كشفت مصادر مطلعة قريبة من الحكومة تحدثتت إليها "عربي بوست" أن سبب حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام حول ضرورة مراجعة بنود برنامج صندوق النقد الدولي، حتى لا تثقل كاهل المواطن، يعودُ لبندين في المفاوضات؛ أحدهما يخصُّ تعويمِ جديدٍ للعملة المصرية مقابل الدولار، والبند الثاني يتعلق بطرح شركات الجيش المصري في البورصة.
في الوقت نفسه أقرَّ نواب في البرلمان المصري تحدثواوا إليهم "عربي بوست" أن برنامج صندوق النقد الدولي تسبب في نتائج سيئة للمواطن المصري ترتب عليها انهيار قيمة العملة وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وأن المواطن وحده هو الذي دفع نتيجة هذه السياسة التي ذهبت إليها الحكومة المصرية.
كان السيسي قد تحدث قبل أيام حول برنامج بلاده للإصلاحات الاقتصادية مع صندوق النقد الدولي وضرورة ألا تسبب مزيدًا من الألم لمعيشة المصريين، ما أثار اهتمام الشارع المحلي وطرح تساؤلات، خاصةً أنه رأى أن البرنامج قد يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، إذ فرضت الضغوط الاقتصادية عبئًا لا يطاق على المصريين الذين يعانون ارتفاع الأسعار الناتجة عنه.
السيسي قال: إن برنامج صندوق النقد الإصلاحي الذي يرافقه قرض بقيمة 8 مليارات دولار، والذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا العام، "يُتم تنفيذه في ظل ظروف إقليمية ودولية وعالمية صعبة للغاية". وأضاف: "أقول للحكومة ولنفسي، إنهُ إذا أدى هذا التحدي إلى ضغوط على الجمهور لا يمكنهم تحملها، فيجب مراجعة الوضع ومراجعة الموقف مع الصندوق".
في هذا التقرير نقف على أسباب حديث السيسي في هذا الوقت حول مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري مع صندوق النقد الدولي، وما إذا كان الأمر له علاقة بخلافات بين الجيش المصري والسيسي حول تخارج الجيش من الاقتصاد، وهو ما يرفضه الجيش في حين يريد السيسي "أيِّ مسار يخفف من الأزمة الاقتصادية" التي يواجهها.
تقدير موقف
أحد المصادر المصرية التي تحدث إليها "عربي بوست"، وهو باحث في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، قال: "إن الحكومة المصرية في أزمة اقتصادية كبيرة، وقد سبق أن قدم مركز المعلومات خلال الأيام الماضية تقدير موقف يخص الأزمة الاقتصادية والتصور لعلاجها أو على الأقل الذهاب إلى مسار يقلل من أثرها على المواطن المصري في الفترة الحالية".
وقال: "إن هناك ملفين مهمين مطروحين على مائدة مفاوضات وزير المالية المصري أحمد كوجك مع صندوق النقد الدولي الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، وهما ملف تعويم العملة المصرية وكذلك ملف طرح شركات الجيش في البورصة".
أوضح أن الصندوق يريد تعويم جديداً ويرى أن السعر الحقيقي للدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري هو 80 جنيه مصرياً لكل دولار، لكن السلطة في مصر لا تريد الذهاب إلى ذلك على الأقل في هذا العام، على أن يكون ذلك مع بداية العام المقبل، خاصة وأن هناك تقارير رسمية من أطراف كثيرة، بعضها " أمني"، تتحدث عن أن الشارع المصري بات لا يقوى على تحمل أي تبعات اقتصادية أخرى في الفترة الحالية.
كشف كذلك أن الملف الثاني يتعلق بطرح شركات الجيش في البورصة، وهي أزمة حقيقية تواجه الحكومة ولا تجد لها حل اً في ظل إصرار الجيش على عدم الذهاب بشركاته إلى البورصة في الفترات المقبلة.
