كشف مسؤول عن الإنتاج داخل الشركة المتحدة للخدمات لـ"عربي بوست" أن "المتحدة" مقبلة على قرارات صعبة في الفترة المقبلة بسبب الاستعداد لإنعاش "ماسبيرو"، التي كانت تعيش لحظاتها الأخيرة قبل الإغلاق.
وعلى عكس ما كان متوقعاً، من المنتظر أن يعود اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري "ماسبيرو" في الفترة المقبلة، بعدما كان الاستعداد جارياً لإغلاق جزء أكبر من قنواته البالغ عددها 23 قناة وعشرات المحطات الإذاعية.
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أحمد المسلماني، "عودة ماسبيرو" وتطوير قنواته، في الوقت الذي يجري فيه تسليط الضوء على الخسائر التي تكبدتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية منذ نشأتها قبل ما يقرب من عشر سنوات، مع تقديرات تشير إلى أن حجمها بلغ 20 مليار جنيه.
وقبل أيام، نفض المسلماني الغبار عن المسرح الخاص بالتلفزيون المصري، الذي ظل مغلقاً لأكثر من عشر سنوات، ونظّم احتفالية كبرى تزامناً مع الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم.
وبعد أن جرى إبعاد التلفزيون الحكومي عن تغطية الحفلات المختلفة، التي تولت إذاعتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على قناة "الحياة"، حضر التلفزيون الرسمي فعالية ذكرى رحيل أم كلثوم.
وخلال الاحتفال، الذي شهد تكريم أبطال مسلسل "أم كلثوم" بعد 25 عاماً على إنتاجه، في إشارة إلى إمكانية عودة الإنتاج الحكومي المباشر للمسلسلات، أُضيء برج القاهرة بشعار "عودة ماسبيرو" باللون الأبيض.
قرارات داخل الشركة المتحدة للإنتاج
كشف المسؤول عن الإنتاج داخل الشركة المتحدة للخدمات أن هذه الأخيرة تستعد للإعلان عن خطة تقشف يجري الإعداد لها منذ التعديلات التي أُدخلت على مجلس إدارة الشركة، وسترى النور بشكل تدريجي خلال الأيام المقبلة.
وأضاف المتحدث، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن هذه الخطة ستشهد إقالة عدد من المسؤولين داخل الشركة، سواء من رؤساء تحرير بعض المواقع أو القنوات أو رؤسائها، مع بدء تخفيض رواتب القيادات العليا، إلى جانب الانكماش على مستوى إنتاج البرامج المقدمة وكذلك المسلسلات التي تنتجها الشركة.
وقال إن العاملين في الشركة المتحدة، الذين جرى انتدابهم ضمن برامج تطوير التلفزيون المصري، سيتم الاستغناء عنهم، فيما سيتم توزيع البعض الآخر على القنوات المختلفة، وذلك بعد أن عادت القناة الأولى والفضائية المصرية لإشراف التلفزيون الرسمي.
كما أن لجنة الدراما، التي جرى تشكيلها مؤخراً داخل الشركة المتحدة، تعكف حالياً على مراجعة جميع الأعمال المقرر عرضها في شهر رمضان، بعدما قررت تقليص عدد المسلسلات من 30 إلى 25، ومن الممكن تقليص العدد مرة أخرى، مع الاعتماد بشكل أكبر على إنتاج المسلسلات القصيرة المكونة من 15 حلقة.
![احتجاجات سابقة للعاملين بمبنى ماسبيرو / أرشيف](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/276026096_10222966828772020_2596219436417711952_n.jpg)
وأشار المصدر ذاته إلى أن التفكير الآن ينصبّ على إعادة هيكلة وتبعية القنوات التابعة للشركة المتحدة، وسيكون هناك قرارات تمهد لإمكانية إسناد إدارة القنوات المتنوعة، والتي يعد أبرزها "سي بي سي" و"أون إي" و"دي إم سي"، إلى رجال أعمال، على أن تتبع النواحي الإشرافية للشركة المتحدة.
