الهند وباكستان.. نهاية الجولة أم بداية الانفجار؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/28 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/28 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
الهند وباكستان.. نهاية الجولة أم بداية الانفجار؟ (عربي بوست)

انتهت جولة التصعيد الأخيرة بين الهند وباكستان دون منتصر واضح، لكنها أعادت تشكيل خطوط الاشتباك بطريقة تزيد من احتمالات اندلاع مواجهة جديدة في أي لحظة. التصعيد، الذي يُعد الأخطر منذ حرب كارجيل عام 1999، كشف عن تغيرات لافتة في ميزان القوى التقليدي بين البلدين، وأظهر قدرة باكستان على فرض حالة من الندية العسكرية أمام خصم أكبر حجماً وتسليحاً.

كما برزت أبعاد دولية مؤثرة، خاصة في الموقف الأميركي الذي سعى إلى احتواء الأزمة دون المساس بمصالحه الاستراتيجية في جنوب آسيا. ومع استمرار هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار، وتفاقم الخلافات حول قضايا مثل معاهدة مياه نهر السند والتوازن التقني بين أنظمة التسليح، تبقى المنطقة على حافة احتمالات مفتوحة، قد تبدأ من حيث توقفت هذه الجولة.

في هذا السياق، تطرق مقال تحليلي في موقع "أسباب" للدراسات الجيوسياسية إلى تفاصيل المواجهة، مسلطاً الضوء على أبعادها العسكرية والدبلوماسية والتقنية، ومدى تأثيرها على مستقبل وقف إطلاق النار الهش، وعلى معادلة الردع في جنوب آسيا.

اتفاق الهند وباكستان يجمد القتال لكنّ التناقضات الجيوسياسية مستمرة

في العاشر من مايو/أيار، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، عقب موجة تصعيد عسكري حاد بين البلدين بدأت في 7 مايو/أيار، حين شنّ الجيش الهندي ضربات على مواقع قال إنها تابعة لجماعات مسلحة داخل باكستان وفي المناطق الخاضعة لإدارتها من كشمير، وذلك ردًا على هجوم مسلح وقع في 22 أبريل/نيسان في كشمير الواقعة تحت الإدارة الهندية، حمّلت نيودلهي مسؤوليته لإسلام آباد. خلال التصعيد، تبادل الطرفان إطلاق الصواريخ وشنّ هجمات بالطائرات المسيّرة استهدفت منشآت عسكرية ومواقع دينية، وشملت الضربات الباكستانية موقعًا لتخزين الصواريخ ومطارًا في ولاية البنجاب، إلى جانب قاعدتي "باثان كوت" و"أدهم باور" الجويتين. ووصل التصعيد ذروته باستهداف الهند لقاعدة "نور خان" الجوية قرب مقر قيادة القوات النووية الباكستانية، إضافة إلى قصف 11 قاعدة تابعة لسلاح الجو الباكستاني. وتؤكد الهند أنها قتلت أكثر من 100 مسلح خلال العمليات الأخيرة، بينما تقول باكستان إنها استهدفت 26 موقعًا عسكريًا هنديًا، وأطلقت عشرات الطائرات المسيّرة باتجاه مدن كبرى، بينها العاصمة نيودلهي.

الهند وباكستان
أشخاص يتجمعون حول أجزاء من طائرة رافال هندية في وويان بالقرب من مدينة سريناغار، المدينة الرئيسية في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، في 7 مايو 2025 – Getty

جولة التصعيد بين الهند وباكستان تنتهي دون منتصر 

أسفر التصعيد عن دفع النزاع المستمر بين البلدين منذ نحو ثمانية عقود إلى خطوط اشتباك متقدمة، ما يضاعف من مخاطر انهيار وقف إطلاق النار الهش وعودة القتال بوتيرة قد تبدأ من حيث توقفت هذه الجولة. ويُعد هذا التصعيد الأخطر بين البلدين منذ حرب كارجيل عام 1999 والتي استمرت شهرين كاملين وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار ظل صامدا حتى عودة الاشتباكات بوتيرة محدودة في عام 2016، بعد هجوم على قاعدة للجيش الهندي في كشمير، شنت نيودلهي في إثره ضربات محدودة استهدفت معسكرات للمسلحين عبر خط المراقبة. وفي عام 2019، ردا على تفجير بولواما، نفذت الهند غارة جوية محدودة على معسكر للمسلحين في بالاكوت داخل باكستان. 

لم تسفر جولة التصعيد القصيرة عن انتصار كامل وواضح لأحد الطرفين، لكن ثمة ميزات استراتيجية يمكن رصدها لصالح باكستان في حساب نتائج الجولة، مما جعلها تبدو أكثر ترحيبا بوقف إطلاق النار. فمع الأخذ في الاعتبار الفوارق بين القدرات العسكرية الهندية والباكستانية ونتائج الحروب السابقة بين البلدين التي كانت تميل للهند بشكل واضح، استطاعت باكستان هذه المرة إظهار تنامي قدراتها العسكرية التقليدية بشكل فعال، وإنهاء الجولة في حالة ندية مع الهند. ومع ذلك؛ فلدى الطرفين ما يقدمانه محليا في إطار سردية للانتصار: تقول الهند إنها طورت قواعد الاشتباك ورسخت صورة استعدادها للرد العنيف على أية هجمات قادمة، بينما تقول باكستان إنها رممت ميزان الردع مع الهند وأثبتت أن قدراتها لا يستهان بها.

