إقرار إعانات مالية شهرية للفقراء مقابل توقيف الدعم العيني.. كواليس ما وراء إقرار قانون “الضمان الاجتماعي” في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2024/12/07 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/12/07 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
انخفاض أعداد المواليد في مصر مع تزايد تكاليف المعيشة (تعبيرية)/ رويتيز

دون أي مقدمات مسبقة، قدمت الحكومة المصرية مشروع قانون إلى البرلمان يحمل اسم "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي"، ويهدف إلى منح كل مواطن يتم تصنيفه ضمن فئة تحت خط الفقر مساعدات مالية شهرية، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها مصر.

وفي غضون أيام، وافق البرلمان بشكل مبدئي على القانون، وأقر أكثر من نصف مواده بصورة نهائية، وسط توقعات بتمريره بشكل كامل الأسبوع المقبل، حسب مصادر حكومية تحدثت لـ"عربي بوست".

تساؤلات كثيرة وأهداف ملتوية

كشف مصدر برلماني لـ"عربي بوست" أن قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي لم يكن ضمن جدول أعمال مجلس النواب، الذي حصل على إجازة استمرت عشرة أيام قبل أن يعود للانعقاد مرة أخرى مطلع الشهر الجاري.
وقال المصدر إن الحكومة المصرية أعلنت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إحالة قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي إلى البرلمان، وهو ما دفع لإضافته ضمن جدول الأعمال لتتم الموافقة عليه مبدئياً يوم الأحد.

وأوضح أن مسمى القانون "الضمان الاجتماعي والدعم النقدي" أثار جدلاً واسعاً بين النواب، ورغم أن القانون لا علاقة له بالدعم العيني الذي يتم تقديمه من خلال وزارة التموين، فإن وزارة التضامن الاجتماعي قدمت القانون الجديد، وهي من ستكون مختصة بتنفيذه ليحل محل مشروع "تكافل وكرامة".

وحسب المصدر، سيتم منح مزيد من المساعدات المالية للطبقات الفقيرة، مع وضع شروط إضافية تضمن تحفيزهم على تعليم أبنائهم والحفاظ على صحتهم، مشيراً إلى أن القانون بصيغته الحالية يجعل من مسألة الدعم النقدي أمراً واقعاً لأكثر من 22 مليون مواطن، مما يسهل التحول إلى الدعم النقدي التمويني أيضاً.

وأشار إلى أن القانون يحمل عوامل إيجابية للفقراء، غير أن فكرة تقديم القوانين من الحكومة إلى البرلمان دون نقاش سابق بشأنها، ومع عدم وجود مزيد من الوقت لمناقشتها بمزيد من الدقة تحت قبة البرلمان، تثير تساؤلات عديدة.

وأضاف أن القانون لم يكن ضمن بنود القضايا المجتمعية التي جرى إحالتها إلى الحوار الوطني خلال العامين الماضيين، ما يشير إلى أن هناك أهدافاً ملتوية للقانون. ويبقى أبرز هذه الأهداف أن يمرر البرلمان، قبل انفضاضه في شهر يوليو المقبل، التحول نحو الدعم النقدي الكامل سواء للمستفيدين من التموين أو من يحصلون على إعانات شهرية ويتم تصنيفهم كفئات تحت خط الفقر.

نص القانون وشروط الدعم

نص القانون على أن يكون من حق كل مواطن مصري يعيش تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، أن يحصل على دعم نقدي متى توافرت بشأنه حالة من حالات الاستحقاق التي تحددها الحكومة. ومقابل ذلك، هناك شروط يجب أن تلتزم بها الأسرة البسيطة لمواصلة الصرف.

ومن بين الشروط:

  • الالتزام بتعليم الأبناء.
  • منع عمالة الأطفال.
  • تعزيز السلوكيات الصحية.
  • خفض معدلات الإصابة بأمراض سوء التغذية.
  • عدم تزويج أي من أطفال الأسرة قبل بلوغ السن المحددة للزواج قانوناً (18 عاماً).
  • التزام الأمهات في سن الإنجاب بتلقي الخدمات الصحية الوقائية المقررة للطفل والأم.

ومن حق الحكومة وقف صرف الدعم النقدي وفق مراجعات دورية لظروف المستحقين. وتضمن القانون مادة خاصة بمراجعة حالات الاستحقاق كل فترة لدراسة استمرار المساعدة المالية أو تعديلها وفقاً لما يتناسب مع حالة المستفيد.
بحيث إذا تغيرت ظروف الفقير، يُصدر قرار بخفض قيمة الدعم أو إيقافه.

وعاقب القانون من يتلاعب في البيانات للحصول على المساعدات، بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 2000 جنيه ولا تزيد على 6000 جنيه مع رد المساعدات.

وفي مايو/أيار 2024، كشف البنك الدولي أن معدل الفقر الوطني في مصر ارتفع من 29.7% في العام المالي 2019-2020، إلى 32.5% في عام 2022. بينما لم يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نتائج بحوثه بشأن معدل الإنفاق والدخل عن عامي 2021 و2022.