مصدر آخر في البرلمان المصري قال لـ"عربي بوست": "إن هناك خلافات خلال الأيام الماضية، بين السيسي وقادة الجيش المصري"، مشيرا إلى أن السيسي ومن أجل تقوية دور الجيش في الاقتصاد المصري، لضمان دعمه والاستمرار في السلطة، سمح للجيش وقادة الجيش بالاستثمار في الاقتصاد على نطاق واسع في السنوات الماضية.
وأشار إلى أن السيسي سمح لقادة الجيش بالاستثمار بشكل شخصي، في كافة قطاعات الاقتصاد المصري حتى بات لقادة الجيش " إمبراطوريات اقتصادية"، وبعد تأزم الأوضاع الاقتصادية طلب السيسي من قادة الجيش ومن الجيش تقديم بعض التنازلات المالية، للموازنة، لكن الجيش وقادته رفضوا، وتعللوا بأن هذه الاستثمارات خاصة ولا يجب أن تذهب إلى الموازنة المصرية".
أصل الخلاف
سألنا البرلماني المصري محمود الصعيدي، عضو لجنة الاقتصاد في البرلمان المصري، حول البنود المتبقية من برنامج صندوق النقد الدولي والتي لم تقم الحكومة المصرية بتطبيقها حتى الآن. قال: "لا أعرف البنود المتبقية، وأرجو إرسالها إليّ".
وبخصوص تعطيل المراجعة من جانب صندوق النقد الدولي، قال الصعيدي: "إن وزير المالية المصري أحمد كوجك موجود في أمريكا الآن للتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول المراجعة الجديدة للقرض وبنوده والدفعة الجديدة من القرض".
كذلك فقد قال: إنه "ليس هناك تعويم للجنيه المصري في الفترة الحالية على الأقل"، ملمحًا إلى أنه من الممكن أن يحدث ذلك في المستقبل. وبخصوص طرح شركات الحكومة والجيش في البرلمان، قال الصعيدي: "ليس هناك مانع من ذلك، يجب طرح الشركات لتكون ملكية عامة للشعب".
لكن بمراجعته حول مدى قبوله أو موقفه من طرح شركات الجيش في البورصة أو للاستثمار الأجنبي، قال عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري: "هما هدفهم كدا، في إشارة إلى صندوق النقد، وهذا أمر مش وحش، في كل دول العالم هناك مسار لتخارج الحكومة من الاستثمار وإفساح المجال للقطاع الخاص للاستثمارات".
وبخصوص الموقف من طرح شركات الجيش في البورصة، قال الصعيدي: "بالطبع، الجيش جزء من الحكومة وليس هناك مشكلة في طرح شركات تخص الجيش في البورصة أو للاستثمار الأجنبي".
وحول تأثير قروض صندوق النقد على الاقتصاد المصري، قال الصعيدي: "هي سلبية على المواطن المصري وتسببت في ارتفاع الأسعار ولا أحد ينكر ذلك، وقد اضطرت الحكومة للذهاب إلى صندوق النقد الدولي بسبب الأزمة العالمية الحالية".
مراجعة الشروط
في حين قال عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان المصري محمد علي عبدالحميد: إن السيسي طالب بمراجعة شروط صندوق النقد لأنه "يريد التخفيف عن المواطن المصري الذي يعاني بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الحالي".
مشيرًا إلى أن مصر هي التي وضعت برنامجها للإصلاح الاقتصادي، وقدمته لصندوق النقد الدولي والذي تضمن تحرير سعر الصرف ورفع الدعم وكذلك طرح شركات في البورصة، ومصر ملتزمة به، لكن شروط صندوق النقد كانت صعبة على المواطن المصري، والسيسي يحاول تمديد فترة تنفيذ شروط الصندوق حتى لا يواجه المواطن المصري أزمة كبيرة.
