ملفات روسيا ورحيل الأسد والانتخابات.. تفاصيل أبرز ما دار في لقاء رئيس جهاز المخابرات المصري بخليفة حفتر

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/31 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش
حسن رشاد وخليفة حفتر- وسائل التواصل

شهدت زيارة رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية لليبيا ولقاءه خليفة حفتر مناقشة ثلاثة ملفات هامة تشغل الجانب المصري في تعامله مع الملف الليبي، وذلك في ضوء تطورات الوضع في سوريا، ونقل روسيا جزءاً من قواتها وأسلحتها من قواعدها العسكرية إلى ليبيا، وفقاً لمصادر عسكرية ومدنية تحدثت إلى "عربي بوست".

جاء اللقاء المصري مع خليفة حفتر بشكل مفاجئ، في ضوء ما حدث داخل ليبيا الأيام القليلة الماضية من هجوم لميليشيا تابعة لصدام خليفة حفتر على فصائل تابعة للمجلس الأعلى للدولة الليبي، بالقرب من الخط الفاصل بين شرق ليبيا وغربها، وهو الإجراء الذي رأت فيه القاهرة محاولة لتفجير الوضع الداخلي من جديد في ليبيا، وذلك وفقاً لما قالته مصادر مصرية لـ"عربي بوست".

تحرك مصري مفاجئ

كانت زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد إلى ليبيا في يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، وقد جاء البيان الليبي لقيادة قوات شرق ليبيا حول الزيارة مقتضباً، ولم يذكر سوى الحديث حول آخر التطورات الليبية والإقليمية.

وأكد الطرفان "أهمية دعم الجهود للدفع بالعملية السياسية في ليبيا، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".

ومنذ نحو أربعة أعوام، تشهد ليبيا أزمة سياسية تتمثل في صراع على السلطة بين حكومتين، الأولى معترف بها دولياً، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تدير كامل غرب البلاد من العاصمة طرابلس. أما الثانية، فيرأسها أسامة حماد، والتي عيَّنها مجلس النواب، وتدير كامل مدن ومناطق الشرق ومدناً بالجنوب.

ولحل تلك الأزمة، تسعى الأمم المتحدة عبر جهود متعثرة لبعثتها في ليبيا إلى إيصال البلاد إلى انتخابات توحّد وتجدد شرعية مؤسسات الحكم الحالية.

وقد كانت ليبيا أولى محطات زيارات حسن رشاد خارج مصر بعد توليه منصب مدير جهاز المخابرات العامة المصرية.

ملف الاشتباكات


قال مصدر عسكري ليبي قريب من حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة إن قوات وميليشيات صدام حفتر تحركت قبل أيام وهاجمت معسكر تيندي الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للدولة، وبالأخص المجلس الرئاسي في مدينة أوباري جنوب غرب ليبيا، حيث يوجد حقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا. وقد كانت قوات المجلس الرئاسي الليبي تحميه من أي اعتداءات تقوم بها قوات خليفة حفتر، خاصة وأنه كان يريد السيطرة على حقل النفط الأكبر في البلاد لكي يتحكم في موارد البلاد من عوائد النفط الدولارية.

وأشار المصدر العسكري الليبي إلى أن تحرك قوات صدام حفتر تجاه المعسكر الذي يشرف عليه الضابط علي كنة تسبب في سيطرة قوات حفتر على المعسكر، وانسحاب قوات علي كنة إلى داخل العاصمة الليبية طرابلس. وأوضح أن الاشتباك كان بتحرك فردي من جانب قوات حفتر، وأن حكومة الدبيبة التزمت الصمت حتى لا تُتهم بخرق اتفاق وقف النار بين الطرفين.

هذه الاشتباكات لم تكن الوحيدة من جانب قوات صدام حفتر؛ إذ قبلها بأيام، وفق ما قال المصدر لـ"عربي بوست"، شهدت مدينة سرت مواجهات مسلحة بين اللواء 128 والكتيبة 77 الموالية لصدام حفتر، ولكن تراجعت قوات صدام حفتر إلى مناطق نفوذها في الشرق مرة أخرى دون أن تحقق أي نتائج تُذكر على قوات حكومة الدبيبة.

