اختتمت القمة العربية الطارئة بشأن قطاع غزة التي استضافتها مصر الثلاثاء 4 مارس/آذار 2024، بالإعلان عن "توافق عربي" نادر بشأن الخطة التي طرحتها مصر لمنع تهجير الفلسطينيين من القطاع، غير أن خلف هذا "التوافق العربي" هناك كواليس سبقت القمة كانت سبباً في غياب زعماء عرب.
وحسب ما توصل إليه "عربي بوست" من مصادر مختلفة فإن هناك الكثير من الخلافات في وجهات النظر كانت سبباً في غياب بعض القادة، خاصة الرئيسين الجزائري والتونسي، كما سنتطرق من خلال هذا التقرير إلى أسباب غياب القادة الخليجيين، خاصة ولي العهد السعودي والرئيس الإماراتي.
كما خلفت القمة العربية الطارئة في مصر وراءها عشرات الأسئلة التي بحاجة إلى إجابات حول مستقبل الخطة العربية المتفق عليها بشأن إعادة إعمار قطاع غزة في ظل صعوبات تواجه عملية وقف إطلاق النار، وكيفية إقناع الولايات المتحدة بهذه الخطة مع احتمالات تمسكها بخطط التهجير.
تحديات سبقت القمة العربية الطارئة
قال مصدر مطلع بجامعة الدول العربية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن القمة العربية الطارئة التي استضافتها العاصمة المصرية القاهرة الثلاثاء 4 مارس/آذار 2024، واجهت تحديات جمة لأنه كان من المفترض أن يكون هناك تمثيل خليجي على أعلى مستوى بما يقدم رسالة على وحدة الموقف العربي.
بينما كان لدى مصر علم مسبق باعتذار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس التونسي قيس سعيّد عن القمة بسبب "رفضهم عدم دعوتهم إلى الاجتماع العربي الذي استضافته الرياض في فبراير/شباط 2025، والذي جرى فيه التباحث حول مخرجات قمة القاهرة دون التشاور معهم".
وأكد مصدر دبلوماسي مصري أن عدم حضور قادة دول الجزائر وتونس القمة العربية الطارئة جاء اعتراضاً على تهميش الدولتين في الاجتماع الذي انعقد في الرياض دون مشاركتهم، وهو ما عبر عنه البيان الصادر عن الجزائر بشأن غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن القمة العربية الطارئة في القاهرة.
فيما كان الغياب السعودي والإماراتي عن القمة العربية الطارئة مفاجئاً حيث عملت مصر على أن تُظهر أن هناك توافقاً عربياً كبيراً من خلال حضور أكبر قدر من القادة العرب، غير أن موافقة ممثلي الجزائر وتونس وباقي دول الخليج على ما جاء في المسودة النهائية للقمة قلل من تأثير هذا الغياب.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن تأجيل القمة العربية في وقت سابق كان بسبب رغبة القاهرة للتريث في وضع خطتها بشأن إعادة إعمار قطاع غزة وكذلك إقناع الرئيس الفلسطيني بإدخال تعديلات جوهرية على هيكل منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تقدم مشروعاً سياسياً متكاملاً وليس فقط خطة لمنع التهجير.
كما أن السعودية طالبت وقتها باستضافة قمة مصغرة قبل القمة العربية، وهو ما استجابت له القاهرة أيضاً حرصاً على التوافق العربي، كما أن التاريخ السابق للقمة كان من المفترض أن يتزامن مع مباحثات أميركية روسية في الرياض لكن جرى إرجاؤها لوقت آخر.
وشدد المتحدث على أن الموقف المصري الخليجي بشأن خطة إعادة الإعمار كان متقارباً، فيما طرحت الجزائر مسألة تحميل إسرائيل مسؤولية إعادة الإعمار وهو نفس الموقف الذي اتخذته تونس في القمة العربية الطارئة.

كما طالبت الدولتان بالإعلان المباشر عن إلغاء أي عملية تطبيع مستقبلية مع إسرائيل لحين الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، وهو أمر لم يحظ بتوافق عربي وكان موقف الأغلبية ضرورة التركيز على جهود وقف إطلاق النار وتهيئة الأجواء للانخراط في عملية سلام تفضي لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود يونيو/حزيران 1967.
