شد وجذب بين الحكومة والأطباء بمصر بسبب “الحبس الاحتياطي”.. ومصادر: ضغوط وراء تأجيل “عمومية النقابة”

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/02 الساعة 18:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
أطباء في أحد المستشفيات المصرية/ رويترز

تشهد مصر حالياً حالة من الشد والجذب بين الحكومة من جهة، وبين نقابة الأطباء، والتي تتضامن معها نقابات أخرى، من جهة أخرى، وذلك على خلفية مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي تقدمت به الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الصحة، إلى مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، وتمت الموافقة عليه نهائياً الأسبوع الماضي.

هذا القانون أثار حالة من الغضب بين جموع الأطباء، انتهت بتهديد اتحادات نقابات المهن الطبية بالتصعيد في مواجهة إصرار الحكومة على تمريره. وفي المقابل، بدأت الحكومة تمارس ضغوطاً قوية على مجلس نقابة الأطباء، انتهت حتى اللحظة بإعلان النقابة تأجيل انعقاد جمعيتها العمومية الطارئة، التي كان مقرراً عقدها الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، لمدة شهر، معللة ذلك بـ"لحين إصدار المسودة النهائية من مشروع قانون المسؤولية الطبية".

كما أوضحت مصادر مطلعة أن هناك تقارير أمنية تم رفعها إلى المسؤولين تحذر من لجوء الأطباء إلى التصعيد بسبب القانون، في ظل حالة الاحتقان السائدة "بسبب أوضاعهم الاقتصادية المزرية"، وأن إضافة قوانين تكبلهم، وتحبسهم، وتفرض عليهم غرامات، يؤدي إلى مظاهرات وانفلات الأوضاع وانفجارها، ليس على مستوى نقابة الأطباء فقط، "ولكن هناك معلومات عن انضمام نقابات مهنية أخرى إليها تضامناً أو تضرراً من الحكومة".

إلغاء الجمعية العمومية للأطباء

قال مصدر مطلع بمجلس نقابة الأطباء لـ"عربي بوست" إن إلغاء الجمعية العمومية غير العادية لم يحظَ بتوافق غالبية أعضاء المجلس، بل إن القرار جرى التمهيد له وإصداره دون أن يطلع عليه جميع أعضاء المجلس، مع الإصرار على انعقاد الجمعية العمومية وعرض بنود القانون عليها، مشيراً إلى أن الإلغاء يضر بالحركة النقابية وسيقود إلى انقسام واسع بين أعضاء المجلس الحالي.

وأضاف المصدر ذاته أن الضغوط والاتهامات بإثارة البلبلة لم تتوقف على مجلس النقابة من جانب أعضاء في البرلمان ووزير الصحة خالد عبدالغفار، بهدف إلغاء الجمعية العمومية، بحجة أن البرلمان استجاب لمطالب الأعضاء مع إلغاء الحبس الاحتياطي، على حد قوله.

وذكر أن مجلس النقابة رفض الاستجابة لتلك الضغوط قبل أن يذهب البرلمان لاتخاذ خطوة وصفها بـ"الخادعة"، إذ قام بتعديل المادة الخاصة بحبس الأطباء في حالة الأخطاء المهنية، وفي المقابل وضع عبارات فضفاضة في تعريف الخطأ الجسيم، بينها "رعونة الطبيب"، وهو ما واجه اعتراضات من الأطباء.

وشدد على أن الوضع الحالي، الذي ينص فيه قانون العقوبات على الحبس في حال الخطأ الجسيم، أفضل من نص القانون الجديد، الذي يدعم حبس الأطباء مع رفض الاستجابة لمطالب الاستعانة بتجارب الدول العربية الشقيقة التي لديها قوانين مماثلة للمسؤولية الطبية.

الضغوط الأمنية وراء الإلغاء

كانت نقابة الأطباء قد دعت إلى جمعية عمومية غير عادية يوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، حيث كان من المتوقع أن يشهد ذلك اليوم تصعيداً ومظاهرات اعتراضاً على القانون من جانب الأطباء، مما اضطر الحكومة المصرية إلى الاستجابة أمام عاصفة الرفض الواسعة للقانون، بحسب المصادر الحكومية.

وعند التوجه بالسؤال لمسؤول أمني مطلع حول ما إذا مارست الأجهزة الأمنية أو الحكومة ضغوطاً على نقيب الأطباء لتأجيل الجمعية العمومية، لم يعطِ المصدر إجابة واضحة، قائلاً: "الوقت ليس مناسباً لانعقاد جمعية عمومية من شأنها إثارة البلبلة بين أفراد الشعب المصري، فالطبيب مواطن مصري والمريض مواطن مصري".