وأكد أن نموذج الإنتاج المشترك مع شركات الإنتاج الخاصة يمكن تكراره في إدارة القنوات، بما يخفف من تكاليف مصروفاتها، وفي الوقت ذاته يضمن القائمون على ملف الإعلام المصري أنها لن تخرج عن إطار رؤية الجهات الرسمية للرسائل التي تقدمها.
وتمتلك الشركة المتحدة فضائيات: "دي إم سي"، "الحياة"، "سي بي سي"، "إكسترا نيوز"، "المحور"، "الناس"، "أون"، "تايم سبورتس"، "النادي الأهلي"، و"نادي الزمالك"، إضافة إلى برامج "القناة الأولى" و**"الفضائية المصرية"**، ومحطات إذاعية هي: "شبكة راديو النيل"، "ميغا إف إم"، "نغم إف إم"، "شعبي إف إم"، "راديو هيتس"، و"راديو 9090″، إلى جانب العديد من المواقع الصحفية.
شعار "عودة ماسبيرو" من الصعب تطبيقه
من جهته، كشف مصدر مطلع في التلفزيون المصري لـ"عربي بوست" أن شعار "عودة ماسبيرو" من الصعب تطبيقه وفقاً للإمكانيات الحالية، إذ هناك حاجة لإعادة تجهيز غالبية استوديوهات ماسبيرو، وباستثناء قطاع الأخبار، فإن باقي الاستوديوهات تعاني حالة يُرثى لها، بسبب إهمالها لما يقرب من 14 عاماً منذ اندلاع الثورة على الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وقال المصدر إن كثيراً من الكوادر لم تعد موجودة داخل المبنى، إما لأنهم جرى تطفيشهم والتحقوا بالعمل في فضائيات أخرى، أغلبها ضمن الشركة المتحدة أو في فضائيات عربية، أو لأنهم أُحيلوا إلى المعاش، وهناك حاجة إلى تجديد شباب ماسبيرو تزامناً مع عملية التطوير.
وأطلقت "الهيئة الوطنية للإعلام"، المسؤولة عن إدارة ماسبيرو في مصر، أخيراً عملية تطوير واسعة تحت شعار "عودة ماسبيرو"، وفقاً لبياناتها الصحفية، وكان أبرز هذه القرارات إنتاج "بودكاست ماسبيرو" رسمياً عقب شهر رمضان لمواكبة الصعود الكبير لهذا النوع من العمل الإعلامي.
وبحسب المسلماني، سيقوم التلفزيون المصري بإنتاج مجموعة من البرامج السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والشبابية والرياضية.
وأطلق المسلماني على قنوات النيل المتخصصة، التي يبلغ عددها 12 قناة، اسم "موليوود"، معتبراً أن الاسم يعبر عن الريادة والصناعة الإبداعية المصرية، التي عُرفت بـ**"هوليوود الشرق"**.
وتضمنت القرارات الجديدة تغيير اسم قناة "نايل سينما" لتصبح "موليوود سينما"، ودمج قناتي "نايل دراما" و**"نايل كوميدي"** في قناة "موليوود دراما"، على أن يتم دمج قناتي "الأسرة والطفل" و**"النيل لايف"** في قناة واحدة، وهي القرارات التي ستدخل حيز التنفيذ خلال الفترة المقبلة.
وتسعى القيادة الجديدة لماسبيرو إلى استغلال الأرشيف المرئي والمسموع من خلال التجهيز لإقامة مؤتمر الأرشيف الوطني بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية، على أن يبدأ ماسبيرو في تدشين عدد من المشروعات الاستثمارية التي يتم العمل عليها حالياً؛ بما يسهم في توفير عوائد لماسبيرو تساعد في جهود التطوير، بحسب ما أكده المسلماني.
