لم تكن جولة علي لاريجاني المبعوث الشخصي للقائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، إلى كل من سوريا ولبنان، السبت 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 والتي استغرقت يومين، زيارة عادية، فقد حمل الرجل رسائل إلى كل من بشار الأسد وساسة لبنان، تتعلق بالحرب على إسرائيل.
وقد قال علي لاريجاني مبعوث خامنئي الشخصي بعد عودته إلى إيران إن قادة سوريا ولبنان "استمعوا جيدا" إلى رسائل "القائد" واهتموا بها جيدا، في إشارة إلى مضمون ما مرره لاريجاني من مطالب من جانب خامنئي إلى كل من رئيس النظام السوري بشار الأسد وكذلك للمسؤولين في إيران، وفق مصادر إيرانية.
بشار الأسد أساء التصرف
كشفت مصادر إيرانية قريبة من مكتب القائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أن بشار الأسد رئيس النظام السوري، "أساء التصرف" في بعض الملفات ذات الصلة المشتركة مع الجانب الإيراني وكذلك مع حزب الله في الفترة الأخيرة وأن هذه الأخطاء قد راجعته فيها طهران في الأيام القليلة الماضية.
أشارت المصادر إلى أن العلاقات مع حزب الله كانت من بعض الملفات التي تسببت في أزمة بين إيران وبشار الأسد في الأيام الماضية، في ظل "ابتعاد" بشار الأسد عن الدعم العلني للحزب في الحرب الدائرة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت المصادر إن إيران ناقشت بشار الأسد في كل الملفات التي وجدت أنه قد "أساء التصرف" فيها في الأيام الماضية، أثناء زيارة علي لاريجاني ممثل خامنئي الشخصي إلى سوريا وقد كانت الزيارة تحمل رسالة واضحة ومباشرة إلى بشار الأسد.
مستودعات السلاح
تقول المصادر إن إسرائيل أعلنت قبل أسبوعين عن قصف مستودعات أسلحة تستخدمها وحدة التسلح التابعة لـ "حزب الله" في مدينة القصير السورية قرب الحدود مع لبنان وقد تسبب ذلك في أضرار كبيرة للحزب في مدينة القصير التي يسيطر عليها الحزب منذ سنوات، مشيرة إلى أن إيران كان لديها توقع أن يعمل بشار الأسد على تأمين الحزب وقواته وأماكن تخزين السلاح في القصير بشكل لا يسمح معه حدوث أي استهداف من جانب الاحتلال.
كذلك أشارت المصادر إلى أنه رغم أن إيران "لا تهتم" بما قيل عن أن بشار الأسد ربما يحاول أن يتجه نحو التطبيع مع إسرائيل "بعد فترة طويلة" عبر بوابة الجامعة العربية وذلك بضوء أخضر من روسيا، إلا أن رسالة لاريجاني كانت واضحة في هذا المسار أن "الملعب السوري يخص إيران" في المقام الأول مهما كانت الضغوط الإسرائيلية على بشار الأسد.
موقف بشار الأسد من قصف القصير
مصدر إيراني آخر قريب من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قال لـ"عربي بوست" إن زيارة علي لاريجاني إلى سوريا في الأيام الماضية كانت مما تضمنته رسالة واضحة من جانب القائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أن ملف السلاح الذي يتم نقله من القصير إلى حزب الله خاصة في الفترة الحالية التي تشهد اشتباكًا مسلحًا كبيرًا بين الحزب وإسرائيل، لا يجب أن يتأثر تحت أي ظرف رغم الاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمخازن السلاح في القصير أو حتى للجسور التي يتم نقل السلاح منها ما بين القصير والداخل اللبناني.
قال أن إيران تتخوف من أن الضغوط التي يتم ممارستها على بشار الأسد تدفعه لكي "يترك القصير فريسة" للاستهدافات الاحتلال الإسرائيلي دون أن يتحرك لتأمين تحرك السلاح من القصير إلى داخل لبنان حيث الحزب يحتاج للأسلحة بشكل كبير في هذه الفترة.
قصف الجسور في القصير
رغم أن إسرائيل استطاعت قبل أيام قصف بعض الجسور التي تُستخدم لنقل الأسلحة لتصل في النهاية إلى حزب الله داخل لبنان، إلا أن المصدر الإيراني أفاد بأن علي لاريجاني شدد في لقاءاته مع المسؤولين السوريين على ضرورة تأمين المدينة وإيجاد مسارات تقلل من الخسائر المتوقعة جراء هذه الاستهدافات التي تطال مخازن أسلحة الحزب وعناصره، وكذلك الطرق التي تسهل عملية تهريب السلاح إلى داخل لبنان.
