مرَّ 86 يوماً منذ أن اندلعت الحرب في قطاع غزة.. وعلى الرغم من طول المدة، فلا تزال إسرائيل في حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية والنفسية، فضلاً عما يتعرّض له الإسرائيليون من اضطرابات شخصية وعائلية واقتصادية، وهذا كله من المتوقع أن يؤدي بدوره إلى اضطرابات اقتصادية أكبر، لأن الدولة مضطرة بلا شك إلى تعويض المتضررين، الذين أثقلتهم أعباء الحرب، كما تقول صحيفة Maariv الإسرائيلية، التي تقول إن إسرائيل اليوم لم تأخذ العبرة بعد من هجوم 7 أكتوبر، على الرغم من مرور 3 أشهر على الحرب.
"لم نأخذ أي عبرة من الجحيم الذي تعرّضنا له في 7 أكتوبر"
تقول "معاريف"، لقد تقوَّضت في 86 يوماً جميع معتقدات الإسرائيليين عن إحساسهم بالأمن، وصار الإسرائيلي يفتقر إلى أهون الأشياء في الحياة، مثل النوم بأمان تحت سقف بيته، وتلاشت راحة البال لدى اليهودي والإسرائيلي، لأنهما أدركا أنهما يعيشان في عالم مشحون بكراهيتهما.
لقد حمل هذا العام قدراً هائلاً من خيبة الأمل لدى الإسرائيليين. وصحيح أنهم تنبهوا للخطر المحيط بهم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فحشدوا كل الوسائل المتاحة لديهم، وسارعوا إلى معاونة بعضهم بعضاً، وأعدّوا الطعام لجنودهم، وجمعوا التبرعات للعائلات النازحة، ونشروا دعاية الاجتماع والوحدة في كل مكان، وأرسلوا الطرود إلى المحتاجين، وتبادلوا رسائل الدعم عبر الواتساب.
إلا أن هذه المشاعر بين الإسرائيليين لم تلبث إلا قليلاً، ثم بدأت في الزوال. وكان الظن بعد هذه الضربة الرهيبة التي تعرّضت لها إسرائيل، أن يدرك الإسرائيليون أن عليهم "تغيير وجهتهم"، وإلا انحدروا إلى انهيار مديد يتعذر النهوض بعده. لكن ما حدث في الواقع أن الإسرائيليين لم يدركوا ذلك، بل إن الأيام تكشف أنهم ما لبثوا أن عادوا إلى المساوئ التي كانت بهم قبل الحرب، وبدأت الفرقة والتنازع.
وتضيف معاريف أنه كان من المفترض أن تؤدي "الخيبة المؤلمة والمحنة المأساوية" التي تعرض لها الإسرائيليون في 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلى العدول بهم عما كانوا عليه قبل هذا التاريخ، وإلى الاجتماع على الإصلاح، والانصراف عن قيود الأيديولوجيا السياسية التي تسوقهم، والانفضاض عن هوس تأييد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليائس، ثم السعي إلى تغيير الوضع، أو حتى تأييد الساعين إلى التغيير وتشجيعهم من بعيد. لكن كل ذلك لم يحدث.
"إسرائيل تمرّ بأفظع أيامها"
على الرغم من الخلافات التي شهدتها إسرائيل بسبب "التعديلات القضائية" قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد عاد الحديث عن التعديلات المثيرة للجدل هذا الأسبوع. وكان وزير العدل ياريف ليفين -الذي فجَّر الأزمة من قبل- قد أعلن قبل شهر أنه سيعود إلى مسار العمل على إقراره التعديلات.
لقد مرت إسرائيل بأفظع أيامها، ومحنة لم تخطر لأحد فيها على بال، ومع ذلك عاد هؤلاء إلى سيرتهم الأولى كأن شيئاً لم يكن، وتجاهلوا ما تمر به إسرائيل، ورجعوا إلى تأجيج الخلافات التي انطمرت في الوحدة الناشئة عن الحرب، وهذا يدل على أن الإسرائيليين لم يأخذوا العبرة مما حدث لهم من جحيم في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تقول معاريف.
وتضيف الصحيفة أن الانقسام بدأ يعود بين الإسرائيليين، وأخذت مبادرات التعاون بينهم تخفت شيئاً فشيئاً، والأحاديث الكثيرة عن الوحدة والمصير المشترك [بين الإسرائيليين بمختلف توجهاتهم] طوال المدة الماضية طفقت تُفرغ من محتواها، وتتوارى خلف العودة إلى محاولات الفرقة والانقسام. ويعني ذلك كله أن الحرب لم تكن كافية لوأد الانقسام، وأن الإسرائيليين في سبيلهم إلى خيبة أخرى، على ما يبدو.
حكومة الحرب المنقسمة على ذاتها
مساء السبت 30 ديسمبر/كانون الأول 2023، كان مشهد جديد للانقسام الذي يصيب إسرائيل من الساسة حتى المجتمع٬ حيث قالت القناة 13 الإسرائيلية إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير بمجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، رفضا حضور مؤتمر صحفي كان من المقرر أن يعقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء السبت، رغم أنه قد تمت دعوتهما إليها.
وعلمت القناة من مصادرها، أن غالانت وغانتس وصلت إليهما بالفعل دعوة للحضور لكنهما رفضا، معتبرةً أن الرفض سببه "عدم وجود نقاش حول (اليوم التالي لوقف الحرب)، فضلاً عن التخوف من تصريحات نتنياهو السياسية، على غرار المؤتمرات الصحفية الأخيرة".
وقالت إن "الوزيرين غالانت وغانتس رفضا طلب مكتب رئيس الوزراء المشاركة في المؤتمر الصحفي، دون التنسيق بينهما". وأوضحت الصحيفة أنه "من بين أمور أخرى، هناك أزمة بخصوص النقاش حول (الغد) والغضب الكبير لغانتس وغالانت لعدم حدوث ذلك، فضلاً عن الخوف من تصريحات نتنياهو السياسية، على غرار المؤتمرات الصحفية الأخيرة".
تأتي هذه الأنباء، بعد ساعات من تأكيد وسائل إعلام عبرية وأمريكية أنباء عن توتر داخل "مجلس الحرب" يهدد بانهياره. وقال المصدر لصحيفة "المونيتور" الأمريكية، إنّ أكثر ما يخيف نتنياهو في هذه الأيام هو استقالة بيني غانتس وزير الدفاع السابق، وغادي أيزنكوت رئيس الأركان السابق، من مجلس الحرب.
كما أفاد مصدر بالائتلاف الحاكم بأنّ عدم مناقشة نتنياهو خطوات ما بعد الحرب بمجلس الحرب كان نتيجة تهديد من بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية. وتحدثت تقارير عديدة عن خلاف متصاعد بين واشنطن وتل أبيب على خلفية رفض الأخيرة مناقشة اليوم التالي للحرب في غزة.