أعلنت كل من الولايات المتحدة والعراق، الخميس 25 يناير/كانون الثاني 2024، بدء محادثات بشأن إنهاء مهمة التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن في العراق وتُمثل القوات الأمريكية 80% منه.
يأتي الإعلان عقب تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حول إنهاء وجود القوات الأمريكية في العراق، على وقع هجمات جوية تشنّها الولايات المتحدة على الأراضي العراقية، ضد فصائل عراقية مسلحة مدعومة من إيران، تتهمها واشنطن بالمسؤولية عن عشرات الهجمات مؤخراً ضد القوات الأمريكية في العراق منذ اندلاع حرب غزة.
وبصورة خاصة، تجدَّدت تلك الدعوات عقب استهداف القوات الأمريكية، في 4 يناير/كانون الثاني، مقر اللواء 12 التابع لقوات الحشد الشعبي العراقية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة، بينهم قائد اللواء طالب الصعيدي.
انسحاب القوات الأمريكية من العراق ليس قريباً لكنّ هذه القوات ستظل تحت الضغط
يقول موقع أسباب، المتخصص بالتحليل الجيوسياسي والاستراتيجي، من غير المتوقع أن تسفر المحادثات عن انسحاب أمريكي مفاجئ من العراق، لاسيما في ظل تمسك الحكومة العراقية بالتواجد الأمريكي، وهو ما كشفت عنه برقية مسربة يؤكد فيها رئيس الوزراء العراقي رغبة حكومته في بقاء القوات الأمريكية في العراق.
بينما من المرجح أن تفضي المباحثات للاتفاق على جدول زمني لإنهاء وجود التحالف الدولي، والانتقال لحالة تعاون ثنائي بين الولايات المتحدة والعراق، وفق اتفاقيات أخرى، تؤدي إلى تعزيز الشراكة الدفاعية بين الجانبين ومواصلة استفادة الجيش العراقي من الدعم الأمريكي في بناء القدرات، لكن مع خفض عدد القوات الأمريكية وتقييد صلاحياتها وأنشطتها بما يقتصر على برامج التدريب والاستشارات.
وتشير هذه التطورات إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة على مجمل حالة الإقليم، والتحديات التي تفرضها على النفوذ الأمريكي، في ظل تنامي الغضب الشعبي، وأحياناً الرسمي، إزاء الموقف الأمريكي الذي أعطى الأولوية لدعم حكومة الاحتلال حتى على حساب مصالح حلفاء الولايات المتحدة في بعض الأحيان؛ لذلك فإن استمرار الحرب في غزة، أو اندلاع أخرى في لبنان، قد ينتج عنه المزيد من الضغوط على الوجود الأمريكي في العراق، وبالتالي تسريع الجدول الزمني بخلاف المتوقع حالياً.
العراق يقف في المنتصف بين إيران وأمريكا
يقول موقع "أسباب"، خلال السنوات الماضية، حكم العراق توازن دقيق بين النفوذ الأمريكي والإيراني، ولم تشهد العلاقات مع واشنطن في عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تغييراً جوهرياً عن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، رغم أن حكومة السوداني، التي تشكلت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، تتألف من أحزاب الإطار التنسيقي الموالية لإيران.
وعلى غرار سلفه الكاظمي، واصل السوداني إعادة دمج العراق في محيطه العربي، وعمل بشكل وثيق مع الجهات الدولية، خاصةً واشنطن، وحرص على سياسة التوازن بين علاقات العراق مع كل من واشنطن وطهران، وتحمل الضغوط التي مورست عليه من قاعدته الشيعية، والتي تطالب بإنهاء التواجد الأمريكي منذ اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في بغداد أوائل 2020.
علاوة على ذلك؛ تراجعت التوترات بين الولايات المتحدة والجماعات المسلحة في العراق منذ تولي السوداني رئاسة الوزراء، حيث تمتع العراق بأكثر فتراته استقراراً منذ عام 2003. ويعود هذا الانخفاض جزئياً إلى اصطفاف غالبية هذه الجماعات المسلحة مع تحالف الإطار التنسيقي الحاكم، ما يستلزم تهدئة مع أمريكا لإنجاح عمل الحكومة.
