيل أصدرت منذ تأسيسها "قانون العودة" الذي يتيح لكل يهودي من مختلف أصقاع العالم العودة إليها، والحصول على كافة الامتيازات.

انتقادات حقوقية واعتراضات قانونية


فور صدور التمديد الجديد لهذا القانون، صدرت العديد من مواقف المنظمات الحقوقية، وتركزت في الجوانب التالية:

طالب مركز "عدالة" بإلغاء القانون، لأنه في جوهره يحمل أهدافاً أيديولوجية وديموغرافية عنصرية، تخلق مسارين منفصلين ومختلفين على أساس عرقي بين اليهود والفلسطينيين، ويمنع قيام حياة أسرية على خلفية الانتماء العرقي القومي.

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتقد القانون، محذراً من خطورة ضرره على الفلسطينيين.

منظمة العفو الدولية اعتبرت القانون شاهداً جديداً على ارتكاب إسرائيل لجرائم الفصل العنصري، لأنها تستخدمه لفرض سيطرتها الديموغرافية.

مركز "بيتسيلم" رصد الأبعاد الكارثية للقانون على العائلات، إذ يُضطر الآلاف من الأزواج للعيش على انفراد، وسيفصل الأولاد عن ذويهم عند بلوغهم 12 عاماً، أو سيصبحون مخالفين للقانون.

مركز الدفاع عن الفرد اتهم إسرائيل بتضليل العالم، لأن ادعاءاتها الأمنية لتبرير القانون تخفي خلفها اعتبارات ديموغرافية.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" طالبت بإلغاء القانون الذي يمنع الإسرائيليين من الإقامة مع أزواج وزوجات فلسطينيين وفلسطينيات.

جمعية حقوق الإنسان في إسرائيل أكدت أن القانون ينتهك بشكل سافر الحق في الحياة العائلية، ويعزز سياسة التمييز ضد فلسطينيي 48 في إسرائيل، لكونهم المتضررين منه.

قانون غير أخلاقي يُشتّت العائلات ويُقطّع أوصالها


عديدة هي المآخذ القانونية والحقوقية على القانون، وأقلّ ما يوصف به أنه تمييزي، ويضيف شرعية لاتهام إسرائيل بأنها تمارس نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، وهو خطأ جوهري، وغير أخلاقي، ويجعلها تقف أمام جملة من العواصف السياسية التي تطاردها بوتيرة مذهلة، وسيزيد من تأثيره السلبي عليها.

كما أن القانون لا يفي حتى بأدنى معايير تشريعات حقوق الإنسان، لأنه يمنع الفلسطينيين من الضفة وغزة من لمّ شملهم مع زوجاتهم اللواتي يحملن الجنسية الإسرائيلية، مع أنه منذ بدء الاحتلال عام 1967 وحتى مرحلة التسعينيات فقط، وافقت إسرائيل على أكثر من 130 ألف طلب لمّ شمل.

ولكن اعتباراً من 2003، أوقفت هذه السياسة بسبب انتفاضة الأقصى، بزعم منع دخول فلسطينيين قد يشكّلون خطراً أمنياً عليها، ويشاركون في المقاومة ضدها، وإحباط أي تغيير في التوازن بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية، والحفاظ على أمن الدولة وهويتها اليهودية.

تصدر عن القانون نكهة عرقية قومية حادة، لأنه ينطبق فقط على فلسطينيي 48، وليس على اليهود، ومثل هذا التمييز الديني والقومي يجسّد تحيّزاً بنيوياً عميقاً، مع أن التغييرات الكبيرة في البيئة الإقليمية، والوضع الأمني المعتمد بشكل كبير على التعاون الأمني المستمر مع السلطة الفلسطينية، جعلت العديد من الأسباب التي أدّت إلى إصداره لم تعد قائمة.

تعترف العديد من الأوساط الإسرائيلية بأن القانون عنصري صريح دون مواربة، رغم مزاعمها بأن الـ13 ألف فلسطيني الذين يُسمح لهم بالعيش في إسرائيل كمقيمين مؤقتين مع أزواجهم، ولكن بدون حقوق أساسية، يشكّلون "تهديداً ديموغرافياً" للأغلبية اليهودية في الدولة.

