تمتلك مجموعة إماراتية تتبع لها شركة "بريسايت" – التي اتفق معها الأردن على رقمنة قطاعه الصحي – علاقات واسعة مع جهات إسرائيلية، أبرزها شركة "رفائيل" للصناعات الدفاعية، كما تمتلك "بريسايت" (التي أُنشئت باتفاق إسرائيلي إماراتي) مركزاً في إسرائيل يستفيد من الكوادر المحلية للمساعدة في تنفيذ الأعمال في قطاعات عدة، بينها القطاع الصحي، وقد خضعت المجموعة الإماراتية و"بريسايت" في وقت سابق لتدقيق استخباراتي في أمريكا بسبب نشاطهما.
"عربي بوست" تتبع قصة شركة "بريسايت" ونشاطاتها وكيفية نشأتها، والعلاقات الواسعة لمجموعة G42 الإماراتية التي تتبع لها الشركة مع جهات إسرائيلية، وقد أثار اتفاق الأردن مع "بريسايت" تساؤلات، لا سيما أن عمّان لديها مشروع سابق لرقمنة القطاع الصحي في المملكة تنفذه جهة محلية منذ سنوات.
وأثار الاتفاق بين وزارة التخطيط الأردنية وشركة "بريسايت" لرقمنة القطاع الصحي قلقاً لدى أردنيين بينهم نائبين برلمانيين، عبّروا عن مخاوفهم في شبكات التواصل على أمن معلوماتهم الشخصية والصحية، إضافة إلى استنكار التعاقد مع جهة تربطها علاقة بواحدة من أبرز وأضخم الجهات الحكومية والعسكرية الإسرائيلية.
في المقابل، نقلت وسائل إعلام أردنية عن مصدر في وزارة الاقتصاد قوله: "إن شركة بريسايت سيكون دورها محدوداً، وإن عملها سينتهي بعد إنتاج المشروع ليتم تشغيله أردنياً"، وأضاف: "إن جميع البيانات الوطنية الأردنية محمية بموجب إجراءات أمن المعلومات الذي تعمل عليه مؤسسات عدة وطنية ذات خبرة وكفاءة في هذا المجال".
أرسل "عربي بوست" إلى وزارة التخطيط الأردنية مجموعةً من الأسئلة حول ما إذا كانت الوزارة قد أجرت عملية تدقيق لعلاقات مجموعة G42 (التي تتبع لها Presight) مع جهات إسرائيلية قبل توقيع الاتفاق.
كما سأل "عربي بوست" الوزارة عن موقفها من وجود مكتب لـ Presight في إسرائيل، وعمل موظفين في إسرائيل بالشركة، وما إذا كان ذلك يمثل مصدر قلق للوزارة. وسألنا الوزارة أيضاً عما إذا كان لديها خطة تضمن من خلالها سلامة وأمن المعلومات الطبية للأردنيين خلال تنفيذ مشروع رقمنة القطاع الصحي من خلال شركة خارجية.
ولم يتلق "عربي بوست" رداً من وزارة التخطيط الأردنية حتى لحظة نشر هذا التقرير.
"بريسايت".. شراكة إماراتية إسرائيلية
في 19 أبريل 2021، أعلنت "مجموعة 42" الإماراتية (G42) وشركة "رفائيل" الحكومية الإسرائيلية، في مدينة هرتسليا بإسرائيل، عن اتفاق لتأسيس مشروع مشترك أطلقتا عليه اسم شركة "بريسايت" (Presight AI)، لتكون بذلك شركة ناجمة عن شراكة "إماراتية – إسرائيلية".
تضمن الاتفاق، بحسب بيان مشترك من الشركتين، إنشاء "بريسايت" موقعاً للبحث والتطوير في إسرائيل، يستفيد من المواهب المحلية الإسرائيلية في "قيادة تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وتطبيقها في قطاعات متعددة مثل البنوك والرعاية الصحية والسلامة العامة وغيرها".
وتشير مجموعة G42 الإماراتية على موقعها الإلكتروني إلى أن شركة "بريسايت" هي واحدة من 8 شركات أخرى تتبع لها (تتنوع أعمالها في الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، ومعالجة البيانات). وكان سفير الإمارات في إسرائيل، محمد محمود آل خاجة، قد وصف إنشاء شركة "بريسايت" بأنه "تعاون استراتيجي يعزز علاقات إسرائيل والإمارات".
