وسط أزقة المدينة العتيقة بالدار البيضاء، اعتصمت أسر بأكملها في خيام بعد أن وجدت نفسها في الشارع بدون مأوى، جراء قيام السلطات المحلية بإخلاء منازلهم قسراً، وهدم بيوتهم التي قالت إنها "آيلة للسقوط"، بعد إعلامهم بأسبوع واحد فقط.
وحسب ما رصدت "عربي بوست"، فإن أغلب المحتجين استغربوا إخراجهم بهذه الطريقة، وفي هذا التوقيت (بعد انتهاء العطلة الصيفية وتسجيل أبنائهم في المدارس)، مما يعرض أبناءهم للهدر المدرسي، ويهدد استقرارهم في العمل.
ومن أجل التخفيف من وطأة الترحيل طالب المحتجون بتعويض عيني (سكن مقابل سكن)، رافضين فكرة التعويض الذي لا يتجاوز 100 ألف درهم (10 آلاف دولار)، والذي حسب تعبيرهم "لا يشتري حتى سيارة جيدة بالأحرى سكن لائق".
وإذا كان البعض يحتج على قيمة التعويض، فإن البعض الآخر، يشكو غياب أسمائهم في سجلات الإحصاء، والتي بموجبها يمكنهم الاستفادة من السكن، بالرغم من كونهم ولدوا وترعرعوا إلى أن أصبحوا آباء في مساكنهم التي أخرجوا منها.
وحسب المصادر نفسها فإن هؤلاء لم يتمكنوا كذلك من الاستفادة من الدعم الذي تقدمه الدولة للذين هدمت مساكنهم، حيث خصصت لهم شيكات بمبلغ 9000 درهم (900 دولار)، قصد الكراء، وهو المبلغ الذي أثار بدوره غضب المحتجين لهزالته، خاصة أن سومة الكراء في مدينة الدار البيضاء مرتفعة جداً.
أوقفت السلطات المحلية في مدينة الدار البيضاء، مؤقتاً عمليات هدم المباني الآيلة للسقوط، بناءً على قرار والي جهة الدار البيضاء سطات.
ورغم التوقف المؤقت لعمليات الهدم، إلا أن ساكنة المحج الملكي والمدينة العتيقة ما زالت تصر على إلغاء هذه القرارات بشكل نهائي، وتوفير بدائل سكنية مناسبة لها.
مشروع منذ 35 سنة
في وقفاتهم المرتجلة، طالب المحتجون بمحاسبة المسؤولين عن ترحيلهم، منذ بداية مسلسل الترحيل سنة 1989، حين جرى الإعلان عن مشروع المحج الملكي بالمدينة القديمة، والذين تسببوا حسب تعبيرهم في تأخير المشروع، بسبب الخروقات وتزوير شواهد السكنى لاستفادة البعض وإقصاء البعض الآخر.
من المحتجين الذين تحدث إليهم "عربي بوست"، أوضحوا أن الأمر لا يتعلق بمنازل آيلة للسقوط فقط، فهناك من المساكن والمحلات ما جاء في موقع مشروع المحج الملكي الذي أطلقه الملك الراحل الحسن الثاني قبل 35 سنة.
مؤكدين أن عقاراتهم جزء من معالم الدار البيضاء، تجاوز تاريخ تشييدها المئة سنة، كما أنهم يتوفرون على جميع الوثائق القانونية التي تثبت امتلاكهم لهذه العقارات سواء السكنية أو التجارية.
كما اعتبروا أن ما تقوم به السلطات هو "نزع للملكية"، لِتقدّم مقابلها مبالغ "هزيلة"، حيث يعوض المتر الواحد في أغلى الجماعات الترابية، بمبلغ 1500 درهم للمتر المربع، علماً أن المبلغ المتداول اليوم يقدر ب 15 ألف درهم المتر الواحد.
