علاجات “قاتلة” على فيسبوك وأرصفة الشوارع.. هل تنجح مبادرة هيئة الدواء بمصر في جمع الأدوية المنتهية الصلاحية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/20 الساعة 10:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/20 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية لمواطن مصري داخل إحدى الصيدليات في القاهرة/ رويترز

بدأت هيئة الدواء في مصر في تطبيق مبادرة جمع الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، وذلك بسبب انتشار ظاهرة بيع الدواء في السوق السوداء، سواء في الأحياء الشعبية أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك تحت إشراف مصانع غير مرخصة. وتهدف مبادرة هيئة الدواء إلى تنظيم عملية سحب المنتجات الدوائية من الأسواق بشكل آمن وفعال، مع التركيز على حماية المستهلكين من الأضرار الصحية المحتملة نتيجة استخدام الأدوية والمستحضرات منتهية الصلاحية.

وتستهدف مبادرة هيئة الدواء أيضاً رفع مستوى الوعي العام حول مخاطر الأدوية منتهية الصلاحية، وتسليط الضوء على أهمية قيام المواطنين بالتحقق من تواريخ الصلاحية قبل الشراء. وتركز المبادرة أيضاً على تحذير المواطنين من شراء الأدوية من مصادر غير موثوقة أو بأسعار تختلف عن السعر الجبري المقرر، حيث إن الأدوية منتهية الصلاحية لا تفقد فعاليتها فقط، بل قد تؤدي إلى تسمم أو تفاعلات دوائية خطيرة تعرض حياة المستهلكين للخطر.

سوق سوداء لبيع الأدوية منتهية الصلاحية

مصدر من داخل هيئة الدواء في مصر قال لـ"عربي بوست" إن المبادرة تشكل بادرة يمكن الاعتماد عليها للحد من انتشار الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية والتي أخذت في التمدد مع مشكلات شح الدواء التي ظهرت خلال العامين الماضيين. وأضاف المتحدث أنه خلال العشر سنوات الماضية لم يكن هناك أي مراجعات على مدى صلاحية الدواء الذي تبيعه الصيدليات، وأضحى يباع على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك في المناطق الشعبية.

وأوضح أن هناك أدوية منتهية الصلاحية تصل قيمتها إلى 600 مليون جنيه موجودة داخل الصيدليات وخارجها، مع انتشار سوق سوداء لبيع الأدوية خارج تاريخ استخدامها. وأضاف أن وجود صفحات معروفة وعديدة دون أن يكون هناك تدخل حكومي للتعامل معها كان بمثابة وصمة عار قد تؤثر سلباً على الاستثمارات الأجنبية في سوق الدواء المصري والأكثر من ذلك أنها تهدد صحة المواطنين، وتشجع على بيع الدواء خارج إطار الصيدليات وهي المكان المخصص لبيعها.

وشدد على أنه منذ بداية مارس/ آذار 2025 تم تفعيل المبادرة التي تهدف إلى سحب 100% من الأدوية منتهية الصلاحية خلال ثلاثة أشهر، كما أن الهيئة كلفت الصيدليات بإرسال بيانات الأدوية ويتم تعويض الصيدليات خلال ستة أشهر أما مادياً أو عبر الحصول على أدوية أخرى. وبحسب هيئة الدواء المصرية فإنه يتم سحب الأدوية منتهية الصلاحية بواسطة موزع معتمد أو الشركة المنتجة بدون قيد أو شرط بغض النظر عن الكميات أو الأنواع وأيا كان التاريخ بما فيها الألبان والأدوية المستوردة.

كما أن الكميات المسحوبة سيتم ختمها بخاتم الصيدلية أو شريط لاصق، ويتم الفحص الفني للأدوية منتهية الصلاحية من خلال الموزع المعتمد والشركة المنتجة خلال مدة تتراوح ما بين 15 إلى 30 يوماً. ويتم تعويض الصيدلية عن الأدوية المسحوبة خلال مدة لا تزيد عن 180 يوماً من بعد إتمام عملية الفحص، وذلك بواقع 10% من المشتريات الشهرية، وتتم التسوية النهائية لأي مبلغ متبقي بنهاية الشهر السادس.

وحسب المتحدث لن يتم تعويض الصيدلية عن الأدوية التي ثبت من خلال الفحص الفني أنها ليست من إنتاج الشركة المنتجة، بمعنى أنها غير معلومة المصدر وفي هذه الحالة يتم إبلاغ هيئة الدواء المصرية باسم الصيدلية واسم الدواء واسم الموزع لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

الصيادلة: مبادرة صورية

من جهته قال كريم مجدي، وهو صاحب إحدى الصيدليات بمنطقة المنيل وسط القاهرة، إن قرار هيئة الدواء بجمع الأدوية منتهية الصلاحية تأخر كثيراً، كاشفاً استحالة الالتزام به لدى الجزء الأكبر من الصيدليات التي يتواصل معها ما يسمون أنفسهم "متعهدي جمع الدواء منتهي الصلاحية"، وهؤلاء اعتادوا على جمع الأدوية منتهية الصلاحية بسعر قد يفوق السعر الرسمي لبيع الدواء إما في السوق السوداء، أو تهريبه إلى الخارج.