وفي بيانها الذي نشرته على صفحتها في "فيسبوك"، أشارت شركة "رفائيل" إلى أنه من خلال تأسيس "بريسايت" مع "G42" الإماراتية، سيتم "دمج المعرفة والموارد البشرية والتكنولوجيا الخاصة بالشركتين لتطوير ونشر أفضل الحلول في المنطقة والعالم".
موظفون في إسرائيل يعملون في "بريسايت"
وتضم شركة "بريسايت" موظفين تخرجوا من جامعات إسرائيلية أو يعيشون في إسرائيل، ولا يزال بعضهم يعمل حتى الآن في الشركة، فيما عمل آخرون فيها خلال السنوات الماضية، بحسب ما أظهرته حسابات لهم على موقع "لينكد إن" الخاص بالتوظيف.
أحد الحسابات التي رصدناها يعود لشخص يعمل "مديراً للحلول الرقمية" في شركة "بريسايت"، ويشير إلى أنه يعمل حتى الآن في الشركة، وأنه عمل خلال 20 عاماً في قطاعات مختلفة، من بينها "الاستخبارات العسكرية".
طلب "عربي بوست" تعليقاً من شركة "بريسايت" على توظيفها إسرائيليين، من بينهم موظف أشار إلى عمله السابق في مجال الاستخبارات العسكرية، ولم يتلق رداً من الشركة حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
لم تُجب الشركة أيضاً على سؤالين وجههما إليها "عربي بوست": الأول حول تفاصيل سياسة الخصوصية التي ستتبعها لضمان سلامة وأمن المعلومات الطبية للأردنيين خلال تنفيذها مشروع رقمنة القطاع الصحي في المملكة، والثاني حول تعليقها على المخاوف الأردنية من وجود علاقة واسعة لمجموعة "G42" مع جهات إسرائيلية.
مجموعة G42 الإماراتية "بوابة الشركات الإسرائيلية للشرق الأوسط"
تُعد مجموعة "G42" الإماراتية، التي تتبع لها شركة "بريسايت"، إحدى أبرز الجهات الإماراتية التي تمتلك علاقات واسعة مع جهات إسرائيلية، وكانت G42 أول شركة إماراتية تفتح فرعاً لها في إسرائيل، وذلك في سبتمبر 2020، أي بعد فترة وجيزة من توقيع أبوظبي وتل أبيب اتفاقاً لتطبيع العلاقات بينهما في أغسطس 2020.
تأسست مجموعة G42 في عام 2018، ويرأسها مستشار الأمن الوطني في الإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وتعمل الشركة مع الحكومة المحلية وعملاء من القطاع الخاص، وهي من بين الشركات الإماراتية التي يستثمر فيها صندوق الثروة السيادي الإماراتي عبر شركة "مبادلة".
وتقول المجموعة الإماراتية على موقعها الإلكتروني إن المكتب الذي افتتحته في إسرائيل سيكون "بوابة الشركات الإسرائيلية التي تسعى إلى توسيع عملياتها في الإمارات والشرق الأوسط"، وأفصحت أن فرعها في إسرائيل سيضم خبراء من الإمارات وإسرائيل معاً.
علاقات مجموعة G42 مع جهات إسرائيلية
دخلت المجموعة الإماراتية التي تتبع لها شركة "بريسايت" في شراكات وعلاقات واسعة مع جهات إسرائيلية، لا سيما في المجال الصحي. ولم تكن جميع علاقات المجموعة مع أطراف إسرائيلية مرتبطة بالتطبيع، إذ إن بعض الاتفاقات جاءت حتى قبل بدء التطبيع رسمياً.
وفيما يلي أبرز علاقات المجموعة الإماراتية التي تتبع لها "بريسايت" مع جهات إسرائيلية:
التعاون مع شركتين إسرائيليتين عسكريتين قبل التطبيع: في يوليو 2020، أي قبل نحو شهر من توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وقعت مجموعة G42 الإماراتية اتفاقيتين مع شركة "رفائيل" الإسرائيلية للصناعات العسكرية، وشركة "صناعات الفضاء الإسرائيلية".
كان التعاون حينها بين المجموعة الإماراتية والشركتين الإسرائيليتين لمواجهة جائحة "فيروس كورونا"، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.
وشركة "رفائيل" الإسرائيلية هي إحدى أكبر شركات صناعة الأسلحة في إسرائيل، وتقوم بتصنيع وتطوير أنظمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في حين أن شركة "صناعات الفضاء الإسرائيلية" تُصنّع طائرات مسيّرة وأنظمة صواريخ، إضافة إلى أقمار صناعية لأغراض تجسسية.
