متى يستفيد السوريون من موارد الطاقة؟ مسار تفاوض بين قسد ودمشق، وأمريكا وتركيا أبرز الفاعلين فيه

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/25 الساعة 17:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/25 الساعة 17:48 بتوقيت غرينتش
النفط في سوريا غالبيته مع قسد المدعومة أمريكياً/ رويترز

يظل مصير موارد الطاقة من الغاز والنفط في سوريا، وإمكانية استفادة السوريين منها موضع تساؤل، بينما تتواصل الجهود الرامية إلى إقامة نظام جديد في سوريا بعد الحرب التي دامت 13 عاماً، وجهود إعادة الإعمار بعد سقوط نظام بشار الأسد، ومحاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان.

بحسب الخبراء الذين تحدثوا لـ"عربي بوست" في هذا التقرير، فإن معظم حقول الغاز الطبيعي في البلاد كانت تقع في مناطق سيطرة النظام السوري، فيما تقع غالبية حقول النفط في المناطق الشمالية الشرقية الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

على مدار سنوات، تم بيع النفط المستخرج تحت إشراف قوات سوريا الديمقراطية إلى مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، حتى الإطاحة بنظام الأسد. 

فما هي موارد الطاقة في سوريا، ومن يسيطر عليها، وما دورها في العملية السياسية المستقبلية في البلاد، وموقف تركيا منها؟

النفط في سوريا

بحسب تقرير مركز أبحاث استراتيجيات وسياسات الطاقة التركي (TESPAM) صدر في كانون الأول/ديسمبر 2024، تبلغ الاحتياطيات المحتملة لسوريا بنحو 7 مليار برميل.

أضاف التقرير أن حزام النفط والغاز في البلاد يبدأ من شمال شرق سوريا، ويستمر باتجاه الجنوب الغربي في ضوء الحقول المكتشفة. 

بينما تحظى محافظتا الحسكة ودير الزور بأكبر قدر من الاهتمام، من حيث الاحتياطيات والإمكانات النفطية، هناك أيضاً حقول نفط وغاز مكتشفة في الرقة، على الرغم من صغر حجمها نسبياً.

في حلب وغربها، توجد آبار عُثر فيها على شواهد نفطية نتيجة الحفر، وهو الحال كذلك في حمص، التي توفر جزءاً كبيراً من إنتاج الغاز في سوريا. 

وتبرز أيضاً حلب باعتبارها المنطقة التي لديها أكبر احتياطات غاز في سوريا.

بحسب التقرير سابق الذكر، فإن هناك 12 حقلاً حول الحسكة، 4 منها عبارة عن حقول مكثفات غاز.

يبلغ إجمالي احتياطي المكافئ النفطي 1.3 مليار برميل. 

تشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من 4.5 مليار برميل من احتياطيات المكافئ النفطي في 25 حقلاً، أحدها مكثفات الغاز، بين القامشلي والمالكية، وفي منطقة دير الزور. 

وتفيد بوجود 1.1 مليار برميل من احتياطيات النفط المكافئ في إجمالي 12 حقلاً.

مسار تفاوض بين قسد ودمشق بشأن النفط في سوريا/ رويترز
مسار تفاوض بين قسد ودمشق بشأن النفط في سوريا/ رويترز

من يسيطر على حقول النفط السورية؟

محمد شاتاي غولر الباحث في جامعة بيلكنت في أنقرة، قال إن موارد الطاقة في سوريا حظيت بأهمية كبيرة لكل من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية منذ اليوم الأول للحرب. 

على الرغم من أن البلاد لا تمتلك احتياطيات طاقة كبيرة وعالية الجودة، إلا أن كمية الإنتاج حينها كانت يمكن أن تلبي الإمدادات المحلية، وحتى تصديرها قبل عام 2011. 

أضاف غولر في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه مع وصول تنظيم الدولة إلى السلطة في المنطقة، والاستيلاء على غالبية موارد الطاقة، بدأت التوازنات تتغير في كامل المنطقة. 

