لإعادة تسويق نفسه وقطع الطريق على حفتر ..أسباب الحملة العسكرية الجديدة التي أطلقها الدبيبة غرب طرابلس

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/09 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/09 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
الدببية-عربي بوست

كشفت مصادر ليبية عسكرية ومدنية تحدثت لـ"عربي بوست"، أن رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة لجأ إلى شن حملة عسكرية في مدينة الزاوية في الغرب الليبي في هذا التوقيت، في محاولة منه لتحقيق أهداف ثلاثة، على رأسها معاودة بسط نفوذه مرة أخرى في الغرب، وذلك في ظل المحاولات التي يقوم بها خليفة حفتر لمحاصرة العاصمة الليبية طرابلس من جهات مختلفة في الفترة الأخيرة.

كذلك قالت المصادر إن الدبيبة أخذ ضوءاً أخضر بالموافقة من جانب إيطاليا على هذه الحملة الكبيرة التي يقوم بها في منطقة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس، والتي تستهدف مافيا الاتجار بالبشر وكذلك نشاط الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون، فضلاً عن عمليات القتل والتهريب والاتجار في المخدرات واختطاف اللاجئين الأفارقة لطلب الفدية، وذلك لأن إيطاليا تريد أن تضع حداً، بالتنسيق مع ليبيا، لأزمة الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط إلى أوروبا.

أهداف الدبيبة من الحملة العسكرية

مصادر مقربة من حكومة الدبيبة قالت لـ"عربي بوست" إن حملة عبد الحميد الدبيبة على الزاوية تهدف إلى تقويض نفوذ خليفة حفتر في الغرب، خاصة أن هناك بؤرة داخل مدينة الزاوية تقع بالكامل تحت سيطرة خليفة حفتر وفريقه، وبالتالي فإن نجاح الدبيبة في حملته سوف يعرقل أي تمدد جديد لحفتر في الغرب.

آمر المنطقة العسكرية الساحل الغربي الفريق الدكتور صلاح الدين النمروش- وسائل التواصل

وهو ما أشار إليه العميد عادل عبد الكافي، المستشار العسكري للجيش الليبي في غرب البلاد، بقوله لـ"عربي بوست" إن خليفة حفتر يحاول أن يخترق الغرب الليبي من خلال العديد من الإجراءات، سواء العمليات العسكرية الخاطفة التي يحاول تكرارها كل فترة على مناطق قريبة من العاصمة طرابلس ليقوم بمحاصرتها، وكذلك عن طريق تجنيد أطراف داخل نفوذ عبد الحميد الدبيبة في الغرب.

لذلك، فالعملية العسكرية من وجهة نظر عبد الكافي هي محاولة "لتقليم أظافر داعمي حفتر في الغرب" والقضاء على أي نفوذ له في المنطقة الغربية. وهو النفوذ الذي، إذا ما استمر، ربما يهدد سلطة الدبيبة ويفتح الباب أمام تمدد حفتر لمزيد من النفوذ في ليبيا بالكامل.

كذلك، قالت المصادر المقربة من حكومة الدبيبة، إن الإيطاليين متفقون مع الدبيبة في هذه الحملة، إذ إن الاتجار بالبشر بات من الأزمات الضخمة التي تواجه إيطاليا وأوروبا، ومن ثم تريد إيطاليا من الدبيبة أن ينجح في مساعيه لوأد أي تطورات في ملف الاتجار بالبشر انطلاقاً من مدينة الزاوية الليبية.

وهو الأمر الذي يتفق فيه العميد عادل عبد الكافي، المستشار العسكري للجيش الليبي في غرب البلاد، حيث قال لـ"عربي بوست" إن الدبيبة يقوم بالتنسيق الآن مع الاتحاد الأوروبي، وفي القلب منه إيطاليا، من أجل إنهاء ملف الهجرة غير الشرعية في ليبيا. وأوضح أن الحملة العسكرية التي يقوم بها في الزاوية سببها الأساسي هو القضاء على الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى الاتحاد الأوروبي.