تغيير المسؤولين عن الإعلام سبب إنقاذ ماسبيرو
وأضاف المصدر ذاته أن ماسبيرو يمكن أن يجمع المواطنين حوله بإنتاج برنامجين أو ثلاثة قد يشكلون عوامل جذب جديدة للتلفزيون الحكومي، لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع حتى الآن.
وحسب المصدر نفسه، كان من المنتظر إنتاج برنامج توك شو ينافس الفضائيات الأخرى، وكذلك تخصيص ميزانيات لإنتاج برامج سياسية تتماشى مع سخونة الأحداث الراهنة، لكن ذلك لم يتحقق بعد، كما هو الحال مع البرامج المذاعة على قناة النيل للأخبار.
أما الحديث عن تقديم برنامج بودكاست، فلا تزال آليات عمله وإنتاجه غير واضحة، وما إذا كان سيتم بثه إذاعياً أم تلفزيونياً أم على المنصات الرقمية للتلفزيون المصري، ومعظمها ليست مسجلة بشكل رسمي.
وشدد المصدر على أن المبنى ذاته بحاجة إلى إصلاح شامل، يشمل الإنشاءات، وأماكن استقبال الضيوف، ومكاتب العاملين، والأجهزة المستخدمة في تصوير وإنتاج البرامج.
كما أن هناك مشكلة كبرى في البث الخارجي، مع تراجع عدد سيارات البث الخارجية، إلى جانب تهالكها وعدم تطويرها بالشكل المطلوب خلال الخمس سنوات الماضية، رغم المطالب المتكررة من العاملين في التلفزيون المصري، والتي قوبلت في الغالب بالرفض نتيجة عدم توفر الميزانيات.
![مبنى ماسبيرو في العاصمة المصرية القاهرة / Getty images](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/gettyimages-906875804.jpg)
وكشف المصدر أن رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، ينوي زيارة ماسبيرو، مما يؤكد سعي الحكومة لإصلاحه وتطوير المحتوى الذي يقدمه.
وأشار إلى أن هذا التغيير يرجع إلى تبدّل القيادات الرسمية المشرفة على الإعلام المصري، حيث جاءت قيادات جديدة ترى ضرورة تطوير التلفزيون الرسمي ليظل بمستوى قريب من قنوات الشركة المتحدة.
في حين أن ماسبيرو، خلال السنوات الماضية، شهد تجريفاً ممنهجاً، وكان الحديث قبل أشهر عن إمكانية نقله أو إغلاق معظم قنواته، والاكتفاء بأربع أو خمس قنوات فقط، لكن الوضع تغير الآن.
الأوضاع داخل ماسبيرو كانت تتجه نحو الانفجار
ومؤخراً، التقى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مع رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أحمد المسلماني، وأكد أن "عودة ماسبيرو لسابق عهده يعد حلماً نأمل جميعاً تحقيقه"، مشدداً على دعمه لهذه الجهود لتحقيق المستهدفات المطلوبة، مع متابعة الملفات المطروحة للتطوير، وذلك في إطار دعم الدولة للإعلام الوطني.
وتحدث المسلماني أمام لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء، عن "رؤية متكاملة لتحديث ماسبيرو من حيث الشكل والمضمون"، تشمل:
- إضاءة عدة مواقع داخل الهيئة، من محطات إذاعية وتلفزيونية.
- إحياء دور ماسبيرو في الإنتاج الإعلامي.
- تعزيز حضور ماسبيرو في وسائل التواصل الاجتماعي.
- إنتاج برامج وثائقية، وبرامج للأطفال، وبرامج دينية، وقنوات فنية.
- دعم إذاعات مثل القرآن الكريم وصوت العرب.
