بصورة لافتة، تناولت العديد من المواقف والتصريحات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة ما قالت إنها ظاهرة تستحق اليقظة، تتعلق بتزايد تسلح الجيش المصري، بل إن بعضها ذهب أكثر من ذلك حين دعا للاستعداد لإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية مع مصر.
ويأتي ذلك في ظل جملة من التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة، وحالة البرود في العلاقة بين مصر وإسرائيل، وصولاً لتوترها في بعض الأحيان على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والرفض المصري المُعلن للخطة الأمريكية الإسرائيلية بتهجير فلسطينيي القطاع.
موقع "nziv" الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية والتسلّح، طالب جيش الاحتلال بتحضير خطة عسكرية أسماها "يقظة هارون" بهدف ردع مصر، تقوم على تنفيذ هجوم استباقي واسع النطاق، في استخلاص مبكر لإخفاقات الاحتلال أمام هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.
ووصفت المحافل الإسرائيلية مطالبة وزير الدفاع المصري عبد المجيد صقر لقوات الجيش الثالث الميداني، المكلف بتأمين مدن قناة السويس وسيناء وحدود غزة، بـ"الجاهزية القتالية"، بأنها "مسار تصادمي ضدها"، وزعمت أن صور الأقمار الصناعية تُظهر وجود مئات الدبابات المصرية بمدينة العريش.
معطيات وإحصائيات
منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، أصبحت القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال، المسؤولة عن الحدود مع مصر، أكثر حذراً وشكّاً في أي تهديد محتمل، ولم يعد أحد في المنظومة الأمنية الإسرائيلية يستبعد احتمال حدوث انقلاب مصري في التعامل تجاه إسرائيل.
طغى الحديث الإسرائيلي عن مصر خلال الأسابيع الأخيرة، ويمكن تقسيم الموضوعات الرئيسية التي كثر تناولها إلى عدة مواضيع، أهمها تعزيز جيشها وبناؤه العسكري، وسيطرتها على الحدود وآثارها، ونشر قواتها في سيناء، عقب تحديد جيش الاحتلال نشاطاً عسكرياً لها وسط سيناء.
حيث شهدت سيناء استعدادات لوجستية وبناء حواجز خرسانية تهدف لعرقلة المركبات المدرّعة الإسرائيلية، وبناء الأنفاق والجسور فوق قناة السويس، بما من شأنه تسهيل الانتشار السريع لقواتها في شبه الجزيرة، وعبر الحدود مع إسرائيل.
بلغة الأرقام، قدم منتدى التفكير الإقليمي الإسرائيلي جملة معطيات عن الجيش المصري، أهمها:
- ميزانيته 11.3 مليار دولار سنوياً، ثالث أكبر ميزانية بين الجيوش العربية، نسبتها 4.6% من ميزانية الدولة، فيما يبلغ المتوسط العالمي 2.6%.
- ترتيبه الـ12 عالمياً من حيث قدراته العسكرية، وجاهزيته القتالية، وثالث أكبر مستورد للأسلحة في عام 2020، وبلغ حجم صفقاتها بين 2014-2022 قرابة 50 مليار دولار.
- تعداده 1.2 مليون جندي، وقوته النارية الـ11 عالمياً، والثانية في الشرق الأوسط بعد تركيا، والأقوى في أفريقيا.
- يدير أسطولاً جوياً حديثاً، ومن أكبر مشغلي طائرات إف-16 في العالم، عددها بين 170-220 طائرة، وعشرات الطائرات بدون طيار، العديد منها ذات قدرات هجومية، والثالث عالمياً في عدد حاملات الطائرات، وقوته الجوية تضم 1054 طائرة مقاتلة من مختلف الأنواع، و294 مروحية.
- يحوز العديد من القنابل الذكية، وصواريخ جو-أرض، و330 صاروخ جو-جو، وسبعة أنظمة مضادة للطائرات، وثلاث كتائب من بطاريات صواريخ إس-300، و150-200 بطارية مضادة للطائرات إجمالاً، وآلاف المدافع المضادة للطائرات.