أما بشأن المعابر المهمة التي قصفها الاحتلال بين سوريا ولبنان في منطقة القصير، فهي كالتالي:
المعبر الأول: معبر جوسية، وهو معبر رسمي يربط بين بلدة جوسية في منطقة القصير بريف حمص الغربي في سوريا وبين قرى القاع اللبنانية. يمرّ به الطريق الرئيسي بين القصير في محافظة حمص وقرى القاع.
في سياق موازٍ، تنبع أهمية هذا المعبر من كونه يتيح الوصول إلى مدينة حمص، التي تعدّ منطقة تجارية وإدارية مهمة. كما يُعتبر نقطة رئيسية لنقل البضائع وتسهيل المواصلات بين البلدين، واستُخدم أيضاً لتهريب المواد الغذائية والمحروقات إلى المناطق التي طالها الحصار خلال الثورة السورية.
رغم ذلك، أُغلق المعبر في نهاية عام 2012 بعد أن سيطرت قوات المعارضة السورية على مدينة القصير ومعبرها. إلا أن النظام السوري تمكن في عام 2013 من استعادة السيطرة على القصير بمساندة حزب الله اللبناني، وأصبح المعبر الحدودي تابعاً للنظام.
ظل المعبر مغلقاً نحو خمس سنوات، وخلال تلك الفترة، استخدمه حزب الله كنقطة عسكرية، ومنع الحركة التجارية والمدنية عبره، وحوله إلى معبر لتهريب الأسلحة والإمدادات العسكرية من وإلى سوريا. في عام 2017، أعيد افتتاح المعبر للحركة التجارية والمدنية بين الجانبين بعد حملة ترميم، إذ كان قد شهد معارك ضارية بين المعارضة والنظام السوري خلال حصار القصير.
المعبر الثاني: معبر مطربا، وهو معبر جديد افتُتح في عام 2022، يربط بين منطقة القصير بريف حمص الجنوبي الغربي ومنطقة الهرمل في لبنان. قبل إنشائه، كان سكان الهرمل يعانون بشكل يومي أثناء التنقل إلى سوريا عبر معبري القاع والمصنع.
تهريب السلاح
في الوقت نفسه، تقول المصادر إن الحزب كان يعتمد على القصير كأحد المصادر الهامة له لتهريب السلاح من داخل سوريا إلى داخل لبنان، ولكن مع وصول الاحتلال إلى الكثير من الأهداف داخل القصير، والتي تخص الحزب ومخازن السلاح، تخشى إيران من تمدد ذلك الأمر دون أي موقف من بشار الأسد، مما يجعل الحزب تحت طائلة الطيران الإسرائيلي بكل سهولة.
لكن المصادر قالت إن الجانب السوري حاول أن يبدي "حسن نيته" وأنه قادر على حماية الحزب ومخازن السلاح في مدينة القصير، وأنه سوف يبذل كل جهده في الفترة المقبلة لإخفاء أي مظاهر تكشف عن وجود مخازن أو مسارات لتهريب السلاح من المنطقة إلى الحزب.
مصدر إيراني، مقرب من الرئيس الإيراني، أشار إلى أن علي لاريجاني ذهب إلى سوريا بسبب المفاوضات الجارية مع حزب الله، والتي تتعلق بوقف الحرب وإعادة النظر في وجوده في سوريا في الفترة المقبلة، التي سوف تعقب انتهاء الحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط.
كذلك فقد قال إن الطرف الأمريكي يريد تقليص الوجود العسكري للحزب في سوريا والقضاء على حركة تهريب السلاح التي يديرها من سوريا إلى جنوب لبنان، بالتنسيق مع أطراف في المنطقة مثل إسرائيل وكذلك بتفاهم مع موسكو، لكن إيران ترفض هذه الخطوة وتتخوف من تأثير ذلك على نفوذ الحزب في سوريا، وبالتبعية في جنوب لبنان، إذ سوف يفقد أحد المصادر الكبيرة التي يجلب منها السلاح، وهي سوريا، عن طريق القصير دخولاً إلى الأراضي اللبنانية.
في سياق متصل، قال الأكاديمي الإيراني مسعود فكري في تصريح خاص لـ"عربي بوست" إن الجانب الإيراني يتوقع ضغوطاً كبيرة عليها تخص النفوذ العسكري لحزب الله في سوريا، وخاصة ما يتعلق بحركة السلاح من سوريا إلى داخل الأراضي اللبنانية في الجنوب.
