المغرب يستعد لفتح حدوده أمام سلع سبتة ومليلية لكن بشروط.. تفاصيل اتفاق أغضب مسؤولين في مدريد

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/02 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
المعبر الحدودي بين المغرب ومدينة سبتة (مواقع التواصل الاجتماعي)

رغم تحسن العلاقات بين المغرب وإسبانيا خلال السنوات الأخيرة، منذ إعلان مدريد عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط لحل ملف الأقاليم الصحراوية، إلا أن ملف فتح الحدود التجارية بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين للسيادة الإسبانية، ظل عالقاً منذ قرار المغرب وضع حد لـ"التهريب المعيشي".

لكن مؤخراً بدأت تظهر بوادر لحل أزمة المعابر التجارية في سبتة ومليلية بين المغرب وإسبانيا، وكشفت تقارير إسبانية أن سلطات مدريد بدأت فعلاً في التواصل مع رجال أعمال في المدينتين المحتلتين للاستعداد لاستئناف إدخال بعض البضائع إلى المغرب، في انتظار الإعلان عن ذلك بشكل رسمي في الرباط ومدريد.

فما هي تفاصيل هذا الاتفاق المنتظر بين المغرب وإسبانيا بشأن المعابر التجارية في سبتة ومليلية؟ ولماذا اعتبره سياسيون إسبان "انتصاراً" للمغرب في حربه على السلع القادمة من إسبانيا؟ وكيف ستستفيد الرباط من هذا الاتفاق المنتظر أن يبدأ العمل به خلال الأسابيع المقبلة؟

إغلاق الحدود التجارية مع سبتة ومليلية

ظلت الحدود البرية بين سبتة ومليلية الخاضعتين للاحتلال الإسباني والمملكة المغربية مفتوحة طيلة 60 عامًا، ونشط معها ما يسمى بـ"التهريب المعيشي"، حيث كان يشتغل آلاف المغاربة من الرجال والنساء في إدخال البضائع الإسبانية إلى مدينتي الفنيدق الحدودية مع سبتة والناظور على الحدود مع مليلية.

غير أن الوضع سيتغير في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما أعلنت السلطات المغربية توقف "التهريب المعيشي"، في ظل علاقة متوترة مع مدريد، قبل أن تقرر كل من الرباط ومدريد في مارس/آذار 2020 إغلاق حدود سبتة ومليلية مع المغرب أمام حركة البضائع والمسافرين إثر تفشي فيروس كورونا.

واستمر إغلاق معبري سبتة ومليلية بعد انحصار جائحة فيروس كورونا، بفعل الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين حين استقبلت مدريد في أبريل/نيسان 2021 زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي بـ"هوية مزيفة" دون أن تُعلم الرباط بذلك، وهو ما اعتبرته المملكة المغربية "طعنة في الظهر".

المعبر الحدودي بين سبتة والمغرب (Getty images)
المعبر الحدودي بين سبتة والمغرب (Getty images)

وفي مارس/آذار 2022، عاد الدفء للعلاقات بعد إعلان إسبانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء، لكن ذلك لم يحل أزمة معبري سبتة ومليلية، بل إن السلطات المغربية عادت للإعلان بشكل رسمي "نهاية عهد التهريب المعيشي".

وقالت الجمارك المغربية، في بيان لها شهر مايو/أيار 2022، إن التهريب الذي كانت تعرفه البوابتان في سبتة ومليلية "انتهى، وأصبح غير مقبول وينتمي إلى عهد قد ولّى بصفة نهائية"، وفق ما نشره موقع القناة الأولى التلفزيونية الحكومية "SNRT news".

وحسب البيان، فإن "جميع التدابير اتخذت بهدف القطع النهائي مع جميع أنواع وأشكال التهريب، الذي كان يعرفه المعبران سابقًا، وكان يشكل عائقاً رئيساً لتوفير مناخ ملائم لعملية العبور بشكل عادي". ولفت البيان إلى أنه "منذ إعادة فتح المعبرين، سجل غياباً تاماً لما كان يسمى ببضائع التهريب المعيشي".

كيف أثر ذلك على المغاربة والإسبان؟

أظهرت بيانات نُشرت شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 أن مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين شهدتا تراجعاً حاداً في النشاط الجمركي بنسبة بلغت 80%، نتيجة لاستمرار إغلاق الحدود التجارية مع المغرب منذ أكثر من أربع سنوات.

