هجوم على المحجبات وتمييز وكراهية! بالأرقام.. هكذا تصاعدت الاعتداءات على المسلمين في فرنسا خلال 5 سنوات

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/01 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/01 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تصاعد حدة الاعتداءات على المسلمين في فرنسا خلال السنوات الأخيرة/ عربي بوست

"ماذا يعني أن تكون مسلماً في الاتحاد الأوروبي؟" كان عنواناً لتقرير أعدّته الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية ونشرته في فبراير/شباط 2024، وأجمع المشاركون في التقرير على المعاناة التي يعيشها جزء كبير من المسلمين الذين وُلِدوا في إحدى دول الاتحاد الأوروبي أو اضطرتهم الحاجة إلى البحث عن آفاق أوسع للالتحاق بها.

بعد أكثر من عام على صدور ذلك التقرير، الذي خرج بمجموعة من التوصيات للحكومات الأوروبية، سيصدر بيان عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، يوم الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، أدان فيه المجلس "بشدة" المضايقات المستمرة التي تعانيها النساء اللواتي يرتدين الحجاب في فرنسا.

وحسب البيان، فإن هؤلاء النساء، بغضّ النظر عن خياراتهن في الحياة، "أصبحن هدفاً رئيسياً، ويُعتبرن مسؤولات عن التوترات المجتمعية المختلفة، كما أنهن في بعض الأحيان يُتّهمن بالطائفية أو الانغلاق، ويُقدّمن في أحايين أخرى كضحايا يجب تحريرهن"، وفق ما جاء في بيان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية.

بيان المجلس عن معاناة المحجبات دفعنا إلى البحث عن الوضع الذي وصل إليه المسلمون في فرنسا خلال السنوات الخمس الأخيرة، من خلال تحليل مجموعة من البيانات الصادرة عن بعض الجهات الرسمية، مثل المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، وأخرى أصدرتها منظمات مثل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والتجمع لمكافحة الإسلاموفوبيا في أوروبا.

واقع الإسلاموفوبيا في فرنسا

وفق آخر الإحصائيات الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه خلال عام 2024 سُجّلت في فرنسا 173 حادثة معادية للمسلمين. وأوضحت الوزارة أن نسبة الاعتداءات على المسلمين تراجعت بـ29% في عام 2024 مقارنةً بعام 2023.

لكن منظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" طعنت في الأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية بشأن الإسلاموفوبيا في فرنسا، كما أن "المركز الفرنسي للتسامح والسلام"، الذي يتلقى أيضاً العديد من التقارير ويدعم ضحايا الإسلاموفوبيا، سجّل أرقاماً أعلى خلال الفترة نفسها.

بل إن تقريراً للجنة برلمانية فرنسية حول الإسلاموفوبيا في فرنسا، صادر في مارس/آذار 2025، أكّد أن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع الحقيقي، بسبب قلة التبليغ، وعدم الثقة في الشرطة، وغياب التأطير الكافي لرصد هذه الظواهر.

وفي المجمل، تم الإبلاغ عن 1037 حادثة معادية للمسلمين، بزيادة قدرها 25% في عام 2024 مقارنةً بعام 2023، وفق ما سجلته منظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" في بيان أصدرته في فبراير/شباط 2025 للرد على أرقام وزارة الداخلية الفرنسية.

وقالت المنظمة إن "هذه الأرقام تسلط الضوء على الفجوة بين البيانات الرسمية والواقع على الأرض، وهي أرقام قاطعة". وأضافت أن "التناقض صارخ، ومن الضروري مواصلة الكشف عن هذه الحقائق لفهم الواقع الذي يعيشه الضحايا بشكل أفضل ومكافحة الإسلاموفوبيا".

وتؤكد الأرقام المعلنة بخصوص الإسلاموفوبيا في فرنسا خلال عام 2024 الارتفاع المطّرد في الاعتداءات التي تعرّض لها المسلمون خلال السنوات الخمس الأخيرة، من 2020 إلى 2024، وهو ما تؤكده الأرقام المعلنة من المنظمات التي تُعنى بشؤون المسلمين في أوروبا.