الاتجار بالبشر

في حين، قالت المصادر القريبة من حكومة الدبيبة إنه بات هناك قتل يومي واتجار بالبشر وخطف يومي للمهاجرين في مدينة الزاوية، وبات الليبيون لا يشعرون بالأمان. وهذه الأزمة ليست وليدة اليوم، ولكن الدبيبة يحاول إعادة تقديم نفسه مرة أخرى لليبيين من خلال الانطلاق في حملة عسكرية في الزاوية.

في حين قال عبد الكافي كذلك إن الحملة العسكرية سوف تعيد رسم دور الميليشيات العسكرية في الغرب بناءً على الولاءات، وإن الدبيبة يريد أن يقضي على كل الميليشيات المسلحة التي لا ترتبط به وظيفياً ولا ولاءً. ولذلك، فنجاح الحملة العسكرية لعبد الحميد الدبيبة سوف يسمح له بأن يقلل من حجم كل الميليشيات المسلحة التي تسعى إلى بسط نفوذها في الغرب على حساب الإجراءات القانونية في البلاد.

وضع الدبيبة السياسي

قالت المصادر القريبة من الحكومة الليبية إن هذه الحملة الأمنية سوف تقوي وضع الدبيبة السياسي في ليبيا، وتعرقل أي محاولات تهدف إلى إزاحته من المشهد السياسي واستبداله بأي شخصية أخرى، خاصة أن هناك توافقاً كبيراً بين كل المؤسسات السياسية في الغرب الليبي على تدشين هذه الحملة من أجل إنقاذ أهل الزاوية من نفوذ الجماعات المسلحة التي تتاجر بالبشر.

فيما أشار عبد الكافي كذلك إلى أن الدبيبة يواجه أزمات سياسية طاحنة في الفترة الحالية، منها ما يسعى إليه معسكر الرجمة، في إشارة إلى خليفة حفتر وأبنائه وشرق ليبيا، من الإطاحة بالدبيبة من الحكومة واستبداله بحكومة جديدة.

لذلك، والكلام لعبد الكافي، فهو يسعى إلى تثبيت أركان حكومته وإعادة تقديم نفسه من جديد إلى الشارع الليبي بأنه قادر على إعادة الأمن إلى الزاوية والقضاء على المشاكل الجوهرية التي تواجه المجتمع الليبي، وأن الدعاوى التي تطالب برحيله من الحكومة مصيرها الفشل، وأنه باقٍ في منصبه.

اجتمع أعضاء من مجلسي النواب والدولة عن المنطقة الغربية وأعيان ونشطاء المجتمع المدني بالزاوية، للاستماع إلى آمر المنطقة العسكرية الساحل الغربي، الفريق الدكتور صلاح الدين النمروش، ظهر اليوم السبت الموافق 4/1/2025 في غابة جودائم، الذي أعلن من خلاله انطلاق القوة العسكرية.

لكن في الوقت نفسه، لا يتوقع عبد الكافي "نجاحاً كبيراً" للعملية العسكرية في الزاوية بسبب تعقيدات المشهد العسكري هناك، ولأن الدبيبة يواجه أزمة كبيرة بعد حديث وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش حول لقائها بوزير الخارجية الإسرائيلي السابق في إيطاليا، بناءً على طلب الدبيبة. ما جعل العشرات من الليبيين يتظاهرون ضد الدبيبة في طرابلس. ويرى عبد الكافي أن هذه الأزمة ربما تتسبب في مزيد من انهيار شعبية الدبيبة في الغرب، ما "ينسف معه" أي محاولات من جانبه لتحسين صورته بالعملية العسكرية في الزاوية.

في المقابل، يرى "معسكر" حفتر أنه لا علاقة له بما يدور في الغرب، وأن خليفة حفتر لا يعنيه ما تقوم به حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. حيث قال سالم القنيدي، عضو البرلمان الليبي في طبرق والجنرال العسكري السابق، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إن الحديث حول وجود نفوذ على الأرض في الغرب لصالح خليفة حفتر غير صحيح وغير واقعي على الإطلاق.

مشيراً إلى أن الدبيبة يروج لهذه الفزاعة من أجل "تخويف المواطنين في الغرب من إمكانية رحيله من السلطة ومحاولة تجييش الناس خلفه لدعمه في ظل الإخفاقات السياسية التي يواجهها منذ فترة طويلة".

