كشف سياسيون وبرلمانيون ومصادر مصرية أن السلطة في مصر تجهز المشهد السياسي الحالي لشكل جديد من الممارسة السياسية "المنضبطة والمتحكم فيها" من جانب أجهزة الدولة، وذلك طمعاً في "كسب رضا" صندوق النقد الدولي الذي طالب الحكومة المصرية بتنفيذ "انفراجة سياسية" تعمل على توفير مناخ مناسب للاستثمار الاقتصادي.
وقالت المصادر إن حزب الجبهة الوطنية الذي تم الإعلان عنه في الأيام الماضية "ربما يمهد الطريق من خلال حملة شعبية كبيرة للدعوة إلى تعديل دستوري جديد يتضمن بقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في السلطة إلى ما بعد 2023".
تأسيس حزب الجبهة
قالت مصادر مصرية مقربة من مجلس الوزراء، إن السلطات المصرية أقدمت على تأسيس حزب الجبهة الوطنية برئاسة الوزير السابق عاصم الجزار من أجل صناعة معارضة سياسية "تحت السيطرة" وقادرة على تلبية ما تريده السلطات المصرية من "زخم سياسي" بعيداً عن المعارضة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها المشهد السياسي.
وأضافت المصادر أن الأيام الماضية لم يقتصر الأمر على إنشاء حزب الجبهة الوطنية فقط، بل إن السلطات سمحت لباسل عادل، السياسي المصري المعروف وعضو حزب المصريين الأحرار السابق وعضو تكتل الحوار المنبثق عن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ عامين من أجل "بحث ملفات وقضايا حرية الرأي والتعبير في مصر"، سمحت له بإنشاء حزب آخر اسمه حزب الوعي.
وقالت المصادر إن السلطة تريد من وراء هذه الأحزاب ترتيب بعض أوراقها في المشهد السياسي لكي ترسل رسالة إلى صندوق النقد الدولي أن مطالبها الخاصة بفتح مجال العمل السياسي دون تضييق قد تمت، وهي التوصيات التي طالب بها الصندوق من أجل خلق مناخ مناسب للاستثمار الاقتصادي.
وأشارت إلى أن الصندوق يعلم جيداً أن السلطة المصرية تقوم بإجراءات صورية وليست حقيقية، ورغم ذلك ينتظر مسار "التحول السياسي" الذي تريده في مصر في صورته الأخيرة.
أمامنا 15 سنة
تقول المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست" إن السيسي يرى زخماً سياسياً "كما أحب" وليس "كما تحبون"، وهي حالة يريد النظام أن يتحكم فيها وفي كل مفرداتها بشكل كامل.
وأضافت المصادر أن السلطة ذهبت إلى إعطاء الضوء الأخضر لإنشاء أحزاب مثل الجبهة الوطنية وكذلك حزب الوعي بالإضافة إلى إعادة إحياء حزب الجيل الديمقراطي الجديد برئاسة ناجي الشهابي، وذلك لـ"خلق مشهد سياسي متفق عليه وتم ترتيبه على يد الأجهزة في مصر".
وأشارت المصادر إلى أن السلطة تريد أن تقول للتيارات السياسية داخل مصر إن من يريد أن يعمل بالسياسة عليه أن يعمل وفق ما ترسمه الدولة من مسار واضح، وأن من يريد أن ينتقد النظام، فسيكون مسموحاً بذلك المسار ولكن بصوت هادئ ومتفق عليه كذلك.
تضيف المصادر بالقول إن النظام يقول للمعارضة "نحن أمامنا 15 سنة أخرى في السلطة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فعليكم أن تهيئوا أنفسكم وترتبوا أوراقكم بناء على ذلك".
إجراءات حكومية لترتيب المشهد
في سياق متصل، قالت مصادر في "المتحدة للخدمات الإعلامية" لـ"عربي بوست" إن السلطة قررت في الأيام الماضية أن تعيد لميس الحديدي إلى الشاشة من جديد، بعد إيقاف برنامجها منذ شهر يوليو/تموز الماضي، أي ما يزيد على ستة أشهر، وكذلك عودة أسامة كمال إلى الشاشة مرة أخرى، وذلك من أجل إفساح المجال لـ"بعض الأصوات التي تنتقد الوضع الاقتصادي ولكن بضوابط متفق عليها".