- في المجال البري، يحوز 3500-4900 دبابة من مختلف الأنواع، ويقدّر عدد المدافع بـ3200، وآلاف الشاحنات وناقلات الدبابات، وألف مركبة مضادة للألغام، يفوق عدد ما يحوزه كل جيرانها مجتمعين، بما فيها إسرائيل، بثلاثة أضعاف.
- يمتلك سادس أكبر سلاح بحرية في العالم، ويضمّ حاملتي مروحيات يمكنها حمل ثلاث فرق عسكرية معًا، وعشرات السفن، وثماني غواصات، وكميات كبيرة من الألغام البحرية.

حملة تحريض ممنهجة
أسماء إسرائيلية مرموقة قادت حملة التحريض الموجهة ضد الجيش المصري، تصدّرها السفير الجديد في واشنطن ياحيئيل لايتر، الذي زعم مؤخراً في لقاء مع منظمات يهودية، أنه "لفترة طويلة غضضنا الطرف عن التحركات العسكرية لمصر، هناك قواعد لا يمكن استخدامها إلا للأسلحة الهجومية، متهماً إياها بارتكاب "انتهاكات خطيرة" لاتفاق السلام، هذه قضية سنضعها على الطاولة في المستقبل القريب، وسنشدّد عليها بشدة".
هذه الكلمات قالها لايتر نهاية يناير/كانون الثاني قبل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن تم حذف الفيديو من شبكة الإنترنت على الفور، ربما خشية صبّ مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلاً بين القاهرة وتل أبيب، أو ربما بطلب من الإدارة الجديدة التي تمتلك علاقة وثيقة مع مصر.
فيما حذر داني دانون السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة قبل أيام، من تنامي الترسانة العسكرية لمصر، متسائلاً عن سبب إنفاقها لمئات ملايين الدولارات سنوياً في أسلحة متقدمة، رغم أنها لا تواجه أي تهديدات فورية، مما يجعل الحشد العسكري المصري يدعو للقلق.
وفيما قارن الصحفي الاستقصائي رفيف دروكر بين ما يقوم به الجيش المصري هذه الأيام، وما قام به قبيل اندلاع حرب 1973، فقد رصدت المحافل الإسرائيلية الجهود المصرية لزيادة تسليح الجيش، وتضمنت:
- بناء طرق سريعة تحت قناة السويس لنقل القوات بسرعة إلى سيناء، وإقامة بنى تحتية ذات طبيعتين: دفاعية وهجومية، ونشر البنية الأساسية لأنابيب الوقود والمياه الممتدة إلى عمق ألف متر.
- الشروع بحملة شراء عسكرية من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا والصين، واشترت أسلحة بين 2013-2023 أكثر مما اشترته في الأربعين سنة الماضية، مما أثار مخاوف إسرائيل من أن يؤدي ذلك لتفاقم الأزمة معها، وإثارة تساؤلات حول نواياها.
- توسيع المطارات العسكرية شرق القاهرة في سيناء والعريش، وبناء مخابئ وخزانات جديدة، ومضاعفة الذخيرة، والاحتياطيات وتخزين الوقود؛ وإنشاء سبعة أنفاق أسفل قناة السويس في الإسماعيلية وبورسعيد؛ واتساع طرق المرور الرئيسية في سيناء لطرق سريعة.
- عملية تحديث واضحة وتعزيز هائل للجيش: جوًا وبحرًا وبرًا بمليارات الدولارات، وتجهيزه بوسائل حربية متقدمة، واستثمار الموارد في تدريبه، وتحسين قدرته العملياتية، وبناء القواعد العسكرية.
يتساءل الإسرائيليون عن السبب وراء امتلاك مصر لهذا الكمّ من المعدات والأسلحة، ولماذا تحتاج إليها، وما الهدف من هذا الإنفاق الضخم عليها، مما دفع ديفيد غوبرين السفير السابق في القاهرة، الذي لم يكن بعيدًا عن حملة التحريض الجارية على الجيش المصري، لإصدار تحذير مما اعتبره تعاظماً في قوته التسلحية، واتهامه باستثمار مبالغ ضخمة لذلك، مطالبًا تل أبيب بأن تأخذ بعين الاعتبار القدرات التي تبنيها جارتها الجنوبية، وعدم الاعتماد على نواياها الإيجابية، خشية تغير أوضاعها الداخلية كما حصل بين 2011-2013.