وأوضح كذلك أن حكومة السراج سبق أن أطلقت مثل هذه الحملة منذ سنوات دون أن يكون هناك نتيجة على أرض الواقع، وأن ما يقوم به الدبيبة الآن مجرد محاولة لـ"إثبات الوجود في الغرب" ليس إلا، على حد وصفه.

الميليشيات المسلحة في الزاوية

تعتبر التشكيلات المسلحة في مدينة الزاوية معقدة وغير واضحة بشكل كبير. وأبرز قوة في المدينة هي التي تتبع محمد بحرون، الملقب بـ"الفار"، المقرب جداً من عائلة الدبيبة. ويُعد "بحرون" طرفاً رئيسياً في معظم الصراعات المسلحة بالمدينة خلال الفترة الماضية.

كما يُعد علي أبوزريبة أحد أبرز قادة مدينة الزاوية، وهو عضو مؤثر في مجلس النواب. وشقيقه حسن أبوزريبة يقود جهاز دعم الاستقرار في الزاوية، أما الشقيق الثالث فهو عصام، وزير الداخلية في حكومة أسامة حماد. ويوجد تنافس مباشر بينه وبين محمد بحرون على السيطرة على الطريق الساحلي.

أيضاً، اللواء 52 مشاة بقيادة محمود بن رجب، التابع للمنطقة العسكرية الساحل الغربي. وقد تشكل اللواء بقرار من محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي.

وتوجد كذلك كتائب "المهربين"، التي لها نفوذ قوي في المدينة، ويوجد ضمن عناصرها "مرتزقة" من العمالة الإفريقية الموجودة في ليبيا، وقد تم تجنيدها في هذه التشكيلات.

تجارة المخدرات في الزاوية

تُعد تجارة المخدرات في مدينة الزاوية واحدة من أبرز الأنشطة غير القانونية التي تغذي التشكيلات المسلحة. وقد شكلت تحدياً أمنياً واجتماعياً كبيراً للمنطقة، إذ تقع مدينة الزاوية على الساحل الليبي، بالقرب من الحدود مع تونس ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، ما يجعلها نقطة عبور استراتيجية لشبكات تهريب المخدرات.

من أبرز هذه الطرق استخدام الشواطئ والموانئ غير الرسمية عبر القوارب والزوارق السريعة لجلب المخدرات عبر البحر المتوسط، خاصة من إيطاليا ومالطا، أو عبر الحدود البرية للدول المجاورة مثل تونس والجزائر، ومن ثم توزيعها داخل البلاد أو تهريبها إلى دول أخرى.

كما توجد بالمدينة شبكات بيع وتوزيع للمواد المخدرة، والتي باتت في الآونة الأخيرة تقوم بالبيع بالعلن عبر "أكشاك" معروفة لجميع سكان المدينة والمناطق المجاورة، وتديرها عمالة إفريقية وافدة تحت حماية من قوات الأمن.

بيان رسمي حول العملية العسكرية

كانت حكومة الوحدة الوطنية الليبية في طرابلس قد أطلقت حملة عسكرية ضد مهربي الوقود والبشر بالمناطق الغربية، وأكدت أنها قامت بـ"سلسلة من الغارات الجوية (بطائرات مسيرة) ودمرت مواقع تهريب الوقود" في مدينة الزاوية ضمن هذه العملية. فيما لم ترد معلومات رسمية عن خسائر بشرية محتملة خلالها. وأوضحت الحكومة أن فرقة من "منطقة الساحل الغربي العسكرية" تواصل عملياتها الرامية إلى تدمير مراكز الجريمة والتهريب.

وأوضحت الحكومة أن فرقة من "منطقة الساحل الغربي العسكرية" تواصل عملياتها الرامية إلى تدمير مراكز الجريمة والتهريب. وفي ذات البيان، أكدت أنها قامت بـ"سلسلة من الغارات الجوية (بطائرات مسيرة) ودمرت مواقع تهريب الوقود" في مدينة الزاوية، ولم ترد معلومات رسمية عن خسائر بشرية محتملة.

وكانت قيادة "منطقة الساحل الغربي العسكرية" قد دعت المواطنين إلى "الابتعاد عن المواقع التي تم استهدافها خلال الضربات الجوية الدقيقة، حفاظاً على أمنهم نظراً لاحتمال وجود عبوات ناسفة في تلك المناطق".

