مكسب للسنة لكنه لا يحظى بقبول الشيعة.. لماذا تثير تعديلات قانون العفو العام في العراق جدلاً سياسياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/07 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/07 الساعة 07:37 بتوقيت غرينتش
البرلمان العراقي/ رويترز

أثارت التعديلات على قانون العفو العام في العراق الجدل بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان، وطعن المحكمة الاتحادية العليا فيه قبل التراجع بعد ضغط الأحزاب السياسية السنية التي لوحت بورقة الاحتجاج.

ويعتبر تعديل قانون العفو العام في العراق أحد مطالب الأحزاب السياسية السنية، والذي وضعته كشرط على حكومة محمد شياع السوداني سنة 2022 مقابل تأمين التصويت عليه كرئيس وزراء جديد للعراق.

وتقول الأحزاب السنية إن قانون العفو العام هو إحدى مكاسبها لتصحيح الأخطاء القضائية والأحكام التي صدرت على عدد كبير من السنيين المحكومين بقانون الإرهاب خلال الفترة التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق السنة في العراق.

في هذا التقرير سنتناول قانون العفو العام، ما هي التعديلات التي تم إجراؤها على القانون، وهل تضمن هذه التعديلات خروج الأبرياء السُنّة من السجون العراقية، والعيوب التي طالت تعديلات قانون العفو العام، والمحاولات الشيعية لتعليق العمل به.

قانون العفو العام.. المكسب الكبير للسنة

قال السياسي السُنّي محمد الجبوري لـ"عربي بوست" إن تنفيذ قانون العفو العام في العراق هو المكسب الأكبر والوحيد للسُنّة العراقيين، وكان يجب تنفيذ هذا القانون وتعديله منذ سنوات طويلة لكنه تأخر كثيراً.

وأضاف المتحدث "مع تشكيل حكومة السوداني، كان المطلب الوحيد للأحزاب السُنّية للموافقة على هذه الحكومة هو تنفيذ قانون العفو العام ولكن هذا لم يحدث، لذلك كان قرار المحكمة الاتحادية العليا بإيقافه بمثابة كارثة للسُنّة وكان لابد من اتخاذ موقف صارم".

وكانت الأحزاب السياسية السنية قد اشترطت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 على حكومة محمد شياع السوداني تمري قانون العفو العام، وذلك مقابل تأمين جلسة انتخاب رئيس الوزراء الحالي.

وبحسب الجبوري، اشترطت الأحزاب السنية تعديل قانون العفو العام لعام 2016 من أجل إضافة مواد تسمح بإعادة النظر والمحاكمات في قضايا الآلاف من السُنّة العراقيين المحكومين بجرائم إرهابية. ويقول الجبوري لـ"عربي بوست"، "ليس لدينا إحصاءات رسمية مؤكدة بعدد السُنّة المحكومين بجرائم إرهابية في السجون العراقية، لكن الإحصائيات غير الرسمية تقول إن أكثر من 80% من السجناء في العراق هم من المحكومين بموجب قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005".

وبحسب مصادر سياسية سُنية، فإن الأحزاب السُنّية طالبت أيضاً بأن يتبع تعديل قانون العفو العام عودة النازحين من العرب السُنّة العراقيين إلى مناطقهم التي هُجروا منها إبّان الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والكشف عن مصير الآلاف من المغيبين السُنّة وتعويض ذويهم.

أحزاب سنية ضغطت على رئيس الوزراء العراقي لتمرير التعديلات/ الأناضول
أحزاب سنية ضغطت على رئيس الوزراء العراقي لتمرير التعديلات/ الأناضول

تعديلات قانون العفو العام في العراق

يتضمن التعديل الجديد لقانون العفو العام ثماني مواد، وطالبت الأحزاب السُنّية بأن يشمل التعديل إعادة تعريف مصطلح "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" من أجل تقليص دائرة المشمولين بالملاحقات القانونية بتهم التعاون مع داعش خلال سيطرته على المحافظات السُنّية بين عامي 2014 و2017.

ويقول الخبير القانوني ليث أحمد التميمي معلقاً على تعديلات قانون العفو العام، لـ"عربي بوست": "إعادة تعريف الانضمام إلى التنظيم الإرهابي ستعيد النظر في دائرة المتهمين، ومن المفترض أن هذا التعديل سيميز بين أعضاء التنظيم الفعليين والمدنيين الذين أجبروا على التعاون مع داعش باعتباره قوة الأمر الواقع".

وبحسب التميمي فإن التعديلات تتضمن أيضاً تشكيل لجان قضائية لإعادة النظر في ملفات جميع المحكومين في قضايا الإرهاب، لأن أغلب التحقيقات التي تمت في قضايا المحكومين في قضايا الإرهاب بها الكثير من الأخطاء القانونية.