وأضاف: "هناك من يصطاد في المياه العكرة وينفخ في العلاقة المتوترة بالفعل بين الأطباء والمرضى ويدعو إلى مظاهرات لرفض القانون، وذلك ليس في مصلحة الوطن في الوقت الحالي"، على حد قوله، رافضاً توضيح السبب وراء ذلك.

من جانبه، أشار مصدر مطلع في حزب "مستقبل وطن" المقرب من الحكومة، إلى أن بعض أعضاء الحزب مارسوا ضغوطاً وتهديدات على مجلس النقابة للتراجع عن عقد الجمعية العمومية لنقابة الأطباء في موعدها. لكن المصدر رفض التصريح بطبيعة هذه التهديدات وإلى من وُجِّهت تحديداً.

التسويق لإلغاء الحبس الاحتياطي.. ضرره أكثر من نفعه

وذكرت مصادر حكومية مطلعة لـ"عربي بوست" أنه في إطار محاولة السيطرة على حالة الغضب التي اجتاحت الأطباء، تم إلغاء المادة 29، والخاصة بجواز حبس مقدم الخدمة الطبية "احتياطياً" في الجرائم التي تقع منه أثناء تقديم الخدمة الطبية أو بسببها. وقامت لجنة الصحة بمجلس النواب (الغرفة الأولى)، خلال اجتماعها الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول برئاسة الدكتور أشرف حاتم، رئيس اللجنة، بالموافقة على إلغاء المادة بعد إدخال بعض التعديلات استباقاً للجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء.

انقسام داخل مجلس النقابة

هذه التعديلات لاقت ترحيباً من بعض أعضاء النقابة، ومنهم نقيب الأطباء، لكنها لم تعجب قطاعاً واسعاً من الأطباء الذين تحدث معهم "عربي بوست". وأشار هؤلاء إلى تجاهل الحكومة مشروع قانون تقدمت به نقابة الأطباء منذ سنوات، يطالب بإدخال تعديلات جذرية على القانون الحالي أو الاستعانة بالقانون الذي وضعته النقابة في السابق.

وذكر مصدر في نقابة الأطباء أن كلمة نقيب الأطباء، التي وجهها يوم الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول، والتي شكر فيها لجنة الصحة والسكان بالبرلمان المصري، ووصفها بـ"سعة صدرها" لاهتمامها بملاحظات النقابة، تسببت في انقسامات شديدة داخل مجلس النقابة.

يقول المصدر: "أطباء كثر يشعرون أن الحكومة تحاول إرضاء متلقي الخدمة الطبية على حساب مقدمها، فمن ناحية تمتص حالة الغضب جراء رفع أسعار الخدمات في جميع المستشفيات، ومن جهة أخرى ستتمكن من فرض زيادات جديدة على المرضى بدون اعتراضات".

مخاوف الأطباء بشأن الحبس الاحتياطي

قال مصدر مطلع بنقابة الأطباء، إن حذف المادة 29 من قانون المسؤولية الطبية لا يعني إلغاء الحبس الاحتياطي للأطباء، لأن القانون لم يذكر بشكل مباشر حظر حبس الأطباء احتياطياً في قضايا الخطأ المهني. وأشار إلى أن هناك مواد في قانون العقوبات المصري، مثل المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، تتيح إمكانية حبس الأطباء احتياطياً.

وأوضح الأطباء أنه طالما هناك إمكانية لحبس الأطباء من جانب المحكمة، فإن مطالبهم لم تتحقق. وأشاروا إلى أن التسويق لإلغاء الحبس الاحتياطي قد يكون ضرره أكبر من نفعه، لأنه لم يتم معالجة المشكلة جذرياً.

تأكيدات بشأن الأخطاء الجسيمة

شدد الأطباء على أن النقابة لم تعترض على حبس الأطباء الذين يرتكبون أخطاء عمدية أو يعملون دون ترخيص، أو يقومون بعمليات ختان إناث أو إجهاض غير شرعي، بل يطالبون بإعفاء الأخطاء غير المقصودة من الحبس، كما هو متعارف عليه عالمياً.