وقالت المنطقة عبر صفحتها بموقع "فيسبوك": "في إطار العمليات العسكرية في الزاوية ومناطق الساحل الغربي، نشدد على أهمية التزام المواطنين بهذه التنبيهات حفاظاً على سلامتهم، وفرض الأمن وبسط الاستقرار". وتابعت: "جيشكم في الساحل الغربي يمتلك جميع الإمكانات والوسائل اللازمة للتعامل مع هذه الأوكار، ولن نتوقف حتى يُجتث منابع الفوضى والجريمة المنظمة".

نفس الحملة منذ أربع سنوات

الحكومة الليبية الحالية لم تكن الوحيدة التي شنت حملة عسكرية على مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس، ففي نفس الوقت تقريباً، وفي العاشر من يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت حكومة الوفاق الليبية في ذلك الوقت، برئاسة فايز السراج، تحريك قواتها لشن هجوم عسكري يستهدف "المسلحين المتطرفين" ومهربي البشر بالمنطقة الغربية، ضمن عملية عسكرية أطلقت عليها "صيد الأفاعي".

وقال وزير الداخلية في الحكومة آنذاك، فتحي باشاغا، إن هذه العملية الأمنية تم الإعداد لها منذ مدة طويلة وستكون تحت إشراف وزارته، بالتعاون مع المنطقة العسكرية الغربية وطرابلس، وبدعم دولي. وأوضح أنها ستستهدف الجريمة المنظمة ومهربي البشر والوقود وتجار المخدرات، وتم تسميتها بعملية "صيد الأفاعي".

باشاغا قال في ذلك الوقت كذلك إن تركيا تعهدت بالفعل بدعم العملية العسكرية التي ستستهدف أيضاً مهربي البشر، داعياً الولايات المتحدة إلى تقديم المساعدة للقضاء على جذور مشكلة الهجرة غير الشرعية. كما عبر عن أمله في أن يصبح تحقيق الاستقرار في بلاده التي مزقتها الحرب أولوية قصوى بالنسبة لإدارة جون بايدن.

وقد شارك في الحملة، في تلك الفترة، أرتال عسكرية وعربات مسلحة، حيث انتقلت وقتها من مدينة العجيلات التابعة للمنطقة العسكرية الغربية نحو العاصمة طرابلس، وشاركت في العملية الأمنية.

خلاف حول الحملة

لكن الحملة في تلك الفترة تسببت في اعتراض وزارة الدفاع بحكومة الوفاق على عملية "صيد الأفاعي" التي أطلقها وزير الداخلية فتحي باشاغا للقضاء على مهربي البشر والوقود والمسلحين المتطرفين وتجار المخدرات.

إذ إن وزارة الدفاع، التي يقودها صلاح الدين النمروش في تلك الفترة، والمحسوب على مدينة الزاوية، حيث تنشط عصابات التهريب، أعلنت تبرؤها من العملية. وأوضحت في بيان أن الوزارة وآمر المنطقة العسكرية الغربية، إضافة إلى آمر المنطقة العسكرية في طرابلس، أكدوا عدم اطلاعهم أو التنسيق المسبق معهم بخصوص ما يُطلق عليه عملية "صيد الأفاعي".

وطلبت الوزارة من جميع الجهات ذات الاختصاصات الأمنية التنسيق المسبق مع الوزارة بمؤسساتها العسكرية والأمنية لضمان الحصول على نتائج حقيقية تحقق الأمن والأمان لجميع المواطنين، وتحفظ سيادة الوطن ومؤسساته.

غياب الدعم من جويلي

ولم تحظَ خطة باشاغا في تلك الفترة بدعم آمر غرفة العمليات المشتركة، أسامة جويلي، المحسوب على مدينة الزنتان. وأكد جويلي في بيان أنه يجب معالجة بعض الأمور قبل البدء بأي عمل عسكري، مشدداً على أن التعاون بين الجهات العسكرية والأمنية ووزارة العدل ضرورة قصوى لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار والقضاء على المجرمين.

وأضاف أن هناك ضرورة لوجود تنسيق مسبق يضم وزارة الداخلية ووزارة العدل وآمري المناطق العسكرية، وآمر القوة المشتركة، لوضع خطة متكاملة تضمن تحقيق الأهداف المرجوة من هذا التعاون.

تحميل المزيد