كشفت مصادر ليبية لـ"عربي بوست" أن مقاطع الفيديو التي تم تسريبها خلال الأيام الماضية من أحد أشهر سجون شرق ليبيا، سجن قرنادة، وتتضمن تعذيباً وحشياً لمعتقلين ليبيين، يقف وراءها معتقلون ليبيون سابقون، استطاعوا الخروج من ليبيا بعد أن أُفرج عنهم، ثم سلموا مقاطع الفيديو لنشطاء حقوقيين ليبيين لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم تتلقفها وسائل الإعلام الليبية.
المصادر قالت لـ"عربي بوست" إن الأشخاص الذين ظهروا في الفيديوهات التي تم تسريبها من سجن قرنادة الليبي هم سوريون وليبيون تم القبض عليهم خلال محاولة خليفة حفتر اقتحام العاصمة الليبية طرابلس عام 2019، وتم نقلهم بعد ذلك إلى بنغازي وسجنهم في السجن "سيئ السمعة" قرنادة.
فيما كشفت المصادر أن هناك ثلاثة مصريين ماتوا تحت التعذيب في سجن قرنادة في فترة سابقة، ولم يتم الإعلان عنهم من جانب السلطات المصرية، بالإضافة إلى سوري واحد.
سجن قرنادة
يقع سجن قرنادة في شرق ليبيا، بالقرب من مدينة البيضاء، ويطلق عليه صيدنايا الشرق، في إشارة إلى سجن صيدنايا السوري ذي السمعة السيئة في الانتهاكات ضد المعتقلين السوريين في عهد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ويعد سجن "قرنادة" من أكثر السجون الليبية سوءاً في السمعة والصيت.
ناشطون شبّهوه بسجن "#صيدنايا السوري".. مشاهد مسربة لتعذيب معتقلين في سجن "قرنادة" بـ #ليبيا تثير غضبا وانتقادات حقوقية واسعة pic.twitter.com/07MlnkDXbo
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) January 14, 2025
على مدى السنوات الماضية، واجه سجن قرنادة انتقادات من منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، منها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي أكدت أنها قابلت 73 سجيناً، وكشفت عن إرغامهم على الاعتراف بجرائم خطيرة تحت التعذيب، وأوضحت أن السجناء تعرضوا لانتهاكات واسعة، من بينها "غياب الإجراءات السليمة والرعاية الطبية"، كما كشفت عن احتجاز أطفال دون سن الثامنة عشرة داخل السجن.
وينقسم مجمع سجن قرنادة، بحسب المنظمة، إلى "قسم تُديره وزارة العدل الخاضعة شكلياً لإشراف حكومة الوحدة الوطنية، وآخر تديره الشرطة العسكرية للقوات المسلحة العربية الليبية، ومنشأة ثالثة أنشئت حديثاً تديرها سرية 2020 التابعة للقوات نفسها برئاسة محمد بن إدريس التاجوري".
المعتقلون وأشكال التعذيب حصل "عربي بوست" على معلومات تفصيلية عن سجن قرنادة، تضمنت عدد المعتقلين الذي يتراوح ما بين 700 إلى 1000 معتقل، بينهم أشخاص لديهم أحكام براءة منذ خمس أو أربع سنوات ولم يتم إطلاق سراحهم، وبعضهم قضى مدة المحكومية أو العقوبة منذ سنوات، وكذلك لم يتم إطلاق سراحه.
كما تشرف على سجن قرنادة الشرطة العسكرية التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية (جيش حفتر)، ويرأسه حالياً الرائد عبدالحكيم بالط، والعقيد محمد التاجوري التابع للواء طارق بن زياد، والمقرب من صدام حفتر الذي يسيطر على السجن وله نفوذ كبير.
أما بخصوص أنماط وأنواع التعذيب، وفق ما حصل "عربي بوست" من تفاصيل مروعة حول التعذيب في سجن قرنادة:
- نزع الملابس بالكامل ووضعية البروك لمدة تتراوح بين ست إلى سبع ساعات متواصلة، وبعدها الضرب بمواسير المياه البلاستيكية وأسلاك الكهرباء على الظهر والأفخاذ.