خلال عام 2023، سجل التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا "CCIE" عدداً قياسياً من الحوادث المؤكدة المرتبطة بالإسلاموفوبيا بلغ 828 حالة، مقارنةً بـ527 في عام 2022، أي بزيادة قدرها 57%، وتركزت الغالبية العظمى من الحالات في فرنسا، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 90% من الشكاوى.

وفي عام 2022، وثّق "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" ما مجموعه 527 حالة مؤكدة من الإسلاموفوبيا، منها 501 حالة في فرنسا وحدها، أي ما يعادل 95% من إجمالي الحالات. وحسب بيانات المنظمة، فإن هذا الرقم لا يشمل سوى الحوادث التي تأكدت طبيعتها التمييزية بعد التحقق.

بينما وصف معهد "ليوبولد فايس" عام 2021 بأنه كان "عاماً صعباً للغاية بالنسبة للمسلمين الفرنسيين"، خاصة مع تطبيق قانون مكافحة الانفصال، الذي تعرّض لانتقادات شديدة من قبل العديد من المراقبين بسبب "طبيعته القاتلة للحريات والقمعية".

وحسب معهد "ليوبولد فايس"، فإن حلَّ المنظمات غير الحكومية التي تحارب الإسلاموفوبيا قد حدَّ من جمع الإحصائيات الخاصة بالأعمال المعادية للمسلمين، مؤكداً أنه لم يتمكن من الاعتماد إلا على بيانات وزارة الداخلية الفرنسية.

إذ إنه في عام 2021، تم تسجيل ما مجموعه 171 عملاً معادياً للمسلمين، بزيادة قدرها 32% مقارنةً بعام 2019، كما جاء في تقرير الإسلاموفوبيا في أوروبا، نقلاً عن بيانات نشرها وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان من خلال الصحافة الفرنسية.

فيما سجل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، في عام 2020، "235 عملاً معادياً للمسلمين، مقارنةً بـ154 في عام 2019، أي بزيادة بنسبة 53% في الأفعال"، حسبما أعلنت المؤسسة في بيان صحفي يوم الخميس.

وحسب المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، فإن هذه الأرقام أقل من الواقع ولا تعكسه بدقة، "لأن العديد من رؤساء أماكن العبادة لا يرغبون في تقديم شكاوى، معتقدين، بحق أو بغير حق، أن التحقيقات نادراً ما تكون ناجحة".

النساء المحجبات في مقدمة الضحايا

"مهما كانت اختياراتهن أو مسارات حياتهن، فقد أصبحت هؤلاء النساء في بلدنا هدفاً سهلاً"، هكذا عبّر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن الواقع الصعب الذي تعيشه النساء المسلمات المحجبات في فرنسا، وقال: "يتم تصويرهن على أنهن كبش فداء للعديد من مشاكل مجتمعنا".

كما أضاف المجلس في بيانه، الذي أصدره الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، أن المسلمات المحجبات "يتهمهن البعض بالانغلاق المجتمعي أو بمحاولة التغلغل في المجتمع، بينما يدّعي آخرون أنهم يريدون (تحريرهن) من استعباد مزعوم. في كلتا الحالتين، يُعاد النظر في حرياتهن الأساسية".

وحسب المجلس، فإن هذه الحملة المستمرة، "السامة والوصمية"، تغذي التوترات وتضعف التماسك الوطني. كما أنها تعرّض هؤلاء النساء لمستويات متزايدة من انعدام الأمن، بما في ذلك الاعتداءات اللفظية والجسدية، التي أصبحت واقعاً يومياً لعدد متزايد من المواطنات اللواتي من المفترض أن تحميهن الجمهورية.

وقال المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إنه ما دام ندد بارتداء الحجاب عندما يُفرض بالإكراه، "لكنه يعارض أيضاً أي انحراف يسمح لنفسه، تحت غطاء التحرر أو العلمانية، بتبني نظرة أبوية، متعالية، وغالباً ما تكون خطيرة تجاه النساء اللاتي اخترن بحرية ارتداء الحجاب".

ما تتعرض له النساء المحجبات في فرنسا أكده أيضاً تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان في فرنسا (CNCDH) لسنة 2023، حيث قال إن النساء المسلمات، خصوصاً المحجبات، أكثر عرضة للاعتداءات في الفضاء العام بسبب الرموز الدينية الظاهرة.