وأكد أنطونيو ليوبيت دي بابلو، رئيس مجلس رابطات وكلاء وممثلي الجمارك الإسبانية، في تصريحات له على هامش منتدى الجمارك في دورته العشرين التي احتضنتها مدينة مالقا الإسبانية، أن هذا الوضع قد "خلق أزمة غير مسبوقة في القطاع الجمركي".

فقد أسفرت القيود المفروضة عن تسريح أكثر من 100 عامل وإغلاق العديد من وكالات الجمارك، إلى جانب توقف خطوط الشحن البحري في مليلية، التي تديرها شركات عالمية مثل MSC وMaersk، مما أدى إلى فقدان 60 فرصة عمل.

وأشار دي بابلو إلى أن النشاط الجمركي في سبتة ومليلية أصبح محدودًا للغاية، حيث لا تقتصر الأنشطة الحالية على معالجة الشحنات القادمة من داخل إسبانيا لتلبية احتياجات المدينتين، بعدما كانت التجارة مع المغرب تمثل الجزء الأكبر من العمليات الجمركية.

وقال دي بابلو: "الوضع في غاية الصعوبة. كان 80% من نشاطنا مرتبطًا بالتبادل التجاري مع المغرب، والآن أصبحنا نعتمد بشكل أساسي على الشحنات الداخلية، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المحلي وأدى إلى إغلاق العديد من الشركات الجمركية".

قال تقرير نُشر عام 2020، للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهي مؤسسة رسمية، إن إغلاق معبري مدينتي سبتة ومليلية لا يعالج أسباب انتشار تجارة "التهريب المعيشي" شمال البلاد.

وأوضح التقرير أن "إغلاق معبري سبتة ومليلية من طرف المغرب، وكذلك منع العمليات التجارية عبر ميناء مليلية، منذ يوليو/تموز 2018، تدابير من شأنها أن تكون ناجعة على المدى القصير"، وأضاف "غير أن الإغلاق لا ينصب على معالجة الأسباب العميقة التي سمحت بانتشار تجارة التهريب".

ورغم توصل الرباط ومدريد لاتفاق من أجل إعادة فتح الحدود التجارية بين سبتة ومليلية والمغرب في عام 2022، إلا أنه ظل اتفاقًا مع وقف التنفيذ، وسط اتهامات من المعارضة الإسبانية بتعرض بلادهم لـ"الابتزاز" من قبل الرباط.

إذ انتقد دي بابلو الحكومة الإسبانية بسبب ما وصفه بـ"التساهل" في التعامل مع المغرب، موضحًا أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2022 لإعادة فتح الجمارك البرية لم يتم تنفيذه بعد.

وأضاف دي بابلو: "رغم مرور أكثر من عامين على الاتفاق، لم تتمكن الحكومة من ضمان تنفيذ التزامات المغرب. هذا الوضع يخلق حالة من الغموض ويجعلنا في موقف ضعيف".

ملك المغرب وملك إسبانيا / أرشيف
ملك المغرب وملك إسبانيا / أرشيف

استعدادات لفتح "المعابر التجارية"

يوم فاتح يناير/كانون الثاني 2025، نشرت صحيفة "EL Faro De Melilla" الإسبانية تقريرًا تحت عنوان "المغرب يفوز بالمعركة"، في إشارة منها لمعركة فتح الحدود التجارية بين سبتة ومليلية والمغرب، وأوردت تفاصيل الاتفاق بين الرباط ومدريد.

الصحيفة قالت نقلاً عن "مصادر اقتصادية"، إن مندوبة الحكومة الإسبانية في مليلية، سابرينا موه، قامت خلال الأيام الأخيرة بالاتصال بعدد معين من رجال الأعمال المحليين لإبلاغهم بأنه سيتم في الأسابيع المقبلة تسهيل التبادل التجاري مع الدولة المجاورة.

وأوضحت الصحيفة الإسبانية وفقًا لمصادرها أن المغرب سيدخل إلى مدينة مليلية المحتلة مواد مثل الحصى والفواكه والخضروات والأسماك. بالمقابل، سيسمح بإدخال منتجات محددة إلى المغرب عبر الجمارك، وفقًا لما تقرره السلطات المغربية في كل حالة.