وقالت المصادر إن لميس الحديدي عادت إلى الشاشة من جديد في أول حلقاتها الجديدة، وكان متفقاً أن تعود في أولى الحلقات وفي جدول الموضوعات في البرنامج، ملفات اقتصادية، في إشارة إلى أن السلطة تريد أن ترسل رسالة للجمهور أن الملف الأكثر تأثيراً وقلقاً للشارع المصري سوف يتم تناوله بكل "شفافية ووضوح في الإعلام المحسوب على السلطة المصرية".
بالإضافة إلى ذلك، تقول المصادر التي تعمل في "المتحدة" إن الفترة المقبلة سوف تشهد إبراز بعض الشخصيات التي كانت "بعيدة عن الكاميرا" وإخراجها للجمهور، والسماح لبعض الأصوات الناقدة للوضع في مصر بالخروج في الإعلام المصري مثل عبد الله السناوي وعمار علي حسن وكذلك وحيد عبد المجيد.
قوائم الإفراج
في سياق متصل، قال مصدر مصري في لجنة الحوار التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عامين إن السلطات الآن تجهز لثلاث قوائم من أسماء المعتقلين على أثر قضايا حرية الرأي والتعبير، وسوف تشمل كل قائمة ما يزيد على مئة شخص من المعتقلين، وقد تم فحص قائمة منهم لدى الأجهزة الأمنية، في حين يجري فحص القائمتين الأخريين.
وأشار إلى أن القوائم الثلاث سوف يتم الإفراج عنها تباعاً في الأسابيع القليلة المقبلة، وذلك في محاولة من أجل تهدئة الأوضاع وتهيئة "الملعب السياسي المصري" للحالة الجديدة التي تسعى إليها السلطة، وهي "خلق حالة سياسية منضبطة بترتيب من السلطة ودون خروج على الخطوط الحمراء".
نسب الأحزاب السياسية
في سياق موازٍ، قال مصدر مصري في الحزب الديمقراطي المصري الاجتماعي إن السلطات تعتزم أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة من خلال القائمة الموحدة والقائمة النسبية، وهي آلية لم توافق عليها الأحزاب السياسية المصرية، لكن الأجهزة الأمنية المصرية (في إشارة إلى الأمن الوطني والمخابرات العامة) تناقشت مع الأحزاب حول نسبة كل حزب في هذه الانتخابات.
وقال المصدر إن السلطات تريد أن تزيد نسب الأحزاب "المسماة بالمعارضة" من التيار المدني المصري، من أجل ضمان عدم تذمرها من هندسة المشهد البرلماني وألا تذهب في "موقفها السياسي إلى جانب الإخوان والمعارضة المصرية في الخارج".
ملف الأحزاب وتشكيل الحياة السياسية
في سياق متصل، قال عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن تأسيس حزب الوعي وكذلك حزب الجبهة الوطنية ما هو إلا إعادة تدوير للمشهد السياسي في مصر، إذ لم يتغير شيء على الإطلاق في الحياة السياسية داخل مصر، فما زالت هناك قيود حول الأحزاب كما هي، ولم تتم إزالة أي قوانين أو عراقيل تعرقل عمل الأحزاب داخل مصر، وكذلك ما زالت انتخابات البرلمان تعمل وفق نمط بعيد عن القائمة النسبية، وهو ما يفقد الأحزاب السياسية القدرة على التنافس الحقيقي داخل البرلمان المصري.
وأضاف: "الأمن ما زال يسيطر على الأحزاب ويخترقها بالكامل، وبالتالي لا تعويل على إنشاء أي أحزاب سياسية جديدة في مصر، دون إلغاء كل العراقيل التي تعرقل عمل الأحزاب السياسية"، واصفاً ما حدث بـ"عديم القيمة والأهمية في الحياة السياسية في مصر".
يضيف هاشم ربيع: "قوانين الجمعيات الأهلية كما هي، المجال العام مقفول بشكل كامل، المجال العام منيل بستين نيلة، فكيف يتم التعويل على دور الأحزاب أو أي حزب في الحياة السياسية في مصر؟".
ما هي وظيفة الحزب؟
يتعجب عمرو هاشم ربيع في حديثه حول حزب الجبهة الوطنية الجديد بالقول: "الحزب يقول إنه لا يريد أن ينافس على السلطة، إذاً ما هي وظيفتك؟ ولماذا تأتي للحياة السياسية أصلاً؟".
