تنازع المصالح يلاحق رئيس الحكومة المغربية.. لماذا اتُّهم أخنوش باستغلال منصبه، وماذا يقول القانون؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/02 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربي / صفحة أخنوش على فيسبوك

بشكل مثير للغاية، دافع رئيس الحكومة المغربية، ورجل الأعمال، عزيز أخنوش، عن فوز إحدى شركاته بصفقة إنشاء وإدارة محطة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء، في إطار جهود المملكة للتخفيف من آثار الجفاف، ما خلّف جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية المغربية، واتهام أخنوش بتنازع المصالح.

وفي محاولة للتبرير، الملياردير أخنوش، الذي تصل ثروته إلى نحو 1.7 مليار دولار وفق آخر الأرقام التي أعلنتها "فوربس"، قال خلال جلسة برلمانية إن الشركة المملوكة له قدّمت أحسن عرض، ما مكّنها من الظفر بهذه الصفقة، وأن السعر الذي قدّمته هو الأفضل.

التبريرات التي ساقها عزيز أخنوش تسببت في سجالات حادة داخل البرلمان المغربي، إذ لم تتردد المعارضة في الاحتجاج على سياسة تتميز بتفاقم تضارب المصالح والتشريع والدعم على مقاس رجال الأعمال، في عهد الحكومة الحالية برئاسة واحد من أكبر رجال الأعمال في المغرب.

محطة تسيل لعاب المستثمرين

تعد محطة المياه هذه، التي فازت بها شركة رئيس الحكومة، الأكبر في إفريقيا، وأعطيت انطلاقة الأشغال بها في يونيو/حزيران الماضي بجماعة المهارزة الساحل ضواحي الجديدة، وتكلف استثماراً يبلغ 6.5 مليار درهم تمت تعبئته في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.

جاء المشروع في إطار استراتيجية حكومية تهدف للتصدي لشبح العطش والحفاظ على الفرشة المائية، ويتعلق الأمر بالبرنامج الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي أقرّته الحكومة السابقة، وخصّص له ميزانية 143 مليار درهم.

ولهذا، أعلن المكتب الوطني للكهرباء والماء-قطاع الماء (حكومي)، خلال شهر مارس/آذار 2022، عن مسطرة التأهيل المسبق لاختيار قائمة محدودة من المترشحين (شركات أو مجموعات الشركات) القادرين تقنياً ومالياً على تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر لجهة الدار البيضاء.

عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية
عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية

واشترط القائمون على مشروع محطة مياه البحر بالدار البيضاء أن يكون إمداد هذه المحطة بالطاقات المتجددة، بهدف رئيس يتمثل في إنتاج وتوريد الصبيب المحدد لتلبية الاحتياجات المطلوبة من الماء الصالح للشرب وماء الري، مع احترام معايير الجودة الوطنية.

لعاب المستثمرين الأجانب والمحليين سال على المشروع، وسارع أخنوش بدوره للدخول في ذلك التنافس بمجموعته العائلية الخاصة، وبشركة أخرى جديدة هي تحالف ثلاث شركات، ثم رست الصفقة في الأخير على الملف الذي قدّمه رئيس الحكومة وشركاؤه.

لا مساواة بين المتنافسين

يستند منتقدو رئيس الحكومة إلى أن مشروع محطة تحلية المياه بجهة الدار البيضاء يندرج تحت القانون رقم 12-86 المتعلق بعقد الشراكة بين القطاع العام والخاص (PPP)، وبذلك تمر عملية الانتقاء بما يسمى "الحوار التنافسي" الذي تديره لجنة وطنية يترأسها ويعيّنها رئيس الحكومة، وفقاً للمرسوم 703-20-2.

يقول رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي: "إنها ممارسة لا علاقة لها بالمساواة بين المتنافسين في الولوج إلى الصفقات العمومية. إنها تجسيد فج لزواج السلطة بالمال واستغلال واضح لمواقع الامتياز والسلطة".

وأضاف الغلوسي في تصريح لـ"عربي بوست": "إن مقتضيات الفصل 36 من الدستور تحيلنا إلى الفصل 245 من القانون الجنائي، الذي يبقى غير بعيد عن حالة صفقة تحلية مياه البحر".

وأوضح الغلوسي أن الفصل "ينص على أن كل موظف عمومي أخذ أو تلقى أي فائدة في عقد أو دلالة أو مؤسسة أو استغلال مباشر يتولى إدارته أو الإشراف عليه، كلياً أو جزئياً، أثناء ارتكابه الفعل، سواء قام بذلك صراحة أو بعمل صوري أو بواسطة غيره، يعاقب بالسجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات وبغرامة من 5 آلاف درهم إلى 100 ألف درهم".

كما يوضح المحامي والفاعل في حماية المال العام أن "المقصود هنا بالموظف العمومي ليس بمفهومه الإداري، بل بمعناه الجنائي، كما يفيد ذلك الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي".