وأوضح المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن مبادرة هيئة الدواء تستهدف الصيدليات فقط، في حين أن غالبية الأدوية منتهية الصلاحية هي على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأسواق الشعبية. وأضاف المتحدث أن تعويض الصيدلية بعد ستة أشهر من سحب الدواء هو فترة طويلة للغاية، في وقت تتعرض فيه كثير من الصيدليات إلى خسائر تجعلها أكثر رغبة في الحصول على عوائدها المادية مباشرة بعد التأكد من عدم مطابقته للصلاحية.

ولفت إلى أن الصيدليات نادت قبل عدة سنوات بضرورة التدخل لإرجاع الأدوية منتهية الصلاحية غير أن الحكومة لم تستجب لهذه النداءات وكان الهدف هو تشجيع توطين صناعة الدواء في مصر لضمان عدم تضرر هذه الشركات. وأشار إلى أن الضرر كان يقع على الصيدليات التي أضحت لديها طرق معروفة للجميع للتخلص من هذه الأدوية، وبالتالي فإنه من الممكن أن يكون هناك أدوية منتهية الصلاحية بالسوق قيمتها 500 أو 600 مليون جنيه لكنها في الأغلب ليست موجودة داخل الصيدليات.

ويرى الصيدلي أن المدة التي حددتها هيئة الدواء لسحب جميع الأدوية خلال ثلاثة أشهر من المستحيل أن تكفي للتواصل مع أكثر من 85 ألف صيدلية منتشرة في ربوع مصر، وتبقى المبادرة صورية أكثر من كونها فعلية لأن كثير من الصيدليات من المتوقع أن لا تتجاوب معها لأنها لا يوجد لديها بالفعل أدوية منتهية الصلاحية وتم بيعها لأشخاص بصورة طبيعية. لافتاً إلى أن الصيدليات تعرضت لخسائر فادحة نتيجة رفض شركات الأدوية المحلية تحديداً استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية، في حين أن الشركات الأجنبية تلتزم بذلك.

وفيات ومضاعفات صحية

في المقابل قال مصدر مطلع بمركز الحق في الدواء (حقوقي)، إن عملية إرجاع الأدوية منتهية الصلاحية في مصر لم تكن تخضع لأي قوانين باستثناء قانون صدر برقم 499 للعام 2019 من جانب وزارة الصحة دون أن يتم تنفيذه، إلى جانب القرار الأخير الخاص بهيئة الدواء.

وقال المصدر نفسه في حديث مع "عربي بوست" إنه نتيجة لهذا الإهمال والتجاهل شهدت مصر ظواهر جديدة من نوعها تمثلت في مقتل عشرات الضحايا بعد تناولهم أدوية أو حصولهم على حقن لم يكن تسبب أي مشكلات صحية من قبل، ومع الفحص والتدقيق جرى اكتشاف أنها منتهية الصلاحية وحدث ذلك في عدد من حالات الوفاة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

ولفت المصدر ذاته أن حالات الوفاة أو المضاعفات الصحية تكون بسبب أن الأدوية المنتهية الصلاحية حدث بها تكسير في المركبات الدوائية داخلها وبالتالي تتحول إلى تركيبات دوائية أخرى قد لا تتماشى مع طبيعة الجسم التي يحصل عليها، ومن المفترض إجراء دراسات على الأدوية منتهية الصلاحية للتأكد من كونها آمنة الاستخدام من عدمه، لكن ذلك لا يحدث في مصر.

وكشف المصدر أن مصر بها أكثر من 80 ألف صيدلية بينهم ما يقرب من 20 ألف لا تخضع لإشراف مباشر من جانب الصيادلة وإنما يقوم الصيدلي ببيع اسمه إلى شخص هو بالأساس يستهدف فقط الربح من وراء الصيدلية ويتعامل معها كمشروع تجاري بحت دون الاهتمام بصحة المرضى، وهو ما فتح المجال لوجود متعهدين يقومون بشراء الأدوية منتهية الصلاحية بأسعار البيع خاصة الأدوية الشحيحة وبيعها في السوق السوداء.

وأضاف أن البعض منهم يقوم بشراء الأدوية بسعر زهيد ثم يقوم بإعادة طباعة تاريخ الإنتاج وتجهيز علبة بجودة مرتفعة ثم إعادة بيعها على مواقع التواصل الاجتماعي بأسعار مرتفعة وحينما يتم مراجعة تاريخ الإنتاج يجد المستهلك أنها سليمة ويطمئن لذلك في حين أنها بالأصل مغشوشة، وهو ما ساهم في انتشار ظاهرة وجود شقق سكنية يعاد فيها تعليب الأدوية في غياب عن رقابة الأجهزة المعنية.