- الضرب بسلك نحاسي سميك في مقدمته قطع نحاس شبيهة بالمخالب، وعندما تلمس الجلد تغرس فيه وتسبب جروحاً عميقة والتهابات.
- الضرب بأدوات مختلفة مثل كراسي الحديد ومواسير المياه الحديدية أو معدات ميكانيكية على الرأس، ولا يتوقف عن الضرب إلا عند نزول دم من الرأس.
- الوضع انبطاحاً على الأرض عارياً، ويمشي الحراس فوق ظهر المعتقلين ويضربونهم بالعصي.
- الدحرجة عراة، ويُطلب من المعتقلين إهانة أنفسهم والتلفظ بألفاظ نابية مثل "أنا كلب، أنا حيوان" وغيرها.
- تقليد حركات الكلب والنباح وتنفيذ أوامر الحراس، مثل لعق الأرض أو إحضار شيء من مكان بعيد، مثل الأوامر التي تُصدر للكلاب.
- الركل بالأرجل والأحذية العسكرية على البطن والمؤخرة بقوة، والضرب بالأيدي على الوجه والجسم والأكتاف.
- الحرمان من النوم، والحرمان من الصلاة أو قراءة القرآن أحياناً.
الجنسيات في قرنادة حالياً ليبيون فقط، وأغلبهم من مدينة درنة أو ضواحيها. قبل سنوات، كان فيه معتقلون من جنسيات أخرى مثل المصرية والسورية. والسجناء من خلفيات مختلطة؛ هناك مدنيون ليس لهم علاقة بالنزاع المسلح ولم يحملوا السلاح، وتم اعتقالهم بسبب الرأي أو النقد على فيسبوك أو حتى مجرد تعليق على منشور. وهناك أشخاص ينتمون لجماعات متطرفة مثل مجلس شورى ثوار درنة، أو تنظيم داعش، أو القاعدة.
أقسام السجن
ينقسم السجن العسكري إلى طابقين: الطابق الأرضي والعلوي، وتسمى بالعنابر: العنبر الأرضي والعنبر الفوقي. وهو سجن مكتظ بشكل رهيب، والتهوية فيه سيئة جداً، والأمراض الجلدية والتنفسية منتشرة بالداخل.
العنبر العلوي ينقسم إلى جزئين، وكل جزء به ست زنزانات، مساحة الواحدة منها 5 × 7 أمتار تقريباً.
أما العنبر الأرضي (الذي ظهر في مقاطع الفيديو المسربة)، فهو يحتوي على عدد من الزنازين الجماعية والزنازين الفردية ومكاتب الإدارة. ويحدث التعذيب، وفقاً لوصف معتقلين سابقين في قرنادة، قرب مكتب مدير السجن.
تسريب مقاطع الفيديو
في سياق متصل، قال المحامي الليبي والناشط في مجال حقوق الإنسان ناصر الهواري في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن مقاطع فيديو سجن قرنادة، التي تتضمن تعذيب معتقلين سياسيين، خرجت من ليبيا منذ أسبوع فقط، وذلك بعد قدرة الأشخاص الذين يمتلكونها على الخروج من ليبيا بعد سنوات من السجن داخل سجن قرنادة، حيث عاشوا خلالها انتهاكات مروعة من جانب قوات خليفة حفتر.
وأضاف: "مقاطع الفيديو تم تسجيلها منذ فترة، ويظهر فيها معتقلون سوريون ومعتقلون ليبيون قامت قوات خليفة حفتر باعتقالهم خلال المحاولة التي كان يحاول فيها خليفة حفتر اقتحام العاصمة الليبية طرابلس، وتم نقل المعتقلين إلى سجن قرنادة بعد ذلك، وما زالوا هناك حتى الآن".
وأوضح ناصر الهواري في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن سجن قرنادة يُطلق عليه "المخزن"، حيث يتم تخزين كل المعتقلين السياسيين بداخله لمنع وصول أهاليهم إليهم ومنعهم من التواصل مع أي أطراف خارج السجن.