وأضاف: "مش ممكن يكون غرض الدولة مع فئة هامة تقدم خدمات حيوية أن نكبلها أو نصدر أحكاماً تؤدي إلى ضرر. والذي يفكر بهذه الفكرة مريض، لأن الدولة تكبر بكوادرها. ومن يفكر في وجود مؤامرة على فئة معينة في المجتمع، تفكير مريض. لكن التفكير الصحيح هو أن كل الأفكار تُدرس وتوضع في سياقها، ونستعين بالقانونيين لأنهم أدرى بفلسفة المقترحات".

وبحسب مصدر حكومي مسؤول بوزارة الصحة تحدثنا إليه، فإن الاعتداد فقط برؤية نقابة الأطباء به تجاوز في حق المرضى، موضحاً أن المهم هو تقديم قانون يحقق مصلحة الطرفين، مشيداً بتدرج العقوبات بين الأخطاء التي تكون دون قصد واختلافها عن التي تكون نتيجة عدم تقدير، وكذلك تختلف عن الخطأ الطبي البسيط، وبالطبع تختلف عن الإهمال الجسيم. فالقانون يوفر التأمين الكامل للعاملين في القطاع الطبي.

ويقول المصدر ذاته إن استجابة البرلمان للجزء الأكبر من مطالب الأطباء سببها الخوف من التصعيد، وكان من الضروري تفويت الفرصة على دعوات التظاهر أمام دار الحكمة في منطقة وسط القاهرة، إلى جانب عدم الدخول في أزمة مع النقابات المهنية المختلفة، خاصة أن العديد من النقابات أبدت دعمها للأطباء، بينها نقابة المهندسين والصحفيين، إلى جانب اتحاد المهن الطبية. كما أن هناك مخاوف حقيقية لدى المسؤولين المصريين من لجوء الأطباء إلى الإضراب أو هجرة المزيد منهم للخارج، في ظل التراجع الملحوظ في أعدادهم، وخاصة الأكفاء منهم.

انخفاض عدد الأطباء في مصر

وكشفت دراسة حكومية مصرية، أن عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء في مصر، باستثناء من بلغوا سن المعاش، يبلغ حوالي 212 ألفاً و835 طبيباً. يعمل منهم حالياً في جميع قطاعات الصحة، سواء بالمستشفيات التابعة لوزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية الحكومية أو القطاع الخاص، حوالي 82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38% من عدد الأطباء المسجلين.

وتعني تلك الإحصائية أن 62% من الأطباء المسجلين في مصر خارج المنظومة الطبية، إما بسبب السفر إلى الخارج للعمل أو لاستكمال الدراسات العليا، أو بسبب الحصول على إجازات بدون راتب، أو الاستقالة نهائياً من العمل الحكومي وتغيير المهنة.

https://twitter.com/BobFairhair/status/1870947066349818287

إحصائيات مقلقة

ويفيد الجهاز المركزي للإحصاء في مصر بانخفاض عدد الأطباء إلى 97.4 ألف طبيب في عام 2022، مقابل 100.7 ألف طبيب في عام 2021، بانخفاض بلغت نسبته 3.3%. وبحسب تلك البيانات، فإن عام 2022 شهد استقالة أكثر من 4300 طبيب مصري يعملون بالمستشفيات الحكومية، وهو العدد الأكبر خلال السنوات السبع الماضية، بمعدل يصل إلى 13.5 طبيب كل يوم. إذ تضاعف العدد من 1044 استقالة عام 2016 إلى 4127 استقالة عام 2021.

أزمة مرتقبة بين الأطباء والنقابات المهنية

تقول الحكومة إن مشروع القانون يهدف إلى تحقيق العدالة. وينطلق من المبادئ الأساسية، وهي حماية حقوق المرضى من خلال ضمان حصولهم على خدمات طبية عالية الجودة ومعاقبة الإهمال أو التقصير الذي قد يؤدي إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم، وتشجيع الكفاءة الطبية عبر وضع معايير واضحة تحفز الممارسين الطبيين على الالتزام بأعلى درجات المهنية والدقة في عملهم، مما يُسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية.

ووضع القانون نظاماً للتسوية الودية بين مزاولي المهن الطبية ومتلقي الخدمة، تتولاه لجنة خاصة برئاسة عضو من جهة أو هيئة قضائية تحت إدارة اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض؛ للتقليل من مشقة ومعاناة متلقي الخدمة المضرور أو ذويه، والحفاظ على وقت وجهد مزاول المهنة الطبية، واعتبار الاتفاق على التسوية أمام اللجنة له قوة السند التنفيذي ومنهياً للنزاع المدني في هذا الشأن.