تدهور أوضاع العاملين في ماسبيرو
وبحسب مصدر آخر داخل ماسبيرو، فإن الأوضاع داخل المبنى العريق، قبل تولي المسلماني، كانت تتجه نحو الانفجار، حيث شهد تظاهرات عديدة، بعضها تم الإعلان عنه، والبعض الآخر لم يتم تسليط الضوء عليه، بعد تعرض العاملين داخله لإهانات قاسية.
وقال المصدر إن الرواتب لم تشهد أي زيادات منذ سنوات، كما أن المحالين للمعاشات لم يحصلوا على مكافآت نهاية الخدمة، ومن سمحت لهم الحكومة بالانتقال إلى وظائف حكومية أخرى تم بخس حقوقهم، وبعضهم نُقل إلى أرشيف مؤسسات حكومية، في حين وجد آخرون أنفسهم بلا عمل، نتيجة تعقيدات روتينية حكومية.
وأضاف المصدر ذاته أن الصدام بين الحكومة وآلاف العاملين في المبنى كان حتمياً، وما يحدث الآن هو محاولات للتهدئة واتخاذ إجراءات شكلية، دون انعكاس حقيقي على المحتوى الإعلامي، الذي يُعد الوسيلة الأهم لجذب الجمهور.
وأشار إلى أن استمرار التلفزيون بنفس السياسات التحريرية الصارمة، والتركيز المفرط على التدقيق في المحتوى، لن يحقق المرجو من شعار "عودة ماسبيرو"، وسيبقى الوضع كما هو دون تقدم حقيقي.
وحذر المصدر من أن الهدف الحقيقي مما يحدث قد يكون تصفية حسابات داخلية، عبر إبعاد بعض الشخصيات المحسوبة على جهات معينة، مع الإيحاء بوجود "تطوير"، مما قد يسمح بتسريح عدد من العاملين في "الشركة المتحدة"، تحت ذريعة الاعتماد على التلفزيون الرسمي لمخاطبة الجمهور، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف الإعلام المصري بشكل عام.
وأشار إلى أن خسائر ماسبيرو، التي بلغت أكثر من 35 مليار جنيه قبل خمس سنوات، تراجعت الآن بشكل كبير، نتيجة تقليص العمالة، وخفض الإنتاج البرامجي، وتوقف الإنتاج الدرامي، حيث انخفضت الخسائر إلى 10 مليارات جنيه حالياً، في حين أن خسائر "الشركة المتحدة" تجاوزت 20 مليار جنيه في سنوات قليلة، وفق ما تم نشره إعلامياً.
وأكد المصدر أن القوة البشرية داخل ماسبيرو تفوق تلك الموجودة في قنوات وصحف "الشركة المتحدة"، مما يجعل هناك إمكانية لإنتاج محتوى جيد، بتكلفة أقل، مقارنة بما يتم إنفاقه على قنوات "الشركة المتحدة"، خاصة أنها لم تحقق أهدافها.
وقال إن هذه النقطة تعد فرصة قوية للعاملين في ماسبيرو، حيث يمكنهم إثبات جدارتهم مجدداً، شريطة أن تتوفر لهم الإمكانات والمناخ المناسب لتحقيق ذلك.
خسائر ماسبيرو في أرقام
قبل خمس سنوات، أعلنت الحكومة المصرية أن خسائر ماسبيرو بلغت نحو 48.3 مليار جنيه، ما يمثل 32.1% من إجمالي الخسائر المُرحلة للهيئات الاقتصادية، التي بلغت 150.4 مليار جنيه.
وفي عام 2022، صرح حسين زين، الرئيس السابق للهيئة الوطنية للإعلام، بأن خسائر ماسبيرو بلغت 12 مليار جنيه، بينما كشف الجهاز المركزي للمحاسبات العام الماضي أن خسائر التلفزيون الرسمي بلغت نحو 10.5 مليار جنيه، ما أثار غضباً برلمانياً واسعاً، بسبب عدم الإفصاح عن الأسباب الحقيقية وراء تراكم هذه الديون، رغم التراجع الحاد في تأثير الإعلام الحكومي.