مستودعات أسلحة أمريكية مخزونة في مواقع سرية في إسرائيل منذ ثمانينات القرن الماضي وتضم "قنابل غبية"، ما قصتها؟ وكيف يستخدمها جيش الاحتلال في تدمير غزة بمباركة إدارة جو بايدن؟
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يرصد تفاصيل مخزون الأسلحة الأمريكي الضخم في إسرائيل، وكيف أماط العدوان على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي اللثام عن تلك الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات ويمتلكها الجيش الأمريكي.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود من جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
ضوء أخضر لإسرائيل لتأخذ ما تشاء من أسلحة أمريكا!
يقول تقرير الغارديان إنه يوجد في إسرائيل مستودعات أسلحة لا تُعرف مواقعها على وجه التحديد، لكنها تخضع لحراسة مشددة، وتحتوي على ذخائر وأسلحة تملكها الحكومة الأمريكية وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
كان وجود هذه المستودعات محاطاً بالسرية منذ زمن طويل، وهي جزء من مخزونات ضخمة للأسلحة لم يكن يُعرف عنها من قبل إلا القليل، لكن الأضواء تسلطت عليها الآن بعد انكشافها في العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة، وفي ظل تصاعُد الضغوط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي فتحت أبواب هذه المستودعات لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
أنشئت هذه المستودعات أول الأمر في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت الغاية منها توفير سبل الإمداد السريع بالأسلحة للولايات المتحدة إذا شاركت في أي صراع في الشرق الأوسط. إلا أن ما حدث بعد ذلك أن إسرائيل بات يُسمح لها باستغلال هذه المخزونات الضخمة من الأسلحة في بعض الأحيان.
ويبدو أن إسرائيل أخذت تسحب كميات كبيرة من هذه المخزونات الأمريكية في حربها الجارية على قطاع غزة، ومع ذلك فلا تزال المعلومات المتاحة قليلة والشفافية ضعيفة فيما يتعلق بعمليات السحب من هذه الترسانة العسكرية.
ففي مقابلات مع صحيفة The Guardian البريطانية، قال مسؤولون أمريكيون سابقون من المطلعين على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، إن توافر هذه المستودعات في إسرائيل يتيح لجيش الاحتلال أخذ الأسلحة منها بكميات كبيرة، ونقلها بسرعة إلى قواته، فضلاً عن أن هذا التوافر يمكن الاعتماد عليه في حجب تحركات الأسلحة الأمريكية عن الرقابة العامة والكونغرس.
قال مسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون): "من الناحية الرسمية، فإن هذه معدات أمريكية، ومخصصة للاستخدام الأمريكي، ولكن من ناحية أخرى، من يستطيع الزعم أننا لن نعطيهم [الإسرائيليين] مفاتيح هذه المستودعات في حالات الطوارئ؟".
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قصفت إسرائيل القطاع بعشرات الآلاف من القنابل، وأخذت تطالب الولايات المتحدة صراحة بأن تزودها بكميات أكبر من الأسلحة والذخائر.
وتزايدت المخاوف من آثار القصف الإسرائيلي العشوائي، لا سيما وقد أعلنت السلطات الصحية في غزة أن الغارات الإسرائيلية نتج عنها استشهاد أكثر من 21 ألف شخص حتى الآن، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، ومن ثم باتت الولايات المتحدة معرضة للمساءلة بشأن كميات القنابل التي أمدَّت بها إسرائيل، وأنواع هذه القنابل، ومقدار الأسلحة التي حصلت عليها إسرائيل من المستودعات الأمريكية السرية لديها.
أثار نواب في الكونغرس الأمريكي مخاوف بشأن طلبات البيت الأبيض الرامية إلى تخفيف القيود المفروضة على أنواع الأسلحة المخزنة في هذه المستودعات، وتجاوز حدود الإنفاق على تجديدها، وتقليص القيود المفروضة على البنتاغون في تزويد جهات أخرى بالذخائر والأسلحة من هذه الترسانة.