شراكة مع شركة "نانوسنت" الإسرائيلية: في أغسطس 2020، توصلت مجموعة G42 الإماراتية إلى اتفاق شراكة مع شركة "نانوسنت" الإسرائيلية يتعلق بتطوير وتوزيع وتصنيع اختبار لاكتشاف الإصابة بفيروس كورونا.
تعاون مع مركز "شيبا" الطبي الإسرائيلي: كانت المجموعة الإماراتية G42 قد توصلت أيضاً في نوفمبر 2022 إلى اتفاق مع مركز "شيبا" الطبي الذي يُعد أكبر مستشفى في إسرائيل، وتضمن الاتفاق إنجاز مشاريع بحثية مشتركة.
اتفاق مع "مجموعة فيولا" الإسرائيلية: في نوفمبر 2023، أعلنت مجموعة "G42" عن اتفاق مع مجموعة "فيولا" للاستثمار التكنولوجي في إسرائيل، تضمن إنشاء مشروع مشترك مقره في أبوظبي لاستقطاب متخصصين في التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم.
اختبار G42 للقاحات كورونا في الأردن ودول عربية أخرى
وخلال جائحة "كورونا" عام 2020، وبينما كانت مجموعة G42 تبني علاقاتها مع جهات إسرائيلية، كانت المجموعة تجري اختبارات على لقاحات صينية، وتركزت اللقاحات في الإمارات والأردن ومصر والبحرين.
وأشار تقرير سابق لوكالة "أسوشيتد برس" عام 2020 إلى أنه في بداية جائحة كورونا، دخلت "G42" في شراكة مع شركة التكنولوجيا الحيوية الصينية BGI Genomics لتوزيع اختبارات Covid-19، وتبرعت حينها الحكومة الإماراتية بعشرات الآلاف من هذه الاختبارات لولاية نيفادا الأمريكية.
لكن "مسؤولين أمريكيين حذروا مسؤولي نيفادا من توزيع هذه الاختبارات، قائلين إن العملية قد تكون مخططاً سرياً من الحكومة الصينية لجمع معلومات جينية عن الأمريكيين من خلال هذه الاختبارات"، بحسب تقرير الوكالة الأمريكية.
شبهات أمريكية حول G42 و"بريسايت"
كانت كل من مجموعة "G42" الإماراتية وشركة "بريسايت" التابعة لها محط تدقيق من قِبل وكالات الاستخبارات الأمريكية بسبب نشاطهما، وفقاً لوكالات وصحف أمريكية.
فيما يتعلق بشركة "بريسايت" التي ستتولى رقمنة القطاع الصحي في الأردن، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2023، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن وكالات الاستخبارات الأمريكية دققت في شركة "بريسايت" التابعة لمجموعة "G42″، بسبب "بيع الشركة تقنيات مراقبة لقوات الشرطة حول العالم، بما في ذلك برامج مشابهة تقريباً لتلك الشائعة لدى الشرطة الصينية".
وبالنسبة لمجموعة G42، فقد ذكرت الصحيفة أنه عندما زار مستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، البيت الأبيض في يونيو 2023، أثار نظيره الأمريكي، جيك سوليفان، قضية حساسة وهي شركة G42، بسبب علاقاتها مع الصين.
وكان بينج شاو، رئيس مجلس إدارة مجموعة G42 الإماراتية، هو الآخر محط تدقيق من قِبل السلطات الأمريكية. وأظهر تحقيق "نيويورك تايمز" نُشر عام 2019 أن شركة كان يرأسها شاو شاركت في تشغيل تطبيق التواصل الاجتماعي ToTok، الذي أشارت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى "أنه أداة تجسس تستخدمها الحكومة الإماراتية لتتبع تحركات ومحادثات مستخدميه".
وتوصل "تقييم استخباراتي أمريكي عام 2019 إلى أن البيانات التي تم جمعها من التطبيق تُخزن بواسطة شركة إماراتية تُدعى Pax AI، والتي كان شاو يديرها"، وفقاً للصحيفة. وفيما بعد، نفى ممثلون في شركة ToTok أن يكون التطبيق قد تم تصميمه ليكون أداة تجسس، في حين أن متجري "Google Play" و"Apple" حذفا التطبيق من منصتيهما بعد التحقيقات المتعلقة به.