وأوضح المصدر الليبي أنه كان مفاجئاً تحرك قوات صدام حفتر للاشتباك في أكثر من منطقة تقع تحت سيطرة قوات حكومة عبد الحميد الدبيبة، وذلك في الفترة التي أعقبت سقوط بشار الأسد وهروبه من سوريا إلى روسيا. وهذه التحركات توحي بأن معسكر خليفة حفتر يحاول استغلال الأوضاع في سوريا من أجل خلق وضع جديد في ليبيا، على حد تعبيره.

وأشار المصدر الليبي إلى أن ملف تحركات صدام حفتر وقواته تجاه طرابلس كان من الملفات التي تناولها رئيس جهاز المخابرات المصرية في لقائه مع خليفة حفتر.

في سياق متصل، قال مصدر مصري عسكري في تصريحات لـ"عربي بوست" إن القاهرة نظرت إلى تحركات قوات صدام حفتر باعتبارها محاولة "حدثت دون تنسيق"، وأنه رغم أن القاهرة يهمها أن "يبسط خليفة حفتر نفوذه على كل ليبيا لإنهاء الوضع المتأزم"، إلا أن القاهرة تدرك جيداً، وفقاً لتجارب سابقة، أن خليفة حفتر لن يكون قادراً على دخول طرابلس مرة أخرى مهما كانت الأسباب، في ظل وجود الطرف التركي الداعم لحكومة عبد الحميد الدبيبة. ولذلك كانت القاهرة متفاجئة من تحركات قوات صدام حفتر للاشتباك مع قوات حكومة الدبيبة.

كما قال المصدر المصري في تصريحاته لـ"عربي بوست" إن الوضع الآن في ليبيا "ملغوم" ويمثل خطراً على الأمن القومي المصري، خاصة وأنه مع "فشل كل الأطراف في الوصول إلى صيغة سياسية لإنهاء الانقسام"، فإن الوضع العسكري مرشح للانفجار مرة أخرى، مما ينسف معه أي نوايا مرتقبة للوصول إلى تسوية داخل ليبيا.

ملف التواجد الروسي والقلق المصري

في الوقت نفسه، أشار مصدر ليبي آخر تحدث إلى "عربي بوست"، وهو قريب من خليفة حفتر بشكل مباشر، إلى أن ملف الجنود والسلاح الروسيين الذين تم نقلهم خلال الأسابيع الماضية من سوريا بعد فرار بشار الأسد إلى ليبيا، كان من الملفات التي تم تناولها في لقاء كل من رئيس جهاز المخابرات المصرية وخليفة حفتر في شرق ليبيا.

كان موقع "عربي بوست" قد نشر تقريراً تضمن تصريحات على لسان مصادر عسكرية ليبية كشفت أن روسيا قامت، عقب سقوط نظام بشار الأسد مباشرة، بنقل قوات ومعدات عسكرية إلى ليبيا في محاولة منها لإعادة التموضع بعد خسارة نفوذها في سوريا.

وقال المصدر إنه وفقاً للمعلومات المؤكدة، هناك ست طائرات روسية وصلت إلى قاعدة الجفرة في وسط البلاد، حيث وصلت طائرات "إليوشن" إلى القاعدة عبر رحلتين قام بهما الطيران الروسي.

وأوضح المصدر أن الرحلات تضمنت طيراناً عسكرياً وطيراناً مدنياً لنقل الجنود العسكريين الروس، مشيراً إلى أن الرحلات انطلقت من مطار طرطوس السوري مباشرة إلى ليبيا. كما أشارت المصادر إلى وصول رحلات أخرى من بيلاروسيا تحمل عناصر روسية وأخرى سورية، لكن هذه الطائرات هبطت في مطار قاعدة براك الشاطئ الليبي بالقرب من مدينة سبها. وأضاف أن الجانب الروسي قام بتوسيع وتطوير مهبط الطيران في مطار القاعدة العسكرية.