ويُشكّل القانون، الصادر لدواعٍ أمنية وديموغرافية، فضلاً عن كونه سيئاً وقاسياً، وصمة عار لا تُمحى لحقوق الإنسان في إسرائيل، فضلاً عن كونه تشريعاً "غبياً"، يتطلب إسقاطه ودفنه للأبد، وفقاً للتعبيرات الإسرائيلية.

اضطهاد تشريعي يُجبِر الأزواج على الانفصال عن زوجاتهم


عديدة هي الجوانب العنصرية في هذا القانون، ومنها أنه يعيق حق فلسطينيي 48 في الزواج بمن يريدون، مما يجعلهم يواجهون متاهة بيروقراطية معقدة إذا رغبوا في البقاء مع عائلاتهم داخل إسرائيل، بينما لا يُسمح للآخرين بالدخول على الإطلاق، رغم أن بعضهم يقيم في الدولة منذ عقود، أباً عن جدّ، لكن القانون، الذي يجعل بقاءهم فيها غير قانوني، يحرمهم تلقائياً من الحصول على كافة الحقوق الطبيعية.

ويمنعهم القانون من الالتحاق بالعمل، والحصول على تأمين طبي، ورخصة قيادة، ويخشون في كل مرة يتعين عليهم تجديد إقامتهم المؤقتة أن يُطلب منهم مغادرتها، والانفصال عن أزواجهم أو أطفالهم، وبالتالي فإن استناد الدولة إلى الذريعة الأمنية لا يتناسب مع الأضرار التي يتسبب بها، لأنه يشلّ المجتمع الفلسطيني داخلها، ويضحّي بحقوقهم واحتياجاتهم الشخصية.

بلغة الأرقام، يعيش في إسرائيل نحو 13 ألف فلسطيني متزوجين/ات من إسرائيليين/ات، مع وثائق مؤقتة، تجعلهم مطالبين باستمرار بتجديد وضعهم الهشّ فيها. ولسنوات، لم يُسمح لمعظمهم بقيادة سيارة، أو فتح حساب مصرفي، وفي حال وفاة الزوج أو الزوجة الإسرائيلي/ة، يتم ترحيلهم على الفور، مما يضطر أبناؤهم الذين يحملون جنسيتها إلى مغادرتها إلى الضفة الغربية أو غزة، أو البقاء فيها من دونهم.

لا يُخفي المُشرّعون الإسرائيليون الحقيقة الدامغة لهذا القانون باعتباره ترسيخاً للفوقية اليهودية وسياسة الفصل العنصري، لأنه ينتهك أبسط الحقوق الإنسانية للفلسطينيين في الحصول على حياة أسرية، ويُقطّع أوصال العائلات، ويُشرذمها بشكل سافر وجائر، ويتناقض مع كل شريعة وقانون ومنطق إنساني وحقوقي، ويعني تجميداً لقدرتهم على الإقامة تحت سقف واحد. كما يُجمّد القانون إمكانية حصول الأزواج من حاملي الهويات الفلسطينية من الضفة على مكانة دائمة تسمح لهم بالاستقرار في القدس أو الداخل مع أبناء عائلاتهم.

كل ذلك يعني تشتتاً كبيراً وظروفاً صعبة جداً تعاني منها هذه الأسر، لأن الآلاف منهم باتوا يعيشون بدون مكانة قانونية، ويتجنبون الحواجز الأمنية المنتشرة خشية الترحيل أو الاعتقال، والكثير منهم يقضون حياتهم في الدوائر الحكومية الإسرائيلية، ويوكلون محامين إسرائيليين بمبالغ ضخمة، ولكن بدون نهاية إيجابية.


