الحلبوسي يتقرب من “أعداء” الأمس.. التقى السوداني وتحالف مرتقب مع الصدر قبل الانتخابات العراقية

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/02 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
لقاء سابق بين محمد الحلبوسي ومحمد شياع السوداني/ أرشيف

عاد محمد الحلبوسي، الزعيم السُنّي العراقي ورئيس البرلمان السابق الذي غادره بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، إلى عقد التحالفات السياسية المثيرة للجدل مرة أخرى. وكشفت مصادر لـ"عربي بوست" عن تفاصيل التقارب بين الحلبوسي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

هذا التقارب بين الحلبوسي والسوداني استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول 2025، يأتي على حساب حلفاء الحلبوسي السابقين مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان داعمًا أساسيًا لرئيس البرلمان العراقي السابق، أو من أجل التخلص من الخصوم مثل الحزب الإسلامي العراقي.

من خلال هذا التقرير نستعرض تفاصيل الاجتماعات التي عقدها الحلبوسي والسوداني استعدادًا للاستحقاقات المقبلة، وكيف تحول فجأة رئيس الحكومة من "عدو" للحلبوسي إلى حليف محتمل؟ إضافة إلى الخلافات بين الحلبوسي وحلفائه القدامى، وكيف يبحث عن حلفاء جدد لتقوية حظوظه.

تفاصيل المصالحة بين الحلبوسي والسوداني

قالت مصادر سياسية مقربة من رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، لـ"عربي بوست"، إن الأخير التقى بمحمد الحلبوسي في جلسة وصفت بـ"الودية" لحل الخلافات بين الرجلين ومناقشة احتمالية التحالف في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول 2025.

ومنذ أن تولى محمد شياع السوداني منصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2022، دبت الخلافات بين السوداني والحلبوسي، واتهم رئيس البرلمان السابق رئيس الحكومة العراقية بأنه "لم ينفذ وعوده التي وعده بها لدعم حزب تقدم الذي يترأسه الحلبوسي لتشكيل السوداني للحكومة العراقية".

وقالت مصادر سياسية عراقية مقربة من الرجلين لـ"عربي بوست"، إن الخلافات بينهما كانت قد وصلت إلى حد الخلافات الشخصية وتبادل الاتهامات. وقال مصدر سياسي من الإطار التنسيقي الشيعي "إن الحلبوسي والسوداني لم يحبا بعضهما البعض إطلاقًا، وكانوا لا يلقون السلام على بعضهما البعض في الاجتماعات المغلقة".

والمثير للدهشة أنه في الآونة الأخيرة، لجأ الحلبوسي إلى التحالف مع نوري المالكي لاختيار محمود المشهداني رئيسًا للبرلمان العراقي، بعد أن تعرض الحلبوسي للنقد والغضب من قبل قادة الإطار التنسيقي الشيعي لتحالفه السابق مع مقتدى الصدر عقب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل في عام 2021.

وانضم الحلبوسي للتحالف الثلاثي (مقتدى الصدر، الحزب الديمقراطي الكردستاني، حزب تقدم) لتشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات بعيدًا عن الإطار التنسيقي الشيعي.

كما قالت مصادر مقربة من الحلبوسي لـ"عربي بوست"، إن الحلبوسي قد تعلم الدرس جيدًا خاصة بعد انسحاب مقتدى الصدر من الحياة السياسية في أغسطس 2021، وتركه لحلفائه دون أي دعم، وقرر الحلبوسي بعدها الانضمام إلى الحرس الشيعي القديم لضمان الحفاظ على نفوذه.

يترأس محمد الحلبوسي حزب تقدم - حساب الزعيم السني على فيسبوك
يترأس محمد الحلبوسي حزب تقدم – حساب الزعيم السني على فيسبوك

وبالعودة إلى المصالحة بين الحلبوسي والسوداني، يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي الشيعي ومطلع على هذه المصالحة: "الحلبوسي يلعب لعبة كبيرة يتحالف تارة مع المالكي، وتارة أخرى مع السوداني، في وقت حساس في العلاقة بين السوداني والمالكي الذي يريد التخلص من طموح السوداني السياسي، لكن الحلبوسي يريد الحصول على دعم كافة الأطراف في الانتخابات المقبلة".

ويحاول نوري المالكي قطع الطريق أمام السوداني الذي يتحالف مع زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الذي تحول من زعيم فصيل مسلح إلى زعيم سياسي في العامين الماضيين على خطى مقتدى الصدر. وزادت الخلافات بين المالكي والسوداني بعد أن بدأ الأخير في النأي بنفسه عن الإطار التنسيقي الشيعي الذي دعمه ليتولى الحكومة في أكتوبر 2022.

ويحاول السوداني بحسب المصادر العراقية تأسيس حزب سياسي جديد يخوض من خلاله الانتخابات البرلمانية الجديدة، أو الدخول في تحالفات سياسية قوية مع عدد من اللاعبين المؤثرين في المشهد السياسي العراقي، حتى أنه حاول التواصل مع قادة في التيار الصدري للتحالف معهم في الانتخابات المقبلة.