وحسب مصدر من مجلس المدينة تحدث لـ"عربي بوست" فإن هذا الأخير توصل بشكايات من العديد من ملاك العقارات بالمدينة القديمة والمحج الملكي، الذين تجاوزت عند بعضهم مساحة 1000 متر، لكن إلى الآن لم يستطعوا الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.
أحياء ستمحى من الدار البيضاء
في خريطة الدار البيضاء المستقبلية كما يُظهرها المسؤولون، المتواجدة قرب مسجد الحسن الثاني، تختفي العديد من الأحياء، لتأتي مكانها شوارع وحدائق، ومنتزهات وفضاءات رياضية وترفيهية.
وعلى طول الشريط الساحلي في مدينة الدار البيضاء من مدينة زناتة إلى حي العنق، اختفت الشاليهات الشاطئية وبعض الأحياء بحي عين السبع، ومنطقة الصخور السوداء، مروراً بدرب المعيزي ودرب الصوفي وسط المدينة العتيقة.
فيما ما يزال سكان أحياء أخرى وسط المدينة العتيقة يَنتظرون دورهم، مثل بوسبير، ودرب سنيغال، ودرب التازي، بالإضافة إلى حي القوات المساعدة في العنق، الحي الذي يُعتبر بمثابة استوديو مفتوح، صُورت فيه أهم الأعمال الدرامية المغربية، هم اليوم يعيشون في قلق دائم حول مصيرهم ومصير أبنائهم المتمدرسين.
بالإضافة إلى المنازل التي تنتظر الخبرة الهندسية، لمعرفة مدى صلابتها، وإلا فإنها ستدخل في خانة البيوت "الآيلة للسقوط"، والتي لحد الآن حصرتها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة في 4000 بناية بجهة الدار البيضاء سطات.
⭕ تواصل عملية هدم المباني بالمدينة القديمة ل #الدارالبيضاء التي تدخل ضمن مخطط إنجاز مشروع المحج الملكي. pic.twitter.com/RfKy0X1hj8
— Morocco of tomorrow (@Moroccoftomorow) September 28, 2024
من المركز إلى الضاحية
حسب مصادر من مجلس مدينة الدار البيضاء فإن المسؤولين عن المدينة اعتزموا نقل سكان هذه الأحياء إلى ضواحي العاصمة الاقتصادية، بكل من حد السوالم وعين حرودة والدروة ومديونة.
وذلك بعد اجتماعهم بوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ووزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري كمساهمين في المشروع.
وأضاف المصدر نفسه أنّه استفادت حوالي 1300 أسرة من السكن منذ سنة 2019، توزعت بين حي الرحمة ومدينة الشلالات، في حين لا تزال 1500 أسرة لم تستفد بعد، علماً أن جماعة أنفا لا تملك سوى 130 شقة.
ومن أجل استدراك الأمر خصصت الجماعة ميزانية قدرت بحوالي 18.6 مليار درهم، كما حددت لائحة أسماء لعشر شركات عقارية، ستقوم بتنزيل مشروع تشييد أكثر من 60 ألف شقة سكنية لهؤلاء السكان، بناءً على دفاتر التحملات الموضوعة من لدن السلطات المختصة.
وسيساهم مجلس جهة الدار البيضاء- سطات بمبلغ 500 مليون درهم، وستساهم مديرية أملاك الدولة بمبلغ 700 مليون درهم، ووزارة الاقتصاد والمالية بما يناهز 400 مليون درهم، فيما ستساهم وزارة إعداد التراب الوطني بمبلغ 248 مليون درهم، إلى جانب مساهمة المستثمرين المستفيدين بمبلغ حُدد في 620 مليون درهم.
وحسب المصادر عينها، فإن الشريط الساحلي من زناتة إلى دار بوعزة، سيتحول إلى فضاء مصنف للسكن الراقي، بالإضافة إلى كونه سيصبح شريطاً اقتصادياً للمال والأعمال.