في هذا السياق، يكرر الإسرائيليون "أسطوانة مشروخة" مفادها أن مصر تخالف الملحق العسكري في معاهدة كامب ديفيد، عقب إرسالها عددًا من قواتها المسلحة إلى سيناء أكبر مما نص عليه، وتستثمر مبالغ ضخمة لتعزيزها العسكري، رغم عدم وجود دولة تهدّدها، فقط لأنها ترى إسرائيل تهديدًا لها، وهي منشغلة كل عامٍ بالذاكرة الوطنية لانتصار 1973.
حتى أن يهودا بالانغا مستشار الأمن القومي الأسبق، زعم أن "مصر تقوم بتسليح نفسها كما لو أن هجومًا أجنبيًا على الطريق، معتبرًا تسليح جيشها بآلاف الدبابات ومئات الطائرات مسألة غير منطقية، في ضوء استمرار اعتبارها لإسرائيل بعد أكثر من أربعة عقود على اتفاق السلام، بأنها تهديد استراتيجي، وخصم محتمل، يستدعي تعزيزًا غير مسبوق لجيشها، والتدرّب على محاكاة "غزو العدو من الشرق"، والاستفادة مما حصل من هجوم حماس في السابع من أكتوبر على حدود غزة".
الحرب على غزة وتهجير الفلسطينيين
تزامن التحريض الإسرائيلي على الجيش المصري مع مطالبتها لاستيعاب مئات آلاف الفلسطينيين من غزة داخل أراضيها، بزعم أن مليونين سيعبرون الحدود إليها لن يكون لهم تأثير سلبي على دولة تجاوزت عتبة المئة مليون نسمة، وبدأ القلق المصري مبكرًا حين هدّد نتنياهو بأن حرب غزة "ستغير خريطة الشرق الأوسط للأبد"، مما أثار مخاوف القاهرة من أنه ينوي إفراغ القطاع من الفلسطينيين، ونقلهم إليها.
كما تصاعد التحريض الإسرائيلي على مصر عقب بدء العدوان على رفح، مما أثار مخاوفها من تخفيض مستوى علاقاتها الدبلوماسية، بعد إعلانها أنها ستنضم للالتماس الذي قدمته جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي، مما اعتُبر تدنّياً جديدًا في علاقاتهما.
السفيرة السابقة في القاهرة أميرة أورون، فسّرت الحملة الإسرائيلية المعادية بأنها ردّ فعل غاضب على مصر لأنها لم تفتح البوابات الحدودية لإخراج الفلسطينيين من غزة بداية الحرب، لكن الضجيج الجاري بشأن حرب وشيكة مع مصر يبدو مزعجًا، ويخلق اضطرابات واستياءً متبادلاً.
فيما أدلى الوزيران اليمينيان، المالية بيتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي إيتمار بن غفير، بتصريحات معادية تجاه مصر، واتهماها بتحمّل مسؤولية كبيرة عن هجوم حماس في السابع من أكتوبر، مما قد يمهّد الطريق لخطوة استراتيجية تتمثل بإلغاء اتفاق السلام معها، مقدمة لإعادة احتلال سيناء، وإعادة بناء المستوطنات فيها المخلاة في أعوام 1979-1982، وصولًا لـ"إعادة تشكيل إسرائيل كمملكة وإمبراطورية دينية".
روث واسرمان لاندا، نائبة السفير السابقة في مصر، والباحثة بمعهد "ميسغاف للدراسات الاستراتيجية"، ذكرت أن مصر بدأت بالتعبير عن نفسها بطريقة قاسية وغير معهودة في اليوم الأول من حرب غزة، مُعلنة أنه "إذا اقترب الجيش الإسرائيلي من رفح، فهذا أمر خطير للغاية، ولا يمكن الاستهانة به"، واليوم بعد أن أعلنت رفضها بكل وضوح لخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين، أرجأ السيسي زيارته للبيت الأبيض كخطوة رمزية.

