وضعَ شروطاً أثارت قلق الحكومة المصرية.. لماذا تأخر الاتحاد الأوروبيُ في صرف 4 مليارات دولار للقاهرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/23 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/23 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
رئيسة الاتحاد الأوروبي خلال زيارتها إلى القاهرة ناقشت مساعدات أوروبية إلى مصر - رويترز

ستكون الحكومة المصرية مطالبة بالانتظار لفترة أطول من أجل استلام الدفعة الثانية من المساعدات المالية المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي عام 2024، وتصل قيمتها إلى 4 مليارات يورو، ما تسبب في حالة من الشد والجذب غير المباشر بين القاهرة وبروكسيل.

وفي رسائل طمأنة إلى مصر أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخراً تأكيده على أنه سيقدم تلك المساعدات الأوروبية التي تم الاتفاق عليها، مع تأكيده على أنها ستكون في صورة قروض، وأن صرفها ينتظر موافقة الدول الأعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبي.

هذا الوضع يشير إلى مزيد من التأخير في ظل مطالب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من القاهرة بتحسين سجل حقوق الإنسان المصري، وانعكس ذلك على تصريحات رسمية مصرية رحبت فيها بالتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري.

ضغوط على مصر لتحسين أوضاع حقوق الإنسان

أعلن الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء 20 مايو/أيار 2025، أنه سيقدم لمصر مساعدة مالية بقيمة 4 مليارات يورو، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد والبرلمان الأوروبي، لافتاً إلى أن هذه المساعدة ستقدم على شكل قروض، وتساهم إلى جانب دعم صندوق النقد الدولي، في تمكين مصر من تغطية جزء من احتياجاتها التمويلية.

وأوضح البيان أن صرف أي شريحة من هذه المساعدات سيكون مشروطاً بـ "تحقيق تقدم مرضٍ" من جانب القاهرة في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، الذي يهدف إلى دعم الاقتصاد المصري خلال الفترة من 2024 إلى 2027، وأكد الاتحاد أن الاتفاق لا يزال بحاجة إلى مصادقة رسمية من دول الاتحاد والبرلمان الأوروبيين.

ويعد هذا الدعم، الذي من المنتظر أن تتسلمه القاهرة، جزءاً من حزمة مساعدات مالية كلية يقدمها الاتحاد الأوروبي للدول التي تواجه صعوبات في ميزان المدفوعات، وذلك استكمالاً للمساعدات المقدمة من صندوق النقد الدولي.

ووقعت مصر والاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2024 اتفاق شراكة استراتيجية بقيمة 7.4 مليارات يورو، تتضمن مساعدات مالية كلية تصل إلى 5 مليارات يورو، وتسلمت الحكومة المصرية الشريحة الأولى من هذه المساعدات بقيمة مليار يورو في أبريل/نيسان من العام الماضي.

وكشف مصدر حكومي مطلع، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، عما يدور في الغرف المغلقة موضحاً أنها شهدت العديد من اللقاءات بين مسؤولين مصريين وأوروبيين خلال الأيام الماضية، سواء كان ذلك في القاهرة أو في بروكسيل، وأن إعلان الاتحاد الأوروبي صرف قيمة الدفعة الثانية بمثابة حلحلة إيجابية.

لكن ذلك، يضيف مصدر "عربي بوست"، لا يعني أن مصر راضية عن تعامل المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي، نظير ما تقدمه من جهود إيجابية تجاه استقبال اللاجئين أو الحد من الهجرة غير الشرعية من أراضيها، وكذلك التعاون في العديد من الملفات الأمنية المشتركة، إلى جانب تحقيق أمن الطاقة ومواجهة الإرهاب.

وأضاف المصدر ذاته أن القاهرة استخدمت لغة أكثر حدة في المباحثات التي جرت أخيراً بعد أن تعرضت لضغوط تتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، ومطالبتها باتخاذ مزيد من الإجراءات الإيجابية في التعامل مع اللاجئين الموجودين على أراضيها.

مصر تهدد الاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين/ رويترز
مصر تهدد الاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين/ رويترز

وهناك رسائل مباشرة تم توجيهها بأن ما تشهده مصر من ضغوط اقتصادية وسياسية جراء الأوضاع المشتعلة بالمنطقة يتطلب مزيداً من الدعم، وليس الاتجاه نحو وضع إجراءات وعراقيل أمام جهودها في مكافحة الهجرة غير الشرعية واستقبال الفارين من دول الصراعات.

وأشار المصدر إلى أن القاهرة ليس لديها غضاضة في الاستماع لرؤى أوروبية تتعلق بتحسين أوضاعها الحقوقية، وكذلك توفير مزيد من الخدمات للاجئين، غير أن ذلك يتطلب دعماً دولياً لا يتوفر الآن، في ظل أوضاع أمنية هشة على الحدود.

وفي حال كان هناك إصرار أوروبي على أن تقدم على اتخاذ إجراءات تخدم اللاجئين دون عوامل دعم مقابلة، فإنها ستوجه إنذاراً بعدم القدرة على تحمل أعباء اللاجئين، بخاصة مع تراجع الدعم الأوروبي الذي كان يتم تقديمه لمفوضية اللاجئين في مصر، إلى جانب توقف الدعم الأمريكي بشكل كامل، على حد تعبير المصدر المصري.