كما تؤكد أرقام منظمة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" أن النساء المسلمات هن أكثر عرضة للإسلاموفوبيا في فرنسا مقارنةً بالرجال.

فعلى سبيل المثال، أشار تقرير "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" لعام 2020 إلى أن نسبة النساء المسلمات اللاتي تعرضن لاعتداءات بلغت 81.5% من مجموع حالات الإسلاموفوبيا المعلنة، التي بلغت 235 حالة، بينما بلغت النسبة 80% خلال عام 2021 من بين 334 حالة إسلاموفوبيا معلنة.

وفي تقريرها لعام 2022، رصدت المنظمة أن النساء المسلمات هن الأكثر عرضة للإسلاموفوبيا، حيث كانت 427 من بين 527 حالة (81%) ضحايا نساء، أغلبهن محجبات، ووقعت العديد من الانتهاكات في أماكن العمل أو المدارس.

كما كشفت الأرقام الواردة في تقرير "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" لعام 2023 أن النساء المسلمات، وخاصة المحجبات، كنّ الهدف الأكبر لهذه الاعتداءات، حيث مثّلت النساء 81.5% من مجموع الضحايا. وقد ارتفع عدد الشكاوى المتعلقة بالنساء من 427 حالة في 2022 إلى 675 في 2023، بزيادة قدرها 58.1%.

فيما كشف تقرير عام 2023 عن رمز جديد تتعرض بسببه النساء المسلمات للإسلاموفوبيا، إذ سجّل التقرير 234 شكوى تتعلق بمنع أو استجواب الفتيات بسبب ارتدائهن لباساً فضفاضاً كالعباءة، غالباً دون حجاب. وقد وُثّقت حالات تم فيها إذلال الطالبات، وطلب الكشف عما يرتدينه تحت ملابسهن.

ووفقاً لتقرير صادر عن جمعية "Lallab" الفرنسية المتخصصة في حقوق المرأة، فإن 81.5% من الأعمال المعادية للإسلام في عام 2024 استهدفت النساء المسلمات، لا سيما بسبب ارتدائهن الحجاب، الذي أصبح علامة ظاهرة على انتمائهن الديني، وفق ما ذكرته الجمعية في تقرير نُشر في 27 مارس/آذار 2025.

بينما كشف بحث علمي أجراه باحثون أكاديميون تابعون لـ"المركز الوطني للبحث العلمي" ومنصة لتحليل البيانات، ونُشر في ديسمبر/كانون الأول 2024، أن ارتداء الحجاب "يزيد بنسبة 25% من احتمال تلقي ردود سلبية بعد التقدم لمقابلة عمل".

كما أن الحجاب بالنسبة إلى بنات المسلمين في فرنسا، وفق الدراسة، يقلل بأكثر من 30% من احتمال تلقي ردود غير سلبية، ويخفض بأكثر من 80% فرصة الحصول على رد إيجابي، رغم توفر المتقدمات على الخبرة المهنية والكفاءة المطلوبة.

ما الذي يتعرض له المسلمون في فرنسا؟

في بيان "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي خصصه لما تتعرض له النساء المسلمات المحجبات من مضايقات، فإن الغموض الذي يحيط بمصطلحات مثل "التغلغل" أو "الإسلاموية" يخلق اليوم مناخاً يشعر فيه كل مواطن مسلم بأنه موضع شك.

وأضاف المجلس أنه "باسم علمانية منحرفة، أصبح الانتقال من مناقشة الحجاب في الرياضة إلى مسألة الإفطار خلال المباراة، بل حتى إلى مزاعم نقص البيض بسبب رمضان، أمراً شائعاً دون تحفظ".

ودعا "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" إلى التعقل، والتروي، وتحمل المسؤولية، "فهذه القضايا، التي غالباً ما يتم استغلالها، يجب ألا تصبح ساحة للعب الأيديولوجي والإعلامي والانتهازية السياسية على حساب التماسك الوطني، والأمن، والنزاهة، واحترام الحريات".

على سبيل المثال، في تقرير "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" لعام 2022، توزعت أنواع الانتهاكات المسجلة كما يلي:

  • 467 حالة تمييز مباشر.
  • 128 تحريض على الكراهية.
  • 71 شتائم.
  • 59 تحرشاً نفسياً.
  • 44 تشهيراً.
  • 27 اعتداءً جسدياً.
  • 33 مرتبطة بتشريعات "مكافحة الانفصالية".