وبافتراض أن حزب الجبهة الوطنية الجديد هو "نسخة أخرى من الحزب الوطني المنحل الذي كان تابعاً لنظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك"، قال عمرو هاشم ربيع إنه لا يمكن اعتبار حزب الجبهة الوطنية الجديد مثل الحزب الوطني. "الحزب عبارة عن تفاهم وتبادل وتوافق بعد رحيل عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات المصري السابق، وتولي حسن رشاد رئاسة الجهاز بدلاً منه، فعباس كامل لم يأتِ مثله في مصر، لقد كان ذا سلطة في التدخل في الحياة المدنية بشكل لم يسبق لأحد أن يفعل ذلك".
من جانبها، قالت مها عبد الناصر، عضو البرلمان المصري عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري، إن إنشاء حزب الجبهة الوطنية أمر "غير مفهوم بالنسبة لي بشكل مطلق، ولا أعرف لماذا ذهبت السلطة للقيام بذلك، وما هي دوافعها لذلك وحاجتها إلى ذلك".
وأشارت إلى أن السلطة استدعت شخصيات من النظام، وكذلك شخصيات سابقة لعبت دوراً واضحاً داخل النظام سواء كانوا سياسيين أو تنفيذيين، من أجل إنشاء حزب الجبهة الوطنية الذي لا يعرف أحد هويته حتى الآن، على حد وصفها.
تعديل الدستور
أما بخصوص إنشاء أحزاب الجبهة والوعي لهندسة المشهد السياسي في مصر من أجل تعديل الدستور لضمان ترشح الرئيس المصري لفترات رئاسية غير محددة، وذلك بعد عام 2030، قال عمرو هاشم ربيع في تصريحاته لـ"عربي بوست" إن ذلك "وارد وبشكل قوي، ولا يستطيع أحد في مصر أن يمنع السيسي من ذلك، ففي الدول الشمولية دائماً ما يقولون إنه لا يوجد بديل للرئيس، وعلى الرئيس أن يستمر في منصبه فترة طويلة".
ويعبر عمرو هاشم ربيع عن "غضبه وحزنه من تهلهل المشهد السياسي في مصر"، ويقول: "الجميع غاضب في مصر، حتى أولئك الضباط الذين يسجلون مكالماتي، هو لا يروق لهم الوضع في مصر. فهم يرون البذخ على قصور الرئاسة وفي الوقت نفسه يرون تدهور الوضع الاقتصادي، وكلهم يعانون من الأزمة الاقتصادية ولا يقوون على تلبية مطالب عائلاتهم الاقتصادية".
في سياق موازٍ، قالت مها عبد الناصر في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إنها ترفض أي محاولة للمساس بالدستور المصري، وترفض أن يتم تغيير الدستور من أجل التمديد للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وترى في ذلك خطورة على مستقبل مصر السياسي.
وشددت على أن الحياة السياسية في مصر تحتاج لمزيد من الانفتاح السياسي، والإفراج عن المعتقلين، وأن يكون هناك مساعٍ حقيقية لتحقيق انفراجة كبيرة في الحياة السياسية وفي العمل الحزبي، وكذلك في حرية الأشخاص والتعبير عن الرأي.
تغيير الدوائر الانتخابية
أما بخصوص الحديث حول تغيير الدوائر الانتخابية من أجل الاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة، قال عمرو هاشم ربيع إن النظام يريد أن يفعل كل شيء وأي شيء من أجل الاستمرار في تكميم الأفواه وغلق المناخ السياسي وأجواء العمل السياسي في مصر.
وأشار إلى أن النظام يريد عدم ترك أي فرصة لأي صوت معارض يستطيع أن يدخل البرلمان منه، ومن ثم فالوضع السياسي برمته بات بلا قيمة، وفق وصف عمرو هاشم ربيع. وأضاف أن الأمر بات خطيراً، ففي ظل غياب الرئيس عن السلطة لأي ظرف سواء موت أو مرض، ليس هناك أي بديل سياسي مدني يحل محله، ولن يكون هناك سوى الجيش الذي سيتدخل ويستولي على السلطة، على حد وصفه.
وأضاف عمرو هاشم ربيع: "ما يفعله السيسي الآن سوف يؤدي إلى العنف في مصر، إذ إن خنق المجال السياسي سوف يدفع المجتمع إلى الانفجار، وبعض الأطراف إلى ارتكاب العنف ضد السلطة".