أما بخصوص انسحاب مصر من الاتفاق مع صندوق النقد وتأثير ذلك على صورة مصر اقتصاديًا، قال عبدالحميد: إن مصر لا تعتمد فقط على صندوق النقد الدولي، لكن التعامل مع صندوق النقد، هو شهادة ضمان، لاقتصاد مصر بأنه يتعافى وهو ما يساعد مصر على الحصول على تمويلات وقروض من مؤسسات أخرى، وأن مصر "في سبيل المواطن المصري سوف تتحمل أي تبعات للانسحاب من برنامج صندوق النقد".
كشف أن مصر لديها مسارات أخرى تستطيع أن تعوض بها تأثيرات الانسحاب من برنامج الصندوق، مثل مشاريع مع دول الخليج كما حدث في رأس الحكمة التي تم بيعها للإمارات، وكذلك مساعي مصر التفاوض مع السعودية للاستثمار في بعض المناطق على البحر الأحمر.
أما بخصوص الخلاف حول طرح شركات الجيش في البورصة، قال عبدالحميد: إنه في الفترة الأخيرة الحكومة اتخذت قرارًا بطرح كل شركات القطاع العام في البورصة وللبيع وسوف تتخارج من الاقتصاد بالكامل، وقال: إن شركات القطاع العام تصل إلى 705 شركات سوف تبيعها الحكومة المصرية.
وأشار إلى أن شركات الجيش سيكون بعضها من ضمن الشركات التي سوف يتم بيعها أو طرحها في البورصة، مثل وطنية وصافي، وكشف أن تأخير طرح الشركات الخاصة بالجيش في البورصة، يتعلق بالتقييم وأن هناك لجان ما زالت تقوم بتقييم الشركات التابعة للجيش للوصول إلى قيمتها الحقيقية قبل بيعها.
كذلك أشار إلى أن الخلاف بين صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية حول تعويم جديد للعملة المصرية أمر مفهوم، وقلل من أثره على الاقتصاد مشيرًا إلى أن هناك تحريرًا للعملة لكن ربما يكون هناك حاجة إلى تعويم جديد للعملة، موضحًا أن ذلك لن يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد.
برنامج مصري
من جانبه، قال عضو لجنة الاقتصاد في البرلمان المصري، علي دسوقي، في تصريحات لـ"عربي بوست": إن الحكومة تسعى إلى طرح شركات في البورصة، دون أن يكون ذلك "تابعًا أو تلبية لطلبات صندوق النقد الدولي، ولكن لصالح الاقتصاد المصري" وفق قوله.
وبخصوص طرح شركات الجيش في البورصة أو للاستثمار الأجنبي، قال النائب علي دسوقي إنه لم يتم طرح شركات الجيش حتى الآن في البورصة، أو للاستثمار الأجنبي، مشيرًا إلى أن هناك إجراءات تتم على أرض الواقع تخص طرح شركات الجيش في البورصة. كما أشار إلى أن هناك لجانًا تعمل الآن على تقييم شركات الجيش بشكل تفصيلي، لبحث إمكانية طرح بعضها في البورصة خلال الأيام المقبلة.
جدير بالذكر أن الحكومة قد سبق أن أعلنت في مارس/ آذار 2023 بدء عملية طرح اثنتين من شركات الجيش للاستثمار، كما تخطط لطرح أربع شركات كبيرة أخرى.
وعقد رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، اجتماعًا لمتابعة الخطوات التنفيذية لبرنامج الطروحات الحكومية الذي سبق الإعلان عنه. وبحسب البيان الذي أصدرته رئاسة الوزراء، سيقدم المستشارون للمستثمرين المعلومات اللازمة حول شركتي "وطنية" لتوزيع الوقود و"صافي" لتعبئة المياه.
وقال البيان إن اللجنة المسؤولة عن إدراج الشركات التي تديرها الدولة ستعرض أيضًا أربع شركات "كبيرة" على المستثمرين من خلال بنوك الاستثمار الدولية، دون تسمية هذه الشركات، لكن بطبيعة الحال لم يتحقق أي شيء من ذلك حتى الآن في الاقتصاد.
