بعد أن أنهى الطالب أدهم جابر ثلاث سنوات من دراسة الهندسة الميكانيكية بدرجة الامتياز في إحدى جامعات ألمانيا، قرر صيف العام الماضي زيارة أهله في غزة لحضور حفل زفاف شقيقته إسراء، وما هي إلا أيام حتى اندلعت شرارة الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دون أن يتمكن من العودة إلى ألمانيا بسبب إغلاق الاحتلال للمعابر.
ينطبق حال أدهم على مئات من طلبة غزة المقيدين في جامعات دولية، والذين لم يتمكنوا من مغادرة القطاع بسبب الحرب، حتى أن بعضهم خسر منحته الدراسية، وآخرون فقدوا فرصهم في تجديد الإقامة، ما يعني انعدام فرص عودتهم للدولة المضيفة من جديد.
الزيارة الأخيرة
يقول أدهم لـ"عربي بوست": "لم أكن أعلم أن زيارتي الأخيرة لغزة، قد تكون السبب في فقدان منحتي الدراسية، فقد أخطرتني الجامعة أنه في حال لم أتمكن من العودة قبل نهاية العام الحالي 2024، سأفقد مقعدي في الجامعة، وبالتالي ستنتهي إقامة الطالب التي تمنحها الدولة تلقائياً للطلبة المقيدين في جامعاتها".
يضيف: "لقد عانيت من أجل الحصول على هذه المنحة، فقد حصلت على تقدير 98% بالثانوية العامة، واخترت ألمانيا لإكمال دراستي، واستطعت أن أحافظ على تقدير الامتياز في الفصول التي أنهيتها بالجامعة، وعملت هناك في مهن كثيرة لإعالة نفسي، ولكن الآن مستقبلي معلق فلا آمال بفتح قريب للمعابر، والأيام المتبقية لانتهاء إقامتي تقترب من النهاية".
اضطر أدهم للعمل في إحدى ورش صيانة السيارات بمدينة دير البلح وسط القطاع، يتقاضى أجراً لا يتجاوز 10 دولارات مقابل كل يوم عمل، حيث يسعى لإعالة أهله بعد أن استشهد والده في قصف منزله بمدينة غزة في الأيام الأولى للحرب.
واقع الطلبة العالقين بغزة
أطلق طلبة غزة العالقين بالتعاون مع مبادرات شبابية وأهلية حملات رقمية للضغط على دولة الاحتلال لفتح المعابر، لإنقاذ مصير الطلبة الجامعيين من فقدان فرصهم في استكمال مشوارهم التعليمي خشية من ضياعه للعام الثاني على التوالي.
من بين هؤلاء الطلاب برز اسم الطالبة إسراء كراجا، طالبة الدراسات العليا في إدارة الأعمال الدولية بتركيا، والتي تحولت كرمز للنضال في مواجهة هذا الواقع، حيث تقوم إسراء بالإشراف على حملة تقودها من على منصة (x)، تحت مسمى "شبكة أمل طلاب غزة" بهدف توثيق معاناة الطلبة العالقين ومناشدة المجتمع الدولي لتأمين ممر آمن يتيح لهم السفر.
Urgent Appeal to Save Our Academic Future!
— Israa Karaja | Esra Karaca (@israakaraja170) November 2, 2024
We, the hundreds of international Palestinian students stranded in Gaza, are facing extraordinary challenges due to the ongoing conflict and border closures. These persistent restrictions on movement have deprived us of our fundamental…
تقول إسراء لـ"عربي بوست" "نجحت حملتنا في توثيق وجود 1500 طالب وطالبة من مختلف المستويات (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه) عالقين في غزة، نحو 6% منهم أي 90 طالبًا زاروا غزة خلال العطلة الصيفية التي سبقت حرب غزة، و150 طالبًا وطالبة تعرضوا لإصابات خلال الحرب، منهم 10 طلبة تعرضوا لإصابات غيرت من مجرى حياتهم وسببت لهم إعاقات دائمة".
وعن واقع الطلبة تشير إسراء، "في العام الأول للحرب خسر 50 طالبًا منحهم الدراسية، وقد يتضاعف العدد مع دخول الحرب عامها الثاني دون أي بوادر لوقفها، كما خسر 10 طلبة آخرون منحتين حصلوا عليها خلال الحرب".
خسارة عام دراسي آخر
خسر طلبة القطاع المقيدين في جامعات الخارج عاماً دراسياً بسبب الحرب، ومع استمرارها للعام الثاني على التوالي تزداد مخاوفهم من فقدان عام دراسي آخر، خصوصاً بعد أن انتظم العام الدراسي الجديد في جامعات الخارج منذ سبتمبر/ أيلول2023.
إلا أن بعض الجامعات بالخارج منحت طلبة القطاع فرصة لمتابعة محاضراتهم عبر الإنترنت استثناء ولعام واحد لحين انتهاء الحرب، بعد أن تفهمت هذه الجامعات أن ظروف الحرب وإغلاق المعابر من قبل الاحتلال يحولان دون خروج الطلبة خارج القطاع.
من بين هؤلاء الطالبة نسرين الشاويش، التي تدرس الطب البشري في تونس تقول لـ"عربي بوست" "أنا في السنة الرابعة من تخصصي، أتيت لزيارة أهلي في غزة قبل أسابيع من اندلاع الحرب، وراسلت الجامعة وشرحت لها ظروفي في غزة وصعوبة الخروج من المعبر، ومنحتني فرصة متابعة محاضراتي عبر الإنترنت، ولكن بشرط ألا تزيد مدة الدراسة عن بعد عن 4 فصول دراسية فقط".
واقع المنح الدراسية لطلبة غزة
تمثل الدراسة في الخارج حلماً بالنسبة لطلبة القطاع، حيث ينافس آلاف الطلبة سنوياً للحصول على منح للدراسة في جامعات الخارج، على اعتبارها فرصة قد لا تتكرر بالنسبة لهم ولذويهم على حد سواء للتخفيف من الأعباء المالية المرتبطة بالدراسة الجامعية داخل أو خارج القطاع.
تتركز المنافسة في المنح الدراسية التي تمنحها جامعات أوروبية وتركية على وجه الخصوص، والتي عادة ما تكون شاملة لسكن الطلبة وكامل الرسوم الدراسية بالإضافة لتغطية تكاليف السفر والإقامة وتمنح بعضها راتباً شخصياً، بالإضافة لميزة أنها قد توفر فرص عمل بشكل أسرع بعد التخرج بسبب إزالة قيود اللغة ومعرفة الطالب بقوانين الدولة.
تبلغ حصة غزة من المنح الخارجية نحو 500 منحة دراسية سنوياً، يتم الإعلان عنها من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، وبعضها تمنح من خلال مؤسسات دولية كالمنح التي تقدمها السفارة الأمريكية في القدس، بالإضافة لتخصيص بعض الدول أهمها إندونيسيا وتركيا والجزائر حصة من مقاعدها لطلبة غزة.
وتسببت حرب غزة بمصير مجهول ينتظر أكثر من 100 ألف طالب جامعي، بعد أن دمر الاحتلال بشكل كلي 5 من أصل 6 جامعات في القطاع، و17 كلية متوسطة.