الضغط الأمريكي والتغيرات الإقليمية
لم يقتصر تحريض إسرائيل على رصد الجيش المصري، وإبداء التخوف فقط من تنامي تسليحه، بل قدمت احتجاجات رسمية للولايات المتحدة عقب تزويدها مصر بمعدّات أمنية ورادارات، وصفقات أسلحة جديدة بنصف مليار دولار، مع أن مسؤولين مصريين حذروا مؤخراً من أن توقف المساعدات الأمريكية لبلادهم البالغة 1.3 مليار دولار سيهدد مستقبل السلام مع إسرائيل.
ظهر لافتاً أن تحظى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكلية الحربية المصرية خلال الحرب على غزة بتغطية إعلامية إسرائيلية لافتة، ونشر صورة حصرية واحدة فقط تُظهر الجنرالات المصريين يراجعون نقاط قوة وضعف دبابة ميركافا 4، فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية.
فيما حذر الجنرال يتسحاق بريك، قائد الكليات العسكرية الأسبق بجيش الاحتلال، من أن "ما شهدته غزة ولبنان في 2023-2024 أنسى الإسرائيليين جبهات أخرى، مثل مصر، التي أصبح جيشها الأقوى في الشرق الأوسط، وكل تدريباته موجهة نحونا، وقام بإعداد البنية التحتية للحرب داخل سيناء، وبات السلام بيننا في الوقت الراهن على حافة الهاوية، وبدأ المصريون يديرون ظهورهم لنا، ولديهم علاقات وثيقة مع تركيا والصين وإيران".
لعل ما يدعم الفرضية الإسرائيلية بنشوب حرب غير متوقعة مع مصر حقيقة أنها شهدت تغيّر نظامها السياسي مرتين خلال سنوات قليلة بداية العقد الماضي، مما يدفع إسرائيل للتفكير بجدّية في إمكانية انهيار اتفاق السلام معها بصورة تدريجية، الأمر الذي سيجعل النظام الجديد "المعادي" فيها يمتلك واحداً من أقوى الجيوش وأكثرها حداثة في الشرق الأوسط، في محاكاة لما حصل عند السقوط المفاجئ لنظام الأسد في الأسابيع الأخيرة.
في الوقت ذاته، يتخوف الإسرائيليون من أن تسعى مصر للحصول على دعم محور الدول المعارضة لهم، عربياً وإسلامياً مثل تركيا والسعودية ولبنان وسوريا والأردن، والدول الأوروبية الرافضة لخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة. ومع صعود قوة تركيا، وانهيار سوريا، وضعف المحور الإيراني، ربما تشعر مصر بالثقة الكافية للقيام بمثل هذه الخطوة.
حاييم كورين، السفير السابق في مصر، والمحاضر اليوم بجامعة رايخمان، والزميل بمعهد ميتافيم للدراسات الإقليمية، رصد "إرسال مصر في الآونة الأخيرة المزيد من قواتها المسلحة إلى سيناء، مما يُثير تساؤلات حولها على خلفية التغيرات في الشرق الأوسط، ومع وجود هذا الجيش الكبير قرب محور فيلادلفيا، يمكن السؤال عما إذا كان المصريون ينوون تغيير سياستهم، والانتقال إلى حالة حرب. صحيح أن الإجابة الفورية هي لا، لكن إسرائيل مطالبة بأن تكون دائماً في حالة تأهب واستعداد".
أما يوفال شتاينتس، وزير الشؤون الاستراتيجية الأسبق، الذي يترأس شركة "رافائيل" للتصنيع العسكري، فأعرب عن "قلقه من بناء القوة في مصر، صحيح أنه في الوقت الحالي هناك وضع جيد نسبياً في علاقاتنا، ولكن إذا أصبحنا ضعفاء يوماً ما، فإن جميع من في المنطقة سيغتنمون الفرصة، وحينها سيكون يوماً أسود".