لكن المصدر الذي تحدثنا إليه شدد على أن الحكومة، بحسب نص القانون الحالي، يمكن أن تتسبب في أزمة بين نقابة الأطباء وغيرها من النقابات المهنية بعدما أتاحت الاستعانة بأعضاء آخرين من المهن الطبية لتقرير ما إذا كان الطبيب يتحمل المسؤولية الطبية الناتجة عن الخطأ من عدمه. فضلاً عن أن اللجنة تتشكل من خمسة عشر عضواً؛ قانونيان، وثلاثة عمداء كليات طب، وخبيران مرموقان، وسبعة أطباء يمثلون جهات حكومية، بينما لا يوجد إلا عضو واحد فقط من نقابة الأطباء.

وأوضح أن الجمعية العمومية للأطباء ستكون في موعدها بالرغم من محاولات وتصريحات وضغط من بعض الجهات للتهدئة، لكن لم يحدث تطور يذكر يجعل النقابة تتخذ قراراً بإلغائها.

ووضع مشروع القانون عقوبات على مقدم الخدمة الطبية في حالة ارتكابه خطأ طبياً أدى إلى وفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة، وفرق بين عقوبة الخطأ الطبي، والخطأ الطبي الجسيم، والخطأ الناتج عن تعاطي مقدم الخدمة مواد مخدرة.

مخاوف الأطباء بشأن القانون

يؤكد المصدر أن القانون سيكون له آثار كارثية على الأطباء والمرضى، ويخلق خصومة وحالة من العداء بينهما. ويتوقع أن عدداً كبيراً من الأطباء سيمتنعون عن علاج الحالات المعقدة والمتقدمة والحرجة بشكل سريع، مما يسبب معاناة للمرضى وتوتراً في العلاقة بين الطبيب والمريض. والنقابة لا ترغب في تصاعد المواجهات بينهما، تحديداً في ظل ضعف الإمكانيات الطبية التي تجعل التعويل الأكبر على كفاءة الطبيب.

وينتظر الأطباء أيضاً إلغاء المادة 27 من قانون نقابة الأطباء، إذ نصت على معاقبة الطبيب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة إذا تسبب بخطأ طبي أدى إلى وفاة المريض.

اقتراحات وتعديلات مطلوبة

كما ينتظر قطاع من الأطباء قيام نقابة الأطباء بإخراج مشروع القانون الذي تقدمت به للبرلمان من الأدراج، لأنه جرى وضعه على أسس علمية، وعلى الأقل الاستفادة منه بشأن المواد الخاصة بأخطاء الأطباء. ويفرق هذا المشروع بين المضاعفات، والأخطاء، والجرائم الطبية، أسوة بتشريعات مماثلة في الدول الأخرى.

وأضاف هؤلاء أن مجلس النواب لن يخترع العجلة، فهناك العديد من قوانين المسؤولية الطبية المطبقة في عدد من الدول العربية يمكن العودة إليها بعد أن قادت بشكل ملحوظ إلى تحسين الخدمة الصحية. وأشارت نقابة الأطباء إلى استعانتها بهذه القوانين عند تقدمها بمشروع القانون إلى مجلس النواب قبل ثلاث سنوات تقريباً. كما أنه لا يمكن تمرير القانون بشكله الحالي مع صدوره من وزارة الصحة دون عرضه على الأطباء المتخصصين، وهؤلاء قد تكون لديهم آراء أكثر وضوحاً حول تعريف الخطأ الطبي.

النقابة وإحالة الأطباء للتحقيق

وشدد هؤلاء على أن نقابة الأطباء لا تعارض إحالة الطبيب إلى النيابة العامة في حال ثبت أن هناك إهمالاً طبياً جسيماً، وهو أمر متبع في جميع الدول بما يضمن حماية المريض أيضاً. وأشاروا إلى أن ذلك يحدث بشكل متكرر، مع حالات مختلفة أبرزها حالة المذيعة المصرية إيمان الحصري، إذ قاد إهمال الطبيب المعالج إلى حبسه لمدة عامين.

وأوضح البعض أن هناك ضرورة لتعديل المادة 18 من القانون لتصبح لجنة المسؤولية الطبية العليا هي الخبير الفني لجهات التحقيق والتقاضي، ولا يجوز التحقيق مع الطبيب أو اتخاذ إجراءات من إجراءات التحقيق إلا بعد صدور تقرير لجنة المسؤولية الطبية.

تحميل المزيد