كذلك فقد سبق أن دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 خلال افتتاحه أحد المشروعات الجديدة، إلى طرح الشركات المملوكة للقوات المسلحة المصرية في البورصة حتى يمكن للمواطنين شراء أسهم بها.
وقال السيسي: "الطروحات التي تجهزها الدولة لطرحها في البورصة لابد أن تكون هناك فرصة منها لشركات القوات المسلحة".
وأثارت هذه الخطوة حالة من التفاؤل في أسواق المال المصرية والقطاع الاقتصادي، وإن كان هناك قلق حول إتمامها واستيفاء المعايير المطلوبة لطرح هذه الشركات في البورصة، والتي قد تستغرق وقتًا طويلًا.
وكان السيسي قد أعلن في وقت سابق أن الجيش المصري "لا يعمل بأكثر من ثلاثة في المائة من حجم الناتج القومي"، مؤكدًا أن مشاركة الجيش لا تصل إلى عشرة أو خمسين في المائة (كما ادعى البعض).
ماذا تعني المراجعة؟
مراجعة موقف مصر مع الصندوق تعني إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل بعضها لفترات لاحقة، لتخفيف صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي.
وبحسب "الأناضول"، فإن الصندوق مصمم على المضي قُدمًا في خطة الإصلاحات دون تغيير، وفق الجداول الزمنية المحددة مسبقًا مع الحكومة المصرية.
وقالت الوكالة على لسان مصادر: "تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملًا عن الوقود، إلى جانب رفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وتخارج الدولة من عشرات الشركات العاملة في البلاد".
وأعلنت مصر عن أكثر من صفقة خلال العام الجاري، تبيع فيها حصصًا للدولة في العديد من الشركات لصالح القطاع الخاص المحلي.
وفي حال فرضية ظهور خلافات بين الجانبين بشأن مواعيد تنفيذ الإصلاحات، فإن الصندوق قد يتجه إلى تأجيل مراجعات البرنامج مع مصر، وهو ما سيؤجل تسليم شرائح جديدة من القرض البالغ 8 مليارات دولار.
أصل الاتفاق
بالعودة إلى نوفمبر 2022، في ذلك الوقت اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بقيمة 3 مليارات دولار، قبل أن يتم تعليقه في 2023، بسبب خلافات بين الجانبين أبرزها رفض القاهرة لتعويم الجنيه.
وتأثرت القاهرة بشدة جراء الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير/ شباط 2022، نتج عن ذلك ارتفاع فاتورة واردات السلع المقومة بالنقد الأجنبي، مما أدى إلى تراجع وفرة الدولار. فاقم ذلك تخارج أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات الأجانب بأدوات الدين المصرية.
وفي عام 2023، ساءت أوضاع سوق الصرف الأجنبية في مصر، مما أدى إلى ظهور السوق السوداء للعملة. رافق ذلك تعليق الصندوق إجراء مراجعات لبرنامجه الإصلاحي مع القاهرة، والذي عادة ما ينتج عنه صرف شرائح من القرض المالي. ومرد الخلاف في ذلك الوقت، هو رفض مصر تحرير سعر صرف الجنيه.
لكن مع اندلاع الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تراجعت إيرادات السياحة الوافدة إلى مصر، ثم هبطت حركة عبور السفن من قناة السويس؛ إذ تُعد عائداتهما بجانب الصادرات من أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد.
مطلع 2024، تحدث صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة عن تضرر مصر بسبب التوترات الجيوسياسية في الإقليم، حتى تم الاتفاق على توسيع القرض السابق من ثلاثة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار، والذي جرى إعلانه في مارس/آذار من العام نفسه.
خطوات مصرية للإصلاح
في مارس/آذار 2024، حررت القاهرة سعر صرف الجنيه، وعلى إثر ذلك تراجع أمام الدولار من واحد وثلاثين إلى 48.5 جنيهًا في الوقت الحالي، بحسب بيانات البنوك العاملة في مصر.
