تواجه الخطة المصرية بشأن قطاع غزة مجموعة من التحديات قبل عرضها خلال الاجتماع الخماسي العربي في العاصمة السعودية الرياض يوم الخميس 20 فبراير/شباط 2025، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل سلاح حركة "حماس" وأوضاع موظفيها في قطاع غزة، وكذلك كيفية التعامل مع العسكريين التابعين لها.
إلى جانب ذلك، هناك مسألة عدم التوافق على الطرح المصري بشأن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود 1967، باعتبار أن ذلك يشكل تنازلاً قبل البدء في مفاوضات حل الدولتين، وفق ما كشفته مصادر مطلعة على الخطة المصرية لـ"عربي بوست".
وقال مصدر دبلوماسي على صلة بالاجتماعات التي انعقدت أخيراً في القاهرة مع قيادات حركة حماس، إن الحركة، منذ أن طالت الحرب على غزة، وافقت على ألا تكون في صدارة المشهد السياسي، لكنها اشترطت أن تشارك في تسمية من يشاركون في إدارة القطاع عقب وقف الحرب، وهو أمر اعترضت عليه السلطة الفلسطينية.
يوضح مصدر "عربي بوست" أنه، بحسب الخطة المصرية، فإن تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة سيكون من جانب أحد وزراء الحكومة الفلسطينية المحسوبة على السلطة أو بمشاركة رئيس الوزراء محمد مصطفى، وهو ما قبلت به الحركة في الاجتماعات الأخيرة.
خلافات بشأن سلاح "حماس"
كشف مصدر لـ"عربي بوست" أن الخلافات ما زالت مستمرة حول مستقبل سلاح حركة حماس، إذ ترى الحركة أن نزعه سوف يمنح إسرائيل القدرة على تصفية القضية الفلسطينية بالقوة، لأنها لن تواجه ما تخشاه في غزة أو الضفة الغربية. وأشار إلى أن القاهرة تسعى إلى أن تضع هذه المسألة جانباً الآن لحين انتظار ردود الفعل على خطتها.
وأشار المتحدث إلى أن تفاصيل الخطة المصرية تتضمن إنشاء صندوق لدفع رواتب موظفي حماس في القطاع المدني بغزة، على أن يكون هذا الصندوق مخصصاً أيضاً لدفع رواتب العسكريين التابعين لها ممن يختارون التقاعد، لكن بقيت مشكلة من يدفع رواتب الأجهزة الأمنية والعسكرية في القطاع، مع اتجاه المقترح المصري إلى تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة على تلك الأجهزة.
تفاصيل خطة إعادة الإعمار
وشدد المصدر ذاته على أن الخطة المصرية تشمل إعادة إعمار قطاع غزة من خلال بناء مدن متنقلة، تبدأ بإنشاء خمس مدن ذات جغرافيا صغيرة ونقل السكان إليها، ثم الاتجاه إلى إنشاء خمس مدن أخرى لحين الانتهاء من إحياء كافة مدن القطاع، مشيراً إلى أنها سوف تستعين بشركات محلية وعربية وأوروبية، مع وضع نقابة المهندسين الخطط الهندسية التي يمكن الاعتماد عليها في التنفيذ.
وأوضح المصدر أن هذا المقترح بانتظار أيضاً تشكيل صندوق للتمويل، سوف تساهم فيه بعض الدول العربية الخليجية بمساعدة مصرية، وكذلك انتظار ما يمكن أن يصل من مساعدات عبر مؤتمر دولي لإعمار غزة، المزمع إقامته الشهر المقبل. وتعمل مصر بالتنسيق مع الأمم المتحدة في الوقت الحالي على آلية تدفق المساعدات الدولية.
يشرح المصدر أن البعد الأول إداري، ويتمثل في تشكيل لجنة لإدارة القطاع، ومن المتوقع أن يتم أخذ رأي حماس في عدد من الممثلين داخلها، على أن تكون مهمتها تنظيم الحياة في الداخل، ومحاولة إدارة أوضاع القطاع نحو توفير احتياجات المواطنين، ومساعدتهم على أن يثبتوا على الأرض، وتقديم يد المساعدة للجهات القائمة على إعادة الإعمار، وتسهيل مهمة استعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
ويتضمن البعد الثاني، وفقاً للمصدر ذاته، إعادة الإعمار، وبحسب الخطة، فإن ذلك يتم من خلال بناء مدن متنقلة بإنشاء خمس مدن صغيرة في الجغرافيا ونقل السكان إليها، ثم البدء في بناء مدن أخرى وهكذا حتى يكتمل المشهد. وسيكون الأمر بحاجة إلى تشكيل لجنة عربية ودولية خاصة بمؤتمر إعادة الإعمار في مارس، لتكون عملية الإعمار متجددة، مع تأهيل الطرق وشبكات المياه والكهرباء وإنشاء مدن صغيرة.
