يثير إعلان مالي وبوركينا فاسو والنيجر الانسحاب من تكتل "إيكواس" تساؤلات بشأن تطور الأوضاع في منطقة غرب أفريقيا، فما تداعيات التفكك المحتمل للتحالف الإقليمي؟
منصة "أسباب" المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي رصدت تداعيات هذا التطور في منطقة شهدت انقلابات عسكرية متعددة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من "إيكواس"
يوم 28 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في بيان مشترك، قرارها بالانسحاب الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
كانت الدول الثلاث قد انتقدت إيكواس لفرضها عقوبات وصفتها تلك الدول بأنها "غير شرعية، وغير إنسانية، وغير مسؤولة"، عقب الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلدان الثلاثة، واتهمت الدول إيكواس بالتأثر بـ"قوى أجنبية".
لكن على الرغم من ذلك الإعلان، أعربت "إيكواس" عن التزامها بحل الجمود السياسي من خلال التفاوض، وأشارت إلى أنها لم تتلق إخطاراً مباشراً من الدول الثلاث بنيتها الانسحاب من الكتلة الإقليمية.
ينص بروتوكول "إيكواس" على أن عملية الانسحاب تستغرق عاماً على الأقل قبل اكتمالها. و"إيكواس" عبارة عن تكتل مكون من 15 عضواً يسهل حركة الأشخاص والبضائع ورأس المال ويقدم سوقاً مشتركاً، مع مشاركة ثماني دول أيضاً في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) الذي يشترك في عملة موحدة.
ما تداعيات هذا الانسحاب؟
انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من "إيكواس" سيؤدي إلى تحررها من الالتزام بالمعايير التي حددتها الكتلة للانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني، وهو ما يعزز على الأرجح بقاء القادة العسكريين الحاليين في السلطة. وقد تستجيب "إيكواس" بفرض عقوبات تجارية إضافية وإغلاق الحدود أمام هذه الدول، لأن هذا الانسحاب قد يشجع أيضاً على محاولات انقلابية أخرى، في ظل غياب العواقب الكفيلة بردع السيطرة على السلطة بشكل غير قانوني.
يمثل قرار الانسحاب تطوراً يزيد حدة الانقسامات السياسية في المنطقة، وذلك على خلفية موجة الانقلابات العسكرية التي شهدتها الفترة ما بين عامي 2020 و2023، والتي أسفرت عن تعليق المساعدات أو فرض عقوبات من قبل "إيكواس" والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى.
في المقابل، برزت روسيا كالمستفيد الأبرز من هذه التطورات، خاصةً من خلال أنشطة مجموعة فاغنر، التي أعيد تسميتها مؤخراً إلى "فيلق أفريقيا". ويُتوقع أن تغتنم روسيا هذا الانقسام المتزايد لتعزيز دعمها الأمني وأشكال الدعم الأخرى، بما في ذلك الاقتصادي، لهذه الدول المنسحبة من "إيكواس". كما تُظهر المؤشرات أن تشاد وغينيا قد تتجهان نحو تعزيز علاقاتهما بروسيا، ما ينذر بتغير محتمل في الحلفاء الإقليميين والحسابات الجيوسياسية.
من جانب آخر، يلاحظ أن صعود قادة الانقلاب في هذه المنطقة يؤدي بصورة مستمرة إلى تفكك الهيكل الأمني والاقتصادي السائد سابقا في غرب أفريقيا. يتضح ذلك من خلال الانسحاب من "إيكواس"، عقب انسحابهم من مجموعة دول الساحل الخمس المدعومة من فرنسا، وطرد القوات الفرنسية، وانتهاء مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (MINUSMA)، وتعزيز وجود المرتزقة الروس والعلاقات مع روسيا عموماً.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تعقيد الجهود الإقليمية المشتركة لمكافحة حركات التمرد غرب أفريقيا، نتيجة انفصال الدول الثلاث عن الترتيبات الأمنية السابقة وتوقع أن تزيد الحكومات العسكرية الثلاث من تنسيق سياساتها الأمنية الإقليمية في العام 2024، في ظل تحالفها الدفاعي الناشئ، واتباع سياسات تصعيدية ضد المجموعات المسلحة في بوركينا فاسو ومالي.
كما من المتوقع أن تؤدي استجابة الحكومات للعنف المتزايد من المتمردين والجماعات المسلحة بمزيد من القوة العسكرية إلى رفع مخاطر انتقال الاضطرابات إلى دول مجاورة مثل بنين، وساحل العاج، وتوغو، وبدرجة أقل، غانا.