وكشف المصدر أن الروس يمنعون دخول أي شخص ليبي إلى الداخل بالمطلق، وتقتصر حماية الليبيين للقاعدة على الخارج فقط. من جانبه، أكد مصدر مطلع في حكومة عبد الحميد الدبيبة رصدهم وصول تلك الرحلات والقوات الروسية، قائلاً لـ"عربي بوست" إن نقل القوات الروسية إلى ليبيا مبعث قلق للجانب الليبي في ظل ما وصل للحكومة الليبية من معلومات مؤكدة حول ذلك في الأيام التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد.

كذلك، قال المصدر الحكومي إن رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة وجه رسالة إلى الحكومة الروسية لتحذيرها من خطوة نقل قوات وأسلحة من قاعدة طرطوس العسكرية السورية التي تسيطر عليها روسيا إلى ليبيا. وأشار المصدر الليبي إلى أن حكومة الدبيبة "منزعجة جداً من كل الأخبار التي تشير إلى التحرك الروسي باتجاه الأراضي الليبية، وأنها أرسلت عناصر سورية وروسية، وكذلك أسلحة، إلى قاعدة براك الشاطئ" في جنوب ليبيا.

في حين قال المصدر الليبي إن "المصريين يريدون أن يعرفوا نوايا حفتر من ملف تدفق القوات والسلاح الروسيين إلى العمق الليبي" وما إذا كان ينوي استغلال هذه القوات من أجل الترتيب لعملية عسكرية جديدة في ليبيا.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" أن تدفق الروس إلى ليبيا وتمركزهم في قاعدة بمنطقة الجفرة وسط ليبيا سوف يساعد خليفة حفتر على حصار العاصمة الليبية طرابلس، وأن يكون قريباً من العاصمة بشكل كبير مما يسهل عليه معاودة الاقتحام من جديد.

وأشار المصدر إلى أن تواجد الروس في الجفرة يعني أن حفتر بات قريباً من عاصمة ليبيا على مسافة ما بين 500 كيلومتر إلى 900 كيلومتر، وهي مسافة تسمح له بالتقدم نحو العاصمة الليبية بسهولة وتحقيق انتصار عسكري هناك.

كذلك، قال المصدر إن وجود القوات الروسية في هذه المنطقة يعني اقتراب روسيا من حدود السودان وتشاد، مما يسهل عملية إدخال السلاح إلى ليبيا وكذلك تهريبه إلى السودان لقوات الدعم السريع، دون أن يكون تحت مراقبة القوات الأمريكية.

هذه النقطة الخاصة بزيادة تدفق الجنود الروس والسلاح الروسي إلى ليبيا كانت مثار نقاش مع المصدر المصري، وهو ضابط عسكري سابق في الجيش المصري، حيث قال لـ"عربي بوست" إن القاهرة تراقب زيادة التدفق الروسي في ليبيا، خاصة وأن روسيا سعت قبل سقوط بشار الأسد إلى إنشاء ما يُعرف بالفيلق الإفريقي في ليبيا، وهو ميليشيا مسلحة تتكون من آلاف العناصر الروسية والسورية والبيلاروسية التي تضعها روسيا في ليبيا، ثم توزعها على مناطق النزاع في إفريقيا حيث يتواجد النفوذ الروسي.

وقال المصدر المصري إن القاهرة تتخوف من أن يكون شرق ليبيا عبارة عن قاعدة عسكرية كبيرة لروسيا في المنطقة، مما يهدد الأمن القومي المصري بشدة، خاصة في حال تسلل عناصر من الفاغنر الروسي أو عناصر سورية تعمل داخل "فيلق إفريقيا الروسي" إلى داخل الأراضي المصرية في ظل حالة السيولة السياسية والعسكرية التي تعيشها المنطقة منذ فترة.