وأشار المتحدث إلى أن البعد الثالث هو بعد سياسي، عبر إعادة طرح إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حدود الرابع من يونيو/حزيران للعام 1967، مع إدخال قوات عربية وأجنبية لتقوم بمهمة تأمين الحدود الفاصلة بين إسرائيل وفلسطين، على أن تقوم هذه القوات بإعادة تأهيل القوات الأمنية الفلسطينية.
وقال المصدر إن هذا المقترح يواجه اعتراضات من بعض الفصائل وكذلك من دول عربية أخرى، باعتبار أن القاهرة ستكون قد قدمت الخيار الأسوأ، وسيكون من الصعب التفاوض حوله لأن البديل هو عدم وجود دولة.
![الحرب خلفت دمارا هائلا في قطاع غزة/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2024/12/whatsapp-image-2024-05-10-at-09-58-00.jpeg)
من سيدير قطاع غزة مستقبلاً؟
كان مصدر مصري قد أعلن، في وقت سابق، في تصريحات لفضائية "القاهرة الإخبارية"، أن حركة حماس لن تشارك في إدارة قطاع غزة في الفترة القادمة، وكشف عن وجود اتصالات مصرية مكثفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية الإغاثة وإعادة إعمار القطاع، مشيراً إلى أن "حركة حماس تؤكد التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث".
في المقابل، لا تبدو السلطة الفلسطينية متحمسة لفكرة "لجنة الإسناد المجتمعي"، التي ستجمع شخصيات مجتمعية وتصدر بمرسوم رئاسي فلسطيني، إذ تراها رام الله تكريساً للانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال منظومتين منفصلتين للإدارة.
وقال أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، جبريل الرجوب، في تصريحات صحافية، إن السلطة ترفض مناقشة فكرة اللجنة، ووصفها بأنها "مقدمة لتكريس الانقسام"، مشدداً على التمسك بما أسماه "وحدة الحكومة والنظام". وأضاف الرجوب: "نتمنى على حماس أن تقول أهلاً بالحكومة والسلطة لتولي مسؤولياتها في غزة".
تنسيق عربي ودولي
وقال مصدر دبلوماسي مصري آخر، إن هناك توافقاً على تقسيم الأدوار العربية، وإن الاجتماع الخماسي في الرياض سوف يسفر عن مزيد من التنسيق بين دول (مصر، الإمارات، السعودية، قطر، الأردن) إلى جانب السلطة الفلسطينية. ومن المتوقع أن يتولى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، مسألة إقناع ترامب بضرورة إقامة دولة فلسطينية، وإن كان ذلك بمحددات يتم التوافق عليها بين الدول العربية من جانب، والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر.
وأكد المصدر ذاته أن مصر لديها رؤية تعافٍ مبكر للقطاع قبل البدء في تنفيذ خطتها، وسوف تعمل خلال الأيام المقبلة على تأهيل البنية التحتية وإصلاح شبكات الطرق الرئيسية والمياه والصرف الصحي، مع وضع أسس لبناء اقتصاد محلي إلى جانب تلبية الاحتياجات الإنسانية على نحو أكبر مما هو سائد.
وأشار المصدر إلى أن ذلك يصطدم حتى الآن برفض إسرائيلي، ولعل ذلك ما دفع الجيش المصري إلى إعادة تموضعه في شبه جزيرة سيناء ضمن إجراءات تهديدية قد تأخذ منحى تصاعدياً خلال الأيام المقبلة، والمستهدف إدخال المئات من الكرفانات التي ما زالت متوقفة بالقرب من معبر رفح. وهناك جهود دبلوماسية تُبذل حالياً لتحريك مشهد إعادة الإعمار بخطوات إجرائية مبدئية.
ولفت المصدر ذاته إلى أن الخطة المصرية تُعد مكملة، وليست بديلاً عن العمل الإغاثي الفاعل في قطاع غزة، وهناك قناعة مصرية بأن التوافق على خطة عربية مع الولايات المتحدة وإسرائيل سيكون بحاجة إلى مزيد من الوقت، ما يجعل المهمة في تلك الفترة صعبة للغاية، لأن الهدف هو أن يثبت الفلسطينيون على أراضيهم وسد الباب أمام الخطط الإسرائيلية التي تهدف إلى تسهيل خروجهم من القطاع.
المواجهة الدولية لعمليات التهجير
وهناك معركة دولية ستدور رحاها في الأروقة الدولية للتأكيد على أهمية تطبيق القانون الدولي والتعامل مع دعاوى التهجير من منظور قضائي وإنساني، باعتبارها دعاوى مجرَّمة وتُعد من جرائم الحرب والتطهير العرقي التي تُرتكب بحق المواطنين الفلسطينيين على مرأى من العالم.
