مطلع الشهر الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية إلغاء مناورة "الشريك النبيل" التي كان من المقرر إجراؤها في جورجيا أواخر يوليو/ تموز، وذلك ضمن مراجعة شاملة للعلاقات الثنائية بين الجانبين.
الإجراء جاء ردًا على اتهامات وجهتها الحكومة الجورجية لواشنطن وعواصم غربية تشمل تحريضها على فتح جبهة ضد روسيا لتخفيف الضغط على أوكرانيا، والضلوع في محاولتين انقلابيتين ضد الحزب الحاكم في جورجيا، فضلاً عن سن الحكومة الجورجية، بقيادة حزب "الحلم"، لقانون "النفوذ الأجنبي" الذي تقول واشنطن وحكومات غربية إنه يخنق حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير.
على إثر هذا القرار أطلق وزير الخارجية الأمريكي مراجعة شاملة للعلاقات، وأعلن تقييد التأشيرات للمسؤولين في جورجيا وأفراد أسرهم.
جاءت الخطوات الأمريكية ضمن إجراءات غربية منسقة للضغط على جورجيا، حيث جمدت الدنمارك مساعدات عسكرية تبلغ 10 مليون دولار، وجمد الاتحاد الأوروبي 30 مليون يورو مخصصة لدعم الجيش الجورجي، ثم جاءت الخطوة الأبرز في 9 يوليو/تموز بإعلان تجميد عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد الأوروبي مؤقتًا، بعد أن حصلت جورجيا عام 2022 على وضع "المرشح" لعضوية الاتحاد.
منصة أسباب المعنية بالتحليل الجيوسياسي رصدت في تقرير لها تبعات هذا الإجراء على العلاقة بين البلدين وعلى مستقبل المنطقة في ظل الصراع المحتدم بين روسيا والغرب على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا.
الضغوط الغربية على جورجيا قد تدفعها أكثر باتجاه موسكو
وبحسب أسباب تشير هذه الإجراءات إلى جدية واشنطن في كبح ميل الحكومة الجورجية نحو موسكو، عبر إجراءات تؤثر سلبيًا على القدرات العسكرية الجورجية التي تعتمد على المساعدات الأمريكية والغربية، كما ستؤثر على شراكة جورجيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. لكنّها قد تهدد بدفع الحزب الحاكم في جورجيا بعيدًا باتجاه موسكو، مما سيعيد تشكيل توازن القوى في جنوب القوقاز.
تعود جذور التوتر بين "حزب الحلم" الجورجي الحاكم وواشنطن إلى عام 2012، حين تمكن الحزب الذي أسسه الملياردير "بيدزينا إيفانيشفيلي" من تكوين جبهة موسعة هزمت "الحركة الوطنية المتحدة" الحاكمة آنذاك بقيادة الرئيس "ميخائيل ساكاشفيلي" المقرب من الغرب.
ومؤخرا، أعلن "إيفانيشفيلي" دعم تعيين "إراكلي كوباخيدزه" رئيسًا للوزراء، وهو معروف بقربه من موسكو، وتبنيه لقيم الأسرة في مواجهة التوجهات الليبرالية بدعم الشواذ، كما اتهم واشنطن بدعم محاولتين للإطاحة بالحكومة بواسطة منظمات مجتمع مدني بهدف فتح جبهة ثانية ضد روسيا تخفف الضغط عن أوكرانيا.
تواكبت تلك الخطوات مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الجورجي بنسبة قياسية بلغت 10.1% في عام 2022 على خلفية توافد رجال الأعمال الروس نحو جورجيا هربًا من العقوبات، مما وفر لجورجيا بدائل للاستثمارات الغربية.
وفي ظل خشية حزب "الحلم" من عزم واشنطن على إزاحته من السلطة في الانتخابات المقرر إجراؤها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، فقد تبنى سن قانون "النفوذ الأجنبي" والذي يستهدف الحد من تأثير المنظمات غير الحكومية الممولة من الغرب.
تعتبر الحكومة الجورجية أن الهدف الرئيسي من تأجيل التدريب العسكري هو الضغط عليها قبل الانتخابات، لكنها تراهن على تزايد احتمالات عودة ترامب للبيت الأبيض، وإعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، نظرًا لعدم اهتمامه بملف منظمات المجتمع المدني، ولمواقفه الأقل حدة تجاه موسكو.
ويبدو أن الحكومة لم تتوقع أن تتسع ردود الفعل الغربية لتشمل التعاون العسكري، نظرًا لمساهمة جورجيا بقوات سابقًا مع حلف الناتو في حرب أفغانستان، وبقوات مع بعثة الاتحاد الأوروبي في أفريقيا الوسطى، وتوفيرها مرتكزًا للنفوذ الغربي في جنوب القوقاز.