قال جوش بول، المسؤول الذي استقال حديثاً من وزارة الخارجية الأمريكية احتجاجاً على استمرار واشنطن في إرسال أسلحة فتاكة إلى إسرائيل في الحرب على غزة، إن التغييرات التي طالبت بها إدارة بايدن بشأن القيود المفروضة على التعامل مع هذا المخزون، جاءت في سياق مساعي الإدارة للبحث عن وسائل أخرى لتزويد إسرائيل بالسلاح.
وفي معرض وصفه للمداولات الداخلية الأمريكية بشأن هذا الموضوع في أكتوبر/تشرين الأول، قال بول: "كان هناك ضغط من البيت الأبيض للتحري عن جميع السبل [القانونية] الممكنة، والسلطات المخولة التي يمكن الاستناد إليها لتزويد إسرائيل بالأسلحة في أسرع وقت ممكن".
قنابل "غبية" أمريكية تدمر قطاع غزة
لم تكشف السلطات الأمريكية من قبل عن المحتويات الكاملة لهذه المستودعات، والمعروفة باسم "مخزون احتياطي الحرب للحلفاء- إسرائيل"، وإن كان مسؤولون سابقون قالوا إن البنتاغون يزود الكونغرس بتقرير سنوي عن الذخائر والأسلحة المودعة هناك.
ربما يقع هذا التقرير تحت تصنيف السرية، إلا أن قائداً عسكرياً أمريكياً سابقاً أدلى في مقال صحفي نُشر هذا العام بمعلومات غير معهودة في صراحتها عن محتوى هذه المستودعات، وقال: "المخزون الحالي ممتلئ بما يسمى الذخائر الغبية [التي لا تحتوي على أنظمة توجيه متطورة]"، ومنها "آلاف من (القنابل الحديدية) غير الموجهة التي تُسقطها الطائرات، ويُترك توجيهها [العشوائي] للجاذبية".
في عام 2020، تحدث "المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي"، وهو مركز بحثي موالٍ لإسرائيل، عن هذا الفيض من الذخائر الغبية المودعة لدى إسرائيل، وقال إنه قد "عفا عليها الزمن"؛ لأن معظمها من القنابل غير الموجهة، والذخائر الدقيقة التوجيه فيها قليلة.
ومع ذلك، استخدمت إسرائيل في قصفها على قطاع غزة هذه الذخائر غير الموجهة بكميات كبيرة، وقال خبراء الأسلحة إن ذلك يقوض مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن قواته تسعى إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. ولم تنكر إسرائيل استخدامها للذخائر غير الموجهة، بل كررت قواتها الجوية نشر صور هجماتها بالقنابل الغبية، مثل قنابل "إم 117″، على وسائل التواصل الاجتماعي.
لا يُعرف عدد المرات التي استخدمت فيها إسرائيل قنابل "إم 117" غير الموجهة ومواقع استخدامها، إلا أن تقديرات الاستخبارات الأمريكية التي نشرتها شبكة CNN تشير إلى أن 40% إلى 45% من القنابل التي استخدمتها إسرائيل في قصف غزة، كانت قنابل غير موجهة. ولم يرد البنتاغون على الأسئلة بشأن كمية الذخائر غير الموجهة التي أخذتها إسرائيل من المستودعات الأمريكية لديها.
قال مسؤول أمريكي كبير سابق: "إننا سنقدم لإسرائيل كل ما تحتاج إليه من الذخائر (الجوية الأرضية)"، إلا أن إسرائيل لديها بالفعل إمداداتها التي تنتجها محلياً من الذخائر غير الموجهة، خلافاً للذخائر الموجهة التي تحصل على معظمها من الولايات المتحدة.
قال محللون عسكريون إن المعلومات قليلة عن أنواع الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل من مخزون احتياطي الحرب، وكمياتها، إلا أن موقع Axios الأمريكي كشف في أكتوبر/تشرين الأول أن الولايات المتحدة ستزود إسرائيل بقذائف مدفعية من عيار 155 ميلليمتراً، وهذه الذخائر متوفرة بكميات كبيرة في مستودعات احتياطي الحرب الأمريكية لدى إسرائيل.
قال مارك غارلاسكو، وهو محقق سابق في جرائم الحرب لدى الأمم المتحدة، إن القذائف من عيار 155 ميلليمتراً شديدة الخطورة، فالقذيفة الواحدة تُطلق 2000 شظية قاتلة، و"كلما زادت المسافة التي تقطعها القذيفة، قلَّت دقتها، وهو ما يزيد من احتمال إصابة المدنيين والبنية التحتية المدنية بقذائف خاطئة".