مشروع محلي أردني لرقمنة القطاع الصحي
فيما اتفق الأردن مع شركة "بريسايت" على رقمنة قطاعه الصحي، فإن المملكة لديها مشروع وطني بدأ منذ عام 2009 لرقمنة القطاع الصحي في المملكة، وتديره "شركة الحوسبة الصحية" التي تضم كفاءات أردنية.
وبحسب ما يذكره الموقع الحكومي الأردني "حكومتي بخدمتي"، فإن من الأهداف الرئيسية للمشروع "إنشاء ملف طبي إلكتروني لكل مواطن وتيسير وصول مستخدمي النظام إليه من أي منشأة طبية باستخدام الرقم الوطني".
يعمل مشروع "حكيم" على ربط "قاعدة بيانات دائرة الأحوال المدنية وقاعدة بيانات النظام الصحي، بحيث يحتوي الملف الإلكتروني للمواطن على جميع التقارير الإجرائية والجراحية والأدوية والتاريخ الطبي".
وكان الرئيس التنفيذي لشركة الحوسبة الصحية "حكيم"، عمر عايش، قد قال قبل أسبوعين من الإعلان عن الاتفاق بين شركة "بريسايت" ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة الأردنية: "إن الشركة تسعى لإنهاء حوسبة مستشفيات وزارة الصحة كافة والخدمات الطبية الملكية نهاية العام الحالي، وتسعى أيضاً لحوسبة جميع المنشآت الصحية التابعة للقطاع الصحي العام قبل نهاية 2026".
وأوضح عايش في 26 أغسطس/آب 2024، خلال لقاء تلفزيوني، أن لدى مشروع "حكيم" أيضاً ارتباطاً بالقطاع الصحي الخاص، "من خلال شركة الحوسبة الصحية الدولية"، وأن "هناك سعياً لربط جميع ملفات المرضى في القطاع الخاص مع نظام 'حكيم' مستقبلاً للوصول إلى الملف الطبي الشامل لكل المقيمين في الأردن".
وتتشابه أهداف مشروع "حكيم" مع أهداف برنامج شركة "بريسايت" لرقمنة القطاع الصحي، إذ قالت "بريسايت" في بيانها للإعلان عن الاتفاق إن "مشروع التحول الرقمي سيقوم بإنشاء نظام متكامل لتبادل وتخزين المعلومات الصحية، يربط بين مختلف المراكز الصحية في الأردن عبر منصة رقمية موحدة يمكن الوصول إليها بسهولة".
ردود فعل في الأردن
أثار الإعلان عن الاتفاق على تولي "بريسايت" رقمنة القطاع الصحي في الأردن ردود فعل عدة، من أبرزها توجيه النائب في البرلمان، عبد الرؤوف الربيحات، خطاباً إلى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، زينة طوقان، للاستفسار عن الاتفاق مع "بريسايت".
وقال الربيحات إن شركة "بريسايت" هي ثمرة تعاون بين شركة إماراتية وإسرائيلية، معبراً عن استغرابه من "السماح لهذه الشركة بالوصول إلى بيانات القطاع الصحي الحكومي" الذي وصفه بأنه يمثل "أحد الركائز الحيوية للأردن".
النائب أكد أيضاً أن "مشاركة معلومات حساسة كهذه مع شركة تعمل لدى كيان متورط في انتهاكات وجرائم حرب تشكل تهديداً للأمن الوطني"، بحسب تعبيره.
كذلك علّقت النائبة الأردنية ديمة طهبوب على إعلان الاتفاق مع "بريسايت"، وقالت في حسابها على موقع "X": "أمن المعلومات لا يقل خطورة عن أي شكل من أشكال الأمن والحماية العسكرية، ولا يجب أن يُباشر أو يُسلَّم إلا إلى أبناء البلد وجهات محلية مراقَبة من الحكومة. غير ذلك انكشاف وتسليم رقبة إلى الخصوم. الاتفاقية مع شركة بريسايت المنبثقة من تحالف مع شركة رفائيل الصهيونية مرفوضة ويجب أن تُلغى".
إضافة إلى ذلك، عبّر أطباء في الأردن عن رفضهم مشاركة معلومات مرضاهم مع المشروع الجديد لرقمنة القطاع الصحي، معربين عن مخاوفهم من علاقة الجهة الإماراتية المنفِّذة مع جهة إسرائيلية.