قال الهواري كذلك إن هناك العديد من السجون السرية في شرق ليبيا، بالإضافة إلى السجون العسكرية التي تشهد انتهاكات ضخمة بحق المعتقلين. وذكر منها القسم العسكري في سجن الكويفية، وكذلك سجن في المرج في مقر رئاسة أركان الجيش، وسجن مصنع المكرونة في المرج، وسجن طارق بن زياد في بنغازي، وسجن الشرطة العسكرية في منطقة الرجمة.
وأوضح أن سجون حفتر بها آلاف المعتقلين، مشيراً إلى أنه في فترة من الفترات بعد حرب درنة كان هناك 6000 سجين في بعض السجون، وفي سجن بنغازي العسكري كان هناك 1700 سجين. وفي القسم العسكري في سجن الكويفية، هناك نساء في السجن، إذ إن هناك سيدة محكوم عليها بالإعدام في سجن الكويفية، وما زالت موجودة حتى الآن على ذمة حكم الإعدام.
كشف أن هناك 11 شخصاً قتلوا تحت التعذيب في سجن قرنادة في بنغازي، بعضهم مات جراء التصفية الجسدية، وبعضهم بسبب الأمراض ونقص الرعاية الصحية، منهم 7 ليبيين و3 مصريين وشخص سوري. وفي الكويفية، وقعت ثلاث حالات قتل أثناء الاحتجاز.
في حين قالت منظمة "رصد" لتوثيق الجرائم في ليبيا إن أعداد المعتقلين الذين قتلوا بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي في قرنادة ما بين سنة 2016 إلى 2022 حوالي 30 شخصاً على الأقل.
انتشار السجون السرية
أحمد مصطفى، رئيس قسم التوثيق بمنظمة "رصد الجرائم" الحقوقية الليبية، ومقرها لندن، قال في تصريحات لـ"عربي بوست": "يأتي انتشار السجون غير الرسمية 'السرية' في ليبيا على نطاق واسع نتيجة لحالة الانقسام، وانتشار الجماعات المسلحة، وتعطل القضاء المحلي، وضعف آليات المحاسبة الدولية، مما أدى إلى تفاقم حالة الإفلات من العقاب في ليبيا".
وأضاف: "لا تقتصر السجون السرية على منطقة معينة، فجميع أطراف الصراع تستعملها بشكل ممنهج كأداة للقمع والاختفاء القسري والتعذيب، وقد غُيب مئات من الضحايا لفترات طويلة في تلك السجون، وحرمانهم من أبسط حقوقهم".
كما قال: "تقع حوالي ثمانية سجون غير رسمية في المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات التي تتبع خليفة حفتر، منها قرنادة وسجون أخرى، وستة سجون بالمناطق التي تقع تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي".
وأضاف: "وثقت منظمة رصد حالات اختفاء لناشطين من النساء والرجال، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وأعضاء في البرلمان، وصحفيين، ومحامين، وقضاة، فضلاً عن مهاجرين وطالبي لجوء، فيما لا يزال مكان وجود العديد من النساء والرجال والأطفال غير معروف منذ سنوات. وقد احتُجز آخرون بشكل غير قانوني وأُطلق سراحهم فيما بعد دون إجراءات قانونية، بينما تم العثور على عدد آخر من الضحايا في مقابر جماعية في ترهونة".
كما قال: "بالرغم من أن دولة ليبيا لم توقع أو تصادق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلا أنها طرف في اتفاقيات ومعاهدات أخرى مثل العهد الدولي الخاص واتفاقية مناهضة التعذيب. كما أن الاختفاء القسري جريمة مستمرة تتحمل أطراف الصراع الليبية مسؤوليتها، وتُعتبر انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وقد ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية".
سجون ليبيا والانتهاكات داخلها
حصل "عربي بوست" من أحد المصادر الليبية على تفاصيل هامة تخص أحد سجون ليبيا التي تقع في شرق البلاد ويشرف عليها خليفة حفتر ورجاله، وتشهد انتهاكات شديدة بحق المعتقلين السياسيين في ليبيا.