بالإضافة لذلك واكبت تلك الفترة تهدئة إيرانية أمريكية وتفاهمات بين الجانبين، تضمنت ضغوطاً إيرانية على المجموعات العراقية الموالية لها، بهدف وقف أي هجمات ضد الوجود الأمريكي، وهي التفاهمات التي بلغت ذروتها باتفاق تحويل الأموال الإيرانية المجمدة إلى قطر قبل أيام من اندلاع حرب غزة.
التوافق الإيراني الأمريكي لم يستمر طويلاً
لكن مع بدء الحرب على غزة، اتخذت العلاقات الأمريكية العراقية منعطفاً متوتراً، حيث شنَّت مجموعات عراقية مسلحة مدعومة من إيران، مثل حزب الله العراقي، هجماتٍ على القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وسوريا، تجاوزت 170 هجوماً باستخدام الصواريخ قصيرة المدى والطائرات بدون طيار.
وإلى جانب دعم القضية الفلسطينية، استهدفت تلك الهجمات الاستفادة من تصاعد مشاعر الغضب تجاه الولايات المتحدة، على خلفية دعمها لإسرائيل، كي تعزز الضغوط على الوجود الأمريكي، ودفع واشنطن للمغادرة أو تقليص وجودها، وذلك تماشياً مع الاستراتيجية الإيرانية طويلة المدى، الساعية إلى إبعاد الوجود العسكري الأمريكي عن المنطقة.
ما أعداد القوات الأمريكية في العراق؟
يوجد في العراق نحو 2500 جندي أمريكي لأداء مهام استشارية وتدريبية لصالح حكومتي بغداد وإقليم كردستان، ويمثل الوجود العسكري في العراق أولوية لدى واشنطن؛ حيث يعد نقطة الارتكاز لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وساحة للتعاون الأمريكي الكردي.
إضافة إلى ذلك؛ فإن هذا الوجود يخدم جهود واشنطن الواسعة لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني في العراق، والمنطقة. وتتخوف واشنطن من أن يتسبب انسحابها من العراق، وسط النزاعات والتنافس المتواصل بين المجموعات العراقية، في توفير بيئة تتيح بعث تنظيم داعش مجدداً. كما تدرك واشنطن أن انسحابها سيعني تحول العراق نحو مزيد من التعرض للنفوذ الإيراني.
يواجه "السوداني" مأزقاً صعباً في الوقت الراهن؛ إذ يجب عليه الإبقاء على توازن علاقة حكومته مع كل من الولايات المتحدة وإيران، مع احتواء ضغوط الفصائل المسلحة. بينما تقف الولايات المتحدة أمام حسابات معقدة؛ إذ إن التصعيد العسكري الأمريكي ضد الفصائل العراقية رداً على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة أمريكية بالأردن يسرّع وتيرة تحويل العـراق إلى بيئة معادية للوجود الأمريكي، كما يزيد الضغوط على حكومة "السوداني" لإنهاء الوجود الأمريكي، وقد يهدد الاستقرار السياسي ومن ثم تتجدد حالة التأزم بين المكونات السياسية المختلفة والذي عانت منه البلاد في السنوات الأخيرة.
ومن المرجح أن تثير المساعي الداعية إلى إنهاء الوجود العسكري الأمريكي مزيداً من الانقسامات بين بغداد وأربيل؛ حيث يعارض الأكراد انسحاب القوات الأمريكية من العراق؛ في ظل مخاوفهم الأمنية من تنامي نفوذ "الحشد الشعبي" وقدرته على شن هجمات على مناطق الإقليم، فضلاً عن التهديدات الإيرانية بشن عمليات ضد المجموعات الكردية الإيرانية المعارضة داخل إقليم شمال العراق، والتي تعتقد طهران أنها تعمل بالتنسيق مع "الموساد" الإسرائيلي.