التطهير العرقي


تسبب القانون، منذ سنّه قبل أكثر من عشرين عاماً وتمديده قبل أسابيع، في زيادة معاناة العائلات الفلسطينية، دون اعتزام حكومة اليمين إجراء أي تغييرات جوهرية عليه، مما يؤكد دوافعه الحقيقية التي تخدم أهدافاً ديموغرافية تمييزية، وتعزز سياسات الفصل العنصري، وتفكك العائلات الفلسطينية، مما يجعله غير دستوري، ويحمل في طياته تمييزاً مداناً ضدهم بناءً على انتماءاتهم العرقية والقومية والدينية، بزعم التخوف من تمددهم الديموغرافي، واستمراراً لسياسة التطهير العرقي المتبعة في جنوب أفريقيا تجاه السود أهلها الحقيقيين إبان حقبة الفصل العنصري.

كما أن القانون محاولة إسرائيلية مكشوفة لشرذمة تواجد الفلسطينيين، وتفريقهم، وحرمانهم من حقوق المواطنة والوضع القانوني، وينتهك حقهم في لمّ شمل الأسر، والعودة إلى بلدهم وديارهم، ويقيّد حريتهم في التنقل، وصولاً إلى التحكم في "هندسة" وجودهم، والسيطرة عليهم، بهدف الحفاظ على أغلبية يهودية.

وتظهر الاعتبارات الأمنية التي تطرحها إسرائيل في حظر لمّ شمل الفلسطينيين عارية عن الصحة، لأن 23 فلسطينياً فقط من أصل 100–140 ألفاً دخلوا إسرائيل عبر لمّ الشمل، ويشكّلون 0.02% فقط، انخرطوا في عمليات مقاومة، وبهذا، يُعتبر القانون عقاباً جماعياً قاسياً، يرتكز على التمييز، وليس له أساس موضوعي، بل هو تشريع عنصري، هدفه خلق الفرقة داخل الشعب الفلسطيني، وحالة من الاغتراب بينه وبين أرضه، وترسيخ الأفضليّة الديموغرافية اليهودية.

ومع استمرار المزاعم الإسرائيلية المُبالغ فيها حول الصراع الديموغرافي بين الفلسطينيين واليهود، تتزايد التحذيرات مما يسميه الاحتلال "المخاطر الكامنة" في سياسة لمّ شمل العائلات الفلسطينية، والمطالبة بضرورة إعادة النظر فيها، بزعم أن تداعياتها تتجاوز بكثير الجانب الإنساني المُعلن، لأنه بحلول عام 2002، حصل 130 ألف فلسطيني وأردني ومصري على إذن لدخول إسرائيل ضمن لمّ شمل العائلات، واستقروا في مدن فلسطينيي 48، قبل سن هذا القانون العنصري بعام واحد، الذي شكّل الترجمة العملية لحرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى فلسطين المحتلة.

كما تزعم الأوساط ذاتها أن لمّ شمل العائلات وتطبيق حق العودة قد يُعرّضان وجود الدولة وحق "الشعب اليهودي" في تقرير مصيره للخطر، مما دفع المحكمة العليا، التي تعتبر نفسها حامية النظام الديمقراطي، إلى إصدار حكم بشأن دستورية هذا الحظر العنصري، بزعم أنه لا يحق للإسرائيليين جلب "أجانب" إلى الدولة، حتى إن أحد قضاتها لم يتردد في الإعلان أن "حقوق الإنسان ليست وصفة للانتحار الوطني لإسرائيل".


مخاوف إسرائيلية من تقويض المشروع الصهيوني


تزعم المحافل الإسرائيلية أنه بينما تُصوّر هذه القضية على أنها إنسانية، فإن دوافعها مختلفة تماماً، لأن التهديد الديموغرافي للفلسطينيين لا ينبع من الزيادة الطبيعية في أعدادهم فحسب، بل أيضاً من تسلل الآلاف منهم إلى الدولة، وبقائهم فيها، وفرضهم حقائق على الأرض من خلال الزواج من فلسطينيات 48، على أمل تطلّعهم لإنهاء الصراع مع إسرائيل بتغيير التوازن الديموغرافي داخلها لصالحهم، استناداً إلى تناميهم السكاني، وصولاً لإقامة دولة فلسطينية واحدة يعيش فيها اليهود "تحت مظلة الثقافة العربية".