وفي تقرير المنظمة لعام 2023، كشفت الأرقام عن زيادة كبيرة في حالات التحرش النفسي، التي بلغت 237 حالة، بزيادة قدرها 301.7% عن العام السابق، معظمها وقعت في المدارس.

وشكلت المدارس والجامعات مسرحاً لما يقرب من نصف الحالات، حيث سجل التقرير 305 حالات وقعت داخل المؤسسات التعليمية، أي ما يمثل 41% من إجمالي الحوادث.

تضييق ممنهج على المساجد والجمعيات 

شهدت عام 2022 تصعيدًا في السياسات الأمنية بحق المسلمين:

  • إغلاق 23 مسجدًا بموجب قوانين تسمح بذلك دون حكم قضائي.
  • استخدام ملاحظات استخباراتية غير موثقة لتبرير قرارات إدارية.
  • حظر جمعيات دينية وخيرية، ومساعٍ لمنع تمويل المساجد.

كما تصاعد العنف اليميني دون تصنيف إرهابيّ، وثّق التقرير عدة هجمات عنيفة ضد المسلمين عام 2022، أبرزها:

  • هجوم على مسجد في مدينة فلير.
  • اغتيال 3 أكراد في باريس على يد متطرف يميني، دون تصنيفه كعمل إرهابي.

كما أظهر تقرير المنظمة لعام 2022 كيف استُخدمت قوانين مثل قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية" لتقييد حرية التعبير، وإغلاق مؤسسات تعليمية إسلامية، وملاحقة أئمة، بدعوى حماية العلمانية، رغم عدم وجود أدلة قانونية صلبة.

بينما رصد تقرير "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في أوروبا" لعام 2023 عشرات الاعتداءات على المساجد، تراوحت بين التخريب، والكتابات العنصرية، وإلقاء قنابل مولوتوف، بل وحتى تهديدات بالقتل، وغالبًا ما تمر هذه الجرائم دون ملاحقة قانونية فعّالة.

ما بعد السابع من أكتوبر.. انفجار في الكراهية

عقب اندلاع الحرب على غزة، شهدت أوروبا تصاعدًا كبيرًا في الخطاب العدائي ضد المسلمين. وأشارت دراسة لمعهد الحوار الاستراتيجي (ISD) إلى ارتفاع الإسلاموفوبيا على الإنترنت بمقدار 43 ضعفًا خلال الأيام التي تلت هجوم السابع من أكتوبر.

وتجدر الإشارة إلى أن الأمر لا يقتصر فقط على فرنسا، فقد سجلت منظمة "TellMama" البريطانية تضاعف عدد الحوادث ست مرات خلال أسبوعين فقط بعد أحداث السابع من أكتوبر، وكشفت عن أرقام ضخمة لتصاعد الكراهية والعنف ضد المسلمين في بريطانيا.

وعموماً، أكدت الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر لعام 2023 وعام 2024 حجم الإقصاء والتمييز الذي يعانيه المسلمون في فرنسا، ليس من خلال تقديرات جمعيات مدنية أو آراء تيارات سياسية، ولكن وفقاً لأرقام مؤسسات وطنية رسمية أكدت التمييز الذي يطال المسلمين في فرنسا.

من بين تلك الأرقام الرسمية المعلنة، ما كشفته نتائج دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE)، والتي خلصت إلى أن أحفاد المهاجرين في فرنسا يعيشون وضعية "قاتمة"، خاصةً المتحدرين من دول غير أوروبية.

وقد نُشرت النتائج في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث أظهرت تعرض نحو 34% من مهاجري الجيل الثاني المتحدرين من عائلات غير أوروبية للتمييز، مقارنةً بـ26٪ بالنسبة لوالديهم، ما يعادل فارقاً بـ8 نقاط بين الجيلين وفق معايير الدراسة.

في المقابل، كشفت الدراسة أن أحفاد المهاجرين في فرنسا من أصل أوروبي "أقل عرضةً للتمييز (13%) مقارنةً بالمهاجرين من نفس الأصول (19%)". كما أن الدراسة، التي شملت حوالي 27 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاماً، أكدت أن الأصل الجغرافي هو "العامل الأول للتمييز".

تحميل المزيد