في الشهر نفسه، رفعت مصر أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى عشرة بالمئة، تبع ذلك رفع سعر الخبز المدعم بنسبة ثلاثمئة بالمئة من خمسة قروش إلى 20 قرشًا للرغيف.
كما ارتفعت أسعار المواصلات وتذاكر المترو، في يوليو/تموز، وهو الشهر نفسه الذي نفذت فيه مصر زيادة ثانية في أسعار الوقود المباع للمستهلك النهائي، إلى جانب زيادات متباينة على أسعار الغاز المنزلي والصناعي.
وفي أغسطس/آب قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إن الحكومة سترفع تدريجيًا دعم الوقود، ليتساوى مع سعر التكلفة بحلول نهاية 2025.
بينما نفذت مصر قبل أيام زيادة ثالثة على أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 17.4 بالمئة، وهو ما يزيد مخاوف من زيادات على أسعار المواصلات والسلع الغذائية التي يعد الوقود أحد مدخلات إنتاجها.
وصعد تضخم أسعار المستهلك السنوي في السوق المصرية خلال سبتمبر/أيلول الماضي، إلى 26 بالمئة، ارتفاعًا من 25.6 بالمئة في أغسطس السابق له، في ارتفاع للشهر الثاني على التوالي.
مراجعات صندوق النقد
المراجعة الأولى والثانية
كانت نتائج المراجعة الأولى لصندوق النقد، لاتفاقية "تسهيل الصندوق الممدد" مع مصر، هي الموافقة على زيادة الموارد المتاحة من خلال البرنامج الأصلي بحوالي خمسة مليارات دولار أمريكي (3.76 مليار وحدة حقوق سحب خاصة) وإتاحة السحب الفوري لحوالي 820 مليون دولار أمريكي (618.1 مليون وحدة حقوق سحب خاصة). وكان اتفاق "تسهيل الصندوق الممدد" المبرم مع مصر لمدة 46 شهرًا قد تمت الموافقة عليه بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وقد خلص تقييم الصندوق للمرحلة الأولى والثانية إلى أن جميع أهداف الأداء الكمي للفترة حتى نهاية يونيو/حزيران 2023 قد تم استيفاؤها، ما عدا هدف واحد. ووافق الصندوق على طلب السلطات الإعفاء من إعلان عدم الالتزام بمعيار أداء شهر يونيو/حزيران الخاص بصافي الاحتياطيات الدولية على أساس الإجراءات التصحيحية المتخذة.
المراجعة الثالثة لصندوق النقد
في 29 يوليو/تموز 2024، أكمل صندوق النقد الدولي المراجعة الثالثة لاتفاق الصندوق الممدد في مصر. تم تصميم تسهيل الصندوق الممدد، الذي تمت الموافقة عليه في 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، لدعم مصر في مواجهة تحديات الاقتصاد الكلي، واستعادة الاستقرار المالي، ووضع الأساس للنمو الاقتصادي المستدام. يتعمق هذا المقال الشامل في تفاصيل النتائج والتوصيات التي توصل إليها صندوق النقد الدولي والآثار الأوسع نطاقًا على السياسات الاقتصادية في مصر وآفاقها المستقبلية.
في المراجعة الثالثة، أكد صندوق النقد الدولي أن مصر لا تزال تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في سياق بيئة إقليمية متقلبة وقضايا هيكلية مستمرة.
وقد أسفر التزام البلاد بمرونة سعر الصرف، وضبط أوضاع المالية العامة، والإصلاحات الهيكلية عن نتائج إيجابية، بما في ذلك تحسين ثقة المستثمرين والاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاطر وتحديات كبيرة، تستلزم استمرار اليقظة واتخاذ إجراءات حاسمة على صعيد السياسات.