الحكومة أغرقت البلاد في الفقر

حسب تقرير البرلمان المصري عن مشروع قانون "الضمان الاجتماعي"، فإن هدفه حماية الأسر الأفقر والأقل دخلاً، وكفالة حقوق ذوي الإعاقة وكبار السن والأيتام. كما يُلزم الأسر المستفيدة من الدعم بالاستثمار في صحة الأطفال وانتظامهم في التعليم، والتمكين الاقتصادي لهذه الأسر للخروج تدريجياً من الفقر.

يشير نائب برلماني على صلة مباشرة بالنقاشات التي تدور داخل مجلس النواب حول القانون، إلى وجود ارتباط غير مباشر بين قانون "الضمان الاجتماعي" واستعدادات الحكومة للتحول إلى "الدعم النقدي"، إذ في غضون عامين على الأكثر لن يكون هناك وجود للدعم العيني.

وأوضح النائب أن القانون الجديد يهدف لضبط منظومة "تكافل وكرامة" التي تطبق منذ 9 سنوات، والتي نتج عنها مشكلات عديدة في التطبيق بسبب حصول غير المستحقين على دعم مالي شهري، بينما هناك ملايين مستحقون لهذا الدعم ولم يحصلوا عليه. كما يهدف القانون إلى جمع كافة أشكال الدعم النقدي داخل بطاقة واحدة، حيث يحصل أكثر من 2 مليون شخص على مساعدات استثنائية.

منظومة رقمية للمراجعة

ذكر المصدر أن القانون يتيح العمل وفق منظومة رقمية تقيم الدخل الشهري للمواطنين كل عامين لمراجعة مدى أحقيتهم للدعم. كما أن الحكومة تراجع قيمة الدعم الذي تقدمه للمواطنين كل ثلاث سنوات، مع وجود مطالب بخفض المدة إلى سنتين، لكن لم يتم حسم الأمر بعد.

وأضاف أن التخوف الأكبر يكمن في أن تكون الحكومة وراء هذا القانون لتقليل أعداد المستحقين للدعم النقدي، حيث يمكن أن يؤدي ربط الدعم بانتظام الطلاب في التعليم إلى حذف ملايين المستفيدين، إذ يضطر الآباء تحت وطأة الظروف المعيشية الصعبة إلى تشغيل أبنائهم في سن صغيرة.

تناقض مع الدستور

على الرغم من أن القانون يوفر مساعدات مالية لعائلات غير قادرة على تحمل ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، فإنه يتنافى مع مبادئ الدستور المصري التي تنص على أن النظام الاقتصادي للبلاد يهدف إلى تحقيق الرخاء والقضاء على الفقر.

وأشار المتحدث إلى أن التوسع في إقرار الدعم النقدي للفقراء، مع وصول معدلات الفقر إلى 35%، يعكس تفاقم الأوضاع الاقتصادية، مشيراً إلى أن مثل هذه القوانين يجب التعامل معها كإجراءات مؤقتة لا دائمة.

تحديات التحول الاقتصادي

وأوضح النائب أن هناك 40 مليون مواطن ليس لديهم أدنى قدرة على توفير احتياجاتهم الأساسية. وإذا تم الاعتماد فقط على منحهم إعانات، فإن موازنة الدولة ستتحمل تكلفة باهظة، بينما قد يرتفع هذا الرقم إذا استمرت السياسات الاقتصادية الراهنة.

واقترح التحول السريع نحو الإنتاج المحلي وتوفير فرص عمل لهؤلاء المواطنين، مما يمكنهم من الحصول على دخل يفوق الإعانات الحكومية. كما أن هذا التحول يعزز الإنتاجية الوطنية ويخفف العبء عن الموازنة العامة.

تكلفة الدعم النقدي

خلال الفترة من 1 يوليو/تموز إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنفقت الموازنة العامة لمصر 13.1 مليار جنيه (264.3 مليون دولار) على برنامج الدعم النقدي الحالي (تكافل وكرامة)، بزيادة سنوية بلغت 25.8%، وفقاً لبيانات رسمية.

وأوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي، مايا مرسي، أن 12 مليون أسرة تعيش تحت خط الفقر، واستفادت 7.4 مليون أسرة من البرنامج خلال 7 سنوات. كما أشارت إلى أن المراجعة تتم شهرياً لكل 500 ألف أسرة بشكل إلكتروني، مؤكدة أن القانون يمثل ضماناً اجتماعياً وليس قانوناً للبطالة.

أنواع الدعم وفق القانون

حدد القانون نوعين من المساعدات النقدية:

  1. الدعم النقدي المشروط (تكافل): يقدم للأسر الفقيرة التي لديها أبناء يعالون لا يزيد سنهم عن 26 عاماً، أو حتى انتهاء دراستهم الجامعية، بحد أقصى اثنان من الأبناء، أو للأسر دون أبناء، وأسرة المجند والسجناء.
  2. الدعم النقدي غير المشروط (كرامة): يقدم للأفراد الفقراء، وذوي الإعاقة، والمرضى، وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء.