الواقع الميداني المتوتر
ضباط إسرائيليون كبار كشفوا في تصريحات مؤخراً، وهم يستعيدون الهجوم المسلح الذي قتل فيه شرطي مصري في يونيو 2023 ثلاثة إسرائيليين على الحدود مع مصر، أن الجنود متأهبون في مواقعهم الحدودية مع مصر، وعيونهم مفتوحة لكل ما يحدث، لأن مصر مسألة معقدة وإشكالية، ولم نحلّ معضلتها بعد: هل هي حليفة أم عدوة، وما دوافعها للتعزيز العسكري "الجنوني"، لا سيما ما تشهده سيناء من عملية تسليح غير مسبوقة؟
فيما يراقب الإسرائيليون ما يتداوله المصريون عبر شبكات التواصل عن إمكانية الدخول في حرب خارجية مع إسرائيل، باعتبارها عدوّهم الأول، صحيح أن هذا لا يعني اندلاع الحرب غداً صباحاً، لكن إسرائيل تفهم أن أي حشد عسكري من هذا القبيل يشكّل قوة عسكرية أخرى قد تصبح في يوم من الأيام تهديداً لها.
أكثر من ذلك، يزعم الإسرائيليون أن مصر بدأت بحفر قرابة ستين من الأنفاق الضخمة، يبلغ قطر مدخلها سبعة أمتار، وطولها المحتمل عشرات الأمتار، بهدف تخزين الأسلحة الاستراتيجية، وإسرائيل لا تعرف في أي مكان تتسلح فيه مصر، أو تحفر فيه، أو تستثمر فيه رؤوس أموال ضخمة في المعابر والبوابات والذخيرة والوقود، وفي الممارسة العملية يستطيع الجيش المصري منع أي سفينة من الوصول إلى إسرائيل.
الاستجابة البطيئة للخطر القادم
إيلي ديكل، الضابط المسكون بهاجس تسلّح مصر، لا يُخفي قلقه من تزايد قوتها "غير الروتيني"، بل يتجاوز ذلك بكثير، زاعماً أن جيشها النظامي بات لديه اليوم 16 فرقة كاملة، ويمكن إحصاء عدد دباباتها في الصور الجوية، وأضافت للفرق النظامية دبابات وأسلحة جديدة، مما يدعو إلى السؤال: لماذا يحتاجون لكل هذا؟ ورغم أن ذلك ينبغي أن يثير قلق الجيش الإسرائيلي، فإنه لا يفعل شيئاً على حدّ علمي، وفق تعبيره.
هذا يعني أن حديث إسرائيل المتكرر عن تهديد الجيش المصري لها بسبب تعاظم قوته، من شأنه أن يخلف عواقب اقتصادية هائلة في زيادة ميزانيتها العسكرية، من حيث تمديد أيام الاحتياط، وزيادة ترتيب قوات الجيش بشكل كبير، والحاجة إلى تجديد الهيكل العسكري لجعله مناسباً للحرب مع جيش نظامي كبير، مع أنه لا يمكن لها أن تبني جيشاً هائلاً لهذا الحدّ.
يضع الإسرائيليون سيناريوهات خطيرة لتفسير حالة التعاظم التسلحي الجارية في الجيش المصري، أولها أن مصر ستغيّر وجهتها، سواء بسبب التوترات بشأن القضية الفلسطينية، أو لأسباب داخلية، وثانيها صعود نظام سياسي جديد في مصر بقيادة الإسلاميين، سيكون بين يديه بنية تحتية جاهزة لشن هجوم مفاجئ على إسرائيل، وثالثها أن إسرائيل تسير على الطريق إلى حرب مباشرة مع مصر، وهو السيناريو المرعب، رغم ما يقال علانية من أن السلام معها صمد أمام اختبارات وأزمات عديدة، لكن أي محاولة للقفز عن الواقع تعني المقامرة على وجود الدولة ذاته، التي لم تنسَ بعدُ ما واجهته في السابع من أكتوبر".