لم يكن التدخل من قبل الرئيس الأميركي في إعلان وقف إطلاق النار محل ترحيب هندي، خاصة مع تصريحات نائبه الذي قال إن الهند وباكستان اتفقتا على مناقشة قضايا أخرى. إذ تتمسك الهند برفض الوساطات في قضية كشمير وتعتبرها شأنا داخليا يمكنها حسمه، كما ترفض مناقشته بشكل عام حتى مع باكستان. ولذا؛ بادرت وزارة الخارجية الهندية بنفي أي دور للولايات المتحدة في وقف إطلاق النار، فضلا عن التوسط في أزمة كشمير، لكن باكستان من جانبها رحبت بذلك واعتبرته انتصارا دبلوماسيا سوف يضع قضية كشمير على ساحة النقاش الدولي. 

يوضح سلوك الولايات المتحدة أولوياتها الجيوسياسية الدولية. فليس من مصلحة واشنطن تفجر حرب واسعة بين الهند وباكستان تستنزف الأولى التي تعول عليها واشنطن في جهود احتواء الصين وتوفير قاعدة إنتاج بديلة لسلاسل التوريد العالمية. كما أن التداعيات الاقتصادية المحتملة لحرب واسعة بين قوتين نوويتين لا تخدم أجندة ترامب التجارية. وأخيرا، تظل واشنطن حريصة على موازنة علاقاتها في المنطقة وتجنب دفع إسلام آباد إلى خيار وحيد هو الاعتماد الكامل على الصين.

يُرجَّح أن يفاقم تعليق معاهدة مياه نهر السند، الموقعة عام 1960 من مخاطر تجدُّد الصراع؛ إذ يمكن لأية منشآت هندية تحد من تدفّق المياه إلى المصبّ أن تعرقل الإمدادات الحيوية لباكستان، مما يهدد زراعتها وأمنها الغذائي، وهو ما تشير إليه خطط محتملة للهند لزيادة استغلال مياه الأنهار المخصَّصة لباكستان بموجب المعاهدة. ولم يتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار أيَّ إشارة إلى إعادة تفعيل المعاهدة التي جمّدتها نيودلهي في 23 أبريل/ نيسان، وهو ما أطاح بإحدى أُخريات قنوات التعاون بين نيودلهي وإسلام آباد. 

وفي السياق العملياتي؛ بدا أن ثمة تفوقا نوعيا للأسلحة الصينية على نظيرتها الغربية. فقد اعتمدت الهند على مقاتلات فرنسية الصنع من طراز "رافال"، بينما نشرت باكستان طائرات "J-10CE" و"جيه-17″ التي تشترك في تصنيعها مع الصين، ونظام الدفاع الجوي الصيني "إتش كيو-9". وأعلنت إسلام آباد إسقاط 6 طائرات هندية، بينها واحدة على الأقل من طراز "رافال"، يُرجَّح أنها أُصيبت بصواريخ جو-جو أطلقتها طائرات "J-10CE" الأرخص سعرا بفارق كبير، بالإضافة إلى طائرة ميراج 2000.

الهند وباكستان
يقف أفراد من القوات الجوية الهندية أمام طائرة مقاتلة من طراز رافال خلال معرض للطيران العسكري في قاعدة يلاهانكا الجوية في بنغالورو في 13 فبراير 2025 – Getty

وسوف تركز تحقيقات الخبراء الفرنسيين والهنود على تحديد ما إذا كانت الأنظمة الإلكترونية الصينية في "J-10CE"، قد تغلبت على قدرات التعرف والتشويش التي يوفرها نظام SPECTRA الفرنسي في طائرات الرافال، وهو ما سيمثل طعنا في كفاءة النظام الذي يمثل ركيزة الحرب الإلكترونية الفرنسية. كما تبرز مخاوف من احتمال حصول باكستان على معلومات عن قدرات رافال الإلكترونية من خلال تدريبات مشتركة مع تركيا وقطر.

ولكن هذه النتائج تظل غير حاسمة وتحتاج لاختبارها على نطاق أوسع؛ فمن المحتمل أن سهولة استهداف المقاتلات الهندية كانت بسبب أخطاء تشغيلية وتكتيكية، وليس تفوقا تقنيا، مثل التغاضي عن تحييد الدفاعات الجوية الباكستانية قبل توجيه الضربات الأرضية خلافا لما تقتضيه العقائد القتالية الأساسية لسلاح الجو، مما جعل مقاتلات الهند هدفا في متناول الدفاعات الجوية الباكستانية المتأهبة وللمقاتلات التي كانت منتشرة في الجو بالفعل انتظارا للضربة المتوقعة.

مع استمرار التناقضات الجيوسياسية بين البلدين، وبقاء الصراع معلقا، يظل اتفاق وقف إطلاق النار هشا وعرضة للانهيار في المدى القريب أو المتوسط. كما أن مبالغة باكستان في الترويج للانتصار سوف تضغط على الشعور القومي والاستراتيجي الهندي لإعادة تصحيح نتائج الجولة. ولذا أكد الرئيس الهندي أن الاتفاق مجرد "توقف" للعمليات العسكرية بعد وصول الرسالة لباكستان، كما أفادت تقارير بأن الطبقة العسكرية العليا في البلاد ليست مرتاحة لنتائج الجولة ولوقف إطلاق النار الذي جرى بشكل مفاجئ، فضلا عن إعلانه أولا من جانب ترامب.

تحميل المزيد