تُحدد قيمة الدعم النقدي بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وتتم مراجعة قيمة الدعم الشهري كل 3 سنوات.

وفقاً للقانون، تُمنح الأسر المستفيدة من الدعم النقدي بطاقة تموين للدعم السلعي ودعم الخبز، مع إعفاء أبنائها من المصروفات الدراسية.

انتقال سلس إلى الدعم النقدي وسط اعتراضات شعبية
وقال مصدر مطلع في وزارة التضامن الاجتماعي، إن صرف معاشات تكافل وكرامة سيستمر خلال الأشهر المقبلة، والوضع الحالي يبقى كما هو إلى ما بعد عام من إقرار اللائحة التنفيذية للقانون.
وخلال هذه المدة، منذ إقرار القانون إلى فترة قد تصل إلى عامين، أي مع بداية العام 2026، ستقوم الحكومة بتشكيل لجان مختلفة بمشاركة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتعرف على معدلات الفقر بشكل حقيقي، ووضع تعريف موحد لمعدل الفقر القومي.
وسوف يترتب على ذلك استفادة ما يقرب من 15 مليون مواطن آخر، بخلاف 7 ملايين مواطن يحصلون حالياً على دعم نقدي. وفي المقابل، سوف يتم استبعاد غير المستحقين، وقد يصل عددهم إلى أكثر من 2 مليون مواطن.
وأوضح المصدر ذاته أن المبالغ المخصصة للدعم النقدي أيضاً ستكون محل دراسة خلال العامين المقبلين، بحسب ما تؤول إليه قيمة الجنيه ومعدلات التضخم، وبعدها سيتم إقرارها بما يسهم في توفير الحد الأدنى من أساسيات الحياة.
لافتاً إلى أن القانون ينص أيضاً على استمرار تقديم الدعم العيني واستمرار عمل بقالات التموين والمخابز التي تقدم الخبز المدعم كما هو، بحسب ما نصت عليه المادة 22 من القانون، وأن وزارة التموين ستكون مسؤولة عن الدعم العيني لحين الانتهاء من إجراءات التحول إلى الدعم النقدي بشكل كامل.
وشدد على أن استفادة المواطنين من الإعانات الشهرية المقدمة لهم يمكن أن تسهل عملية الانتقال السلس إلى الدعم النقدي الذي يواجه اعتراضات شعبية. وأوضح أن هناك استراتيجية حكومية يتم تنفيذها من خلال هذا القانون وعبر إجراءات التحول إلى الدعم النقدي، تتمثل في ترشيد الدعم ضماناً لوصوله إلى مستحقيه، إلى جانب إنشاء إدارة جديدة مختصة داخل وزارة التضامن الاجتماعي تبقى مهمتها تقييم النزاهة والشفافية في عملية تقديم الدعم، وسوف تقوم بتحديد معايير إحصائية لرصد مستوى فقر الأسرة والفرد، وكذلك تحديد القياس الذي تحدده الدولة لدخل الفرد أو الأسرة الذي يفي بالاحتياجات الأساسية.

مليار جنيه يتم سرقتها شهرياً


تبرر الحكومة المصرية الاتجاه للدعم النقدي لتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، وضمان استدامة الدعم وكفاءته، فضلاً عن "وصول الدعم إلى مستحقيه". فيما يرى معارضون أنه يُعرض المواطنين لمزيد من الإفقار، دون أن يحقق للحكومة الأهداف التي تسعى إليها.
ويؤكد أحد نواب وزير التموين السابقين أن المواطنين يدفعون ثمن عدم قدرة الحكومة على ضبط منظومة الدعم العيني الذي يتعرض للسرقة دون أن تتوفر لديها الأدوات الرقابية لضبط توزيع السلع التموينية، وأن إجمالي ما يتم سرقته شهرياً يتجاوز المليار جنيه.
وقال إن هناك رغبة في توجيه تلك الأموال لصالح الدعم النقدي مع توفير الحكومة جزءاً منه لتقليص فاتورة الدعم، غير أن توسعها في تقديم الدعم النقدي للفقراء من خلال قانون "الضمان الاجتماعي" يشير إلى أنها لن تحقق التوفير المطلوب لأن هناك ملايين جدد من المواطنين سيحصلون على إعانات شهرية.
وذكر أن معدلات التضخم تزيد سنوياً بمعدلات تفوق 30%، وهي أرقام لن يكون بمقدور الحكومة تعويضها في شكل أموال تقدمها للمواطنين. لكن، في المقابل، فإن التوجه نحو إلغاء الدعم العيني أصبح واقعاً انتظاراً للتوقيت السياسي السليم لتنفيذه.

تحميل المزيد