وحسب المصدر ذاته، لن يكون هذا بمثابة نظام سفر للمسافرين، بل استيراد سلع يحددها المغرب بناءً على معايير لم يتم الإعلان عنها. وقد أعربت المصادر الاقتصادية التي تحدثت معها صحيفة "الفارو" عن دهشتها إزاء هذه القضية.

من بين الأمور التي أشارت إليها الصحيفة الإسبانية، أنه لا يوجد أي نقطة تفتيش للمنتجات المغربية مثل الفواكه والخضروات، رغم وجود منشأة تفتيش حدودية (PIF) في منطقة الميناء المحلي، التي لا تزال في انتظار تشغيلها.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن المغرب لن يمنح نظام سفر تقليدي. بمعنى آخر، لن يسمح بدخول أي شيء إلى أراضيه عبر معبر بني أنصار في مدينة الناظور، "حتى زجاجة ماء صغيرة"، كما تقول الصحيفة. وأوضحت "ما سيدخل فقط هو بضائع معينة يهتم بها المغرب".

وقد أبدى العديد من رجال الأعمال استياءهم من هذه الخطوة، وأشاروا إلى أن المغرب نجح أخيرًا في تنفيذ اتفاق جمركي بالشروط الإقليمية التي دافعت عنها السلطات المغربية منذ أن تعهدت في عام 2022 بإعادة فتح الجمارك التجارية في مليلية.

بعبارة أخرى، يبدو أن المغاربة يسعون إلى السماح بمرور البضائع المصنوعة فقط في مليلية عبر الجمارك بموجب اتفاق إقليمي، وليس فتح التبادل التجاري لأي بضائع يرغب أي طرف في استيرادها عبر المدينة، حسبما تزعم الصحيفة الإسبانية.

كيف يصب الاتفاق في مصلحة المغرب؟

لطالما أشار المغاربة إلى "قضايا تقنية" كسبب لعدم إعادة فتح الجمارك. وقد استخدم وزير الخارجية ناصر بوريطة والسفيرة المغربية في إسبانيا هذا المبرر لتفسير سبب عدم وفاء المغرب بالتزاماته مع إسبانيا بشأن هذا الموضوع، بينما انتقدت وسائل إعلام إسبانية صمت مدريد.

منذ أكثر من عام، أكد بوريطة أن إعادة فتح الممرات الحدودية سيتم وفق "صيغة مشتركة تؤدي إلى تحسينات"، بعد ما تم تعلمه من التجارب التي أجريت قبل أشهر. وردًا على ذلك، قال وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس: "من جانبنا، كل شيء جاهز لبدء العمل؛ لا حاجة لإجراء المزيد من التجارب".

وفي عام 2022، كان قد تسرب أن المغرب سيسمح بإعادة فتح الجمارك فقط للبضائع "المصنوعة في مليلية"، ما أثار دهشة رئيس الحزب الشعبي الإقليمي وعضو مجلس الشيوخ عن مليلية، خوان خوسيه إمبروضا، الذي وصف الموقف المغربي بأنه "مذهل".

منذ ما يقرب من عامين، بدأ التشكيك في موقف المغرب، وكان هناك حديث عن أن المغرب قد يشترط إعادة فتح الجمارك التجارية على أن تمر فقط المنتجات المصنوعة في مليلية.

وأشار إمبروضا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى إنشاء "قطاعات مغلقة"، متسائلًا لماذا "لا يستطيع رجل من برشلونة تمرير أقمشته عبر الجمارك التجارية في مليلية". وأكد أن ذلك سيكون "أمرًا فظيعًا".

وبالنسبة لقائد الحزب الشعبي في مليلية، فإن فرض قيود على ما يمكن تصديره إلى المغرب عبر تلك الجمارك "ضار للغاية" بمصالح المدينة. وقال في سبتمبر 2022: "لا ينبغي قبول ذلك". وأضاف أنه إذا كانت هذه هي الشروط، "من الأفضل عدم وجودها".

وأوضح: "من الأفضل عدم وجود الجمارك التجارية على قبول ما يتم الحديث عنه بشأن السماح فقط بمرور المنتجات المصنوعة في مليلية".

وأشار إمبروضا إلى أن موقف الحزب الشعبي هو أنهم سيقبلون بأن "يدخل كل شيء من المغرب إلى المدينة، ولكن بالنسبة لإسبانيا، لا يمكن إدخال أي شيء، سوى منتجات مليلية. هذا لا يمكن قبوله، وهو أمر يقلقنا كثيرًا"، كما صرح حينها.

تحميل المزيد