إيلي حزان، الضابط الكبير السابق في قسم الأبحاث بشعبة الاستخبارات العسكرية – أمان، ويتعامل مع الموضوع المصري على نطاق واسع، أكد أنه "بعد مفاجأة حماس في هجوم السابع من أكتوبر، وإخفاقنا أمامه، يجدر بنا أن نتعلم أنه لا ينبغي لنا أن نكون راضين عن أنفسنا، وألا ندفن رؤوسنا في الرمال، وندرك أن التهديد المصري المحتمل يشكل خطراً استراتيجياً كارثياً، لأننا نتحدث عن دبابات مصرية تتسابق بأقصى سرعة، في غضون ساعات قليلة، نحو بئر السبع، ومن هناك إلى وسط تل أبيب".
وفي ضوء عدم الاستقرار الذي يميز الشرق الأوسط، وانعكس في أحداث مصر نفسها منذ عام 2011، تتزايد الأصوات الإسرائيلية المطالبة بعدم تجاهل إمكانية وقوع أحداث مستقبلية قد تحدّ من ميزتها النوعية على مصر.
يوني بن مناحيم، محرر الشؤون العربية الأسبق في إذاعة الجيش، دعا إلى أن تُبقي إسرائيل عيونها وآذانها مفتوحتين فيما يتعلق بالجهد العسكري لمصر، لأنها تخوض سباق تسلح غير مسبوق، وعلى إسرائيل ألا تكون أسيرة لأي مفهوم يعتمد على واقع لحظي، ففي الشرق الأوسط تتغير الأمور في دقائق".
التخويف الخارجي لأغراض داخلية
مقابل هذا "السعار" الإسرائيلي تجاه تزايد تسليح الجيش المصري، اتهمت أوساط إسرائيلية الدوائر القريبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحكومة اليمين بتسريب مثل هذا التحريض، لإبقاء الجمهور في حالة ذعر دائم، مع أن التعاون الأمني مع القاهرة في ذروته.
وقبل سنوات فقط، وافقت إسرائيل على إدخال قوات عسكرية مصرية كبيرة إلى سيناء لمواجهة الجماعات المسلحة، ودعمت بيع أسلحة غربية متقدمة إليها، كالطائرات المقاتلة والغواصات، ونقلت إليها التقنيات العسكرية والاستخبارات العملياتية، بل قامت بتشغيل طائرات هجومية في سيناء بموافقتها، وهناك تنسيق أمني واسع النطاق بينهما، حتى لو ظلت العلاقات العسكرية تحت السطح.
البروفيسور أورن باراك، الخبير في شؤون مصر من قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، زعم أن "الجيش المصري مرتبط بإسرائيل كشريك تجاري واقتصادي لا يقل عن كونه حليفاً عسكرياً، فنحن نزودهم بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي من خزان "تمار"، ويعتمد المصريون عليه، من مستوى احتياطياتهم من النقد الأجنبي إلى استقرار شبكة الكهرباء المتعثرة أثناء موجات الحرّ القاتلة، ويستحيل فصل أمن الطاقة عن جوانب أخرى من الأمن يعتمد عليها الجيش".
الدوائر الأمنية رفيعة المستوى في تل أبيب، وإن لم تصرّح باسمها، أعربت عن اطمئنانها من عدم توفر نوايا عدوانية من مصر، ولم تسمع منها قرع طبول الحرب، بل ما سمعته من تصريحات تحدثت عن أهمية اتفاق السلام، رغم أنها تسلّح جيشها.
صحيح أن هجوم حماس في السابع من أكتوبر دفع الإسرائيليين إلى تناول التهديدات المحيطة بهم عبر منحى مختلف يطغى عليه الشك والريبة، لكن القناعة السائدة في صفوفهم، بعيداً عن الحملة الديماغوجية، أن تحويل مصر إلى عدو هو حماقة وخطأ استراتيجي، وإذا كان هناك إحباط منها على المستوى التكتيكي، يتعلق بخلافات آنية، فلا ينبغي أن يُترجم إلى أزمة استراتيجية، بل إن هناك ضرورة إسرائيلية لفهم المصلحة المصرية، وأخذ التوترات الأمنية في المنطقة بأسرها بعين الاعتبار.