كما تسببت الحرب الدائرة في السودان في قتل وإصابة وتشريد الآلاف، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية والمنازل، لم تسلم عشرات المعالم الأثرية والتاريخية من آلة الحرب المستمرة منذ أعوام، وهو ما جعل الأمم المتحدة تدعو مرارًا لإنقاذ المعالم الأثرية السودانية من التدمير على يد قوات الدعم السريع.
كان آخر ما تم تدميره على يد قوات الدعم السريع في السودان أحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة الفاشر، وهو قصر السلطان علي دينار، الذي يُعد رمزًا من رموز الهوية الثقافية والتاريخية للسودان. وقد ارتبط اسمه بالسلطان علي دينار، الذي قاوم الاستعمار البريطاني وسعى للحفاظ على استقلال دارفور في بدايات القرن العشرين.
في هذا التقرير نرصد أهم المعالم الأثرية والتاريخية التي دمرتها الحرب في السودان، خاصة أنها معالم ذات تاريخ طويل ولا يعلم الكثيرون عنها شيئًا.
بدايات الحرب
بدايات التدمير في الحرب السودانية كانت في الخرطوم، التي دُمّر فيها ما لا يقل عن 33 ألف بناية، وفق ما قاله مسؤولون سودانيون آنذاك. كان من هذه المباني بنايات تعود إلى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، أبرزها بنايات جامعة الخرطوم التي كانت تُعرف بكلية غوردون، والتي أُسست عام 1904م. كما تضرر أيضًا القصر الرئاسي القديم.
القصر الرئاسي القديم
يعود تأسيس القصر إلى محو بك أورفلي، وأُعيد بناء القصر من الطوب الأخضر في عهد الحكمدار علي خورشيد باشا (1826-1838). يتألف القصر من 3 أدوار، خصص البريطانيون الأولى لمكاتبهم الإدارية والاستقبال، أما الثانية فلسكن الحاكم العام ومكتبه، والثالثة للخدمات والإدارة.
يؤدي درج خارجي لولبي إلى الأدوار الثلاثة، فيما تمتد أمامه حدائق كبيرة تضم أصنافًا شتى من الأشجار والنباتات والأزهار، زُرعت في حقب مختلفة. وللقصر 3 أجنحة، منها جناح رئيسي قبالة النيل الأزرق يمتد شرقًا وغربًا، وآخران في الغرب والشرق.
يضم القصر متحفين يقعان في نهاية الحدائق بالطرف الجنوبي لمبانيه، أحدهما مخصص للسيارات التاريخية، والآخر كنيسة بُنيت عام 1904. غير أن الرئيس السوداني السابق جعفر نميري بنى كنيسة أخرى خارج القصر، وضم الأولى لتصبح متحفًا لمقتنيات القصر، ومنها بيانو يعود إلى الجنرال البريطاني تشارلز غوردون، ومكتب يخص إسماعيل الأزهري، وهدايا رئاسية وعرض بانورامي لتاريخ السودان، فضلًا عن أسلحة تعود إلى عهود مختلفة ولوحات.
تبلغ مساحة المتحف الكلية نحو 7,160 مترًا مربعًا، فيما تبلغ مساحة المبنى الداخلي 835 مترًا، بطول 50 مترًا وعرض 13 مترًا وارتفاع 13 مترًا، بحسب ما ذكره موقع القصر الجمهوري.
أما متحف السيارات، فيضم عربات بعضها دخلت الخدمة في السودان عام 1935، ومنها سيارات من نوع "رولزرويس"، استقلها كبار ضيوف البلاد منذ استقلالها في 1956. ويضم القصر مكتبة أيضًا تحوي مخطوطات ووثائق نادرة تشمل مختلف عهود الحكم في السودان، علاوة على كتب.
وفي الطرف الشمالي للقصر، قبالة النيل الأزرق، اعتاد السودانيون لعقود على رؤية ضباط حرس الشرف "الحرس الجمهوري"، بألوان أزيائهم المميزة بالأسود والأبيض، يقفون بانضباط وصرامة أمام البوابة الشمالية للقصر.