وأشار إلى أن إدارة دونالد ترامب، وفق ما وصل للجانب الإيراني من وسطاء رفضوا الكشف عن هويتهم، أبلغت إيران أن الدور الذي كان عليه حزب الله في سوريا قبل بدء حرب الطوفان، لن يكون نفس الدور الذي سيكون عليه بعد انتهاء الحرب، وعلى الحزب وكذلك إيران أن يدركوا هذه الحقيقة، لأن نفوذ الحزب سوف يتم تقليصه بشكل كبير في سوريا.
أهمية القصير
تحوّلت القصير وريفها أهدافاً للغارات الإسرائيلية، خصوصاً أنها تُعدّ موقعاً استراتيجياً لحزب الله الذي خاض أوّل معاركه في سوريا على مدى شهرين متواصلين في مواجهة ما كان يُعرف بـ"الجيش السوري الحر" حتى السيطرة عليها خلال منتصف شهر يونيو/حزيران 2013 بعد تدميرها شبه الكامل وإفراغها من سكانها الذين نزحوا إلى لبنان.
القصير تُشكِّل موقعاً حساساً للحزب؛ بسبب قربها من الحدود اللبنانية وتعدّ عمقه الاستراتيجي مع المناطق الحدودية اللبنانية، لا سيما في بلدتي الهرمل والقصر، وصولاً إلى بعلبك في البقاع اللبناني، وقد حوّل الحزب المنطقة إلى ما تُشبه الثكنة العسكرية، ومقرات أمنية ومراكز تدريب له ولميليشيات شيعية موالية لإيران، وتتلقى تدريباتها على يد مقاتلي الحزب
لكن بعد اندلاع المواجهة مع إسرائيل، نقل (حزب الله) الثقل الأكبر لمقاتليه من هذه المنطقة إلى لبنان، وكذلك كميات كبيرة من مخازن الأسلحة الموجودة في المنطقة.
هجوم مستمر
كثَّفت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة غاراتها على المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، إذ أغلقت معبري المصنع وجديدة يابوس في البقاع، ومعظم المعابر غير الشرعية سواء التي يستخدمها مقاتلو حزب الله في انتقالهم ما بين البلدين، أو لتهريب السلاح، أو تهريب السلع والبضائع.
وتكتسب القصير التي باتت مركز نفوذ للحزب أهميّة قصوى لا يمكن التفريط فيها بأي حال من الأحوال حيث إنها تُشكِّل بقعة لوجيستية أساسيّة له، خصوصاً أنها المركز الرئيسي لتجميع الصواريخ والمسيّرات التي تصل من إيران، كما أنها تحوي مصنعاً للمنصات التي تُطلق بواسطتها صواريخ (الكاتيوشا) و(الغراد).
القصير تُعدّ موقعاً استراتيجياً للحزب، بالنظر لقربها الجغرافي من مدينة الهرمل، وعلى المدخل الشرقي الشمالي لمنطقة البقاع التي تُعدّ حاضنةً أساسيةً له وممراً للسلاح والمقاتلين إلى الجبهة الجنوبية.
وللقصير موقع استراتيجي جعل منها في السنوات الماضية نقطة رئيسية لعمليات التهريب من لبنان إلى سوريا وبالعكس، وهو ما أكدته مصادر رسمية لبنانية مؤخراً.
في سياق موازٍ فهناك مركزان للتهريب أسسهما "حزب الله" اللبناني في المنطقة منذ سنوات وهما:
المركز الأول يُسمى بـ"مركز منطقة ربلة"، وتحول في الأعوام الثلاثة الماضية إلى مركز تجاري "ضخم جداً"، يُغذي المناطق الواصلة حتى مركز مدينة حمص. من وقود ومواد غذائية وأيضاً القطع الأجنبي، وبالأخص الدولار.
أما المركز الثاني بحسب المدني الذي طلب عدم ذكر اسمه فيُسمى بمركز "العقربية"، وتحول أيضاً إلى مركز تجاري كبير، بالإضافة إلى عمليات التهريب شبه اليومية التي يشهدها.
جدير بالذكر أن القصير تُعتبر من المدن الكبيرة في محافظة حمص، ويتبع لها أكثر من 80 قرية وبلدة وفي يونيو عام 2013 سيطرت عليها قوات الأسد بدعم رئيسي ومباشر من "حزب الله" اللبناني، لتكون أولى المناطق التي تشهد تدخلاً خارجياً من قوات أجنبية، عدا عن كونها "الانكسار الأول والأكبر" الذي تعرضت له الفصائل العسكرية المعارضة لنظام الأسد عندما كانت تُسمى سابقاً "فصائل الجيش السوري الحر".