أحد هذه السجون، والذي يقع في شرق ليبيا، هو سجن الكويفية، وهو أحد أكبر السجون في ليبيا من حيث المساحة والقدرة الاستيعابية، وهو الأكبر في شرق ليبيا. في فترة النظام السابق، كان العدد الأكبر من السجناء في الكويفية من المحكومين بالقضايا الجنائية، وكان هناك قسم خاص للسجناء السياسيين وقسم آخر يسمى السجن العسكري خاص بالضباط والجنود المحكومين في قضايا عسكرية. وبعد اندلاع ثورة 17 فبراير 2011، فُتحت أبواب السجن وهرب أغلب السجناء، إلا أنه بعد عدة أشهر أعادت الشرطة القضائية العمل في السجن مجدداً.
تم استئناف العمل في السجن العسكري سنة 2012، حيث كان يُحتجز فيه عدد من أنصار النظام السابق وأسرى الحرب، إلا أن ثلاث تفجيرات استهدفت المحكمة التي أمام السجن أدت إلى حالة من الفوضى وهروب أكثر من 1000 سجين من جميع الأقسام في ذلك الوقت.
تفعيل العمل في سجن الكويفية
بعد العملية العسكرية التي قام بها خليفة حفتر سنة 2014، تم تفعيل العمل بشكل أكبر في سجن الكويفية. كما سيطرت إدارة السجون والشرطة العسكرية بشكل محكم على السجن العسكري، الذي تم تخصيصه للمعارضين لحفتر، بما فيهم المدونون على وسائل التواصل الاجتماعي، والمقاتلون الذين تم اعتقالهم في مواقع القتال أثناء الحرب من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحفتر، ولاسيما الأمن الداخلي والجماعات العسكرية الأخرى.
إدارة السجون والشرطة العسكرية مهمتها استقبال السجناء الذين تمت إحالتهم من قبل جهاز الأمن الداخلي واللواء طارق بن زياد، في كثيرٍ من الأحيان بعد إحالتهم إلى النيابة العسكرية. وهي تتبع مباشرةً القائد العام للقوات المسلحة، ويترأّسها حالياً العقيد نجيب بالط، وتقع تحت تبعيّتها كافة السجون العسكرية الرسمية، بما فيها سجن الكويفية العسكري، وسجن بوهديمة في بنغازي، وسجن قرنادة في جنوب مدينة شحات، وعدة سجون أخرى.
ما يبرز بصورة خاصة بين هذه السجون هو سجن الكويفية العسكري، الذي يُعد أكبر سجن عسكري في ليبيا، ويقع بمحاذاة السجن المدني داخل ذات المجمّع، وملاصقاً لمبنى النيابة والمحكمة العسكرية، ويبعُد أمتاراً فحسب عن محكمة استئناف بنغازي. ويضم حوالي 800 معتقل/ة بين مدني/ة وعسكري ومقاتلين سابقين بالجماعات الإسلامية المتطرّفة. وكان السجن يضم أيضاً حوالي 60 طفلاً محتجزاً بين عمر 14 و16 سنة، وذلك بين الفترة 2015 و2019. إلّا أنهم حالياً قد تجاوزوا السن القانوني أثناء فترة الاعتقال دون أن يصلوا إلى المحاكمة بعد، حيث لا تقل فترة الاعتقال دون محاكمة عن سنة، وقد تتجاوز ثلاث سنوات. وخلال مدة الاحتجاز تم توثيق شهادات في فترات سابقة حول تعذيب وممارسات لا إنسانية ومعاملة مهينة للمحتجزين/ـات.
وصف السجن
يقع السجن في منطقة الكويفية السكنية، ويبعد عن وسط مدينة بنغازي 12 كيلومتراً شرقاً. الموقع متوفر على خرائط جوجل.
يضم السجن حوالي 700 محتجز حالياً، وينقسم إلى عدة أجزاء أو ما تُعرف بـ(العنابر)، بعضها متصل بالآخر وبعضها منفصل تماماً، لكن جميعها تقع ضمن سور واحد، ولكل منها اسم خاص وتشرف عليها مجموعة واحدة، وهي كالآتي:
- العنبر القديم: القسم الرئيسي، يضم 16 زنزانة جماعية.