من جهة أخرى وخلافاً لما يسوقه البعض من أن هناك رغبة خليجية في نزع سلاح حماس، قال مصدر "عربي بوست" إن اجتماع الرياض شهد تأكيداً على أهمية نزع هذا السلاح لكن مع الإعلان عن إقامة دولة فلسطينية.
وأشار إلى أن الدول الخليجية تعهدت بتمويل صندوق إعادة الإعمار، لافتاً إلى أن الدول العربية اتفقت أيضاً على دمج حركة حماس في منظومة السلطة الفلسطينية، لكن دون أن يكون المقابل هو تجريد المقاومة بشكل كامل من السلاح طالما أن الاحتلال الإسرائيلي قائماً.
بينما قال دبلوماسي فلسطيني لموقع "عربي بوست" إن حديث الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن إعادة ترتيب "حركة فتح" والعفو عن المفصولين، خطوة تأخرت كثيراً وكانت هناك مطالبات بها منذ عدة سنوات.
وكشف المتحدث أن الرئيس الفلسطيني استجاب لضغوطات عربية مورست عليه خلال الأيام التي سبقت انعقاد القمة العربية الطارئة في القاهرة، وأضاف أن المأمول هو إعادة وحدة "حركة فتح" ثم الاتجاه نحو عقد مصالحة فلسطينية شاملة بين مختلف الفصائل.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أنه من المنتظر إدخال تعديلات على منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تركيبتها مع وجود فصائل ممثلة في اللجنة المركزية، لكن "ليس لديهم حضور فعلي على أرض الواقع ينتمون إلى فصائل قد لا يتجاوز عددها 100 شخص داخل وخارج فلسطين".
ما بعد الاتفاق على الخطة المصرية
قال مصدر دبلوماسي مصري، فضل عدم ذكر اسمه، لموقع "عربي بوست" إن مخرجات القمة العربية الطارئة في القاهرة "حظيت بتوافق جميع الدول العربية وهو أمر من الصعب أن يتكرر، خاصة وأن هناك تفاصيل جرى الحديث عنها وليس مجرد الخروج بنقاط عامة" على حد تعبيره.
وأشار المتحدث إلى أن القاهرة لا تنظر إلى حجم حضور أو غياب الزعماء عن القمة بعد أن جرى التفاهم على غالبية مخرجاتها قبل انعقادها، وأن المهم بالنسبة للقاهرة هو كيفية تطبيق ما خرجت به القمة على أرض الواقع، وأكد المصدر أن المخاوف تنبع من العراقيل التي قد تضعها إسرائيل أو قد لا تلتزم بها الولايات المتحدة أو بعض الدول العربية.
حسب مصدر "عربي بوست" فإن القاهرة بالتنسيق مع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بدأت في نقاشات بشأن تشكيل لجنة وزارية عربية إسلامية ستكون مهمتها الدخول في مفاوضات مع دوائر أميركية مختلفة وصولاً إلى الرئيس دونالد ترامب بشأن خطة إعادة الإعمار وكذلك العملية السياسية المرتبطة بإدارة غزة.
كما أن البيان التحريضي الذي صدر عن إسرائيل بعد دقائق من بيان القمة العربية الطارئة النهائي، وأكدت من خلاله إسرائيل رفضها ما خرج عن القمة من مخرجات، جعل هناك قناعة بأن تنفيذ ما تم الخروج به من توصيات وقرارات في القمة العربية "لن يكون سهلاً".
وفق مصدر الموقع فإن الوفد الوزاري العربي الإسلامي وبعض القادة العرب على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، سيدخلون في مفاوضات شاقة مع واشنطن في ظل تشبثها بفكرة وجود غزة بلا حماس، دون أن تحدد ما إذا كانت تتحدث عن قيادات الحركة أم المنتمين إليها أم أنها تسعى لتفريغ القطاع كلياً من الفلسطينيين.

وأضاف المصدر الدبلوماسي أن هذه الخطوات سوف تواكبها إجراءات احترازية تتمثل في الذهاب إلى مجلس الأمن لطرح مسألة نشر قوات أممية فاصلة بين القطاع وإسرائيل، لضمان عدم حدوث احتكاكات من الجانبين واستغلال الموافقة الأممية على خطة إعادة الإعمار وبالتالي موافقتها ضمنياً على ما خرجت به قمة القاهرة.
