مدونة جديدة للأسرة في المغرب.. تغييرات تتعلق بالتعدد واقتسام الثروة والإرث والحضانة بموافقة علماء الدين

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/24 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/24 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي الملك محمد السادس

دخل تعديل مدونة الأسرة في المغرب مرحلة جديدة، بعد أن ترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس، الاثنين 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل تعد تتويجاً لمسار من النقاش والتشاور الواسعين والشاملين.

ويرتقب أن تعمل الحكومة في الأيام المقبلة على صياغة مشروع قانون جديد للأسرة، بإطلاق المبادرة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة في المغرب، ثم تقديمه إلى البرلمان، ما يعكس الالتزام الملكي بتحقيق الإصلاح المنشود ضمن أجل محدد.

خطوة مراجعة مدونة الأسرة في المغرب أثارت، منذ الإعلان عنها، نقاشاً مجتمعياً وسجالاً سياسياً حادين، بل وصلت إلى حد الصدامات أحياناً بين تيار "حداثي" وتوجه آخر "محافظ" في المملكة.

وتزامنت الجلسة التي عقدها العاهل المغربي مع انتهاء المراحل التحضيرية لمراجعة مدونة الأسرة في المغرب، إذ رفعت الهيئة المكلفة تقريراً شاملاً يتضمن أكثر من 100 مقترح تعديل، عُرضت على أنظار الملك.

كما أحيلت المقترحات ذات الصلة بالنصوص الدينية إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي أصدر بشأنها رأياً شرعياً استناداً إلى مبدأ "عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام"، الذي حددته الرسالة الملكية إلى رئيس الحكومة المغربي.

توافق مع ثوابت الدين

سجلت عضو المجلس العلمي الأعلى والأستاذة بجامعة عبد المالك السعدي، وداد العيدوني، أن العاهل المغربي الملك محمد السادس "حريص على صيانة الأسرة المغربية، وضمان استقرارها، وتعزيز مكانتها، في توافق تام مع ثوابتنا الدينية، وفي انسجام تام مع متطلبات العصر".

تضيف العيدوني في حديثها لـ"عربي بوست"، أن الملك "حث المجلس العلمي الأعلى على معالجة المستجدات في قضايا الأسرة من خلال إحداث إطار دائم ضمن هياكله، يُعنى بمواصلة التفكير والاجتهاد في قضايا الأسرة".

ولفتت عضو المجلس العلمي الأعلى إلى أن "الأسرة المغربية عرفت تحولات عميقة في هياكلها ووظائفها، ما استلزم العناية بها وإصلاحها للحفاظ على تماسكها واستقرارها، وتأهيلها لمقاومة كل تيارات الهدم والانحلال".

أبرز تعديلات العلماء

في سياق حيثيات هذه التعديلات المرتبطة بالأحكام الشرعية في مدونة الأسرة في المغرب، تحفظ المجلس العلمي الأعلى (المؤسسة الرسمية التي تعنى بالإفتاء ويرأسها الملك) على ثلاث قضايا رُفعت إليه لإبداء رأيه فيها، واعتبرها تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها.

ويتعلق الأمر أساساً باستعمال الخبرة الجينية للحوق النسب بالنسبة للعلاقة غير الشرعية، لكنه وافق على تحميل مسؤولية النفقة للرجل المعني، ثم إلغاء العمل بقاعدة التعصيب. في المقابل، فتح المجلس العلمي باب الهبة، وأيضاً تحفظ على التوارث بين المسلم وغير المسلم مع إمكانية الهبة.

المجلس العلمي الأعلى أبدى موافقته الشرعية على مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة فيما يخص إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك، وتخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية عن أطفالها.

واعتبرت فتوى المجلس عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وإيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة.

كما خلصت فتوى المجلس العلمي الأعلى إلى جعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة على بعضهما ديوناً مقدمة على غيرها بمقتضى الاشتراك الذي بينهما، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها.

فتوى قائمة على الاجتهاد

وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، شدد على أن الفتوى من قبل العلماء قائمة على الاجتهاد المبني على النظر في النصوص الشرعية، في عملية تخضع لقواعد علمية صارمة، حتى لا تنفلت عن القصد، وفي احترام ترتيب مصادر التشريع كما وضعها العلماء.

وقال التوفيق في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء 24 ديسمبر/كانون الأول 2024 بالرباط، إن الملك "وإن فُوّض له الأمر، لم يخالف أي شيء مما ذكره العلماء ونصوا عليه، وهو يحملهم المسؤولية الكاملة في ذلك، ويعطيهم المسؤولية والحرية والثقة".

وكان الملك محمد السادس قد وجه في يونيو/حزيران 2024 تعليماته إلى المجلس العلمي الأعلى، لتقديم رأي شرعي في المقترحات المقدمة حول مدونة الأسرة، استناداً إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة.

فيما قال التوفيق، خلال جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس، والتي خُصصت لموضوع مراجعة مدونة الأسرة، إنه بعد إحالة سبع عشرة مسألة على النظر الشرعي، فقد جاء رأي المجلس العلمي الأعلى مطابقاً موافقاً لأغلبها، وموضحاً سبل إمكان موافقة البعض الآخر منها لمقتضى الشريعة.

وبين الوزير أن ثلاثاً من المسائل التي تم عرضها على أنظار المجلس تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها، وهي المتعلقة باستعمال الخبرة الجينية للحوق النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب، والتوارث بين المسلم وغير المسلم.

سن الزواج والتعدد

تضمنت تعديلات مدونة الأسرة، من جانب آخر، تحديد سن الزواج في 18 سنة مع استثناء للزواج في سن 17 بشروط، ما يعني أنه وُضع حد لزواج الأطفال في سن 15 أو 16 عاماً.

وعلى مستوى التعدد، اتجهت التعديلات إلى تقييده بشكل أكبر، من خلال إمكانية اشتراط الزوجة في عقد الزواج عدم تزوج زوجها عليها. في حالة التنصيص على هذا الشرط في العقد، فإنه يُمنع كلياً على الرجل التعدد.

لكن في حالة عدم وجود الشرط في العقد، يصبح التعدد مقبولاً في حالة إصابة الزوجة بعقم، أو مرض يمنع معاشرة زوجية، أو بتقدير القاضي، استثناءً.

ويثير موضوع تنامي زواج القاصرات جدلاً كبيراً في المغرب، إذ دعت العديد من الجمعيات الحقوقية إلى التشديد في منعه، خصوصاً أن قضاء الأسرة في المغرب يستند في منح الإذن بزواج القاصر إلى المادة 20 من قانون الأسرة.

مطلب طال انتظاره

في هذا الشأن، أشادت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، بشرى عبدو، بالتعديلات التي تضمنتها مدونة الأسرة، وبشكل خاص فيما يتعلق برفع سن الزواج إلى 18 سنة.

واعتبرت عبدو في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "لا إشكال في الاستثناء، لكن يجب تشديد مساطر هذا الزواج"، مشددة على أنه "إنجاز كبير للمجتمع المدني والسياسي والحقوقي في المغرب".

وأشارت الفاعلة الحقوقية المغربية إلى أن "المطلب المهم تحقق أخيراً بعد نضالات كثيرة، وبعد عناء ومعاناة كذلك عاشتها هذه الطفلات اللواتي تزوجن في سن مبكر".

تحميل المزيد