- عنبر 21: يضم 17 زنزانة جماعية.
- عنبر العقوبات: يضم ثلاث زنزانات جماعية صغيرة الحجم. سُمّي بذلك بسبب ضيق الزنازين والاكتظاظ فيها وعدم وجود تهوية كافية. يتم وضع المحتجزين الذين يخالفون التعليمات فيه كنوع من العقوبة.
- العنبر الجديد: يضم خمس زنزانات متوسطة الحجم، ولا يوجد به أي فرش، حيث ينام المحتجزون في البرد على الأرض مباشرة.
- عنبر الانفرادي: يضم 14 زنزانة، مساحة الواحدة منها 2×2 متر تقريباً، بداخلها مقعد حمام أرضي. يتم وضع شخصين أو ثلاثة، وأحياناً تصل إلى أربعة، في الزنزانة الواحدة.
- سجن النساء: قسم تم إنشاؤه سنة 2018، وقبلها كانت النساء يُحتجزن في مبنى آخر خارج أسوار السجن العسكري. يضم القسم الحالي غرفتين كبيرتين ودورتين مياه، وتوجد به حوالي 13 امرأة.
- عيادة السجن: مكتب صغير يشرف عليه طالب في كلية الطب، وهو أيضاً محتجز منذ سنوات. تُستخدم العيادة لإجراء الفحوصات والكشف الأولي، وتحتوي على بعض الأدوية والمسكنات.
القادة والمسؤولون عن السجن العسكري
منذ 2014 إلى 2023، تولّى إدارة السجن ثلاثة ضباط، جميعهم تابعون لإدارة السجون والشرطة العسكرية، وهم ضباط نظاميون من ذوي الخبرة العسكرية:
- العميد مفتاح صالح الورفلي:
من سكان مدينة بنغازي، وهو أول رئيس للسجن بعد فرض سيطرة القوات المسلحة الليبية على بنغازي. كان يحمل رتبة عقيد في الشرطة العسكرية، وبقي في منصبه من 2014 إلى يونيو 2020، حيث كلفه حفتر برئاسة الغرفة الأمنية العليا في درنة. - العميد فرج الزيبو العرفي:
من سكان مدينة المرج، وتم تكليفه خلفاً للعميد مفتاح الورفلي كرئيس للسجن العسكري الكويفية. استمر في عمله لمدة سنة واحدة فقط حتى 2021، ثم كلفه حفتر مديراً لإدارة الشرطة العسكرية والسجون بالكامل. يُعتبر حالياً المسؤول المباشر عن كافة السجون العسكرية في مناطق سيطرة القوات المسلحة الليبية. - العميد جمعة المهشهش العرفي:
من سكان مدينة المرج، استلم إدارة السجن خلفاً للعميد فرج الزيبو نهاية 2021، وما زال مستمراً حتى الآن. منذ توليه المنصب، أجريت تغييرات في إدارة السجن، مثل التضييق على الزيارات العائلية ومنع دخول الأغراض والمواد الغذائية من الخارج، وزادت سرقة أغراض المحتجزين من قبل الحراس.
المسؤولون الآخرون عن السجن:
- معاون رئيس السجن: الرائد بشير محمد الجهاني.
- آمر شؤون النزلاء: النقيب رمضان قجول، وهو المسؤول عن أوضاع ومشاكل المحتجزين.
- النقيب خليفة الخشبي: أحد المشرفين على السجن، وهو مقرب من العميد جمعة المهشهش.
- الملازم أول حسن يونس نجم: حسب شهادات الضحايا، يسيء معاملتهم ويعاقبهم بالضرب أو السجن الانفرادي دون سبب.
- الملازم أول هشام الفارسي: أحد الحراس والمشرفين على المحتجزين.
- حسين عبد العالي الدرسي: أحد الحراس والمشرفين على المحتجزين.
النظام داخل السجن
يقع السجن تحت إشراف النيابة العسكرية، ويتم نقل السجناء إليه بعدة طرق، أبرزها:
- جهاز الأمن الداخلي، الذي يعتقل الأشخاص ويحقق معهم لفترات طويلة قبل نقلهم إلى السجن العسكري تمهيداً للمحاكمة العسكرية.