وأضاف أن الكثير من المتهمين تم انتزاع اعترافاتهم تحت التعذيب والترهيب، وهناك الكثير من المتهمين تم اتهامهم والحكم عليهم من خلال أدلة "المخبر السري"، وهي آلية ظالمة معروفة في العراق، دون أي أدلة مادية.

ويقول التميمي إنه كان شاهداً على مئات القضايا التي تمت فيها محاكمة المتهمين بناءً على تحريات ما يعرف "بالمخبر السري"، دون وجود أي أدلة مادية استندت إليها المحاكم أو النيابات المتخصصة، ودون الاستماع إلى أقوال المتهمين أو دفاع المحامين.

وبحسب خبراء القانون العراقيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإنه وفقاً للتعديلات الجديدة على قانون العفو العام، سيتم تشكيل لجان قضائية خاصة لمراجعة الأحكام القضائية الصادرة بحق الآلاف من السجناء السُنّة لإعادة التحقيق في هذه القضايا والتأكد من الأدلة، وإنصاف ضحايا المخبر السري، والمحاكمات المتعسفة، والاعترافات بالإكراه.

وبحسب الخبير القانوني ليث أحمد التميمي، فإنه وفقاً لهذه التعديلات، لن يتم العفو العام عن جميع المحكومين في قضايا الإرهاب كما يُشاع، ولكن سيكون من حق المحكوم أن يطالب بمحاكمة جديدة، ومن الممكن أن تنتهي هذه الإجراءات الجديدة بالإفراج عنه أو بتقليص مدة محكوميته، أو بقاء الحكم كما هو دون أي تغيير وفقاً لما ستتوصل إليه اللجان القضائية.

عيوب قانون العفو العام

وعلى الرغم من ترحيب الأحزاب السياسية السُنّية بهذه التعديلات والتصويت عليها في البرلمان، إلا أن هناك الكثير من العيوب التي طالت هذه التعديلات بحسب مصادر قانونية وقضائية تحدثت لـ"عربي بوست".

وفي هذا الصدد، يقول خبير قانوني عراقي، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد: "لا أعلم كيف وافقت الأحزاب والكتل البرلمانية السُنّية على هذه التعديلات، من المفترض أن التعديلات جاءت تحت مسمى تصحيح الأخطاء القانونية السابقة، لكنها في الواقع كانت أقرب إلى الإجراءات الإدارية".

ويشرح المتحدث الثغرات التي طالت التعديلات الجديدة في قانون العفو العام قائلاً: "في تعديل وإعادة تعريف مصطلح الانتماء إلى التنظيم الإرهابي، من المفترض أن يعالج هذا التعديل المحكومين ظلماً وأن يقوم بالتمييز بين أعضاء داعش الحقيقيين وبين من تم إجبارهم على التعامل مع التنظيم، لكن في حقيقة الأمر لم يحدد التعديل الخاص بتلك الفقرة أي معايير واضحة سيتم من خلالها التمييز بين الإرهابي والمظلوم".

وبحسب المصدر ذاته، فإن من الممكن استغلال هذه الثغرة لإطلاق سراح إرهابيين حقيقيين، فيقول لـ"عربي بوست":"من يمتلك القوة السياسية أو المال يستطيع من خلال هذا التعديل الخطأ أن يسعى إلى إطلاق سراح قريب أو صديق إرهابي حقيقي من خلال استغلال الفساد المالي والسياسي".

وأضاف المصدر القانوني العراقي المُعترض على تعديلات قانون العفو العام قائلاً لـ"عربي بوست": "بالإضافة إلىذلك، فإن التعديل الجديد الذي ضمن توسيع المشمولين بقانون العفو العام، لم يقتصر فقط على دعاوى الإرهاب، بل شمل مراجعة جميع الأحكام الجنائية".

وقال مصدر قضائي معارض للتعديلات الجديدة على قانون العفو العام لـ"عربي بوست" إن "قانون العفو العام بصيغته الحالية ستستفيد منه الطائفة الشيعية أكثر من السُنّية، في توسيع دائرة إعادة النظر في قضايا المحكومين، وستشمل أيضاً المحكومين في قضايا فساد مالي من الشيعة، وسيتم استخدامه بشكل كبير لخروج أكبر عدد من المحكومين الشيعة في هذه القضايا، على حساب الطائفة السُنّية".

أما فيما يتعلق بالتعديل الذي يتضمن إنشاء لجان قانونية متخصصة مكلفة بإعادة النظر في ملفات المحكومين في قضايا الإرهاب، فيقول المتحدث: "هذه اللجان التي تم تشكيلها بالفعل لمراجعة الأحكام القضائية وفقاً للتعديلات الجديدة تفتقد إلى أي أساس قانوني في قانون العقوبات العراقي أو قانون مكافحة الإرهاب".