مؤشرات تورط عزيز أخنوش

لعرض المزيد من المؤشرات الصريحة على تنازع المصالح التي تورط فيها عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، ومالك أكبر شركة محروقات في البلاد، عقد رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية المعارض، إدريس الأزمي، مؤتمراً صحفياً بالعاصمة المغربية الرباط، خصصه للتفصيل في صفقة محطة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء.

وكشف إدريس الأزمي، أمام الصحافيين، أن دفتر التحملات يقصي، من الأصل، من الترشح للصفقة من له وضعية تخوّله امتيازاً غير مستحق على باقي المرشحين، ورئيس الحكومة على دراية بتفاصيل الصفقة، وإن لم يكن كذلك، فهناك شبهة واقعة لا يمكن نفيها.

الوزير الأسبق المكلف بالميزانية ربط فوز الشركة المعنية بالصفقة بتعديل أُدرج في إطار مشروع قانون المالية لعام 2023 بخصوص الضريبة على الشركات، الذي ينص على تطبيق ضريبة 20 في المائة فقط بدل 35 في المائة على كل الشركات التي تستثمر مبلغاً لا يقل عن 1.5 مليار درهم مع الدولة، بشرط أن تكون الشركة قد أُنشئت اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2023.

واعتبر إدريس الأزمي خلال المؤتمر الصحفي أن كل هذه الشروط تتوافق مع الشركة التي فازت بالمشروع "البيضاء لتحلية المياه"، والتي أُحدثت في 15 يناير/كانون الثاني 2024.

الافتقار لقوانين واضحة

الكل يتفق، في حديثه عن تنازع المصالح، أن تعريفه وارد في الفصل 36 من دستور المملكة المغربية، الذي اعتبرها مخالفة تستوجب وجود جزاء.

وقال أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، عبد الحفيظ اليونسي، إن "الحاصل في المغرب أننا نفتقر لقانون ينظم ظاهرة تنازع المصالح. صحيح هناك قوانين تشير إلى حالات التنافي، لكنها لا تنسجم والتوصيف الدستوري لتنازع المصالح باعتباره مخالفة".

في هذا الإطار، كانت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة (رسمية) قد طالبت الحكومة بضرورة الإسراع بإصدار قانون حول تضارب المصالح، كفيل بتنزيل أحكام الدستور التي تجعل من التجاوزات المرتبطة بتضارب المصالح أفعالاً يعاقب عليها القانون.

وأضاف اليونسي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "في ظل الفراغ القانوني في المغرب، وصعود القطاع الخاص للقيام بوظائف الدولة، تغوّل المال في مقابل آليات كبحه".

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن "معضلة تضارب المصالح استفادت من سيطرة الأعيان على المؤسسات المنتخبة، علاوة على بداية تغلغل الرأسمال في الجهاز الإداري (السلطة الإدارية العليا)؛ ونتيجته الإعفاءات الضريبية التي تكون برسم كل سنة مالية، وتعدها مديرية تقنية بوزارة المالية، هدفها أساساً خدمة لوبيات تشتغل في قطاعات مختلفة، وهنا مكمن الخطر".

اتهامات جديدة بـ"تضارب المصالح"

قبل أن تهدأ عاصفة استفادة عزيز أخنوش من منصبه للفوز بصفقة مشروع تحلية مياه البحر، يواجه رئيس الحكومة المغربية اتهامات جديدة بـ"تضارب المصالح"، بعد أن تمكنت شركة "أفريقيا" المملوكة له من نيل صفقة لتوريد "الفيول" لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء، بقيمة 2.44 مليار درهم (نحو 240 مليون دولار أمريكي).

وتشمل الصفقة التي فازت بها شركة رئيس الحكومة المغربية، وفق ما تناقلته منابر إعلامية محلية، تزويد محطتي المحمدية وطانطان بحصص تبلغ 350 ألف طن و90 ألف طن على التوالي.

وفي تعليقه على ذلك، جدد القيادي في حزب العدالة والتنمية المعارض، عبد العزيز أفتاتي، تأكيده على أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش يستغل سلطته لتركيز وافتراس المال واستثمار الأعمال "لتأبيد السلطة في متوالية لا تنتهي وهكذا دواليك".

وقال أفتاتي، للموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، إن هذه الصفقة كانت ضمن البرنامج التوقعي للسداسي الثاني لـ2024 للمكتب الوطني للكهرباء، معتبراً إياها "شفطة أخرى تنضاف لشفطات سابقة كبيرة ومروعة ستتلوها أخرى وعلى منوالها".

وحسب أفتاتي، فإن "الذي لا يُتحدث عنه، هو أن هذه برمجة منسقة لتحالف الرأسمال الكبير الريعي ببلادنا، قصد مزيد من تركيز الثروة وافتراس الأعمال، والصفقات البعيدة المدى وما فوق مربحة، وذلك كله بدعاوى مزيفة، تشكيل مجموعات وطنية منافسة للرأسمال الأجنبي".

تحميل المزيد