- النقل من الأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى، مثل جهاز مكافحة الإرهاب وكتيبة طارق بن زياد وأجهزة الأمن الداخلي في المدن المجاورة، لعرضهم على النيابة العسكرية ومن ثم المحكمة.
يُعرف السجن العسكري باسم "الثلاجة"، حيث يتم الاحتفاظ بالمحتجزين لفترات طويلة قبل اتخاذ أي إجراء أو البت في مصيرهم. التحقيق الأولي من قبل وكيل النيابة العسكرية قد يتم بعد سنة من نقل المحتجزين إلى السجن.
خلال فترة الاحتجاز، يحصل المحتجزون على بعض الزيارات العائلية. وبعد البدء في إجراءات محاكمتهم، يقابلهم وكيل نيابة للتثبت من المعلومات الواردة في التحقيقات التي أجريت قبل وصولهم إلى السجن العسكري. إذا قال المتهم إن أقواله انتُزعت منه تحت التعذيب أو إنها غير صحيحة، لا يأخذ وكيل النيابة بتلك الأقوال، ويُعرض على القاضي ملف التحقيق الأول.
يشكل المحكومون العدد الأكبر من المحتجزين، وتتراوح الأحكام بين 3 سنوات إلى المؤبد والإعدام. مع ذلك، هناك حوالي 90 شخصاً ممن قضوا مدة الحكم القانونية ولم يتم إخلاء سبيلهم. وتقول إدارة السجن إن النيابة العسكرية هي من تمنع الموافقة على إخلاء سبيلهم.
تبادل الأسرى
إخلاء سبيل المحتجزين يتم عبر عدة طرق، أبرزها تبادل الأسرى مع جنود وأفراد تابعين للقوات المسلحة الليبية محتجزين في سجون طرابلس ومصراتة. بين عامي 2020 و2022، حدثت العديد من عمليات التبادل تحت إشراف لجنة 5+5 وكتيبة طارق بن زياد. تم تسليم محتجزين محكومين بالإعدام والمؤبد إلى المنطقة الغربية مقابل ضباط وجنود تابعين للمنطقة الشرقية.
تُوضع أسماء المحتجزين من الطرفين في قوائم بناءً على العلاقات والنفوذ لدى عائلاتهم أو أقاربهم. إذا كان للمحتجز أو الأسير معارف مع الجماعات المسلحة أو الحكومة، يتم الضغط لإدراج اسمه في القوائم بانتظار موافقة الطرف الآخر. تشرف كتيبة طارق بن زياد على عملية تبادل الأسرى، حيث يتم نقل أي محتجز إلى سجن الكتيبة في بنغازي أو قرنادة قبل فترة لا تقل عن شهر من عملية التبديل.
طرق أخرى للإفراج عن المحتجزين:
دفع الرشاوى للقضاة عن طريق محامين أو بعلاقات شخصية مع دفع أموال لأحد الضباط.
البراءة من التهم الموجهة وإخلاء سبيل المحتجز عن طريق النيابة العسكرية، وهي حالات نادرة حدثت مرتين أو ثلاث مرات فقط. أحد الضحايا الذين وثقت شهاداتهم أكد أنه طُلب منه مغادرة المدينة مباشرة بعد الإفراج عنه.
سجن النساء
يشرف على سجن النساء ضابطات تابعات للشرطة العسكرية، ويضم حوالي 13 امرأة مع 3 أطفال مع أمهاتهم. كان العدد أكبر قبل نقل بعضهن إلى السجن الجديد، حيث أُطلق سراح مجموعة منهن ضمن عمليات تبادل أسرى ووساطات مع المنطقة الغربية. حاول الصليب الأحمر زيارة السجن، لكن القيادة العامة للقوات المسلحة رفضت بحجة إجراء صيانة، وفق شهادة أحد الضحايا.