ولفت المتحدث إلى أن مصر بإمكانها التعامل مع مسألة استقبال اللاجئين من منظور تجاري واقتصادي بحت، ومن الممكن أن تبحث عن أوجه الاستفادة دون التعامل معه بشكل إنساني كما يحدث حالياً، لكنها تسعى لأن تمضي في تعاملها الإنساني.

لكن حال استمرت الضغوط، يقول مصدر "عربي بوست"، فإنها ستفرض رسوم إقامة باهظة، وفي تلك الحالة سيتم تضييق الخناق عليهم، وسيكون البحث عن ملجأ آخر يبدأ بالهجرة غير الشرعية إلى ليبيا ومنها إلى أوروبا.

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أعلنت تقليص عدد العائلات المستفيدة من برنامج المساعدات النقدية متعددة الأغراض المنتظمة، وذلك اعتباراً من مايو/أيار 2025، بسبب النقص الحاد في التمويل الذي تواجهه، مشيرة إلى أنها ستخصص المساعدات خلال الفترة المقبلة للعائلات الأكثر احتياجاً فقط.

كما أشارت إلى أن مقابلات تقييم الوضع الاقتصادي متوقفة في الوقت الراهن حتى إشعار آخر، والتي تُعد أداة أساسية تعتمدها المفوضية لتحديد الأسر الأكثر احتياجاً وتوجيه المساعدات بشكل عادل، مؤكدة أنها ستواصل إبلاغ اللاجئين والمجتمع المستفيد بأي تطورات جديدة حال توفرها.

كيف يمكن أن تُرضي الحكومة المصرية الاتحاد الأوروبي؟

عقد المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، لقاءً حوارياً موسعاً، الأسبوع الماضي، تحت عنوان "ضرورات وإمكانية الانضمام إلى الاتفاقيات والمواثيق والبروتوكولات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ورفع التحفظات عن بعض بنودها"، بهدف تقديم توصيات عملية لرفع التحفظات على بعض بنود الاتفاقيات الدولية بما يسهم في حماية الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وقالت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان، مشيرة خطاب، خلال الفعالية الأخيرة، "إن مصر لديها مصلحة في الانضمام لأكبر عدد ممكن من اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خاصة أن البلاد تمر بمرحلة تحول اقتصادي مهمة… مشيرة إلى أن جريمة الاختفاء القسري صداها ومعناها سيئ، متابعة: "أتمنى أن تنضم مصر إلى اتفاقية منع الاختفاء القسري ويوصي المجلس القومي لحقوق الإنسان بذلك".

يوضح مصدر حقوقي مصري على صلة بملف العلاقات المصرية الأوروبية، أن تباين وجهات النظر بين مصر والاتحاد الأوروبي مؤخراً يرجع إلى أن ملف حقوق الإنسان عاد لأن يكون على الطاولة مجدداً بعد أن خمل خلال الأشهر الماضية.

والسبب في ذلك، يقول مصدر "عربي بوست"، يعود إلى توالي صدور تقارير حقوقية من منظمات أوروبية سلطت الضوء على مشكلات اللاجئين والمحتجزين في السجون المصرية، وأنه جرى تقديم هذه التقارير لمندوبي الدول في البرلمان الأوروبي، وهو ما ترتب عليه مواقف أكثر تشدداً من الاتحاد والبرلمان الأوروبي بشأن تقديم المساعدات.

يستكمل المصدر أن الدفعة الثانية من المساعدات الاقتصادية تشكل الجزء الأكبر من القيمة المتفق عليها، وليس من الممكن دفع هذه المليارات دون ضوابط وشروط، وهو أمر جرى مناقشته أكثر من مرة في لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي.

وأشار إلى أن تعهد الاتحاد الأوروبي سابقاً بعدم تأثير الأوضاع الحقوقية على قيمة هذه المساعدات يجعل هناك ربطاً علنياً بالموقف الاقتصادي وتطبيق شروط صندوق النقد الدولي، لافتاً إلى أن الحكومات الأوروبية رضخت مؤخراً لرؤى شعوبها تجاه تقديم هذه المساعدات، وفي المقابل فهي تسعى للحفاظ على مصالحها مع مصر.

ولفت المتحدث إلى أن مصر يمكن أن تتجه نحو التوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري، خاصة وأنها وقعت من قبل على ثماني اتفاقيات تتعلق بمجلس حقوق الإنسان العالمي، وفي تلك الحالة ستكون قد قدمت نوايا حسنة للاتحاد الأوروبي واستجابت أيضاً لمطالب العرض الدوري الشامل الذي تضمن هذا الطلب.

لكن في المقابل، فإن الدولة المصرية سوف تصر على رفض مطالب أخرى، بينها عدم ترحيل الذين تسللوا بطرق غير شرعية إلى أراضيها، ولن تقدم تنازلات بشأن تطبيق الإجراءات الأمنية على أي مخالف بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي.