ويقول السياسي الشيعي من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "من الممكن أن يكون الحلبوسي قد تأكد من وجود تحالف قريب بين السوداني والصدر ويريد أن ينضم إليهم على غرار التحالف الثلاثي السابق".

وأضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "وفي نفس الوقت، إذا شعر الحلبوسي بأن مصلحته في الانتخابات القادمة مع نوري المالكي والإطار التنسيقي فإنه سوف يذهب إليهم بالتأكيد، وسيرحب به الإطار التنسيقي من أجل الحصول على أكبر عدد من مقاعد السُنّة لصالحهم في حالة حدوث مواجهة جديدة مرة أخرى مع الصدر".

هجوم محمد الحلبوسي على "الحلفاء القدامى"

لم تتوقف خطوات الحلبوسي الجديدة على المصالحة مع رئيس الوزراء العراقي، بل ذهب إلى الانقلاب على حلفائه القدامى من الحزب الديمقراطي الكردستاني، فعارض بشدة منح الحكومة الشرطة الإقليمية في إقليم كردستان (البيشمركة) أسلحة ثقيلة ومدافع، وقال إنه من الممكن استخدامها في الصراعات في كركوك والموصل.

وفي هذا الصدد، يقول سياسي سُنّي مقرب من حزب تقدم الذي يتزعمه الحلبوسي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، "الحزب الديمقراطي الكردستاني ليس الحليف الوثيق للحلبوسي في المرحلة القادمة، لكن مسألة معارضة صفقة الأسلحة للبيشمركة نابعة من قلق حقيقي لدى الحلبوسي".

ولكن سياسي كردي من الحزب الديمقراطي الكردستاني قال لـ"عربي بوست": "الحلبوسي بدأ في فتح النار على حلفائه القدامى من أجل كسب ود الإطار التنسيقي الشيعي، فعقد الصفقات مع الخزعلي وريان الكلداني للسيطرة على محافظة كركوك على حساب الأكراد والتركمان".

ولم يكتفِ محمد الحلبوسي بانتقاد الحزب الديمقراطي الكردستاني بل قدم دعاوى قضائية ضد هوشيار زيباري، السياسي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الخارجية العراقي السابق، بتهمة الإساءة والتشهير بسبب تغريدة لزيباري على حسابه في موقع "إكس" قال فيها "إن هناك محاولات لإغراق البلاد في أزمة وعلى رأس هذه المحاولات الحلبوسي".

وتقول مصادر شيعية عراقية لـ"عربي بوست"، إن الحلبوسي تحالف مع الاتحاد الوطني الكردستاني المقرب من الشيعة في بغداد، وإيران، من أجل السيطرة على كركوك. وقال سياسي شيعي من الإطار التنسيقي: "إن الحلبوسي يحاول إثبات ولائه الجديد للإطار التنسيقي الشيعي من خلال التحالف مع حلفاء الإطار من الأكراد".

الزعيمين السنيين في العراق محمد الحلبوسي وخميس الخنجر
الزعيمين السنيين في العراق محمد الحلبوسي وخميس الخنجر

محاولات التخلص من "الخصوم"

على ما يبدو فإن الحلبوسي عازم على التخلص من خصومه القدامى: الحرس السُنّي القديم (خميس الخنجر، رافع العيساوي، أسامة النجيفي). ويقول سياسي سُنّي معارض للحلبوسي: "بعد أن عاد الحلبوسي من زيارته الغريبة لواشنطن، يريد التخلص من كل خصومه السُنّة دفعة واحدة للتأكيد على زعامته للسنة في العراق".

كان محمد الحلبوسي قد زار واشنطن في وقت سابق من شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، والتقى بعدد من المسؤولين الأمريكيين، وقال إن الزيارة جاءت بتنسيق من الحكومة العراقية لمناقشة شراكة واستثمار الجانب الأمريكي في قطاع الطاقة في العراق، دون الإفصاح عن أي تفاصيل أخرى.

ويقول السياسي السني: "إنه يريد التصدر كأنه زعيم السُنّة ولا يريد تقاسم السلطة في الأنبار مع أي أحزاب سُنّية أخرى، وفي الأيام القليلة الماضية يحاول توجيه الاتهامات لخميس الخنجر وغيره من القادة السُنّية بتهم التشهير والإساءة، وبوضوح الحلبوسي يريد التخلص من الخنجر المنافس الأقوى له في الساحة السياسية السُنّية".

ويرى المصدر ذاته أن في معركة النفوذ بين الخنجر والحلبوسي، لجأ الأخير إلى الحصول على دعم الإطار التنسيقي لكسب المزيد من النفوذ. ويقول: "الإطار سعيد بهذه الانقسامات فهي تقوي موقفه في السيطرة على السلطة، والحلبوسي بدلاً من التعاون مع الأحزاب السُنّية الأخرى، يعطي الإطار ذريعة لاستغلال الانقسامات السُنّية".