وضع الاحتجاز
تعتبر الحالة الصحية للمحتجزين حالياً خطيرة لعدة أسباب، أهمها:
النظام الغذائي السيئ، وقلة الطعام، ومنع المأكولات التي تحتوي على السكر بشكل نهائي منذ تولي العميد المهشهش الإدارة.
انتشار الأمراض المزمنة والأوبئة والمشاكل الجلدية، مع نقص الأدوية في عيادة السجن. كما أن منع دخول الأدوية من قبل عائلات المحتجزين يفاقم الوضع.
بين عامي 2018 و2022، توفي حوالي 9 محتجزين أو أكثر بسبب الإهمال الطبي وعدم الحصول على إذن لتلقي العلاج في مستشفيات خارج السجن. يتطلب نقل المحتجزين إلى مستشفى خارجي وساطات من ضباط في القيادة العليا، مثل أبناء حفتر أو رئيس الأركان أو مسؤولين سياسيين.
صور حصرية وشهادات مروعة
حصل "عربي بوست" على صور خاصة وحصرية من داخل سجن الكويفية، تتضمن صورة لإحدى الزنازين الانفرادية، وهي غرفة ضيقة بلا أي أثاث، سقفها مفتوح مما يجعل الزنزانة شديدة الحرارة في الصيف وشديدة البرودة في الشتاء. كما تضمنت الصور بعض الضباط المسؤولين عن إدارة السجن.
شهادات المعتقلين السابقين
من بين الشهادات التي حصل عليها "عربي بوست" شهادة لمعتقل سابق يبلغ من العمر 51 عاماً، يعمل موظفاً في مدينة بنغازي. أمضى 7 سنوات في السجن من 2015 إلى 2022، حيث صدر حكم ببراءته. لكنه غادر بنغازي بعد إطلاق سراحه خوفاً على حياته وانتقل للعيش في منطقة أخرى داخل ليبيا.
تضمنت شهادة أحد المعتقلين: "تم اعتقالي في عام 2015 بالقرب من منزلي، بعد اعتراض خمس سيارات عسكرية بها مسلحون يرتدون زياً مدنياً، بسبب تعليقات على فيسبوك انتقدت فيها تصرفات إجرامية معادية تقوم بها بعض الجماعات المسلحة المحسوبة على قوات جيش خليفة حفتر، مثل الاعتداء على المدنيين والسرقة باسم الجيش وغيرها. بقيت سنتين وخمسة أشهر مختفياً قسرياً دون أن تعرف عائلتي مصيري، قبل أن يسمح لي بالاتصال بأسرتي من قِبل أحد المسؤولين في السجن العسكري".
وأضاف في شهادته لـ"عربي بوست": "المحاكمات العسكرية سيئة جداً، والقاضي لا يستمع إلى المتهم أو محاميه، ويتخذ قراره بناءً على محضر التحقيق الذي أعده جهاز الأمن الداخلي. القضاة ضباط منحازون دائماً، ويرفضون سماع المتهم، ويلقون باتهاماتهم عليه. حكم الإعدام والمؤبد هما أكثر الأحكام انتشاراً في السجن".
وتابع: "إذا كانت حالة المتهم المادية تسمح، فإنه يجلب محامياً خاصاً. أما إذا لم تسمح حالته، فإنه يستعين بالمحامي الحكومي أو ما يُعرف بالمحامي الشعبي. المحامي الحكومي يريد إنهاء القضية في أسرع وقت لأنه مشغول ولا يرغب في حضور الجلسات. وهناك شخص معي في الزنزانة حُكم عليه بالإعدام خلال جلستين فقط".
كما قال: "التهم الموجهة إلى المحتجزين تتعلق بفيسبوك، والدعاية، والترويج، وقضايا أخرى من المفترض أن تختص بها المحاكم المدنية. لكن الضباط يقولون إن القضاء المدني فاسد ومرتشي ولا يحكم بالحق، وإن جميع المحتجزين يجب أن يُحكم عليهم بالإعدام. مع ذلك، خرج بعض المحكومين بالإعدام والمؤبد في تبادل أسري عن طريق لجنة 5+5".