ولكي تحقق مصر نموًا اقتصاديًا مستدامًا وشاملًا، يجب أن تلتزم بتوصيات صندوق النقد الدولي، وأن تستمر في تنفيذ الإصلاحات الشاملة. ويشمل ذلك تعزيز الإيرادات الضريبية، وتحسين إدارة الديون، وزيادة الشفافية في القطاع المالي، وتعزيز بيئة مواتية للأعمال. ومن خلال معالجة هذه المجالات، يمكن لمصر بناء اقتصاد أكثر مرونةً، قادر على الصمود في وجه الصدمات الخارجية وتوفير الرخاء لجميع مواطنيها.
تاريخ مصر مع صندوق النقد الدولي
تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلًا، حيث اقترضت مصر من صندوق النقد الدولي لأول مرة في تاريخها عامي 1977/1978 في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات نحو 186 مليون دولار، وذلك لحل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم الذي قارب 8.6%.
- تمثلت مبررات قرار القرض في ظروف وملابسات عديدة عايشها الاقتصاد المصري بعد حرب أكتوبر 1973، فخلال الفترة بين 1973 و1977 عُقد برنامج التثبيت الاقتصادي، وخلال ذلك العام، كان تمويل الجزء الأكبر من الواردات المختلفة يتم عن طريق التسهيلات المصرفية التي بلغت حوالي 1.21 مليار دولار، تلك التسهيلات مثّلت قفزة كبيرة في الاعتماد على هذا النوع من الديون، كما بلغت نسبة عجز الميزان التجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي 10.2%، وارتفع معدل الدين إلى 39.8%، وهو أعلى معدل سجلته الإحصائيات الدولية بين مجموعة الدول المتخلفة في هذا العام.
- بعدما هدأت تداعيات الحرب، برزت مجموعة من المشاكل كان لها الدور الأكبر في إعادة صياغة وتشكيل السياسة الاقتصادية المصرية، جاء في مقدمتها زيادة حاجة مصر إلى استيراد المواد الغذائية وخاصة القمح، واضطرارها لاستيراد تلك المواد بالدفع نقدًا أو عن طريق التسهيلات المصرفية. تزامن ذلك مع زيادة أسعار هذه المواد بشكل حاد في السوق العالمي عقب غلاء أسعار البترول، إضافة إلى ما واجهته مصر بعد الحرب، من تدهور سريع في أرقام المخزون السلعي من المواد الخام الوسيطة والسلع الاستراتيجية والمواد الغذائية، وما ضاعف من صعوبة تلك المشاكل، ضآلة حجم الاحتياطات الدولية التي امتلكتها مصر آنذاك، وتعرض جهود التنمية لعثرات شديدة، تمثلت في تدهور معدلات الادخار والاستثمار، وتدهور معدلات التبادل الدولي في غير صالح مصر.
- وفي عام 1974، تعرض عجز الميزان التجاري في مصر إلى قفزة هائلة من 98 مليون جنيه في عام 1973 إلى 530 مليون جنيه. أي بزيادة نحو خمسة أضعاف ونصف. كما ارتفعت نسبة العجز من 2.6% في عام 1973 إلى 12.6% في عام 1974 نتيجة للزيادة المفاجئة في الواردات والتي مولتها القروض الخارجية قصيرة الأجل (التسهيلات المصرفية). ومن ثمَّ تراجعت نسبة الاحتياطات الدولية للواردات من 11.2% في عام 1973 إلى 4.4% في عام 1974. علاوة على تدهور تغطية الصادرات للواردات إلى 64.5% وارتفاع نسبة عجز الموازنة من 14% في 1973 إلى 18% في 1974.
- وفي ضوء تلك المؤشرات، أعلنت السلطة السياسية تبنيها سياسة الانفتاح الاقتصادي، الذي بدوره يوفر الضمانات والحوافز ومنح الامتيازات وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات. فأظهرت السياسة الاقتصادية للدولة ميلًا للقروض الخارجية الرسمية، وتفضيلًا لشكل الاستثمارات الأجنبية الخاصة، الذي يتيح الفرصة لرأس المال الأجنبي والعربي للإسهام في دعم الاقتصاد المصري.