وأضاف المصدر لـ"عربي بوست": "الحلبوسي لديه حلم الزعامة ولن يتخلى عنه حتى لو دخل في عدوات وخصومات مع الجميع، المهم في النهاية أن يكون هو الزعيم الوحيد للسُنّة في العراق".

"خصوم" جدد للحلبوسي

لم يكتفِ الحلبوسي بالتقرب من الإطار التنسيقي الشيعي ولا من انتقاد حلفائه القدامى من الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولا حتى من استمراره في معركته ضد خصومه السُنّة، بل فتح بابًا جديدًا للخصومة مع الحزب الإسلامي العراقي، أي الإخوان المسلمين في العراق.

وصرح الحلبوسي قائلاً إن قادة الحزب الإسلامي، يريدون الاستحواذ على المشهد السياسي السُنّي في العراق ويحاولون إظهار أنفسهم على أنهم المرجعية الدينية السُنّية. ويبرر الحلبوسي هذه التصريحات باستغلال قضية قانون الأحوال الشخصية المثيرة للجدل، ومحاولة إظهار أنفسهم وكأنهم السلطة الدينية الأعلى للعراقيين السُنّة.

وقال محمد الحلبوسي إن المجمع الفقهي السُنّي لن يكون المرجعية الدينية السُنّية في العراق، ولا يمكنه ممارسة الوصاية الدينية على العراقيين السُنّة. لكن في عام 2020، زار الحلبوسي المجمع الفقهي السُنّي في بغداد، والتقى برئيسه الشيخ أحمد حسن الطه، وأكد في هذا اللقاء على مكانة المجمع الفقهي السُنّي كمرجعية دينية للسُنّة العراقية.

وبعد انتشار انتقاداته للإخوان المسلمين، تم حذف المقاطع المصورة الخاصة بهذا اللقاء من جميع حسابات محمد الحلبوسي على مواقع التواصل الاجتماعي.

الحلبوسي والكاظمي / رويترز
الحلبوسي والكاظمي / رويترز

ويقول محمد الدليمي، عضو الحزب الإسلامي العراقي لـ"عربي بوست": "الحلبوسي الذي ينتقد الإخوان المسلمين الآن، تحالف معهم في الانتخابات البرلمانية لعام 2021. هذا جنون، ونحن غير منشغلين ولا مهتمين بقانون الأحوال الشخصية كما يدعي، ولم نقُل أننا المرجعية الدينية للسُنّة، ولكنه يريد التخلص من الجميع لتحقيق أهدافه".

كما اتهم محمد الحلبوسي الإخوان المسلمين في العراق بأنهم من يقف وراء شائعات إنشاء إقليم سُنّي مستقل، وأنهم نشروا أخبارًا ملفقة حول هذا الأمر، لأنهم حاولوا السيطرة على محافظة الأنبار وفشلوا.

وفي هذا الصدد، يقول سياسي سُنّي داعم للحلبوسي لـ"عربي بوست": "المسألة ليست خصومة سياسية بين الحلبوسي والإخوان المسلمين، ولكنها محاولة من الحلبوسي لمنع إثارة الفتن. الإخوان حاولوا السيطرة على الأنبار من خلال الانتخابات ولكنهم فشلوا، لذلك لجأوا إلى إثارة الشائعات من أجل تحريض الإطار التنسيقي على الحلبوسي".

وقالت مصادر سياسية سُنّية معارضة للحلبوسي لـ"عربي بوست": "إن الحلبوسي بانتقاده للإخوان المسلمين يحاول خلق عداوات جديدة لإثبات نفسه بأنه الزعيم السُنّي العلماني الوحيد، مستغلاً قلق بعض الدول الإقليمية من وجود الإسلام السياسي السُنّي في العراق، خاصة في ظل التطورات التي حدثت في سوريا".

ويقول مصدر سياسي سُنّي معارض للحلبوسي لـ"عربي بوست": "الحلبوسي يريد ضمان الدعم الإماراتي من خلال اتهام جميع خصومه السُنّة بأنهم إما بعثيون أو إخوان مسلمون. نعلم أن الإمارات تدعمه ماليًا ولا تريد أن ترى إسلاميين في العراق. بدعمه المالي للحلبوسي في الانتخابات المقبلة، سوف يضمنون هذا الشيء".

كما اتهمت المصادر السياسية السُنّية المعارضة للحلبوسي والتي تحدثت لـ"عربي بوست"، محمد الحلبوسي بأنه هو من كان وراء فكرة إنشاء إقليم سُنّي مستقل على غرار إقليم كردستان. واجتمع بعدد من القادة السُنّة منذ عام 2020 لمناقشة الأمر، وأنه كان يستغل هذه المسألة للضغط على الإطار التنسيقي الشيعي.

تحميل المزيد