مصير العملية السياسية


الملف الثالث الذي تم مناقشته بين حسن رشاد، رئيس جهاز المخابرات المصري، وخليفة حفتر، وفق ما قال المصدر الليبي المقرب من خليفة حفتر، هو العملية السياسية في ليبيا ومصير الدور المصري هناك.
إذ قال المصدر الليبي إن مصر لا تريد أن يتم تقزيمها في الملف الليبي ولا تريد أن يتم إخراجها من المشهد السياسي في ظل مساعٍ لأطراف إقليمية ودولية للعب دور في إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا. وأضاف أن ليبيا شهدت محاولات من جانب الاتحاد الإفريقي وكذلك الأمم المتحدة في الأيام الماضية لإنجاز مسار سياسي جديد في ليبيا، تتحفظ عليه مصر. وبالتالي، تريد مصر أن تكون هي صاحبة اليد العليا في إنهاء الأزمة السياسية في ليبيا.

قال المصدر الليبي كذلك إن حسن رشاد ناقش ملف الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة مع خليفة حفتر، وإن القاهرة تريد بشكل واضح أن يكون هناك مسار سياسي يضمن وجود أبناء خليفة حفتر فيه، حتى تضمن استمرار نفوذها في الحالة السياسية في شرق ليبيا.

لكن المصدر المصري قال لـ"عربي بوست" تعليقاً على ما قاله المصدر الليبي بشأن نقاش حسن رشاد مع خليفة حفتر حول الملف السياسي، إن القاهرة بطبيعة الحال تهتم بالملف الليبي وتسعى إلى إنجاز تفاهم سياسي يجمع كل أطراف الحالة السياسية الليبية. ومع ذلك، ترى القاهرة أن خليفة حفتر ما زال غير قادر على إنجاز مسار سياسي "هادئ وبدون أي عقبات أو أزمات إضافية"، على حد وصفه.

لكنه استطرد قائلاً: "لكن بطبيعة الحال، سوف تمضي القاهرة في الضغط من أجل إبرام مسار سياسي ينهي الخلاف الدائر الآن ويكون برعاية مصرية، حتى يستمر نفوذها السياسي قائماً هناك في ليبيا".

يجب الإشارة إلى أن زيارة حسن رشاد إلى خليفة حفتر جاءت بعد يوم واحد من لقاء قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، يوم السبت 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، مع وفد ممثل للحكومة الليبية المعترف بها دولياً. وناقش الطرفان العلاقات الدبلوماسية ومسائل الطاقة والهجرة، في إطار حركة دبلوماسية نشطة تشهدها العاصمة السورية منذ سقوط بشار الأسد.

وبعد اللقاء، قال وزير الدولة الليبي للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، بعد لقائه الشرع: "عبرنا… عن دعمنا الكامل للسلطات السورية في نجاح المرحلة الانتقالية الهامة".

وأكد الطرفان "على أهمية التنسيق والتعاون المشترك… خاصة في الملفات ذات الطابع الأمني والعسكري"، وفق اللافي، بالإضافة إلى "مناقشة أوجه التعاون في مجالات مختلفة متعلقة بملف الطاقة والتبادل التجاري بين البلدين" و"ملف الهجرة غير الشرعية".

وأعلن الوزير الليبي بعد لقاء أحمد الشرع أنه سيتم "رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين"، بحيث ستعين طرابلس "قريباً سفيراً دائماً ومقيماً هنا في دمشق". وأوضح أن "السفارة موجودة، واليوم حضر معي الاجتماع القائم بالأعمال، ونحن نسعى إلى أن يكون هناك سفير دائم".

هذه الزيارة، قال عنها المصدر المصري إنها بطبيعة الحال "تثير غضب الجانب المصري وتثير حفيظته"، خاصة وأن القاهرة تتخوف من أن يكون لأحمد الشرع تحالف مع دولة تعتبرها مصر من ضمن أمنها القومي، مما يهدد علاقة مصر بليبيا.

تحميل المزيد