لكن التغير الأكبر بحسب الباحث التركي جاء في الفترة التي تلت عام 2014، حينما استولت الولايات المتحدة الأمريكية وقوات حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب التي استخدمتها كعناصر وكيلة لها في الميدان تدريجياً على هذه الموارد التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة، واكتسبت ميزة استراتيجية على حساب نظام الأسد. 

يرى غولر أن "حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب لايزال يسيطر على 70% من موارد الطاقة في البلاد، وأن السبب الرئيس لهذا الوضع هي الولايات المتحدة الأمريكية".

قبل عام 2010، كان إجمالي إنتاج النظام من الطاقة حوالي 28 مليون طن من النفط، وفي عام 2015، انخفض هذا المعدل إلى 4.68 مليون طن مكافئ نفط. 

بالنظر إلى إنتاج النفط اليومي في العام ذاته فإن هناك انخفاض من 416 ألف برميل إلى 35 ألف برميل، بعد تراجع النظام السوري من مصدر للنفط إلى دولة تعتمد على الخارج. 

بالإضافة إلى ذلك، انخفض إنتاج الغاز الطبيعي السنوي إلى النصف (من 8.3 مليار متر مكعب إلى 4.3 مليار متر مكعب). 

ومع مكاسب قوات سوريا الديمقراطية بعد عام 2015، انخفضت هذه البيانات أكثر، ففي عام 2017، انخفض الإنتاج من النفط إلى 25 ألف برميل يوميا.

أمريكا وموارد الطاقة السورية

لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً بارزاً في سيطرة "قسد" على معظم مصادر الطاقة في سوريا. 

في تصريح بارز للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال فترة رئاسته الأولى عام 2019 قال: "لقد قمنا بتأمين النفط، ولهذا السبب سيبقى عدد قليل من الجنود الأمريكيين في المناطق التي يوجد بها النفط، وسنقوم بحماية النفط". 

وأضاف: "سنقرر لاحقاً ماذا سنفعل بالنفط". 

بعد هذا التصريح، أفادت بعض مصادر الأخبار الروسية، مثل وكالة "ريا نوفاستي"، بأن الولايات المتحدة كانت تكسب مليون دولار يومياً من النفط السوري، لذلك لن يرغبوا في التخلي عن هذه الموارد. 

من ثم أعلن العديد من خبراء ومحللي الطاقة، أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة هو النفط السوري، وأنها حققت أرباحاً كبيرة من هذا النفط. 

مع ذلك، فإن هذه القراءات خاطئة تماماً بحسب محمد شاتاي غولر، الذي يرى أنه على الرغم من أن النفط في عموم سوريا والمناطق الخاضعة لسيطرة "قسد" يكفي البلاد، إلا أنه ليس ذا قيمة مقارنة بالدول الأخرى من حيث الاحتياطيات والجودة. 

وقال: "يبلغ احتياطي النفط السوري 2.5 مليار برميل في المجمل، وبالنظر إلى التكاليف اليومية التي تتحملها الولايات المتحدة في المنطقة، يمكن ملاحظة مدى انخفاض قيمة المليون دولار التي يتم الحصول عليها من النفط". 

مع ذلك، فإن المبالغ التي كسبتها "قسد" ضد الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة كانت لها أهمية استراتيجية كبيرة من حيث بقائهم وتمويلهم الخاص. 

النفط في سوريا يمكن أن يساهم في إعادة الإعمار بحاول تحرره/ رويترز
النفط في سوريا يمكن أن يساهم في إعادة الإعمار بحاول تحرره/ رويترز

مع ذلك، فإن مشكلة أمن إمدادات الطاقة التي واجهها النظام السوري السابق؛ تحولت إلى مكسب كبير للولايات المتحدة، التي تحتفظ بالنفط تحت سيطرة "قسد".

وقال غولر: "في نهاية المطاف، سيكون من الضروري تحرير هذه الموارد، التي تقع تحت سيطرة عناصر قسد على المدى المتوسط ​​والطويل، واستخدامها من أجل مستقبل الشعب السوري".

وتابع: "في حال نجاح ذلك، ستنخفض تكلفة إعادة الإعمار في سوريا، وسيتم استخدام الموارد الطبيعية السورية لصالح الشعب السوري، بدلاً من تمويل الإرهاب".