وذكر المصدر أن القاهرة سوف تتصدى لمحاولات استمرار إسرائيل في سياسة التجويع والحصار، والضغط عليها لعدم استخدام البروتوكول الإنساني كوسيلة لتقليل احتياجات المجتمعات الفلسطينية على أراضيها. قبل ذلك، سيكون الضغط مضاعفاً على دولة الاحتلال من خلال التوافق العربي الكامل على الخطة المصرية في اجتماع الرياض، وهو ما سيتم طرحه أيضاً خلال اللقاءات التي سيجريها وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لدول المنطقة، والتي بدأت الأحد.
وشدد المتحدث على أن الدول العربية ستلجأ أيضاً إلى البلدان الأوروبية ومواقف الأمم المتحدة للترويج للخطة بعد التوافق عليها، وإزالة أي شوائب قد تعرقلها. وهناك رغبة في أن يكون التوافق على المستوى الفلسطيني أولاً، ثم المستوى العربي ثانياً، وفي تلك الحالة يمكن الضغط عبر التلويح بمسار تجميد عملية السلام، وغيرها من أساليب الضغط، في ظل المصالح الأمريكية في المنطقة، والتي تعمل مصر والدول الخليجية على الحفاظ عليها، مع التأكيد على أن إسرائيل لن تكون بمنأى عن أي تطورات إقليمية، وسيتعرض أمنها للتهديد أيضاً.
![الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/2025-02-04t220331z_1128330216_rc2xncarno6b_rtrmadp_3_usa-israel-scaled.jpg)
وصول وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة
وصل وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الأحد، إلى إسرائيل في أول زيارة له إلى منطقة الشرق الأوسط منذ توليه منصبه، ومن المتوقع أن يجري محادثات مع القادة الإسرائيليين، لمناقشة مقترح الرئيس دونالد ترامب للسيطرة على قطاع غزة، بحسب الوكالة الفرنسية.
وتتزامن الزيارة مع إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية، الأحد، عن وصول شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية ليلاً إلى إسرائيل، وقالت الوزارة: "تم استلام وتفريغ شحنة من القنابل الجوية الثقيلة التي أرسلتها الحكومة الأمريكية مؤخراً، خلال الليل في إسرائيل". وكانت إدارة ترامب قد أمرت مؤخراً بإرسال قنابل من نوع "إم كيه مارك 84" إلى إسرائيل.
ومن المفترض أن تشمل زيارة روبيو في وقت لاحق السعودية والإمارات، وذلك بعد ساعات من إتمام عملية تبادل الرهائن الإسرائيليين والسجناء والمعتقلين الفلسطينيين السادسة، ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وبحسب مصدر أمني مصري، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، فإن مصر نجحت في الأيام الماضية في المضي قدماً باتجاه تنفيذ بنود اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل، واستطاعت أن تفرمل عملية إعلان التعبئة الإسرائيلية نحو استئناف الحرب.
لكن الخطر ما زال داهماً، وإذا مرت أزمة تسليم الرهائن هذه المرة، فقد لا تمر في المستقبل، وهو ما يجعل خيارات استئناف الحرب حاضرة في أذهان الدولة المصرية، التي تعمل بالتوازي مع خطتها لتثبيت الفلسطينيين على أراضيهم، كما توجه استعداداتها اقتصادياً وعسكرياً تحسباً لأي عوارض مستقبلية قد تمس أمنها بشكل مباشر.
وأشار إلى أن القاهرة ترفض الصدام مع حماس، ولكن في الوقت ذاته تبحث عن بيئة يمكن من خلالها إنجاح تنفيذ خطتها، كما أنها مطالبة بألّا تخسر الدول العربية الشريكة لها في عملية إعادة الإعمار، وبعضها لديه رغبة في إقصاء حركة حماس بشكل كامل من سلطة قطاع غزة، وهي مسارات صعبة ستكون بحاجة إلى توافق، وهناك بصيص أمل مع إعلان الحركة عدم رغبتها في تصدر المشهد السياسي، لكن المشكلة تكمن في التفاصيل.
وذكر أن الاحتلال يمسك بورقة إعادة الإعمار كوسيلة لإبعاد حماس عن غزة، ويدفع نحو عرقلة دخول المعدات الثقيلة والكرفانات لهذا السبب، كنوع من الضغط على حماس. وأضاف أن الدول العربية بحاجة إلى مواجهة إدارة ترامب وإسرائيل بخطة سلام مقابلة تمنع إقصاء حماس من السلطة، لأن إبعاد الحركة سيكون من وجهة نظر إسرائيل تحقيقاً لأحد أهدافها المهمة.