وأوضح المصدر ذاته أن القمة العربية الطارئة خرجت ببيان ختامي لاقى قبولاً عربياً وفلسطينياً على كافة المستويات، "وهو ما يعد مقدمة إيجابية لإمكانية التحرك للتسويق إلى الخطة المتوافق عليها"، وقال المتحدث إن القاهرة تريد التسويق إلى مشروع سياسي كامل وليس فقط خطة إعادة إعمار.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في كيفية إقناع إدارة الرئيس دونالد ترامب الخطة المصرية دون أن يرتبط الأمر بممارسة ضغوط قد تجعله أكثر تشدداً في مواقفه، وفي الوقت ذاته ضمان التزام إسرائيل بتنفيذ ما توافق عليه الولايات المتحدة، من خلال تقديم ضمانات تحفظ أمن إسرائيل وفي المقابل لا تؤدي لتصفية القضية الفلسطينية.
بحسب المصدر ذاته فإن التعويل يبقى على العلاقة الجيدة بين ترامب ونتنياهو وقدرة الأول على فرض ما يتم التوصل إليه من تفاهمات، وأشار إلى أن تحركات الدول العربية لا تغفل زيادة وتيرة التنسيق العسكري بين واشنطن وتل أبيب والسماح بإمداد إسرائيل بأسلحة جرى حجبها في السابق من جانب إدارة الرئيس جو بايدن.
وعبّر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال كلمة له في القمة العربية الطارئة، عن ثقته في قدرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على تحقيق السلام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مبرزاً "يجب البناء على اتفاقية السلام مع مصر لدعم مسار السلام في المنطقة".
نجاح قمة القاهرة رهين بالمرحلة المقبلة
إن نجاح قمة القاهرة في تنفيذ مخرجاتها يتوقف على إمكانية الانتقال للمرحلتين الثانية والثالثة من وقف إطلاق النار، وهو أمر ليس بالسهل لكن قد يحدث، مع العلم أن إسرائيل تستخدم سلاح التجويع وتكثف من عمليات الاستهدافات الفردية للضغط على الدول العربية ودفعها نحو الضغط على حماس للتخلي عن سلاحها.
غير أن الواقع يشير، وفق مصدر "عربي بوست"، إلى أن إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة لا يرغبان في اندلاع الحرب مرة أخرى وأن المشكلة الأكبر تتمثل في إصرار واشنطن على رغبتها في تنفيذ خطة التهجير والتي تبدأ من الضفة الغربية ويتم تنفيذها فيما يتم توجيه الأنظار إلى قطاع غزة.
وشدد المصدر الدبلوماسي على أنه كان ينتظر من القمة العربية الطارئة بالقاهرة قرارات أكثر صرامة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي مثل قطع العلاقات الدبلوماسية أو وقف عملية التطبيع أو عدم تقديم تسهيلات لوجستية لمرور السفن الإسرائيلية أو الأميركية عبر الممرات المائية العربية.
لكن ذلك لم يتحقق بالرغم من أن بعض المقترحات التي جاءت من دول مثل الجزائر كانت قريبة من ذلك، وأن التباين كان حول مسألة طرح نشر قوات دولية باعتبار أن ذلك يساهم في تصفية القضية الفلسطينية لأنه فعلياً سوف يحجم سلاح المقاومة إن كان سينحيه جانباً بشكل نهائي.
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، قد أكد خلال مؤتمر صحفي، الثلاثاء 4 مارس/آذار 2024، أن القمة العربية الطارئة التي استضافتها القاهرة "كانت ناجحة وأن الخطة العربية حظيت بدعم الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي".
وأشار عبد العاطي إلى أن مصر عقدت لقاءات مع سفراء دول الولايات المتحدة الأميركية وروسيا واليابان والنرويج والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا لعرض تفاصيل الخطة، مع استمرار التواصل مع الجانب الأميركي لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وشدد المسؤول المصري على ضرورة أن تكون هناك ضمانات أمنية لمنع تكرار تدمير قطاع غزة، مع وضع ترتيبات سياسية وأمنية تضمن الاستقرار الدائم، مؤكدًا أن الخطة التي وافقت عليها الجامعة العربية "تقدم بديلاً عملياً لإعادة الإعمار ضمن جدول زمني واضح".