الطاقة ومسار المفاوضات

ديفيد باتر، الخبير في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) ومقره لندن، قال في تصريحات لهيئة "بي بي سي" البريطانية، إنه على الرغم من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على هذه الحقول؛ فإن عمليات البيع تم خلال السنوات الماضية لمختلف أصحاب المصلحة في سوريا، من خلال مجموعة "قاطرجي" المعروفة بقربها من إدارة الأسد.

كانت مجموعة قاطرجي، بقيادة الأخوين حسام ومحمد براء قاطرجي، مدرجة على جدول الأعمال لسنوات، مع مزاعم بأنها تدعم انتهاك نظام بشار الأسد للعقوبات الدولية، فضلاً عن تجارة النفط في سوريا.

قُتل محمد براء قاطرجي في غارة جوية، يعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي نفذها بالقرب من دمشق في يوليو/تموز 2024، ولم يصدر عن تل أبيب بيان يؤكد أو ينفي ذلك.

أكد باتر الباحث البريطاني، أنه على الرغم من ارتفاع إنتاج النفط في البلاد، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لحل مشاكل سوريا الاقتصادية بشكل كامل؛ موضحاً: "لن يكون النفط أبداً مصدراً رئيساً لعائدات التصدير، ولكن إذا أمكن تطويره، وتحقيق مستوى ملموساً من الإنتاج، فسوف يقلل ذلك من الحاجة إلى الواردات النفطية".

الباحثة المشاركة أرزو يلماز، عضو هيئة التدريس في جامعة هولير بأربيل في إقليم شمال العراق، ترى أن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على كل من الموارد النفطية في الشمال الشرقي والأراضي الزراعية في هذه المنطقة ونهر الفرات، هي مزايا تعزز موقفها في المفاوضات مع دمشق.

خلال مشاركة يلماز في برنامج على موقع "يوتيوب"، قالت إن "مسألة كيفية تقاسم السيطرة على الموارد شرق الفرات ربما تكون قد طرحت في المفاوضات الأخيرة بين الإدارة الجديدة في سوريا وقوات سوريا الديمقراطية".

ترى يلماز أنه يمكن دمج منطقة الحكم المتفرقة في سوريا إدارياً وعسكرياً مع المركز في دمشق، لكن تقاسم الموارد سيكون هو الأصعب وربما الأكثر صعوبة "وهذه المشكلة الأهم التي يتعين حلها"، وفق قولها.

تابعت بأن الخطاب "القاسي وغير المتهاون" الذي تبنته تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية قد لا يعكس الواقع الميداني، وعملية التفاوض.

وأوضحت يلماز أن قوات سوريا الديمقراطية تحتاج إلى تركيا لبيع النفط الذي تنتجه إلى السوق الدولية، وفي هذا السياق، اتخذ الطرفان موقفاً من خلال النظر "ليس فقط إلى موارد الطاقة، ولكن أيضاً سيطرتهما الحالية والمحتملة على ممرات الطاقة".

تعتقد يلماز أن الولايات المتحدة عازمة على إنهاء وجودها العسكري في المنطقة، مشيرة إلى أن دونالد ترامب، الذي تولى منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، كان طرفاً في توقيع الاتفاق مع تركيا الذي أوقفت فيه أنقرة عمليتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عام 2019.

أضافت الباحثة في جامعة هولير أن "السيناريو المثالي، هو أنه عندما تنسحب الولايات المتحدة عسكرياً من هناك، فستعهد بالأمر إلى شخص هو حليف في الناتو وتتفق معه بشكل جيد؛ وهي الصفات التي تنطبق على تركيا"، وفق اعتقادها. 

لكنها تتابع بالقول: "إن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة ستكون واضحة اعتماداً على العملية الجارية حالياً في سوريا". 

وتمتلك الولايات المتحدة، التي تتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (SDF) قواعد عسكرية خاصة في محيط المنشآت النفطية بمنطقة دير الزور، وبحسب بيان البنتاغون بعد سقوط نظام الأسد، فإن هناك ألفي جندي أمريكي في هذه القواعد.