وأضاف المصدر القانوني ذاته قائلاً: "هذه اللجان غير معلوم مدى صلاحياتها، وغير معلوم هل ستقوم بإعادة النظر في التحقيقات من بدايتها أو الاكتفاء فقط بمراجعة الأدلة والتوصيات بإعادة المحاكمات التي تحددها نفس اللجان".

وحسب المتحدث، فإن التعديلات لم تشمل بنداً مهماً وهو: هل يحق لهذه اللجان القضائية التي تم تشكيلها بأمر من مجلس القضاء الأعلى الإقرار بأن هذا السجين لا تنطبق عليه تهمة الانتماء إلى التنظيم الإرهابي وبالتالي إطلاق سراحه؟ أم من الذي سوف يتخذ القرار؟

ويصف المصدر في حديثه مع "عربي بوست" ذاته هذه العيوب في تعديلات قانون العفو العام، بأنها تستهلك الكثير من الوقت والإجراءات غير الواضحة وغير المفهومة لكثير من القانونيين. وقال إن محكومين ينتظرون تنفيذ الإعدام بتهم الإرهاب والانتماء لتنظيم إرهابي بناءً على المادة 4 من قانون الإرهاب، والتي تفيد بأن من حق المحكمة إصدار حكم الإعدام على متهم في قضية إرهاب بناءً على اعترافاته التي أدلى بها، التعديلات الجديدة لن توضح كيفية التعامل مع هذه النقطة الجدلية.

الحكومة العراقية تخشى اندلاع احتجاجات بسبب قانون العفو العام/ رويترز
الحكومة العراقية تخشى اندلاع احتجاجات بسبب قانون العفو العام/ رويترز

قانون العفو العام والمتورطون في قضايا الفساد المالي

رحبت جميع الأحزاب السُنّية بتطبيق قانون العفو العام في العراق بعد التعديلات الأخيرة، وعلى الرغم من تأكيد النخب السياسية السُنّية على أن إنفاذ هذا القانون بعد صراع سياسي طويل سيكون بمثابة معالجة مظلمة تاريخية للطائفة السُنّية العراقية، ورفع الظلم عن الآلاف المظلومين في قضايا الإرهاب.

إلا أن المصادر القضائية والقانونية التي تحدثت لـ"عربي بوست" أكدت مخاوفها من العفو عن كبار المتورطين في قضايا الفساد المالي، وتسييس القانون واستخدامه من قبل النخب السياسية الشيعية أو من يمتلك نفوذًا ماليًا وسياسيًا للإفراج عن ذويهم، فيما يتم استثناء المهمشين من المظلومين.

ولم يمضِ الكثير من الوقت لإثبات شكوك الخبراء القانونيين العراقيين والمصادر القانونية والقضائية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فقد صرح عضو اللجنة القانونية النيابية في مجلس النواب العراقي محمد جاسم الخفاجي عن شمول "هيثم الجبوري"، وهو من ضمن المتورطين الرئيسيين في قضية الفساد المالي الضخمة التي هزت العراق والتي تعرف باسم "سرقة القرن".

وقال النائب البرلماني المستقل ياسر الحسيني لـ"عربي بوست": "ستكون أول نتائج تنفيذ قانون العفو العام، هي الإفراج عن جميع المتهمين في قضايا الفساد، لن يكون هيثم الجبوري هو الوحيد الذي سيتم شموله بموجب القانون، بل سيخرج جميع شركائه في قضية سرقة القرن، على حساب الفقراء المحكومين بقضايا مكافحة الإرهاب وضحايا المحاكمات القسرية".

وعلق الخبير القانوني ليث التميمي على هذا الخبر قائلاً لـ"عربي بوست": "الإفراج عن المتهمين في قضايا الفساد هو أول ثمار قانون العفو العام بشكله الحالي، لا نعارض قانون العفو العام في العراق، بالعكس ندعمه ونطالب منذ سنوات بالإفراج عن المظلومين وضحايا الوشايات والمخبر السري، وضحايا قانون مكافحة الإرهاب الذي تم استخدامه وتسيسه لاضطهاد الآلاف من العراقيين في المحافظات السُنّية، ولكننا نعارض آلية تنفيذ القانون واستغلال البعض له للإفراج عن ذويهم المتهمين في قضايا سرقة أموال الشعب العراقي".

ويقبع كثيرون في سجون العراق بتهم تتعلق بالإرهاب، وبعضهم ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، كما أنه لا توجد أرقام رسمية محددة لعدد المسجونين في قضايا الإرهاب أو المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام.

لكن في عام 2023، قال وزير العدل العراقي إن هناك 8 آلاف شخص ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام من أصل 20 ألف شخص أدينوا بتهم مرتبطة بالإرهاب، وفي عام 2021 قالت وزارة العدل العراقية إن هناك 50 ألف شخص أدينوا في قضايا إرهاب.

تحميل المزيد