مع العلم أن تمديد القانون العنصري تزامن هذا العام مع انخفاض أعداد الهجرة اليهودية بسبب الحرب الدموية على غزة، بل تزايد الهجرة العكسية خارج الدولة، تحقيقاً لمخاوف إسرائيلية قديمة جديدة تحت مسمى "غزو إسرائيل دون معركة"، من خلال التسلل الديموغرافي للفلسطينيين، بحيث يتحقق لهم حق العودة من "الباب الخلفي".

مما دفع أصوات اليمين الفاشي الحاكم إلى اعتبار ذلك إخفاقاً للدولة، بسبب تزامنه مع تصاعد المقاومة المسلحة، مما يستدعي اتخاذ نهج حاسم بصيغة عسكرية، وإصدار تشريعات مخصصة وقوانين دائمة، وعدم الاكتفاء بتمديد "أمر مؤقت" كل عام يخص لمّ شمل الفلسطينيين.

ولا تنفك الأوساط اليمينية الإسرائيلية، وهي تدافع عن هذا القانون العنصري، عن التحذير من خطورة أن يكون الطريق مُعبّداً أمام محاولات ما يسمونها "يسار ما بعد الصهيونية" بالتعاون مع الفلسطينيين، لكسر القيود المفروضة على لمّ شمل العائلات، وتمهيد الطريق لمنح ملايين أحفاد اللاجئين الفلسطينيين حقّ الاستقرار والبقاء في "الدولة اليهودية"، مما سيؤدي إلى زوالها.

كل هذا يتطلب إقامة حاجز قانوني منيع يحول دون تزايد أعدادهم فيها، بزعم أنه جدار دفاعي عن هويتها، وإلا فإن "الانهيار الجليدي" في طريقه إليها، وفق التوصيفات اليمينية اليهودية.

ودأبت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بالتزامن مع سنّ هذا القانون العنصري لمنع لمّ الشمل، على إصدار بيانات مزعومة تبرّره، تدّعي فيها أن قوى المقاومة تُجنّد أبناء العائلات التي يتم لمّ شملها ضمن صفوفها العسكرية لتنفيذ هجمات مسلحة، وجمع المعلومات الاستخبارية.

وتتّهم "حماس" بالاستعانة بالحاصلين على الجنسية الإسرائيلية، لتجنيدهم في صفوفها، وتقديم معلومات عن مواقع سقوط صواريخها، وفي بعض الحالات مشاركتهم في هجمات فدائية، لا سيما من الجيل الشاب الجديد من أبناء العائلات الموصوفة بأنها "مختلطة"، وتجمع أزواجاً من الفلسطينيين والإسرائيليات، أو الفلسطينيات والإسرائيليين.

المحافل اليمينية الإسرائيلية تنتهز مثل هذا القانون العنصري للحديث عن تفوق الفلسطينيين الديموغرافي، وما تعتبره إحدى الخطايا السياسية التي وقعت فيها الدولة، بزعم أن عدم سنّ مثل هذه القوانين سيدفع "الجنيّ الديموغرافي الفلسطيني" للخروج من القمقم، مما سيجعلها تتوقف عن كونها دولة يهودية صرفة، لأن معدل المواليد الفلسطينيين ستة أطفال لكل امرأة، بينما معدل المواليد اليهود أقل من ثلاثة.

مع العلم أن مثل هذه الأرقام قد تكون جزءاً من خديعة ديموغرافية تمارسها الدولة لاستخدامها سلاحاً ضد الفلسطينيين، وتبرر إصدار مثل هذه التشريعات، بزعم أن السماح بلمّ الشمل يفسح المجال أمام 200 ألف فلسطيني لدخول إسرائيل خلال 10 سنوات؛ وفي 20 عاماً سيرتفع عددهم إلى نصف مليون، وفي 40 سنة إلى 1.5 مليون، مما يُشكّل انقلاباً ديموغرافياً قد يُحوّل اليهود إلى أقلية، وهو واقع من شأنه تقويض المشروع الصهيوني.

علامات:
تحميل المزيد