"مليون برميل نفط يومياً"

يرى رئيس TESPAM أوغوزهان أكينير، في تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن استمرار سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على موارد النفط والمياه في شمال شرق سوريا "يؤدي إلى زيادة مشاكل البلاد فيما يتعلق بالطاقة والمياه والأمن الاقتصادي".

بحسب أكينر، سيكون من الممكن جذب الاستثمارات الدولية إلى حقول النفط بمجرد قيام قوات "قسد" بتسليم أسلحتها وبسط الأمن في المنطقة.

وقال: "في حال استعادة المناطق النفطية من قسد، يجب التخطيط للتشريعات المتعلقة بالنفط وعمليات الترخيص وعمليات الإنتاج، كل ذلك في عملية إنشاء الدولة، وبعد ذلك، يجب مشاركة التراخيص في المنطقة، لتبدأ الشركات في عمليات الإنتاج".

وأشار أكينر، إلى أنه بعد هذه العملية، وإذا تم تنفيذ طرق التصدير عبر تركيا، يمكن أن يصل إنتاج النفط اليومي إلى 150-200 ألف برميل، دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة. 

وتابع: "سوريا ستكون قادرة على الوصول إلى إمكانات إنتاج يومية تبلغ مليون برميل في السنوات الخمس المقبلة من خلال وضع حقول جديدة في الإنتاج".

وأضاف أنه لهذا السبب، يجب إجراء عمليات مثل إعادة تأهيل الحقول الحالية، وإدخال الحقول التي ليست في الإنتاج إلى الإنتاج، والقيام بالاستثمارات، ومد خطوط الأنابيب".

بالإشارة إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على قطاع الطاقة في سوريا، وخاصة صناعة النفط، في عهد نظام الأسد، يرى أكينر أن "العديد من الدول الغربية بدأت إقامة اتصالات مع الحكومة الجديدة في سوريا ما يعد مقدمة لرفع الحظر على أي حال، ولكن حتى لو بقي الحظر، فإن تركيا ستكون قادرة على خلق فرصة لبيعها بأي شكل من الأشكال". 

أشار رئيس مركز TESPAM أيضاً إلى أن خط أنابيب النفط الممتد إلى اللاذقية سيكون الطريق الأكثر منطقية والأسرع للمضي قدما من أجل جلب النفط إلى تركيا، ومعالجته، وتحويل بعض منه إلى منتجات، وتلبية احتياجات سوريا من الطاقة على الفور.

وقال: "يمكن العمل على ربط خط الأنابيب بتركيا، ونقل النفط مباشرة إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط". 

نقلاً عن الحسابات المتعلقة بعائدات النفط السورية، ذكر أكينر أنه إذا زاد إنتاج البلاد اليومي من النفط إلى مليون برميل خلال السنوات الخمس المقبلة، فإن نصفه تقريباً سيذهب إلى تكاليف الاستثمار، ويمكن أن يدر دخلاً سنوياً يتراوح بين 21 و22 مليار دولار. 

وقال أكينر: "هذا رقم صغير بما يكفي لعدم إثارة شهية اللاعبين العالميين، ولكنه كبير بما يكفي لإعادة بناء الدولة هناك، ويمكن للشركات التركية تنفيذ جميع أنواع التفاصيل الدقيقة في سوريا من البداية إلى النهاية في هذه العملية والمساهمة في سوريا"، على حد قوله.

يشار إلى أنه في عام 2010، مثّل النفط خُمس الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، ونصف صادراتها، وأكثر من نصف إيرادات الدولة. 

وكانت سوريا تنتج 390 ألف برميل نفط يوميا، قبل أن يتراجع في 2023 إلى 40 ألف برميل يومياً، بحسب وكالة الأناضول.

وتسعى حكومة تصريف الأعمال في سوريا، إلى تنفيذ العديد من الخطوات الإصلاحية في إدارات ومؤسسات الدولة المختلفة، بهدف إعادة هيكلتها وتطويرها بما يناسب تطلعاتها في إعادة بناء الدولة، بعد إسقاط نظام بشار الأسد، وذلك بحسب تصريحاتها لوسائل الإعلام.

تحميل المزيد