- وفي عام 1975، ارتفع حجم المساعدات التي قدمتها الدول العربية لمصر، ووصلت إلى أعلى مستوى لها فبلغت 2.774 مليار دولار، حيث غطت تلك المساعدات 106% من عجز الميزان التجاري و80% من إجمالي العجز الخارجي. لكن الحال لم يدم طويلًا، فشهد عام 1976 انخفاضًا في معدل المساعدات العربية إلى 1.72 مليار أي بما يعادل 58% من عجز الميزان التجاري و42% من إجمالي العجز الخارجي.
- فقامت الحكومة المصرية بتوقيع برنامج للتثبيت الاقتصادي مع صندوق النقد خلال الفترة 1977-1981، من أجل تجاوز تلك المشاكل الخاصة بالعجز في ميزان المدفوعات.
- وفي عامي 1991-1993 في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك اقترضت مصر للمرة الثانية في تاريخها نحو 375 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري.
- وخلال عامي 1996 ــ 1998 طالبت مصر بقرض من صندوق النقد قيمة 434.4 مليون دولار، لكن تم إلغاؤه.
- وشكل هذا الاتقاق إطارًا سمح لمصر بالحصول على إلغاء 50% من دينها الرسمي المستحق لبلدان أعضاء في نادي باريس.
- ومنذ عام 1993 لم تحصل مصر على أي قروض من الصندوق، واقتصر دور الصندوق على المشاورات والمساعدة الفنية.
التعامل مع الصندوق في الفترة من 2011 إلى 2013:
- طالبت مصر بالحصول على قرض في عهد المجلس العسكري، ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي. كانا أقرب إلى حصول مصر عليها، فقد تمت الموافقة على القرض، كما طالبت بزيادته من 3.2 إلى 4.7 مليار دولار. ولكن عدول مرسي عن تنفيذ العديد من الإصلاحات التي تم الإعلان عنها أدى إلى تعليق المفاوضات.
- خلال عام 2016، قامت مصر بتبني برنامج إصلاح اقتصادي مدته ثلاث سنوات، عقب الحصول على قرض ب قيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد على ست شرائح على مدار ثلاث سنوات، تزامناً مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في 2016.
- وخلال 2020، حصلت مصر على 2.77 مليار دولار كمساعدات عاجلة من خلال أداة التمويل السريع، للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا.
- خلال عام 2021، عبر برنامج الاستعداد الائتماني الذي امتد على مدار عام، حصلت مصر على قرض إجمالي بلغ نحو 5.4 مليار دولار، ضمن "اتفاق الاستعداد الائتماني"، وذلك لمساعدة الدولة على سد العجز في ميزان المدفوعات.
- وخلال عام 2022، توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 للحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لمواجهة أزمة نقص النقد الأجنبي في البلاد بعد خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بأكثر من 20 مليار دولار في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم عالميًا. وكان من المقرر استلامه على مدار أربع سنوات، على تسع شرائح، كل شريحة تقدر بنحو 347 مليون دولار. لكن لم تحصل مصر إلا على الشريحة الأولى من القرض ب قيمة 347 مليون دولار، وأجّل الصندوق صرف باقي الشرائح لحين إجراء المراجعتين الثانية والثالثة.
- وفي 6 مارس 2024، توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة قيمة قرضه من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولار، على أن تطبق مصر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، أهمها الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وتمكين القطاع الخاص.
- يأتي هذا الاتفاق بعد عدة قرارات اتخذها البنك المركزي المصري، أبرزها رفع سعر الفائدة بأعلى نسبة في تاريخه بواقع 600 نقطة أساس بتاريخ 6/3/2024، ليرتفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، والسماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقًا لآليات السوق مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار إلى 49.47 جنيه للشراء، و49.57 جنيه للبيع، في البنك المركزي، بنهاية الأربعاء 6 مارس 2024، كما وجه بفتح حدود استخدامات بطاقات الائتمان بالعملة الأجنبية.