تراجع نفوذ فرنسا
في ظل ما يبدو أنه توجه استراتيجي لدى القادة العسكريين في الدول الثلاث للتخلص من النفوذ الفرنسي، فلن يكون من المستبعد أن تتخلى مستقبلاً عن الارتباطات الاقتصادية الإقليمية الراهنة. ورغم بعض التلميحات، لم تُعلن الدول المنسحبة عن أي خطط للانسحاب من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، حيث تتشارك الدول الأعضاء في استخدام فرنك غرب أفريقيا، العملة المربوطة باليورو والمضمونة من قبل فرنسا.
وعلى الرغم من الانقلابات الأخيرة، استمرت بوركينا فاسو في الوصول إلى سوق فرنك غرب أفريقيا، في حين عانت مالي والنيجر من التخلف عن سداد ديونهما المحلية في 2021 و2023 على التوالي بعد استبعادهما من الوصول إلى السوق المالي الإقليمي.
في الوقت الراهن؛ يبدو أن تعميق الاندماج بين أعضاء "إيكواس" المتبقين أمر غير محتمل. ويواجه مستقبل التعاون السياسي والاقتصادي داخل "إيكواس" تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت الدول المتبقية ستعمق تعاونها أو تستمر في مسارها الحالي التصعيدي.
كما قد تتخذ الكتلة نهجاً ترقبياً في انتظار أن تغير الدول المنسحبة سياساتها. وقد تكون الاستراتيجية الفورية للكتلة هي الحفاظ على مسارها الحالي، على أمل أن تعيد الدول الثلاث تقييم موقف عضويتها، ربما بعد انتقالات حكومية لاحقة في الدول الثلاث.
وبينما تواجه الدول المنسحبة تحديات اقتصادية جمة، وهي أقل تنافسية مقارنةً بجيرانها الساحليين، فمن المرجح أن يفاقم الانسحاب هذه التحديات. كما يثير خروج هذه الدول تساؤلات حول وضع مواطنيها المقيمين في دول إيكواس الأخرى، الذين كانوا يستفيدون من تسهيلات مثل السفر بدون تأشيرة وحقوق العمل.
كما تعتمد النيجر، مثلاَ، بشكل كبير على التجارة مع جارتها نيجيريا، الشريك الذي يمثل 80٪ من حجم تجارتها، وتستضيف ساحل العاج أكثر من 5 ملايين من مواطني الدول الثلاث. ومن المحتمل أن تفكر الدول الأعضاء المتبقية في المجموعة بفرض ضرائب استيراد وتطبيق متطلبات تأشيرة على مواطني الدول التي انسحبت. ومع ذلك، قد لا تنفذ هذه الإجراءات بشكل عملي؛ كما يدل على ذلك استمرار إمداد النيجر بالكهرباء رغم عقوبات "إيكواس".
من غير المتوقع أن يكون لانسحاب هذه الدول الثلاث تأثير كبير على قوة "إيكواس" في الأجل القريب، خاصة أن تأثيرها على الاقتصادات الكبرى مثل نيجيريا وغانا وساحل العاج سيكون طفيفاً نظراً لمساهمتها الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي للكتلة. وحتى حين الأخذ في الاعتبار خسارة "إيكواس" لسوق شرائي في الدول الثلاث يبلغ مجموعه حوالي 70 مليون نسمة، فإن قوة هذه السوق الشرائية تعتبر من الأدنى في الكتلة بأكملها.
يُعد تحويل مسار تجارة بوركينا فاسو، مالي، والنيجر نحو غينيا التي تقع على الساحل والتي توقفت عضويتها في إيكواس منذ 2021 بعد الانقلاب العسكري، خياراً مطروحاً.
لكن، ستواجه هذه الدول تبعات كبيرة نتيجة فقدانها للوصول إلى سوق إيكواس الموحد الكبير وحرية الحركة التي تتيحها العضوية فيه. كذلك تعتبر مالي من بين الدول الأكثر تأثراً بهذا الوضع، حيث استوردت 34.9٪ من بضائعها من دول إيكواس عام 2022. وعليه، ارتفعت توقعات التضخم السنوية لمالي لعام 2024 إلى 5.5٪، بزيادة عن التوقعات الأولية التي كانت تشير إلى 1.5٪ فقط.