مصر تضغط بورقة الهجرة غير الشرعية

تقدّر البيانات الحكومية المصرية أعداد الأجانب الموجودين بأكثر من 9 ملايين من 133 دولة، ما بين لاجئ وطالب لجوء ومهاجر ومقيم، يمثلون 8.7% من تعداد السكان الذي تجاوز 107 ملايين نسمة.

وتشكو مصر باستمرار من تحمّلها عبء تدفق موجات مستمرة من الوافدين الذين اضطروا إلى ترك بلادهم بسبب الصراعات، مقدّرة التكلفة التي تتحملها من استضافتهم بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، في حين شكا وزير الخارجية بدر عبد العاطي، في يناير/كانون الثاني الماضي، من "تواضع الدعم الدولي للاجئين والوافدين الذين تتزايد أعباؤهم على مصر".

وبحسب مصدر مطلع بمفوضية اللاجئين في مصر، فإن المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لمصر لا علاقة لها بملف تمويل مفوضية اللاجئين، لكنها تؤثر بشكل مباشر على أوضاع اللاجئين في مصر، لأنه وفقاً لقانون اللجوء الجديد الذي أقره البرلمان المصري مؤخراً، فإنه سيكون هناك لجنة حكومية لشؤون اللاجئين.

وستكون هذه اللجنة الحكومية المصرية مختصة باستقبال طلبات اللجوء وفحصها، والموافقة عليها أو رفضها، وكذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة باللاجئين، وهو ما يتطلب تمويلاً تنتظره القاهرة من الاتحاد الأوروبي.

وعلى مدى العقود الماضية، تولت مفوضية اللاجئين الأممية عملية تسجيل اللاجئين في مصر بموجب اتفاقية تعود إلى العام 1954، إلا أن القانون الجديد يوكل المهمة إلى السلطات المحلية.

ويتضمن القانون الجديد إنشاء لجنة حكومية لشؤون اللاجئين، وهي تتبع مجلس الوزراء المصري مباشرة، وتتعاون المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتفصل اللجنة في طلبات اللجوء المقدمة لمن دخل إلى البلاد بطريق مشروع خلال 6 أشهر، وخلال سنة بحد أقصى لمن دخل البلاد بطريق غير مشروع.

وأوضح المصدر ذاته أن القاهرة تتوقع أن تتوقف مفوضية اللاجئين عن تسجيل اللاجئين الجدد في حال استمرت مشكلة نقص التمويل، وبالتالي فهي تضغط في اتجاهات مختلفة لاستعادته، إلى جانب سرعة تقديم المساعدات الأوروبية إليها، خاصة وأن المفوضية التابعة للأمم المتحدة في مصر لوّحت بإمكانية تقليص أعداد العاملين فيها، وسيكون ذلك مقدمة لغلق بعض فروعها أو تقليص العمل فيها.

الرئيس المصري يترأس اجتماعا للحكومة (أرشيف)/ رويترز
الرئيس المصري يترأس اجتماعا للحكومة (أرشيف)/ رويترز

وشدد على أن القاهرة بحاجة إلى تمويل يساعدها في التعامل أمنياً مع كيفية دخول اللاجئين إلى أراضيها ومراقبة الحدود، وهناك دعم أوروبي يقدّر بملايين الدولارات، لكن القاهرة تراه غير كافٍ، وبالتالي ليس لديها الحماس الذي يجعلها تسرع في إقرار اللائحة التنفيذية لقانون اللجوء الجديد، والذي يضمن تطبيقه بشكل فعلي.

وأوضح المصدر المطلع بمفوضية اللاجئين في مصر أنه في حال أعلنت الحكومة المصرية مسؤوليتها الكاملة عن تسجيل اللاجئين وتقديم بعض الخدمات إليهم، فإن ذلك سيواجه غضباً في الداخل المصري جراء استمرار شكاوى المواطنين من تضييق اللاجئين عليهم في المأكل والمسكن وباقي الخدمات العامة.

وذكر أن الهجرة غير النظامية من مصر مباشرة إلى أوروبا أو عبر الأراضي الليبية قد تأخذ في التصاعد، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي للإعلان عن الموافقة على تقديم الدفعة الثانية من المساعدات، وهي من المفترض أنها حظيت بموافقة مسبقة على تقديمها للقاهرة منذ توقيع الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين.

وطلبت المفوضية لتلبية احتياجات اللاجئين في مصر 137 مليون دولار لسنة 2025، لكن حتى 28 فبراير/شباط الماضي، حصلت على 21% فقط من المبلغ المطلوب، وكان لذلك تأثير كبير على الخدمات، خصوصاً الخدمات الصحية، وبالتالي اضطرت المفوضية إلى تعليقها في شهر مارس/آذار الماضي.

جدير بالذكر أنه وفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أعداد طالبي اللجوء واللاجئين المسجلين لديها في مصر حتى نهاية شهر أبريل/نيسان 2025، وصل إلى 95179 لاجئاً وطالب لجوء من 61 جنسية مقيمة بمصر.

تحميل المزيد