وأوضح: "مدير السجن، العميد جمعة المهشهش، إنسان مجرم. منذ توليه الإدارة في بداية 2022، تغير وضع السجن للأسوأ، حيث منع كثيراً من الأشياء، من بينها المواد الحلوة مثل التمر والعصير والمواد الغذائية التي ترسلها عائلات المحتجزين خلال الزيارات. كما أنه يسرق كل شيء هو والحراس، حتى الأدوية والملابس سرقوها منا".
وأضاف: "كان هناك شخص عمره 57 سنة تم بتر رجله بسبب إصابة تعرض لها مسبقاً. نتيجة الإهمال الطبي، تعفن الجرح واضطروا إلى بترها، ولا توجد أدوية أو مسكنات ألم. البكتيريا انتقلت إلى زملائه في الزنزانة".
أكمل قائلاً: "ما زلت أتعالج وأتعافى من الإصابات والأمراض التي أصابتني أثناء السجن. أجد صعوبة في دفع تكاليف العلاج والأدوية، والدولة لم تهتم بي بالشكل المطلوب. قدمت شكوى قضائية، لكنها لم تلقَ اهتماماً من النائب العام في طرابلس. وكل مرة أراجع مكتبه يقولون: راجع بعد شهر، والآن مرت سنة على هذا الحال".
الشهادة الثانية تخص شخصاً يُرمز إليه باسم "علي إبراهيم"، يبلغ من العمر 37 عاماً. قال: "أنا شخص مدني لا علاقة لي بأي جماعات عسكرية أو سياسية أو دينية. اعتُقلت سنة 2016 من قِبل مجموعة مسلحة تابعة لقوات خليفة حفتر. وُجهت لي اتهامات بالتواصل مع جهات أجنبية وجماعات سياسية معادية لحفتر، دون وجود أي أدلة على هذه الاتهامات. احتُجزت بشكل تعسفي في مقر كتيبة عسكرية لمدة سبعة أشهر، ثم نُقلت إلى سجن الكويفية العسكري واحتُجزت فيه لمدة ست سنوات دون أي إجراءات قانونية أو إحالة للنيابة أو المحاكمة".
وأضاف: "تم إطلاق سراحي بوساطات قبلية واجتماعية وضمانات، بعد التأكد من أن التهم التي وُجهت لي كانت كيدية ولا أساس لها من الصحة".
أوضح: "بقيت لمدة سنة ونصف في سجن الكويفية العسكري قبل أن أتمكن من الحصول على مكالمة مع شقيقي. أخبرتُه بمكان وجودي مقابل رشوة قدرها 500 دينار لأحد الحراس".
وقال: "كميات الطعام كانت قليلة، بالرغم من وجود ثلاث وجبات يومياً، لكنها خالية من أي بروتين. كانت الأوضاع سيئة، وقلة الطعام سببت لنا خمولاً وقلة نشاط. هذا نوع من التعذيب النفسي والموت البطيء".
بحسب إفادته، "انتشرت الأمراض الجلدية بين المحتجزين، مثل الحكة والبكتيريا والجرب، بسبب الاكتظاظ وعدم وجود مواد نظافة شخصية. الحراس كانوا يسرقون الصابون ومواد التنظيف التي ترسلها لنا عائلاتنا".
وأضاف: "عدد كبير من المحتجزين أعمارهم بين 50 و65 سنة، وأغلبهم لديهم أمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم ومشاكل العظام والربو والفشل الكلوي. الدواء والعلاج غير متوفرين بشكل كبير إلا إذا أرسلت لك أسرتك دواء من الخارج، لكن في بعض الأحيان لا يصل أو يُسرق نصفه".
وختم: "هناك شباب صغار أعمارهم بين 18 و20 سنة كبروا داخل السجن، وهم محتجزون منذ سنة 2015 تقريباً. بعضهم تعرض للاغتصاب من قِبل الحراس وشخص يدعى النقيب رمضان قجول، المسؤول عن شؤون النزلاء".
وقال أيضاً: "قابلت كثيراً من المحتجزين لا توجد ضدهم أي قضايا. اختُطفوا من بيوتهم بسبب مشاكل شخصية مع أشخاص ذوي نفوذ أو بسبب مشاكل عائلية".