المتحف القومي السوداني
المتحف القومي السوداني كان من المباني الأخرى التي تعرضت للتدمير، حيث تعرض لأضرار كبيرة، خاصة سقف الهيكل المعدني الذي يقع في الحديقة، والذي يضم معبد بوهين الذي يعود إلى 1200 عام قبل الميلاد، ومعبد أكشا.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، قالت هيئة الإذاعة السودانية إن قوات الدعم السريع نهبت متحف السودان القومي في العاصمة الخرطوم، وهرّبت بعض القطع الأثرية إلى خارج البلاد عبر حدودها الجنوبية.
فما هو المتحف القومي السوداني؟
يُعد المتحف القومي السوداني أحد أهم المؤسسات الثقافية في السودان، ويقع في العاصمة الخرطوم. يُعتبر مركزًا رئيسيًا لحفظ وعرض التراث الثقافي والتاريخي للسودان. يضم مجموعة واسعة من القطع الأثرية التي تعكس تاريخ البلاد الغني والمتنوع. وقد تم تأسيسه في عام 1971، ويقع بالقرب من نهر النيل في الخرطوم.
كانت مهمة المتحف هي الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للسودان وعرضه للجمهور، بما في ذلك السياح والباحثين. يضم المتحف قسمًا خارجيًا يحتوي على حديقة كبيرة تحتوي على آثار معمارية ضخمة، مثل المعابد النوبية التي تم إنقاذها من مناطق الفيضانات قبل بناء السد العالي في مصر. ومن أبرز المعروضات الخارجية معبد سمنة غرب ومعبد بوهين، اللذان تم نقلهما من شمال السودان.
كما يضم المتحف قسمًا داخليًا يحتوي على قاعات عرض متنوعة تعرض قطعًا أثرية تعود إلى فترات تاريخية مختلفة، بما في ذلك العصر الحجري، الذي يعرض أدوات حجرية ورسومات صخرية.
أما ما يتعلق بالحضارة النوبية، فيضم تماثيل وأواني فخارية وحُليًّا تعود إلى مملكة كوش ومروي، والفترة المسيحية التي تعرض لوحات جدارية وقطعًا أثرية من مملكة المقرة.
أما الفترة الإسلامية، فتُعرض مخطوطات وعملات وأدوات تعكس الثقافة الإسلامية في السودان، والفترة الحديثة التي تعرض قطعًا تعكس تاريخ السودان في القرنين التاسع عشر والعشرين. بالإضافة إلى ذلك، توجد قاعة المومياوات التي تعرض مومياوات تعود إلى العصور القديمة.
متحف التاريخ الطبيعي
تعرّض متحف التاريخ الطبيعي لأضرار شديدة بسبب قربه من مقر القيادة العامة للجيش. يعود تاريخ افتتاحه إلى عام 1958. يضم حيوانات نادرة قُتلت بسبب الجوع والعطش، وأخرى محنطة منقرضة، وبذور نباتات وعينات لصخور وأعشاب نادرة تم نهبها أيضًا. لكن الكارثة الكبرى كانت فقدان سجلات المتحف.
يُعتبر المتحف مؤسسة علمية وثقافية تهدف إلى دراسة وعرض التنوع البيولوجي والجيولوجي في السودان. يقع متحف التاريخ الطبيعي في الخرطوم، العاصمة السودانية، ويتبع لجامعة الخرطوم، وهي أقدم جامعة في السودان. تم تأسيس المتحف في عام 1929، مما يجعله واحدًا من أقدم المتاحف في السودان. كان الهدف الرئيسي من إنشائه هو جمع وعرض العينات الطبيعية التي تعكس التنوع البيولوجي والجيولوجي في السودان.
يضم المتحف قسم علم الحيوان، الذي يعرض مجموعة واسعة من الحيوانات المحنطة، بما في ذلك الثدييات والطيور والزواحف والأسماك. كما يضم هياكل عظمية لحيوانات مختلفة، مما يوفر نظرة على التشريح المقارن. وهناك أيضًا قسم علم النبات، الذي يعرض عينات من النباتات المختلفة التي تنمو في السودان، بما في ذلك الأعشاب والأشجار والنباتات الطبية.