وقال إن مخاوف السلطة من أن الانفتاح السياسي سيؤدي إلى تكرار تجربة حسني مبارك، وأن تقليل الضغوط في المشهد السياسي سوف تطيح بالسلطة، هي مخاوف غير منطقية. وشدد على أن السلطة الآن باتت متفرغة لإنشاء الطرق والكباري دون الاهتمام بالمشهد السياسي، مضيفاً: "زهقنا واتهرينا من الكباري والطرق".
في حين قالت مها عبد الناصر إن إنشاء الحزب يعود إلى اقتراب الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي محاولة من "النظام لترتيب أوراقه في الانتخابات، ومحاولة لخلق بدائل تسمح للسلطة بالسيطرة على كامل المشهد السياسي، وعدم السماح لأي معارض بالحصول على أي نسبة من المقاعد".
تأسيس الأحزاب
جدير بالذكر أن إعلان تدشين حزب الجبهة الوطنية جاء تحت شعار "مصر للجميع"، وأعلن حزب الجبهة الوطنية، قبل أيام، عن تشكيل الهيئة التأسيسية للحزب، التي بلغت 54 عضواً، ضمَّت وزراء سابقين ونواباً سابقين وحاليين وأعضاء بالحوار الوطني وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وكُتّاباً صحفيين ورجال أعمال.
وجاء من أبرز الأسماء عاصم الجزار، الذي شغل منصب وزير الإسكان السابق، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان منذ عام 2012، وكان قبلها نائب رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني لقطاع البحوث والدراسات والتخطيط الإقليمي. كما ضمّ السيد القصير، الذي شغل منصب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي السابق.
كما جاء ضمن التشكيل سحر نصر، التي شغلت منصب وزيرة التعاون الدولي، ثم مديراً تنفيذياً لبيت الزكاة والصدقات المصري، وهي أيضاً عضو مجلس أمناء بيت الزكاة والصدقات المصري. وكذلك محمود شعراوي، الذي شغل منصب وزير التنمية المحلية الأسبق، ورجل الأعمال محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب.
كما ضمّ الحزب شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق وأستاذ الفقه الإسلامي والشريعة بجامعة الأزهر، والكاتب الصحفي عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، وعضو مجلس الشيوخ، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، ومحمود مسلم، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ، وضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ونقيب الصحفيين السابق، والمنسق العام للحوار الوطني، وعلي عبد العال، عضو مجلس النواب ورئيس مجلس النواب السابق، ومحمد فرج حسام الدين، رئيس مجلس الدولة السابق.
كذلك ضمّ الحزب داليا السعدني، عضو مجلس النواب، وطاهر أبو زيد، وزير الشباب والرياضة الأسبق، وإيمان كريم، رئيس المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، ورجل الأعمال هاني محمود، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة في شركة "أم أم جروب" لصناعة الورق والتعبئة والتغليف، ومدحت العدل، رئيس جمعية المؤلفين، وآخرين.
أما بخصوص حزب الوعي، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة عودة حزب الوعي بثوب جديد، وبتشكيل يترأسه الدكتور باسل عادل، حيث أكد الحزب في بيان له أن حالة الوعي ترتبط بحالة الحوار. كما تعهد الحزب في بيانه الأول بالعمل على تحرير الفكرة الليبرالية من اللغط والعبث الذي ألحقته بها عقود من العمل السياسي المشوّه لمفهوم الليبرالية وحقيقتها التي تحترم الإنسان وإبداعه.
كما تعهد الحزب بالعمل على إيجاد مساحات مشتركة لحركة وفعل المصريين المتمسكين بالمبادئ والقيم الديمقراطية الليبرالية الحقيقية، وذلك من خلال مجموعة من المبادئ، منها اتباع نهج الاتزان وعدم التقليد، وتبني مفهوم التنوير في الخطاب العربي الحديث والمعاصر، الذي يشتمل على الوعي والنهضة والتقدم والتحديث والرقي والتمدن والتجديد، وفق بيان الحزب.
وقد قال باسل عادل، رئيس حزب الوعي، في تصريحات صحفية، إن الحزب حريص على ألا يكون من "المعارضة أصحاب الشعارات الرنانة على حساب البلد واستقرارها"، قائلاً: "مصر لا تحتمل، والمنطقة كلها على أعواد كبريت، لذلك نسعى لخلق حزب يكون ملاذاً آمناً للرأي الحر ويحظى بثقة كل أطراف العملية السياسية".