ونشر فريق التخلص من الذخائر المتفجرة التابع لشرطة غزة الشهر الماضي صوراً ظهرت فيها شظايا قذائف من عيار 155 ميلليمتراً. ولا يُعرف إذا كانت الولايات المتحدة أرسلت هذه الذخائر إلى إسرائيل خلال الحرب، أم أن إسرائيل حصلت عليها من مستودعات الولايات المتحدة لديها بعد موافقة الإدارة الأمريكية.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي ولا وزارة الدفاع الإسرائيلية على طلبات صحيفة الغارديان للتعليق.
ما قواعد استخدام الأسلحة الأمريكية لدى إسرائيل؟
قالت سارة هاريسون، المحامية السابقة بوزارة الدفاع الأمريكية، إن إسرائيل تحتفظ بمخزون احتياطي الحرب الأمريكي وتدفع تكاليف تخزينه، إلا أن وصولها إلى هذا المخزون مقيَّد بقواعد معينة.
وأشارت إلى أن "الولايات المتحدة ليس لديها مستودعات أخرى من هذا القبيل إلا في كوريا الجنوبية، والغاية أن تكون الأسلحة متوافرة للنقل بسرعة إذا اقتضت الحاجة ذلك"، "لكن وجود هذه المستودعات في إسرائيل لا يعني أنها يمكنها الحصول على الأسلحة منها متى أرادت، أو بلا قيود"، بل إن هناك قواعد قانونية تحكم عمليات نقل الذخائر والمعدات من هذه المستودعات.
جوش بول، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، قال إنه متخوف من تعجيل عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، لأنها ربما تجاوزت الضوابط التي تفرضها وزارة الخارجية. وقال: "لم تخضع هذه العمليات للمراجعة المرتبطة بقواعد مراعاة حقوق الإنسان، ولا قواعد التوازن الإقليمي، ولا القواعد المعهودة لنقل الأسلحة التقليدية"، "بل كان الأمر على هذا النحو: خذوا ما تريدون، وسنضبط الأمور لاحقاً".
أقرَّ متحدث باسم البنتاغون بأن وزارة الدفاع الأمريكية "استخدمت التمويل العسكري الأجنبي، وسلطتها على المبيعات، لتسريع تسليم المساعدات الأمنية، متى أُتيح لها ذلك". وقال إن الولايات المتحدة "استعانت بسبلٍ ومصادر مختلفة لتقديم المساعدة الأمنية لإسرائيل، ويشمل ذلك المخزونات الموجودة في إسرائيل والولايات المتحدة".
وقال خبراء إن العجلة والغموض اللذين اتسمت بهما عمليات نقل الأسلحة على إسرائيل تزيدان من صعوبة الوقوف على كمية الأسلحة التي أخذتها إسرائيل من مخزون احتياطي الحرب الأمريكي، ومدى التزام الآليات القانونية في هذه الإجراءات، فضلاً عن مدى إدراك الكونغرس لمقدار المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل من هذا المخزون.
علاوة على ذلك، يسعى البيت الأبيض الآن إلى تخفيف القواعد المفروضة على نقل الأسلحة من مخزون احتياطي الحرب، وقال نواب مجلس الشيوخ إن هذه الخطوة تضعف قدرتهم على "تحديد ما إذا كانت المساعدات الأمريكية تستخدم في أضرار غير محسوبة للمدنيين".
وقال بريان فينوكين، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، إن إسرائيل لا تخضع حالياً لكثيرٍ من الشروط الإجرائية التي يُفترض التقيد بها في الشراكة مع وزارة الدفاع الأمريكية، ومن ثم "فإن التحلل من أي قيود أخرى يستدعي القلق، لأنه قد يسهم في مزيد من التأجيج للصراع الدائر في الشرق الأوسط".
وتساءل فينوكين مستنكراً: "هل إرسال هذه الأسلحة أمر منطقي من الناحية الاستراتيجية؟ وهل صب المزيد من البنزين على النار يوافق المصالح الوطنية الأمريكية، أو يحقق السلام والاستقرار في المنطقة؟".