متحف الآلات الموسيقية
تم تدمير متحف الآلات الموسيقية بالكامل واختفت وأُحرقت مقتنياته. كان المتحف يضم أكثر من 150 آلة موسيقية من كافة أنحاء السودان. تم تأسيس المتحف في عام 1997، وأصبح عضوًا في المجلس الدولي للمتاحف عام 2017.
يُعتبر المتحف مكانًا فريدًا يعرض تراثًا موسيقيًا غنيًا يعكس التنوع الثقافي والتاريخي للسودان. يقع متحف الآلات الموسيقية في الخرطوم، العاصمة السودانية. وهو جزء من المؤسسات الثقافية التي تهدف إلى الحفاظ على التراث السوداني.
تم تأسيس المتحف بهدف جمع وحفظ وعرض الآلات الموسيقية التقليدية والحديثة التي تُستخدم في مختلف أنحاء السودان. يعكس المتحف تاريخ الموسيقى السودانية وتطورها عبر العصور.
يضم المتحف قسم الآلات التقليدية، الذي يعرض مجموعة واسعة من الآلات الموسيقية التقليدية التي تُستخدم في مختلف المناطق السودانية، بما في ذلك الطبول، مثل طبلة الدلوكة والطار، والآلات الوترية مثل الطنبور والربابة، والآلات الهوائية مثل المزمار والناي، والآلات الإيقاعية مثل الكاسر والرِق. وهناك أيضًا قسم الآلات الحديثة وقسم الوسائط المتعددة.
يُعتبر المتحف مرجعًا مهمًا لفهم التراث الموسيقي السوداني وتنوعه. ويوفر فرصًا تعليمية للطلاب والباحثين المهتمين بالموسيقى والثقافة السودانية، كما يجذب السياح المهتمين بالثقافة والموسيقى من جميع أنحاء العالم.
متحف بيت الخليفة في أم درمان
المتحف هو مقر إقامة الخليفة عبد الله بن محمد التعايشي، وقد طاله التدمير أيضًا. بُني الطابق الأرضي كسكن عام 1888 والطابق العلوي عام 1891، وتحول إلى متحف عام 1928. تعرض لعملية تخريب وسرقة شملت معظم محتوياته التي تؤرخ لحقبة المهدي وخليفته، حيث فقدت سُبحة عثمان بن دقنة وسيوف الأمير أبو قرجة.
يُعتبر واحدًا من أهم المتاحف التاريخية في السودان، حيث يعكس فترة مهمة من تاريخ البلاد، خاصة خلال عهد الدولة المهدية (1885-1899). يقع بيت الخليفة في مدينة أم درمان، التي كانت عاصمة السودان خلال عهد الدولة المهدية.
المبنى جزء من التراث التاريخي والثقافي للسودان. تم بناء بيت الخليفة في أواخر القرن التاسع عشر، تحديدًا عام 1887، بأمر من الخليفة عبد الله التعايشي، وكان المبنى بمثابة مركز لإدارة الدولة المهدية.
يضم المتحف قاعات تعرض مجموعة من القطع الأثرية والوثائق التاريخية التي تعود إلى عهد الدولة المهدية. تشمل المعروضات الأسلحة، الملابس، الأدوات المنزلية، والمخطوطات. تضم قاعة الخليفة عبد الله التعايشي متعلقات شخصية له، بما في ذلك ملابسه وأسلحته ومكتبته، ما يوفر نظرة على حياة الخليفة وأسلوب إدارته للدولة. كما توجد قاعة المهدية التي تعرض تاريخ حركة المهدية، وتشمل وثائق تاريخية وخرائط ورسائل تعود إلى تلك الفترة.
هناك أيضًا قاعة المعارك، التي تعرض تفاصيل عن معارك قوات المهدية، بما في ذلك معركة كرري عام 1898 التي أدت إلى سقوط الدولة المهدية. تحتوي القاعة على أسلحة، دروع، وخرائط للمعارك. في الحديقة الخارجية توجد بعض الآثار المعمارية، مثل بقايا الأسوار والبوابات من عهد الدولة المهدية.