وبحسب المصدر ذاته فإن وزارة الداخلية المصرية قامت بناءً على شكاوى من مركز الحق في الدواء وغيرها من الجهات المعنية بسلامة الدواء بشن حملات على بعض الورش التي تقوم بإعادة تعليب وتغليف هذه الأدوية في مناطق أبوالنمرس بمحافظة الجيزة ومنطقة المرج في القاهرة.

مشيراً إلى أن هذه الورش تتحصل على أدوية منتهية الصلاحية بسعر زهيد من بعض الصيدليات وتقوم بتوزيعها بأسعارها الرسمية على صيدليات أخرى أو تقوم ببيعها في السوق السوداء.

أعلنت هيئة الدواء المصرية أخيراً، ضبط مخازن غير مصرح لها بتداول الدواء، وبداخلها أصناف دوائية منتهية الصلاحية أو مجهولة المصدر، مؤكدة أنها رصدت بالتنسيق مع الجهات الرقابية والأمنية المختلفة العديد من الإعلانات الطبية المضللة، والتي تخدع الجمهور لبيع الأدوية والمنتجات الطبية خارج الصيدليات، خاصة تلك المرتبطة بالتجميل أو فقدان الوزن، رغم كونها غير آمنة على الصحة العامة.

وأوضحت هيئة الدواء المصرية، في بيان، أن مشكلة ضبط تلك الأدوية غير المرخصة تكمن في كثرة الممارسات، وصعوبة السيطرة على جميع المنافذ التي تروج لهذه المنتجات، كما أن ضعف الوعي المجتمعي يساهم في تفاقم الظاهرة.

وبحسب الهيئة هناك أكثر من 50 قناة فضائية تبث من أماكن غير رسمية، مثل المنازل والمقاهي، تروج لهذه المنتجات، بل تستضيف أطباء يدفعون مقابل الظهور الإعلامي لخداع المواطنين والترويج لأدوية غير مسجلة، كما أعلنت في 30 يناير استقبالها 445 بلاغاً عن أدوية مجهولة المصدر أو غير معتمدة.

غالبية الصيدليات تتعامل مع المخازن

وقال الخبير الدوائي، محمد هاني في تصريح لـ"عربي بوست" إن التعرف على ما إذا كان الدواء منتهي الصلاحية أو مغشوشاً لا يتم بسهولة ولا يُرى بالعين المجردة ويحتاج إلى الفحص داخل هيئة الرقابة للبحوث الدوائية، وهو ما يساعد على عملية الغش.

وأضاف المتحدث أن شركات الأدوية تساهم في انتشار السوق السوداء لأنها تطالب بفواتير معتمدة منها وقد لا يتوفر ذلك مع مرور سنوات على شراء الدواء، كما أن الصيدليات تشتري من شركات توزيع غير رسمية إذ إن 70% من هذه الشركات غير معتمدة وذلك بسبب الضرائب الطائلة التي يتم فرضها على شركات التوزيع، وبالتالي لا يوجد فواتير يمكن الاعتماد عليها لإرجاع الدواء.

ولفت إلى أن الصيدليات الصغيرة هي الغالبية العظمى في مصر لا تتعامل مباشرة مع شركات الأدوية وإنما يكون تعاملها مع المخازن، وذلك لأن الشركات تطالب بسداد أسعار الأدوية بشكل مباشر في حين أن المخازن المنتشرة في محافظات عديدة تمنح مهلة للسداد، في حين أنها قد تتحصل على أدوية مغشوشة ولا يوجد رقابة حقيقية على مدى مطابقتها للمواصفات.

يشار إلى أن هيئة الدواء المصرية حذرت من تشغيلة رقم 2842 لدواء "سوبراكس 100″، وهو مضاد حيوي شهير للأمراض التنفسية، كما أصدر منشور رقم 7 لعام 2025، للتحذير من تشغيلة رقم 240142 لدواء "تيراتام 1000" المستعمل للصرع والنوبات الدماغية.

وإلى جانب هذين النوعين، أصدرت الهيئة منشور رقم 8 لعام 2025 للتحذير من التشغيلة رقم 231244 لدواء "زوركال 40" المستعمل لعلاج التهابات المعدة، وكذلك منشور رقم 9 لعام 2025، للتحذير من إحدى تشغيلات كريم "فلويرانس" لتفتيح البشرة، ومنشور رقم 10 لعام 2025، للتحذير من إحدى تشغيلات كريم "ريكس أو إل تي إم- إي سيروم".

تحميل المزيد