متحف نيالا
ذكرت منظمة "تراث من أجل السلام" أن سطح متحف نيالا في ولاية جنوب دارفور أصيب بأضرار بالغة، مما يعرض مقتنياته من القطع الفخارية والمجوهرات والأدوات الأثرية للخطر. كذلك الحال بالنسبة لمتحف السلطان بحر الدين في مدينة الجنينة غرب دارفور.
يقع متحف نيالا في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور في غرب السودان. يُعتبر المتحف مركزًا ثقافيًا مهمًا في المنطقة، حيث يعرض تراث دارفور الغني والمتنوع. تأسس المتحف بهدف جمع، حفظ، وعرض التراث الثقافي والتاريخي لمنطقة دارفور.
يعكس المتحف تاريخ وثقافة القبائل المختلفة التي تسكن دارفور، بما في ذلك الثقافات المحلية، التقاليد، والفنون. يضم المتحف أقسامًا متنوعة، منها قسم تاريخي، قسم ثقافي، قسم للفنون والحرف، وقسم للتاريخ الطبيعي.
جزيرة مروي
رصد عدد من الأثريين انتهاكات في مواقع ولايتَي نهر النيل والشمالية. تضم المنطقة آثارًا تعود للحقبة المروية، وجزيرة مروي تُعتبر من أهم المواقع في السودان على قائمة التراث العالمي.
جزيرة مروي منطقة تاريخية وأثرية مهمة في السودان، وهي واحدة من أبرز المواقع التي تعكس حضارة مملكة كوش النوبية. تقع الجزيرة في شمال السودان بين مدينتي شندي وأبو حمد، وتشتهر بوجود أهرامات مروي الشهيرة. الجزيرة تقع في ولاية نهر النيل وتحيط بها مياه نهر النيل من ثلاث جهات، ما يعطيها شكل الجزيرة، وتبعد حوالي 200 كيلومتر شمال شرق العاصمة الخرطوم.
كانت الجزيرة عاصمة مملكة كوش النوبية، التي تُعتبر واحدة من أقدم الحضارات في العالم. اشتهرت مروي بصناعة الحديد والتجارة مع الحضارات المجاورة، مثل مصر، اليونان، وروما.
تشتهر أيضًا بأهراماتها الملكية، التي تختلف عن أهرامات الجيزة في مصر من حيث الحجم والتصميم. أُدرجت أهرامات مروي كموقع تراث عالمي من قبل اليونسكو عام 2011.
جزيرة صاي
تمكن مجهولون من نبش أكثر من 50 مقبرة بجزيرة صاي شمال السودان. منذ عام 1904، بدأت بعثة فرنسية الكشف عن آثارها، وعثرت على تواجد بشري يعود إلى عصور ما قبل التاريخ. "صاي" كلمة نوبية تعني المخزن، وكانت الجزيرة مخزنًا للتمور، وعُثر بها على مقبرة مصرية قديمة تُشير إلى العلاقات المصرية السودانية التاريخية.
تقع الجزيرة في نهر النيل بين مدينتي دنقلا ووادي حلفا، بالقرب من الحدود المصرية السودانية. تحتوي على آثار تعود لفترات مختلفة، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ، الفترة النوبية، والمسيحية.
دار الوثائق السودانية
تعرضت دار الوثائق السودانية، التي تجاور منطقة الخرطوم العسكرية، لأضرار جسيمة. الدار تضم 3 ملايين وثيقة موزعة على 200 مجموعة، منها 80 ألف وثيقة تعود لسلطنات الفونج، الفور، وحقبة المهدي.
تأسست دار الوثائق السودانية بهدف جمع وحفظ الوثائق التاريخية والإدارية التي تعكس تاريخ السودان. تقوم بجمع الوثائق من جهات حكومية ومؤسسات خاصة. تشمل الوثائق مراسلات رسمية، تقارير، معاهدات، خرائط، وقوانين. تعمل الدار على حفظ الوثائق بطرق علمية حديثة لضمان بقائها للأجيال المقبلة.